عن تأجير الأرحام: العمل والحب في ظل رأس المال
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
ما الذي تبيعه المرأة التي تؤجر رحمها بشكل تجاري؟ أهو الرحم أم الرضيع أم الخدمة؟ هل الفارق مهم؟ هل ينبغي أن «ينتمي» الأطفال إلى والديهم أم إلى المجتمع؟ في كتاب «تأجير كامل للأرحام الآن»، تُعالِج صوفي لويس هذه الأسئلة باعتبارها جزءًا من تأملاتها في موضوعٍ لم يتخذ بشأنه التقدميون موقفًا موحدًا بعد. تنتقد لويس بشدة الممارسات التجارية لتأجير الأرحام لكنها ترفض الدعوة إلى حظر هذه الصناعة. وكما تُحاجِج، فإن الدعوات إلى الحظر تتماشى مع السياسات اليمينية المعادية للإجهاض. عوضًا عن ذلك، ترغب لويس في معاملة تأجير الأرحام كأي قضيةٍ عماليةٍ أخرى وتُدافِع عن حقوقٍ مُحسَّنةٍ للعاملات في تأجير الأرحام. وفي عالمها المثالي ما بعد الرأسمالي، حيث يُربى الأطفال بشكل جماعي، يعني تأجير الأرحام ببساطة العناية بالآخرين.
تُضمّن لويس دفاعها عن تأجير الأرحام داخل نظرةٍ أعمق حول الأسرة. وكما تشعر، فإن إلغاء الأسرة يجب أن يكون واحدًا من أهداف اليسار، وبعيدًا عن صيغةٍ تجعل منه مصدرًا للقمع، يوفر تأجير الأرحام مسارًا لتذويب الأسرة. إن العلاقة التقليدية بين الوالدين والطفل في ظل الرأسمالية تُعدّ توكيدًا على الملكية – على ملكية الوالدين أو أحدهما للأطفال. وكما تعتقد، تتواصل هذه العلاقة بسبب الوظيفة التي تؤديها الأسرة للرأسمالية. فداخل العائلات يُنتَج الجيل القادم من العمال لرأس المال، ويقدّم الوالدون والوالدات، وفي معظم الحالات نتحدث عن النساء، رعايةً تأخذ شكل عمل مجاني لطبقة أصحاب العمل. ما من شيء طبيعي في هذا الأمر، وهو قمعي بشكل أساسي، ليس فقط للنساء، ولكن أيضًا للأطفال.
وكما تقول لويس، فإنه في عالم مثالي، سيقوم برعاية الأطفال العديد من البالغين الذين سيفعلون ذلك اختيارًا وليس لأن الأطفال «ينتمون» إليهم. ومن أجل ضرب نموذجٍ على ذلك، تنظر إلى ممارسة الجماعات المضطهَدة عبر التاريخ. وهكذا، تستشهد بمثال الجماعات المستعبَدة، التي حُرِمت من فرصة «امتلاك» أطفالها، وطورت ممارسات تربية جماعية، حيث تولى العديد من البالغين مسؤولية رعاية الأطفال. تعتبر لويس الصناعة الحالية لتأجير الأرحام بشكل تجاري اضطهاديةً بالمثل. وتتمثل فكرتها في التالي: على وجه التحديد لأن بعض السكان لا يتمتعون بالامتيازات التي تنجم عن بنية الأسرة، فإهم قادرون على تصور تحررٍ من القمع الّضمني لبنية الأسرة. ومن هنا، فإن ما يجب أن تكون عليه الحال هو تعميم تأجير الأرحام، وليس إلغاءه.
