التَشَكُّل الجماعي للمذهب الحنفي
لا نستطيعُ أن نتحدَّث عن وجود جماعي للحنفية في مصر قبل منتصف القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)؛ إذ رُزِق المذهبُ منذ ذلك التاريخ مَنْ توفَّروا على نشره والمنافحة عنه والعمل على ترسيخ جذوره في البيئة المصرية، وعلى رأسهم ثلاثةٌ من الفقهاء المحدِّثين، هم: القاضي بكار بن قتيبة، وأحمد بن أبي عمران، وأبو جعفر الطحاوي.
كيف استقرت المذاهب الأربعة في الفقه السني؟
على هذا النحو ترسخت فكرة "الرباعية المذهبية" واستقرت نهائيًّا، وغدت مرتكزًا ثابتًا لا للفقه السُّني وحده، بل لمجمل الأنشطة الدائرة في فلكه، في ميادين التعليم والقضاء والدعوة الدينية، وكأن اتفاقًا وقع بين المسلمين ــــ مدعومًا بفتاوى دينية ـــــ على وجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم الاشتغال بغيرها، كما يوحي ظاهر كلام المقريزي.
من يكتب التاريخ؟ (4))
وما قرّره الدكتور شاكر يؤكده العلاّمة فؤاد سزكين في مجموعه العظيم "تاريخ التراث الإسلامي" إذ يُؤكد "أنّ دراسات جولدتسيهر في علم الحديث قد تأثّرت أساسًا بأبحاث شبرنجر في هذا المجال، ويرى جولدتسيهر أن شبرنجر قد قضى على المعتقدات الخرافية الزاعمة أن كُتب الحديث قد قامت على مصادر شفوية ... وعلى أساس الم
من يكتبُ التاريخ؟!(3)!
وبعد هذه التوضيحات المهمة التي تُؤَكِّد لنا أن ما فعله أخباريونا ومؤرخونا الأول كان بمثابة المقياس والمثال الذي تمنَّى الغربيون أن يكون في شرائعهم وتراثهم فضلاً عن تاريخهم القديم، ويبقى أن نعود إلى الإجابة على ذلك التساؤل الآنف، وهو: ما المنهج الذي نستطيع من خلاله أن نُنَقِّح تاريخنا، ونطمئن إليه؟
في تاريخ الفقه: النشأة وتشكل المذاهب
الواقع أنه لم يُقَدَّر البقاء لغير أربعة من تلك المذاهب الشخصية، وكان أن صادفت من الذيوع والانتشار ما ارتقت به إلى مصاف المذاهب الكبرى المتبوعة، في حين اندثرت مذاهبُ أخرى، ظلت بين النشأة إلى الاندثار مجرد نسق من الآراء الشخصية لأصحابها، ولئن صادفت مَنْ يعتنقها ويؤمن بها، فإنها لم تظفر بمن يتولى شرحها ويضيف إليها ما يصبح مع التراكم مذهبًا تامًّا، أو ينافح عنها في مواجهة المذاهب الأخرى. أما الأسباب الموضوعية التي تفسِّر بقاء تلك المذاهب واندثار ما سواها، فموضوع المقال التالي بإذن الله.