اللحظة التي تتعجلها كل أم وينتظرها كل أب، لحظة تخلص طفلهم من الحفاضات وكلفتها المرتفعة، والانتهاء أخيرًا من التسلخات والالتهابات والتغيير وحمل مخزون هائل من الحفاضات أثناء الخروج من المنزل، إنه هذا اليوم السعيد الذي يتعلم فيه الطفل التحكم في إخراج فضلاته في النونية أو في الحمام.

كيف يتدرب الطفل على التحكم في إخراجه بسلام؟

رفضت ماريا منتسوري كلمة «التدريب على الإخراج toilet training» واستبدلتها «بتعلم التحكم في الإخراج toilet learning» وذلك لأن عملية التحكم هذه هي عملية فسيولوجية طبيعية تحدث مع تطور ونمو الإنسان، وأن الهدف المراد تحقيقه هو أن يكون الطفل مسؤولًا تمامًا عن كل ما يتعلق بهذه العملية.

إذا كانت هذه عملية طبيعية تمامًا وتحدث لكل طفل في مرحلة ما فلماذا نشعر بصعوبتها عندما نخوض هذه التجربة مع أطفالنا؟ غالبًا ما يبدأ الآباء في تعليم أطفالهم التحكم في الإخراج في المرحلة ما بين عمر عام ونصف إلى 3 سنوات وهذه المرحلة العمرية التي يسميها «إريك إريكسون Eric Erikson» مرحلة الاستقلالية مقابل الإحساس بالخزي Autonomy Vs. Shame في نظريته للتطور والنمو النفسي والإدراكي، في هذه المرحلة يتطور الطفل حركيًا مما يعزز رغبته في الاستقلالية، إذا تم تشجيع ودعم استقلال الطفل في هذه المرحلة يصبح أكثر أمانًا وثقة في ذاته، وإذا حوصر بالانتقادات والسيطرة عليه يشعر بعدم كفاءته ويتسرب إليه الشعور بالعار أو الخزي.

عندما يحين الوقت ويأخذ الطفل خطواته المتعثرة الأولى غالبًا ما يتم استقبال هذا الحدث بالدعم والتشجيع والسعادة والمرح والتحفيز اللازمين له لاكتساب هذه المهارة الجديدة، على عكس خطوة تعلم التحكم في الإخراج التي تستقبل بكثير من التوتر والقلق والترقب من الوالدين فتكون هي أول تحد حقيقي يواجهه الطفل لاختبار استقلاليته وكفاءته، ذلك التوتر وخصوصًا في حال انعكس على الطفل هو ما يصعب هذه العملية الطبيعية.

الإشارة.. متى وكيف نبدأ؟

طبقًا لبحث أجراه بيري برازيلتون Berry Brazelton على 1170 طفلًا وجد أن متوسط العمر الذي يستطيع فيه الأطفال التحكم في إخراجهم هو 28 شهرًا أي ما يقرب من عامين ونصف، وتعتبر الفترة من عام ونصف العام حتى خمسة أعوام فترة مناسبة للبدء مع الطفل عند ظهور علامات فسيولوجية ونفسية محددة تنبئ باستعداده للتجربة وفي حالات استثنائية قد يصل عمر الطفل لسبعة أعوام لتظهر تلك العلامات.

علامات فسيولوجية:

– أن يتكون لدى الطفل قدر كاف من التوافق العصبي العضلي والتحكم في عضلاته مثل المشي بثبات، والجلوس باستقامة.

– أن تبقى حفاضته لساعتين أو أكثر جافة فهذا يعني أن مثانته نضجت بشكل كاف لتعلم التحكم في البول.

– أن يستطيع الطفل الجلوس لدقائق والانشغال في عمل ما.

– أن يكون البراز متماسكًا قليلًا وهناك نمط ما متكرر لعملية الإخراج.

– أن يستطيع الطفل النوم مع البقاء على حفاضته جافة في معظم الأوقات.

علامات نفسية:

– أن يظهر لدى الطفل رغبة ملحة في الاستقلالية والاعتماد على نفسه.

– أن يرغب الطفل في محاكاة تصرفات البالغيم وأن يصبح مثلهم في كل شيء.

– أن يستوعب الطفل وجود مكان محدد لكل شيء في محيطنا.

– أن يبدي الطفل تعبيرًا على وجهه أو إشارة ما عند رغبته في الإخراج.

– ألا يكون خائفًا من النونية أو قاعدة الحمام إذا جلس على إحداهما.

– أن يكون الطفل تخطى مرحلة التعلق بحفاضته، فهناك بعد الأطفال يتمسكون بشدة بها كشيء عزيز عليهم، في هذه الحالة يفضل التأجيل حتى ينشغل الطفل بشيء آخر.