فيما طرح كتاب «تأجير كامل للأرحام الآن» أسئلةً أخلاقيةً وسياسيةً مُلحة، فقد فشل إلى حدٍ كبير في حجّته. تُجاوِر لويس بصعوبةٍ الوصفي -وحشية صناعة تأجير الأرحام- والمعياري -مجتمع ما بعد رأس المال، ما بعد الأسرة. وبالرغم من أن العديد من النقاد ركزوا على نقدها للعائلة، فإن ذلك ليس أكثر الجوانب إشكاليةً في هذا العمل. وإنما اعتقادها أن طريق التحرر من البطريركية ورأس المال يمر عبر تسليعٍ إضافيٍ للحياة الاجتماعية. إذا كان «تأجير كامل للأرحام» يمثل مثالها لرعايةٍ غير مُسلعة، فهو ليس مثالًا، حسب اعتقادها، يمكن «تشريعه»، ومن المؤكد أن حظر تأجير الأرحام بشكل تجاري ليس طريقها نحو التحرر. عوضًا عن ذلك، بالنسبة إلى لويس، فإن الاعتمادية على السوق بكل مخاطرها هي السبيل الوحيدة للمضي قدمًا نحو عالمٍ خالٍ من الأسواق. يرقى ذلك، بالتالي، إلى توصيةٍ بالتأجير التجاري للأرحام، ومن ثم تعميق توغل رأس المال في مجالاتٍ محميةٍ منه حتى الآن. وفي هذا، تفشل لويس في إثبات صحة دعواها.
الحمل باعتباره عملًا
تتمثل الفرضية الأساسية لدفاع لويس عن التأجير التجاري للأرحام في أن الحمل يُعد شكلًا من أشكال العمل، شأنه شأن أي عمل آخر. وحقيقة أنه عادةً ما يكون بلا مقابلٍ وقائمًا على علاقة القُربى لا تُغير من حقيقة أنه يظل عملًا. ويحوّل إضفاء الطابع التجاري على الأرحام هذا العمل إلى سلعة. وكما تقول، فإن الرحم يعمل تمامًا مثل «الصناديق الصوتية للعاملين في مراكز الاتصال أو عضلات الرياضيين أو مُقل عيون أولئك الذين يقفون على خطوط تجميع الهواتف الذكية». ولأنه نشاط عمالي -«عملٌ رحمي»، كما تسميه- فإنه يجب الاعتراف به ومكافأته بالتبعية، وليس إلغاءه.
الآن، ما من شكٍ أن هناك الكثير من العمل في الحمل. فهل يستتبع ذلك أننا يمكن أن نعتبره عملًا، شأنه شأن أي شكل آخر من العمل المستغَل في ظل الرأسمالية؟ هل يجب ألا نتردد في تسليعة، ونُحاجِج حول قيمته الاقتصادية، كما نفعل بشأن أجور عاملات الملابس؟ يبدو أن لويس ترى أن الوالدة البديلة تُستغَل بشكل لا يقل عن عاملة الملابس، وبالتالي، يجب أن يتمثل الهدف في إدانة استغلالها وتقليله، وليس حظر العمل نفسه. دعونا، الآن، نضع قضية الاستغلال جانبًا ونوافق ببساطةٍ على أن هناك أسبابًا كثيرة لإدانة الطريقة التي تُعامل بها الوالدات البديلات. لكن، أبعد من ذلك، هل يمكن مقارنة أنواع العمل المختلفة؟
