حرب الناقلات: لعبة «الضغوط القصوى» بين أمريكا وإيران
في مشهد غير مسبوق، أبلغت خمس سفن تبحر بالقرب من مضيق هرمز عن فقدان السيطرة والتحكم في ظروف غامضة، إذ أرسلت أجهزة نظام التعرف التلقائي لناقلات النفط «غولدن بريليانت» و«أبيس» و«كوين إيماثا» و«جاغ بوفا» في نفس الوقت إشارة تفيد بأنه لم يعد بالإمكان قيادتها، واتصل طاقم سفينة (Asphalt Princess) التي ترفع علم بنما بخفر السواحل الإماراتي ليبلغوهم بصعود خمسة أو ستة إيرانيين على ظهر السفينة.
كانت هذه الناقلة الأخيرة تبحر في خليج عُمان في طريقها من ميناء خورفكان بالإمارات إلى ميناء كراتشي في باكستان ولم تمر عبر مضيق هرمز، لكن طاقمها أبلغوا عن محاولة اختطاف على أيدي مسلحين يرتدون زي ضباط خفر السواحل الإيراني اقتحموا السفينة على بعد نحو 61 ميلًا بحريًا شرق الفجيرة، لكن الطاقم نجح في تخريب المحركات لمنع الخاطفين من توجيهها إلى الساحل الإيراني فظلت السفينة تتمايل فوق الأمواج ولم تراوح مكانها.
وأعلنت سلطنة عُمان تسيير دوريات بحرية وطلعات جوية لمتابعة الناقلة وإرسال سفن أخرى لتأمين الملاحة المارة بالمنطقة. وبحسب صحيفة «ذي تايمز – The Times» البريطانية، فقد لاذت المجموعة الإيرانية بالفرار فور اقتراب قطع بحرية أمريكية وعمانية.
ووفقاً لموقع «بيزنس إنسايدر – Business Insider»، فقد التقطت طائرات أمريكية صوراً للمسلحين أظهرتهم وهم يحملون ما استطاعوا أخذه من السفينة خلال فرارهم، وانتهت كذلك عملية التشويش على السفن الأخرى.
يمتلك النظام الإيراني تقنيات متقدمة للتشويش على نظام تحديد المواقع العالمي GPS، بدأ استخدامها منذ نحو عامين للإيقاع بالسفن والناقلات عن طريق حرفها إلى المياه الإقليمية الإيرانية ومن ثم احتجازها. لكن وكالة أنباء فارس نقلت عن المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، أبو الفضل شكارجي، تنديده بمزاعم وقوع أي حوادث بحرية في منطقة الخليج معتبراً أنها «نوع من الحرب النفسية» على بلاده.
وجاءت هذه الوقائع بعد 5 أيام من هجوم بطائرة مسيرة استهدف ناقلة النفط اليابانية «ميرسر ستريت» (Mercer Street) التي تشغلها شركة تابعة لرجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر، كانت تبحر في مياه بحر العرب بالقرب من الساحل العماني مما أدى إلى مصرع اثنين من طاقمها أحدهما بريطاني والآخر روماني.
وأعلنت قناة “العالم” الحكومية الإيرانية أن الهجوم «جاء رداً على هجوم شنته إسرائيل الأسبوع الماضي على قاعدة الضبعة العسكرية الجوية في منطقة القصير في حمص» داخل الأراضي السورية، لكن وزارة الخارجية الإيرانية أصدرت نفياً لمسؤوليتها عن الحادث على لسان متحدثها الرسمي، سعيد خطيب زاده، الذي طالب بـ«وقف مثل هذه الاتهامات التي لا أساس لها».
وحمّلت الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا مسؤولية الهجوم لطهران، لكن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت القائم بأعمال السفارة البريطانية للاحتجاج على محاولات الزج باسمها في موضوع الهجوم على الناقلة.
الضغوط الإيرانية القصوى
تتزامن تلك التوترات في مياه منطقة الخليج مع انسداد أفق المباحثات بين طهران والمجموعة 5+1 (تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين) بسبب رفض الإيرانيين إضافة قيود جديدة للاتفاق النووي ومطالبتهم بضمانات لعدم تكرار انسحاب واشنطن من الاتفاق كما حدث في 2018.