هذه العلامات استرشادية وليست بالضرورة أن تتحقق كلها، ولكن عند تحقق معظمها قد يكون الوقت مناسبًا لبدء التجربة التي ستمر بثلاث مراحل متتالية وهي الإعداد، التعلم، الانعكاس.

1. مرحلة الإعداد

– والإعداد هنا لا يقتصر فقط على الطفل، ولكنه يبدأ من استعداد القائم على رعايته أولًا بالبعد عن التوقعات العالية أو مقارنة الطفل بطفل غيره في عمره عند البدئ أو قدرته على التحكم في نفسه، وأيضًا بإزالة كل ما يمكن أن يستثيره للغضب في محيط الطفل إذا أصابه الاتساخ جراء الأخطاء الوارد حدوثها عند تعلم الطفل كالسجاجيد والمفروشات الثمينة وممكن الاستعانة بمفارش بلاستيكية لحماية الأثاث، بعد استعداد الوالدين ماديًا ومعنويًا نبدأ في إعداد الطفل:

– إعداد الطفل لأي مهارة جديدة يجب أن يسبق بالتأمل والملاحظة لنمط الطفل في التعلم لاختيار الوسائل المناسبة له لدعمه.

– إثارة انتباه الطفل لدخول أفراد الأسرة للحمام ليتساءل عما يفعلونه وهو لا يفعله بعد.

– وجود نونية في محيط الطفل وأمام عينه سيثير فضوله لاستكشافها بل وربما تجربتها.

– القصص والحكايات التي يتخللها حكاية الطفل الصغير الذي كبر وأصبح يرتدي ملابس داخلية مريحة لأنه الآن يستطيع التحكم في عضلاته بعد أن تمرن عشرات المرات حتى نجح، وإذا كان الطفل لديه عروسة محببة إليه فلما لا نسقط عليها الحكاية ونجعلها تجرب كل يوم الإخراج في النونية وإذا أخطأت وسقط منها شيء ما على الأرض فهي تسرع لتنظفه جيدًا وتقول في المرة القادمة سأحاول وضعه في مكانه الصحيح حتى لا تتسخ الأرض.

– في هذه المرحلة من الممكن استخدام الملابس الداخلية المصنوعة من المشمع ويوضع بداخلها قطعة قماشية مما يسمح للطفل باختبار شعور البلل والرغبة في التخلص منه.

– استخدام الكتب التي تحتوي على معلومات تخص الجهاز الهضمي وأين يذهب الطعام بعد أن نأكله ودورته منذ دخوله إلى جوفنا حتى خروجه منا، بل حتى رحلته بعد ذلك في المرور في مواسير الصرف ووصوله لمحطات المعالجة للحفاظ على البيئة، هذا دافع قوي لوضع الفضلات في مكانها المناسب.

2. مرحلة التعلم

– بعد قضاء وقت كاف في مرحلة الإعداد قد يبادر الطفل برغبته في التعلم بنفسه، ولكن إن لم يفعل فيمكن عرض الأمر عليه، إذا أبدى موافقته نبدأ في هذه المرحلة مع بعض الإجراءات:

– إمداد الطفل بوجبات متوازنة وغنية بالألياف لتسهيل عملية الإخراج عليه.

– تخيير الطفل بين استخدام النونية واستخدام مقعد الحمام بعد إضافة قاعدة مخصصة للأطفال ومسند للقدمين، وإن اختار النونية يتفق معه على مكان وضعها وطريقة استخدامها الصحيحة.

– ارتداء ملابس سهلة الخلع ويفضل أن تكون طبقة واحدة، شراء هذه الملابس مع الطفل واختياره لها يشعره بأنه مشارك في قرار خلع الحفاض وليس مجبرًا عليه.

– تشجيع الطفل بعبارات مثل (أنت تكبر) (لقد نجحت هذه المرة) والابتعاد عن الحوافز المادية وما يماثلها من عبارات مدح مبالغ فيها.

– استخدام الصور والوسائل التوضيحية مثل بالون نملؤه بالماء ثم نفرغه لمحاكاة المثانة ولما نحتاج لإفراغها كل فترة عند الشعور بقرب امتلائها.

– تقبل الحوادث وخطأ الطفل المتكرر الذي حتمًا سيحدث في بداية تعلمه والتعامل مع هذه الأخطاء بهدوء، إحضار منشفة لتنظيف الاتساخ ويدخل الطفل ليستحم، دون لوم أو زجر.

– التركيز على الجانب الإيجابي والمحاولات الناجحة، وإن كانت قليلة بدلًا من التركيز على تكرر الخطأ والتسبب في اتساخ المنزل.