إن عقود تأجير الأرحام بطبيعتها تتوغل بعمقٍ في استقلالية المرأة أكثر من معظم أشكال العمالة المستغلة الأخرى. بدايةً، في معظم العقود، غالبًا ما يُقلّص حق مؤجرة الرحم في إجهاض الجنين؛ بل وأكثر من ذلك، غالبًا ما يُنقل هذا القرار إلى أصحاب العمل، مما يمنحهم سيطرةً جزئيةً على شخصها. صحيحٌ أن مؤجّرات الرحم قد اخترن تولي هذا العمل، تمامًا كما تختار عاملة المصنع أن تكون عاملةً بأجر. لكن في حين أن للعامل الحق على الأقل في ترك الوظيفة، فإنه بمجرد أن يدخل اختيار المؤجِّرة حيز الممارسة، تكون هناك قيود صارمة على خيارات ترْكها للعمل. تسمح العقود بتدخلات واسعة في جسد المرأة وحريتها بما في ذلك حق الطرف الوسيط في علاج المرأة طبيًا بجميع الطرق التي تُعتبر ضرورية. غالبًا ما تُقيد حرية مؤجرات الرحم طوال أشهر الحمل التسعة، حيث تُفرَض القيود على حقوق التنقل والزيارة. وتُضمَن هذه القيود في عقود تأجير الرحم بطريقةٍ لا توجد في العمل المأجور. وفي حين أنه من الممكن بالتأكيد تخيل عقود من شأنها أن تكون أكثر تنبهًا لحقوق مؤجِرات الرحم، فإن طبيعة التبادل ذاتها ستدعو حتمًا إلى فرض قيودٍ على هذه الإجراءات الحمائية. وبما أن العملية مقصودٌ منها أن تُتوَج بإنتاج طفلٍ سليم، فإن العملية الطبيعية لـ «مراقبة الجودة» في عملية الإنتاج لا يمكن إلا أن تضع قيودًا شديدة على حريات مؤجِّرات الرحم، بطريقة لا لزوم لها في أشكال أخرى من العمل السلعي.
لكن هذه ليست المشكلة الرئيسة، فربما يمكننا إيجاد طرقٍ لحماية حقوق المؤجِرة، كما هو الحال مع أي عمل آخر محمي في مجتمع ديمقراطي، وإنما تكمن الخصوصية الحقيقيّة لتأجير الأرحام في العلاقة بين العاملة و«منتَجها». وكما أوضح ماركس، فإن العلاقة النموذجيّة بين العامل ومُنتَجه هي علاقة اغتراب عميقة. ففي ظل الرأسمالية، ليس للعامل علاقة حقيقية بالسلعة التي يعمل عليها، حتى أن السلعة تقف أمامه باعتبارها قوةً خارجية، مصدرًا لقمعه، وليس من غير المعتاد أن يخرب العمال عن وعي إنتاج السلعة، وحتى جودتها. لكن الأمر ليس كذلك مع تأجير الأرحام، فعادةً ما يكون تسليم المنتَج مصدرَ يأسٍ عميق.
كما هو موضح في تقريرٍ لهيئة الإذاعة البريطانية، لا يُسمح في بعض الأحيان لمؤجِرات الرحم بإلقاء نظرةٍ على الأطفال الذين ينتجونهم، مما يؤدي أحيانًا إلى شعورٍ مؤلمٍ بالخسارة والحزن لدى الأمهات البديلات يتواصل لأعوام بعد الحدَث. تسترعي لويس نفسها انتباهنا إلى الدموع الصامتة للأم البديلة في الفيلم الوثائقي «غوغل بيبي» حيث يُؤخذ المولود الجديد بعيدًا حتى عندما تكون الأم البديلة راقدةً مُنهكة القوى بعد الجراحة القيصرية. كما تظهر أم بديلةٌ أخرى في الوثائقي وهي تُفارِق التوأم الّذي أنجبت وأمضت ثلاثة أسابيع في العناية بهما، بما في ذلك إرضاعهما قبل وصول الأبوين، تاركةً المشاهدة تتساءل عن سلامتها العاطفية. لا شك أن تجربة مثل هذه المحنة تُعد أمرًا متفاوتًا، ولكن من المسلّم به أنها مخاطرة أو جانب معبر من العمل الحملي.
