ظاهرة المخرج السوري: هكذا تطورت الدراما المصرية
في عام 1993 خاض المخرج السوري «نجدت إسماعيل أنزور» تجربة مختلفة، حيث قرر استخدام الأسلوب السينمائي في تصوير مسلسل «نهاية رجل شجاع»، أو مايعرف بأسلوب «الكاميرا الواحدة»، حيث يصور المشهد أكثر من مرة بكاميرا واحدة فقط، وفي كل مرة تصوير يتم تغير وضع الكاميرا لتصوير نفس المشهد من زاوية أخرى، فيصور المشهد الواحد أكثر من اربع أو خمس مرات. كان العرف السائد آنذاك هو التصوير بأسلوب «الثلاث كاميرات»، هذا الأسلوب الذي يعتمد على تصوير المشهد مرة واحدة بثلاث كاميرات متمركزين في زوايا مختلفة. استمر «نجدت» في استخدام هذا الأسلوب الجديد في مسلسلات «الجوارح»، و«الكواسر»، وهو ما مثل نقلة نوعية في الدراما السورية، دفع بها إلي قمة الأعمال الدرامية العربية.
النقلة الثانية حدثت في الدراما السورية عام 2000، بإخراج «حاتم على» لسيناريو الأديب والسيناريست الراحل «ممدوح عدوان»، عن الشخصية التاريخية «الزير سالم»، وهو ما مثل نقلة أخري هامة في المسلسلات التاريخية العربية، حيث بدأت به موجة المسلسلات التاريخية قوية الإنتاج. أصبح مخرجون الدراما السورية هم الأفضل عربياً، فأعتمادهم على التصوير السينمائي بذلك الأسلوب الحديث، ومواقع التصوير الخارجية والابتعاد عن الأستديوهات، جعل المشاهد أكثر واقعية، بالإضافة لوجود عدد كبير من المخرجين الشباب الذين خطفوا الأضواء تدريجيًا، كـ«رشا هشام شربتجي» و«الليث حجو»و«المثني صبح»، والكُتَّاب المميزين كـ«وليد سيف» و«ممدوح عدوان» و«فؤاد حميرة» و«يم مشهدي» و«فادي قشوجي»، جعل الدراما السورية هي الأقوي عربيًا، وفي مشاهد عديدة بدت وكأنها بلامنافس.
المخرجون السوريون في مصر:
المخرجة السورية رشا هشام شربتجي
أول مخرج سوري عمل في مصر هو «هيثم حقي» في مسلسل «أحلام في البوابة» عام 2005، من بطولة «سميرة أحمد» وتأليف الراحل أسامة أنور عكاشة. لم تضف تجربة «حقي» جديدا للدراما المصرية، فقد أخرج بطريقة الثلاث كاميرات المعتادة. ثم أتت التجربة الأولي للكاميرا الواحدة في الدراما المصرية عام 2007، علي يد المخرج حاتم علي في مسلسل «الملك فاروق»، نالت تلك التجربة الجديدة علي الدراما المصرية إعجاب النقاد، فالتصوير السينمائي يسمح بوجود رؤية بصرية وتنوع في الصورة طبقا لنوعية المسلسل وتفضيل المخرج ومدرسته، كما يتيح قدرة أفضل للتحكم في حركة الكاميرا طبقا لحاجة المشهد سواء حركة سريعة أو حركة بسيطة أو وضع ثابت، و في نفس العام قدم المخرج «محمد عزيزية» بنفس الأسلوب مسلسل قضية رأي عام ليسرا. وكانت هذه هي الإنطلاقة.وفي عام 2008 قدمت مسلسلات «في إيد أمينة» لمحمد عزيزية في تعاونه الثاني مع يسرا، و«شرف فتح الباب» للمخرجة رشا هشام شربتجي، و«أسمهان» للمخرج التونسي المحسوب علي الدراما السورية شوقي الماجري، و«جمال عبد الناصر» لباسل الخطيب، و«طيارة ورق» لمحمد زهير قنوع. كل هذه هي المسلسلات تم تصويرها بالكاميرا الواحدة عام 2008، وفي ذلك العام كانت السينما المصرية وفيرة الإنتاج، ولم تمر بخريفها الحالي، فكان أغلب مخرجي السينما لايوجد لديهم الدافع الكافي للتوجه للدراما، وإخراج عشرون ساعة (ثلاثون حلقة) مقابل أجر صغير لايقارن بأجورهم في السينما، لذلك توجه المنتجون للمخرجين السوريين، لشهرتهم بإخراجهم السينمائي الممتاز وقبولهم بأجور منخفضة، فالمخرجة السورية رشا هشام شربتجي، تقاضت 150 الف جنيه عن مسلسل شرف فتح الباب، برغم وجودها علي قمة هرم مخرجي الدراما السورية في ذلك الوقت. هذه الظاهرة الجديدة التي تمثلت في زيادة تواجد المخرجين السوريين واستخدام أسلوب الإخراج السينمائي، أثارت جدلا واسعًا في الأوساط الفنية، شأنها شأن أي تطور مستحدث، بين مؤيد ومعارض حول استخدام الكاميرا الواحدة في التصوير. ففي إحدي التصريحات قالت الفنانة «إلهام شاهين» «تعبت جدا من هذه الطريقة خاصة أننا نصور فى الصيف ودرجة الحرارة مرتفعة جدا خلال شهري يوليو وأغسطس».وأضافت: «علشان ماليش غيرك» هو المسلسل الأول والأخير الذى أوافق على تصويره بكاميرا واحدة ولن أكررها مره ثانية»، ولكن ما لم تعلمه أثناء حوارها هذا أن كل مسلسلاتها التالية سيتم تصويرها بنفس الأسلوب الجديد، وأن التطور في الدراما المصرية لن يكترث برأي إلهام شاهين كثيرًا.و مع الوقت أصبح تواجد المخرجين السوريين في مصر شيئُا أساسيًا، فأسلوبهم الجديد بصورته الجميلة وأسلوبه الجذاب للشباب المعتاد علي الذهاب للسينما كثيراً، وفي نفس الوقت هذا الأسلوب الجديد يوفر للمنتج الكثير من النفقات لأنه يعتمد على عددٍ أقل من المعدات والمصورين.انحسار الظاهرة