وسبق أن تعهدت إيران بتعطيل الملاحة المارة بالمنطقة ومنع تصدير النفط نهائياً رداً على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والتي تعاقب أي دولة تشتري منها النفط، ولم تنفذ تلك التهديدات حتى الآن لكنها اختطفت عدداً من السفن واتهمت بالعديد من الأعمال الهجومية التي استهدفت الملاحة الدولية منذ تطبيق العقوبات عليها بشكل كامل في مايو/أيار 2019.
تتزايد الأعمال العدائية المنسوبة لإيران كلما تعثرت المفاوضات مع الغرب أو كانت الإدارة الأمريكية في حالة لا تسمح لها بتصعيد الموقف. فمنذ قدوم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، صعدت إيران استهدافها للقواعد الأمريكية في المنطقة لوثوقها بأن واشنطن ليست في وارد إطلاق عملية عسكرية في الشرق الأوسط حتى لو تخطت طهران بعض الخطوط الحمر، وأن الإدارة الحالية متلهفة إلى العودة إلى الاتفاق النووي مرة أخرى وتهدئة الموقف في المنطقة، ولذا لم يكن لها أي رد فعل يذكر على رفع طهران مستوى تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60%، ولا على شروعها في إنتاج معدن اليورانيوم الذي يستخدم في الأغراض العسكرية.
وعلى الرغم من أن إدارة بايدن لم تتخل عن معظم العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب ضمن حملة «الضغوط القصوى»، لكن القبضة الأمريكية ارتخت في تنفيذ هذه العقوبات وتغاضت عن تهريب كميات هائلة من النفط ولم يكن لها أي رد فعل حيالها. وباتت إيران وكأنها تمارس حملة ضغوط قصوى ضد واشنطن بتصعيد الموقف في المنطقة واللعب على مخاوفها من امتلاك القنبلة النووية عبر الاقتراب من الحافة النووية التي باتت على بعد أسابيع منها وفقاً لبعض التقديرات.
عهد من التشدد
ووقعت حوادث السفن، الثلاثاء، بالتزامن مع مراسم تنصيب الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي الذي ينتمي إلى أقصى التيار المحافظ في إيران، وتمت قراءة الرسالة في الخارج على أن عهدًا جديدًا من التشدد بدأ في إيران، وأن الحكومة الجديدة ستكون أكثر صلابة في مواجهة التحديات الخارجية، على العكس من الصورة التي رسمها الرئيس حسن روحاني، المنتهية ولايته في خطابه الأخير قبل يومين فقط، حين أكد أن «إسرائيل» سرقت أرشيف بلاده النووي.
وفي نفس اليوم أيضاً قال النائب الأول لروحاني إسحاق جهانجيري إن «إسرائيل» فجرت أو أضرت بـ12 ناقلة نفط إيرانية، مما يدل على مدى الانكشاف الأمني والقصور الاستخباراتي، وهي رسالة تعمدت الحكومة السابقة المحسوبة على الإصلاحيين إرسالها فحواها أن الجناح المتشدد المسيطر على الملفات الأمنية والعسكرية الحساسة هو الذي يتحمل مسؤولية الفشل في إدارة الملفات الخارجية.
ويستهل رئيسي عهده بينما بلاده متورطة في مشكلة جديدة مع عدد من الدول التي تسعى للثأر من إيران، وكأنها لا يكفيها المشاكل المتراكمة بالفعل أمامها، إذ أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي، أن «الرد على إيران بشأن الهجوم على ناقلة النفط سيكون جماعياً»، وكذلك أكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أن طهران «ينبغي أن تتحمل عواقب الهجوم المشين»، بخاصة أن أحد القتيلين خلال هذا الهجوم كان مواطناً بريطانياً، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، إن الرد على طهران سيكون «بطريقتنا الخاصة».
وتبدو طهران أمام سيناريوهات عديدة فسياسة حافة الهاوية التي تتبعها قد تأتي بنتائج خارج إطار التوقعات، كما أنها لا تدري كيف ومتى سيكون الرد الإسرائيلي المنسق مع واشنطن نظراً لتعدد ساحات المواجهة بين الطرفين ما بين سوريا والعراق أو حتى داخل العمق الإيراني كما تكرر كثيراً مؤخراً.