– محاولة الطفل اللعب في إخراجه أو البكاء عند صرف فضلاته في الحمام أمور طبيعية وتحدث، التوقع المسبق لما يمكن أن يحدث يخفف من الصدمة وبالتالي يهدئ من رد الفعل.

– إذا أراد الطفل التراجع فلا مانع لفترة من الزمن ثم إعادة الكرة لاحقًا.

3. مرحلة الانعكاس

في بداية تعلم الأطفال للمهارات الجديدة يشعرون بحماس ورغبة ملحة لاكتساب تلك المهارة، ولكن بعد ذلك ينتابهم فتور يقلل من عزيمتهم فيبدو كأنهم قد عادوا للوراء فبعد أن كان الطفل في بداية تعلمه المشي لا يريد أن يحمله أحد أبدًا، أصبح يبكي ليحمل في كل مكان، وبعد أن كان يجذب الطعام ويغلق فمه إن أكلته أمه بيدها أصبح لا يريد أن يأكل إلا إن أكلته هي.

هذا أيضًا قد يحدث أثناء تعلم الطفل التحكم في الإخراج، فبعد أن كان حريصًا أشد الحرص على ألا يخطئ أصبح كأنه لم يتعلم أي شيء على الإطلاق ويفعلها في كل مكان إلا النونية والحمام، بل أحيانًا قد يتعمد الطفل الخطأ لاختبار حدود والديه و مدى تقبلهم له ولأخطائه، في هذا المرحلة مطلوب تقبل الطفل وعدم الغضب عليه أو إعطائه محاضرات في النظافة والكثير من الصبر، وتذكر أن الطفل يخرج من مرحلته هذه إما بالاستقلالية أو بالشعور بالخزي!

إذا كُنت… فلا تفعل

1. إذا كنت بدأت مع طفلك تعلم التحكم في الإخراج لأن الصيف بدأ أو لأنه بلغ عامين أو لأن هناك طفلًا جديدًا سيأتي قريبًا أو لأي سبب آخر لا يتعلق باستعداد الطفل نفسه فتوقف، لا جدوى من كل هذا الجهد دون رغبة حقيقية ذاتية واستعداد فسيولوجي ونفسي من الطفل.

2. إذا كنت تعاقب الطفل وتغضب وتوبخه كلما أخطأ وتسبب في اتساخ شيء ما فتوقف لأن هذا يعني أنك أغفلت مرحلة إعدادك النفسي أولًا.

3. إذا أصيب الطفل بإمساك مستمر لم يكن يعاني منه أثناء ارتداء الحفاضات، هذا يعني أن التجربة تؤثر عليه بشكل سلبي وغير مريح له، تحدث معه وأعطه خيار التراجع لفترة إن أراد.

4. إذا كنت دخلت فورًا في مرحلة التعلم دون إعداد الطفل لفترة كافية، فتمهل قليلًا وخذ خطوة للوراء فهو يحتاج لهذا أولًا ليفهم لما عليه أن يبذل كل هذا الجهد لتعلم هذه المهارة.

5. إذا كان طفلك يذهب إلى حضانة فيجب أن تتحدث مع القائم على رعايته لتوحيد الأسلوب المتبع في تعلم الطفل في الحضانة مثل البيت تمامًا.

6. إذا كان يحدث تسريب لنقاط صغيرة من الماء في الملابس الداخلية لطفلك فأنت بحاجة لزيارة الطبيب المختص للتأكد من عدم وجود مشكلة طبية.

هناك وسائل مختلفة متبعة مع الأطفال في عملية خلع الحفاض، فمنهم من يخلعه للطفل تمامًا مرة واحدة ومنهم من يكتفي بالخلع أثناء النهار فقط أو الليل فقط أولًا، منهم من يذكر الطفل كل مدة زمنية بإفراغ مثانته ومنهم من يترك الطفل لاختبار عاقبة انتظاره لوقت طويل، هذا يرجع لنمط الطفل ومدى تحمل الوالدين لطول الفترة الزمنية، المعيار الذي يقاس عليه فاعلية عملية التعلم هو سواء العلاقة بين الطفل وأهله طوال عملية التعلم وما بعدها دون أن تتوتر هذه العلاقة أو يشعر أحدهم بالضغط.

محاولة التعلم قد تنجح في وقت قصير أو طويل، بسهولة أو بعد تكرار أخطاء كثيرة ولكن هذه مهارة كأي مهارة أخرى تحتاج لوقت مناسب لممارستها حتى الإتقان، هي فقط مسألة وقت، لا يوجد أطفال يسيرون مرتدين حفاضاتهم في الطرقات في عمر العاشرة فلا داعي للتعجل قبل الأوان!