هذا هو مفتاح الاختلاف النوعي بين العمل بشكل عام والحمل باعتباره عملًا. لا تذرف عاملة الملابس الدموع الصامتة على خسارة بلوزة أنتجتها من عملها. وتعترف لويس بذلك في موضع واحد، وفقط في هذا الموضع، تتفق مع دعاة إلغاء تأجير الأرحام -حيث «تبيع مؤجِّرات الرحم طفلًا بمعنىً ما… ولا تُدفع لهن أجورهن كاملةً حتى يُتبَادل النّسل الحي بالأيدي». لكنها تختلف عن دعاة الإلغاء في «الوصول من ذلك إلى أنهن يبعن قوة العمل التي تُنتِج طفلًا، العمل الّذي يتلاشى حينها بمجيء ذلك الطفل الذي تدب فيه الحركة وعوده الذي ينمو». عوضًا عن ذلك، ترى لويس أنه عندما «يُسلع العمل الملموس لمؤجِّرات الأرحام، فإنه يأخذ شكل مخلوق»، ويدفع لهن ثمن عملهن الملموس خلال عملية الإنتاج.
إن التعادلية التي ترسمها لويس بين العمل الحملي وأنواع أخرى من العمل تعزز دون قصدٍ فكرةً تعمل ضد النساء. فموقفها القائل بأن مساهمة المرأة الحامل في خلق الطفل تنتهي مع الولادة ولا علاقة لها بـ «الطفل الذي تدب فيه الحركة وعوده الذي ينمو» يقوم على فكرة أن الوالدية تتحدد على أساس المساهمة الجينية -الحيوانات المنوية والبويضات- وحدها. وهذه إلى حدٍّ كبير وجهة النظر نفسها المضمّنة في الممارسة القانونية الحالية. فالمحاكم ترفض الاعتراف بمطالبة مؤجِرات أرحامهن بحقوق الوالدية لأنهن لسن على صلةٍ وراثيةٍ بالطفل.
وكما تشير ديبرا ساتز، فإن «هذا اللا تنبّه إلى المساهمة العمالية الفريدة للمرأة [من جانب المحاكم] يُعد في حد ذاته شكلًا من أشكال المعاملة غير المتساوية. فمن خلال تعريف حقوق النساء ومساهماتهن بالطريقة نفسها التي تُعرّف بها حقوق الرجال، عندما تكون حقوق النساء مختلفة، تفشل المحاكم في الاعتراف بأساسٍ مناسبٍ لحقوق النساء واحتياجاتهن و[بالتّالي] تضع أعباء إضافية على المرأة». بكلمات أخرى، يفصل المفهوم القانوني لتأجير الرحم بين العمل الحملي وتعريف الوالدية وبذلك يعزز المفهوم التقليدي للنساء باعتبارهن حاضِنات.
على نحو غريب، تُسقِط لويس من حساباتها الآثار المترتبة على حقيقة أنه -ويُعد ذلك أساسيًا، أيضًا، في حجتها- بالإضافة إلى البويضات، تُساهم النساء أيضًا بتسعة أشهر من العمل الحملي حتى ولادة الطفل. وهذا يمنح المرأة صِلةً بالمولود تتجاوز مجرد نقل المادة الوراثية. ومن خلال رفضها الاعتراف بخصوصية العمل الحملي للنساء، وبالتالي العنف العاطفي الناجم عن تسليع هذا العمل، تُعزز لويس فقط التفسير الذي تُقره الممارسة القانونية الحالية.
قد تعترض لويس الآن على أن منطقها بخصوص هذا الأمر مختلف إلى حدٍ ما. تقول في عدة مناسبات إن دافعها ينبع، جزئيًا على الأقل، ليس من وجهات نظرٍ حول الحمل في حد ذاته، ولكن من اعتراض على جميع التعريفات الخاصة بالوالدية، خاصة تلك القائمة على الجينات. ولذلك فإنّ السّبب في أنّه لا بأس من أخذ الطفل بعيدًا عن مؤجِّرة الرحم مماثلٌ للسبب في حالة الآباء الوراثيين: يجب ألا يكون للأم البديلة أي حقوق ملكية خاصة على الطفل في كل حال. لكن، مهما كانت مزاياه، فمن المؤكد أن مثالًا أعلى واسعًا للوالدية لا يمكن أن يستند إلى استبعادٍ للمرأة الحامل من مجاله. أن نقول إنه لا ينبغي أن يكون الأطفال ملكيةً حصريةً لوالديهم البيولوجيين، وأنه ينبغي أن تكون هناك وفرة أوسع من العلاقات التي ترتبط بالطفلة وتُثريها خلال نضجها، فذلك شيء. وأن نؤكد أن المجتمع الأوسع له حقوق أولى بشأن الطفل، وأنه سيتم منح الوالدين حق الوصول إلى الطفل كلما طاب ذلك للمجتمع، فذلك شيء آخر تمامًا. لكن هذا ما يعنيه الدفاع عن ممارسة أخذ الطفل بعيدًا عن الأم البديلة.
