حكايات مومياء الثلوج – الحلقة الأولى
ألا تخشى اللعنة حقًا؟
هذا كلام فارغ يا صاحبي.. أنت تعرف أن هذا الكلام الفارغ يُقال عن كل المومياوات في التاريخ، منذ مومياوات الفراعنة حتى مومياوات الأنكا. التعامل مع الموتى يدعو للتطير في كل مكان وزمان.. إن اللعنات تولد طيلة الوقت . أليس كذلك يا مصطفى؟ كم من كلام قيل عندكم في مصر حول هذا الموضوع!
لا توجد لعنة.
عليك أن تصدق هذا وتتصرف على أساسه..
هذا الرجل جِدّي.. أعرف هذا يقينًا، وأعرف أن دمه هو دمي.. ليس هذا فحسب، بل هناك كثيرون في الإقليم يمكن أن أؤكد لك أنهم يمتون له بصلة قربى. لقد قمت بعمل تحليل DNA مرارًا.. أنا طبيب وأعرف ما أقول، ولا شك أن هناك تطابقًا جينيًا بنسبة 80%.
هذا الرجل جدي.. وهذه المومياء ملكي.. وجدي لن يؤذيني..
***************
كانوا يتكلمون همسًا وهم يمشيون وسط ردهات المتحف الصامت شبه المظلم.. لم يكن هذا أنسب وقت للمناقشة، لكنهم في الواقع كانوا يحاولون تبديد توترهم..
باولو قد عطل الكاميرات وجهاز الإنذار، فهو يعرف ما يفعله جيدًا، بينما مصطفى قد قام بتخدير الحراس.. سوف يكون الأمر سهلًا.
والآن أنا مدين لك ببعض أشياء.. أولًا يجب أن أخبرك أننا في ردهة متحف جنوب التيرول في بولتسانو، بإيطاليا.. الإيطاليون يسمون الإقليم (آلتو أديجي) ويقع في شمال إيطاليا. النمسا قريبة جدًا بالمناسبة. ومن الغريب أن معظم السكان في جنوب التيرول يتكلمون الألمانية، لكن الإيطالية هي لغة بولتسانو..
ثانيًا يجب أن أخبرك أن هؤلاء هم شاب مصري قوي البنية له شعر مجعد طويل يتدلى على كتفيه، ولا يكف لحظة عن إزاحته عن وجهه بيده ذات القفاز. الرجل الثاني له ملامح دقيقة هشة كأنه دمية صغيرة الحجم، ورأسه أصلع وله عينان زرقاوان واسعتان . اسمه د. (باولو).. طبيب إيطالي. الثالث مهندس إلكترونيات إيطالي نحيل جدًا وطويل جدًا، حتى كأنه أول قلم رصاص حي في التاريخ..هذا هو (لورنزو)..
إيطاليان ومصري يزحفون في هذا المتحف في ساعة متأخرة من الليل، أو للدقة الجغرافية نحن في الساعات الأولى من الصباح.
ليست الحراسة بهذا التعقيد، فنحن لا نحرس مجوهرات تاج أو حلي ملكة أو قناع توت عنخ آمون.. نحن نتكلم عن بعض المومياوات الموضوعة وراء حواجز زجاجية، ولا أحد يسرق المومياوات على قدر علمي إلا إذا كان عالم آثار يفهم عمله. نحن نتكلم إذن عن سرقة علمية شديدة التحذلق..
سرقة علمية.. أو سرقة طقسية..
يمكنك أن ترى الواجهة الزجاجية المضاءة بأنوار ساطعة، وهناك مقياس رطوبة ومحرار.. وفي وسط القفص الزجاجي ترقد المومياء. هي مومياء تشبه أي مومياء أخرى.. نفس العيوب والمزايا.. نفس العينين الفارغتين والأنف المتآكل.. لو وضعوا لافتة تقول إنها مومياء بعنخي أو سنوسرت الأول لما بدا الأمر غريبًا، لكننا هنا نرى الاسم بوضوح:
أوتسي… رجل الثلج التيرولي
عالج لورنزو بعض الدوائر الكهربية، وبعد خمس دقائق انفتح الغطاء الزجاجي…
-ـ«سوف يكون الأمر صعبًا.. يجب ألا تتفتت هذه المومياء»
المشكلة أنها لم تكن مومياء. كانت هشة جدًا ونوع التحنيط الوحيد هنا هو الثلج الذي تعرضت له على مدى آلاف السنين. من السهل أن تتحول إلى مسحوق بسهولة.
