هل تعمدت إيران إهداء منتخب بشار بطاقة التأهل؟
هكذا بدأ العضو الأقدم في الجهاز الفني للمنتخب السوري لكرة القدم حديثه إلى وسائل الإعلام بكل ثقة قبل مباراة فريقه المصيرية ضد المنتخب الإيراني في التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم روسيا 2018. ثقةٌ تميّز بها كل لاعبي المنتخب السوري و جهازهم الفني في تصريحاتهم و ليس مديرها الإداري فحسب.
احتل نسور قاسيون المركز الثالث في المجموعة الأولى من تصفيات آسيا المؤهلة إلى كأس العالم بعدما نجح في التغلب على نظيره القطري بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد في الجولة الفائتة ثم التعادل مع نظيره الإيراني في تلك الجولة بالرغم من إجبارهم على اللعب خارج سوريا طوال التصفيات، وهو ما اعتبره الجميع إنجازا كبيرا للاعبي سوريا في سنواتٍ لم تعرف فيها سوريا للفرحة سبيلًا ولم يذق فيها أبناء الشعب السوري إلا دماء ما يقارب النصف مليون إنسان في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
منتخب بشار أم منتخب سوريا؟
إذا تابعت عزيزي القارئ تعليقات السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية ستلاحظ عزوف نسبة ليست بالقليلة منهم عن الربط بين منتخب سوريا وبشار الأسد، فكلمة «منتخب النظام» أصبحت أقل انتشارًا ونبرة الهجوم على لاعبي المنتخب الذين وافقوا على تمثيل هذا النظام أصبحت أقل حدة، اقتراب وصول سوريا من كأس العالم خلق صراعًا نفسيًا و أخلاقيًا في نفوس اللاعبين و كذلك الجماهير.
أحد أبرز الأمثلة على هذا الصراع الأخلاقي هو اللاعب السوري الدولي فراس الخطيب والذي قضى جلّ مسيرته الاحترافية لاعبًا في الدوري الكويتي، والذي قد أعلن قبل ذلك عن مقاطعته لتمثيل منتخب بلاده لأنها لم تعد بلاده ولأن الخوف صار هو المسيطر على كل شيء في سوريا وأن القتل أصبح قريبا منك في كل مكان ليس على أفعالك العادية فحسب بل على أفكارك أيضًا.
لكن فراس الخطيب فاجأنا منذ ستة أشهر تقريبًا بالعودة مرة أُخرى لتمثيل المنتخب السوري أمام كوريا الجنوبية. تم استقبال الخطيب استقبال الفاتحين في مطار دمشق من قِبل جماهير لا نعلم إن كانت جماهير النظام أم أنها جماهير حقيقية، لكن المهم أن الخطيب قد عاد.
«فارس الخطيب» بعد عودته إلى دمشق.
تصريحات قد تبدو صادمة للوهلة الأولى أجبرت زميله نهاد سعد الدين على وصف الخطيب بأنه قد ألقى بنفسه في مزبلة التاريخ هو وكل شخص يدعم القاتل بشار الأسد على حد وصفه.
المثال الثاني، على الصراع الأخلاقي الدائر في سوريا الآن هو اللاعب فراس العلي الذي استطاع الهروب من أحد معسكرات المنتخب السوري بعدما نما إلى علمه مقتل ابن عمه البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا على يد قوات بشار الأسد. يعيش فراس العلي الآن في أحد مخيمات اللاجئين في تركيا وعند سؤاله عن احتمالية عودته لتمثيل منتخب سوريا مرة أُخرى كان رده جازمًا.
كرة القدم والبقاء في الحكم
يقول الصحفي ستيف فينارو في تقريره على شبكة espn الإخبارية إن بشار الأسد يستخدم كرة القدم والمنتخب الوطني كوسيلة فعالة للبقاء في الحكم باعتبار أن الرياضيين والفنانين هم الفئة الأكثر تأثيرًا في المجتمعات وخاصة المجتمعات العربية، وأن هذا التوجه يأتي بدعم من الفيفا، خاصة بعدما نادى الكثيرون بوقف النشاط الكروي في سوريا وحل اتحاد كرة القدم فيها إلا أن رد الفيفا جاء غريبًا بوصفه لتراجيدية الأحداث في المجتمع السوري وادعائه بأن هذه التراجيدية تجعل الوضع في سوريا أكبر من سلطتها!