كملاذٍ أخير للدفاع عن تأجير الأرحام، تشير لويس إلى أنه بالرغم من المخاطر المهنية، «لا تقوم الحاملات بأجرٍ… بالدعوة إلى تدمير الصناعة التي تستغل عملهن». بكلمات أخرى، يبدو أن المؤجرات راضيات بنصيبهن. لكن هذه حجة من الغريب أن تأتي من كاتبة تقدمية. فالحقيقة البسيطة التي مفادها أن بعض العمال يعترضون على إلغاء مهنتهم لا يمكن اعتبارها مبررًا لاستمرار المهنة. فغالبًا ما يحتج العمال على إلغاء صنعتهم، ليس لأنهم يرغبون فعلًا في ذلك العمل، ولكن لأنه ما من بديل أفضل منه أمامهم. إن أخذ احتجاجاتهن على أنها سبب للاستمرار لا يعني احترام رغباتهن- وإنما هو بمثابة استفادة من يأسهن.
ومن الأمثلة الجيدة على هذه الديناميكية الحظر الذي فُرِض على عربات الريكاشة في كولكاتا في أوائل القرن الحادي والعشرين. اعتبر الحزب الشيوعي الذي كان في السلطة آنذاك ممارسة العمال التي تقضي بسحب العربة جسديًا مهنةً مُهينةً واستغلاليةً للغاية. وليس هناك شك في أنها كانت كذلك. ومع ذلك، احتج ساحبو العربات على الحظر وقتها. وجرى تمثيلهم أيضًا بواسطة نقابة. تمثل موقف النقابة من الأمر في دعم الاحتجاجات، لكن لم يحصل ذلك لأنهم أخذوا رد فعل العمال مُبررًا لهذه المهنة. لقد عارضت النقابة الحظر فقط بسبب برنامج الدولة غير الملائم إلى حدٍ كبير لتوفير فرص عمل بديلة للعمال المتأثرين بالتشريع. وأوضح أنور حسين، وهو عضو تنفيذي في اتحاد عموم البنغال لعربات الريكاشة، أنه «إذا تقدمت الحكومة ببرنامج إعادة تأهيل مقبول لجميع الأشخاص المنخرطين في هذه المهنة والبالغ عددهم 23,000، فسوف ندعم إلغاء هذه العربات من كولكاتا». بالنسبة إلى الزعيم العمالي، فإن القضية الحقيقية ليست ما إذا كانت الوظيفة مُهينة بطبيعتها، وإنما حماية العمال.
أن تقدم لويس استعداد مُؤجرات رحمهن القيام بالعمل باعتباره دليلًا بطريقة ما على استصوابِه، فهذا ليس مجرد خطأ، بل يتماشى مع الدفاعات اليمينية الأكثر شيوعًا لبعض أسوأ ممارسات العمل. صحيح، عندما يدعو العمال إلى تقنين عملهم، فإن ذلك يجب أن يؤخذ على محمل الجد. لكن ذلك ليس، ولا يمكن أن يكون، تصريحًا بتمرير كل شيء. من هنا، يجب أن تكون أي محادثة حول حظرٍ ممكنٍ لتأجير الأرحام مرتبطةً بشكل متكامل بشروط التعويض الشامل والتوظيف البديل للعاملات في تأجير أرحامهن. كان ليصبح مفيدًا لو أن بحث لويس استكشف هذه الأبعاد، حتى في الوقت الذي روجَ فيه لما اعتبرته رغبات العاملات في تأجير أرحامهن.