بسرعة وبدقة، أخرج المصري كيسًا من البلاستيك مما تنقل به الجثث، وقاموا بحذر وبأيدٍ تكسوها القفازات بوضع الجسد المتخشب داخل الكيس، ثم حمله الفتى المصري على كتفه.. لم يكن الأمر صعبًا فالجسد ضامر خفيف الوزن كأنه طفل في السابعة..
-ـ«هيا بنا….»
قالها الدكتور لاهثًا بينما هم يندفعون جريًا نحو باب الخروج. لا بد من كاميرا منسية سوف تلتقط صورة لهم، لا بد من حزمة أشعة تحت الحمراء يقطعونها فتدق جرس إنذار في مكان ما.. إنها مخاطرة كبرى بلا شك.
العامل الوحيد الذي يمنحهم بعض الاطمئنان، هو أن هذا كنز علمي وليس كنزًا ماديًا.. لهذا ستكون سرقته أسهل نوعًا..
في الخارج كانت السيارة (الفان) تقف في الظلام ومحركاتها دائرة بينما الشارع خال تمامًا. خرج لهم (داريو) السائق وفتح لهم الباب الخلفي، وسرعان ما ألقوا بالجثة داخلها. ثم أمره الدكتور اللاهث بأن ينطلقوا..
لا تنسَ أن لورنزو وداريو يحملان نفس الجينات مثل المومياء. أما الفتى المصري فهو يدرس علم ترميم الآثار في إيطاليا منذ خمسة أعوام، ولديه خبرة لا بأس بها بالمومياوات…
بعد رحلة استمرت ساعتين أو أكثر، كانت السيارة قد غادرت بولتسانو ودخلت شاتو شيليار.
هناك عند ذلك الكوخ الجبلي توقفت السيارة وترجل الراكبون، ثم حملوا المومياء إلى داخل الكوخ..
-ـ«لا تضعوه قرب المدفأة حتى لا يتلف»
قالها لورنزو.. هذه المومياء تعتمد بقوة على البرد الذي وجدت فيه منذ القدم، ولا شك أن الجو غير صحي على الإطلاق. هناك قفص زجاجي آخر تم التحكم في درجة حرارته ورطوبته، وضعوا فيه المومياء ثم أغلقوا الغطاء.
كان د. باولو يشعر براحة أكيدة. لقد نجح في أن ينقذ جده.. جده الذي يُعامل كأنه حيوان في حديقة الحيوان، يأتي العالم كله ليراه ويلتقط له الصور. لقد حق لهذا الجد أن ينعم بنوم طويل مريح.. لا ينتهك خلوته أحد..
كان الدفن واردًا بالطبع، لكن من المجنون الذي يحرم البشرية من أثر عظيم كهذا؟ السياسة المثلى هي أن تحتفظ به في ظروف مناسبة لكن امنعهم من إهانته.
تساءل مصطفى وهو ينظر للمومياء الراقدة :
-ـ«ماذا تنتويه بعد ذلك؟»
قال الدكتور الإيطالي وهو يشعل غليونًا لأول مرة منذ أربع ساعات، لذا سحب الدخان في جشع:
-ـ«سوف أدعو بعض الشخصيات المهمة من الذين يحملون نفس الجينات ليزوروا جدهم.. النمساويون يعتقدون أنه أقرب لهم، بينما أنا أعتبره مواطنًا إيطاليًا»
ثم نظر لمصطفى وسط سحابة الدخان الكثيف:
-ـ«هل تقبل من يقول لك إن رمسيس الثاني لم يكن مصريًا على الإطلاق؟»
-ـ«سوف أفجر رأس من يزعم هذا»
-ـ«نحن لن نفعل هذا بالضبط.. سوف نفعله بشكل أكثر رقيًا . لقد أخذنا المومياء لنا.. لن يجدوها أبدًا»
***************
دعنا من هذا السخف إذن..
أنت تعرف كما أعرف أن هذه المومياء ستعود للحياة. من الغباء أن أفترض أنك لم تخمن ذلك. القصة دائمًا هكذا ربما منذ عصر (جوهرة النجوم السبعة) لستوكر.. لا يمكن الكتابة عن مومياء دون أن تعود للحياة. لا بد أن المومياء التي لا تفعل هذا سيئة الأخلاق..
ليس هذا هو المهم.. المهم كيف سيحدث هذا؟ والأهم هو مصير ذلك الشاب المصري.. وماذا عن كلارا الحسناء؟