الرد وصفه البعض بالغريب وغير المفهوم لأنه صادر من الجهة ذاتها التي أقصت منتخب سوريا من تصفيات كأس العالم 2014 في عام 2011 نتيجة إشراكه للاعب جورج مراد أمام طاجكستان والذي قد مثّل المنتخب السويدي الأوليمبي من قبل، لكن من الواضح أن سلطة الفيفا حينها كانت أكبر من تراجيدية الأحداث في المنطقة!
على الجانب الآخر يقول الصحفي السوري الرياضي أنس عمو إن الحكومة السورية قد ارتكبت جرائم في حق الرياضيين السوريين يجب أن تخجل منها عندما ينادون الآن بدعم المنتخب السوري لكرة القدم، فبين 38 لاعبا تم اعتقالهم وقتلهم من قِبل قوات الأسد و13 لاعبًا اختفوا دون الوصول إلى أماكنهم حتى الآن ضاعت الكثير من معاني وقيم الإنسانية وكرة القدم على حدٍ سواء.
المنافس الإيراني والتاريخ الملوث
كان رد المدير الفني البرتغالي قاطعًا على الاتهامات التي تلاحق المنتخب الإيراني بتفويت المباراة لصالح المنتخب السوري لاعتبارات سياسية خالصة تدعم بقاء نظام بشار الأسد وتضيف إنجازًا لا يقل أهمية عن المعجزات وفقًا لوصف تقرير ال BBC عن الوضع الحالي للكرة السورية، إنجازٌ سيظل مرتبطًا بالأسد لمدة ليست بالقليلة لأنه سيسعى بكل الطرق للتسويق له وجذب قطاع أكبر من الشعب إلى جبهته.
الاتهامات التي طالت المنتخب الإيراني لم تكن وليدة الصدفة إذ إن تاريخ الكرة الإيرانية حافل بالتدخلات السياسية في كرة القدم، فمن منا ينسى تصريحات الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد التي نفت محارق هتلر لليهود قبيل انطلاقة كأس العالم في ألمانيا عام 2006 وأنه واثق في نجاح منتخب بلاده في كأس العالم مثلما نجح علماء إيران النوويون في إبهار العالم. تصريحات جعلت البعض ينادي حينها بمنع نجاد من دخول ألمانيا إذا أراد مؤازرة منتخب بلاده. لاعبو المنتخب الإيراني حينها مثل فريدون زاندي ومهدي مهديفيكيا قالوا إن كرة القدم يجب أن تبقى بعيدة عن السياسة، ولكن تصرفات لاعبي المنتخب أثناء البطولة وتصريحاتهم لم تكن تؤيد هذا التوجه على الإطلاق.
كذلك لاعبو ذوب آهن الإيراني الذي أخرج الهلال السعودي من نصف نهائي دوري أبطال آسيا عام 2010 فقام لاعبوه بتقليد رقصة السيف التي قد رقصها لاعبو السعودية في طهران عام 2009 أمام 100 ألف مشجع إيراني بعدما تغلبوا على منتخب إيران بهدفين مقابل هدف واحد في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2010. كذلك الحماسة المشهوجة بقوة في معظم مباريات المنتخب الإيراني ضد منتخبات الدول المتنازعة معها، تلك الحماسة التي تقول إن الحكومة الإيرانية – كأغلب حكومات العالم- لا تعتبر كرة القدم مجرد لعبة أو رياضة فحسب، بل إنها وسيلة تُستخدم لتعزيز مواقفها الدولية وقد تُستخدم في بعض الأحيان لدعم حلفائها مثلما اتدعى البعض أنه قد يحدث مع منتخب بشار الأسد .. عُذرًا .. مع منتخب سوريا.