إلغاء الأسرة
مباشرةً بعد أن استندت على آراء مؤجرات أرحامهن للدفاع عن التأجير التجاري للأرحام، تدير لويس وجهها عنهن وتتجاهل وجهات نظرهن في هجومها على الأسرة. وهي لا تقدم أي دليل على رغبة مؤجرات الأرحام في رؤية انهيار بنية الأسرة. في الواقع، بالعكس، تتحدث العاملات بتأجير أرحامهن بشكل طاغٍ عن أدائهن العمل لعائلاتهن، خاصةً أطفالهن، ويتحدثن عن الشوق للعودة إلى بيئتهن العائليّة بعد التقييد القسري الذي تفرضه عقود تأجير الرحم. إن دفاع لويس عن تأجير الأرحام متجذر في نهاية المطاف في اقتناعها بأنه لا يجب أن يكون للآباء البيولوجيين أي حقوق -وكما يفترض المرء، التزامات- خاصة تجاه أطفالهم. فالطريق الحقيقية للتحرر تمر عبر إلغاء الأسرة النووية. وتصف مشروعها بأنه «مُحركٌ بكراهية تحفيز الرأسمالية على الأنماط الاستملاكية والتزاوجية للعائلة». بكلمات أخرى، ما يجعل تأجير الأرحام نموذجًا محتملًا للأشكال التقدمية للتكاثر الاجتماعي هو حقيقة أنه لا يضع قيمة معينة على الروابط البيولوجية بين الوالدين والنسل. وعوضًا عن جدارة تأجير الأرحام بالإلغاء، فإنه مثل للويس نموذجًا لتغيير ممارسة تربية الأطفال.
إن كوميونتها (commune) المثالية ما بعد الرأسمالية وما بعد الأسرية سوف تمارس «تأجيرًا كاملًا للأرحام» بمعنى أن الناس سيكونون مسؤولين بشكل جماعي عن تربية الأطفال وعن رعاية بعضهم البعض. سوف «تؤجر أرحام» الجميع من قِبل الجميع. من الجدير استكشاف هذا بعناية أكبر. هناك سبب وجيه للسعي من أجل نموذجٍ اجتماعي يمكن للناس فيه الاعتماد على ذوي القربى والمعارف والأصدقاء والجيران وأخذ الدعم منهم، حتى يحصل الأطفال على بيئةٍ اجتماعيةٍ غنية، والأهم من ذلك، أن يحصل الآباء على الدعم فيما يتعلق بمسؤولياتهم تجاه أطفالهم. بهذا المعنى، فإن «قريةً» تُعد نموذجًا أفضل بكثير من الأسرة النووية المعزولة. ومع ذلك، في هذا النموذج، يمكننا، وربما يجب، توقع أن يكون خط المسؤولية الأول هو الآباء. سيعرف الطفل إلى من يلجأ، ومن سيكون هناك من أجله، ومن ينام في الغرفة المجاورة أو على الفراش المجاور في الغرفة نفسها، وما إلى ذلك.
لكن ليس هذا ما تفكر فيه لويس. إنها لا تسعى إلى دمج الأسرة في مجموعة من المؤسسات الداعمة، بل تريد إلغاءها تمامًا، وتدافع عن تحولٍ في تربية الأطفال يُستبدل خلاله الآباء بالمجتمع. والأكثر من ذلك، إنه تحول لا يمتلك فيه الطفل بالضرورة روابط ملزمة مع أي شخص معين. وهنا تستشهد موافقةً بنموذج شولاميث فايرستون لتربية الأطفال بشكل مشترك، حيث يسجل العديد من البالغين أنفسهم على أنهم قائمون على رعاية طفلٍ ما، ويكون لديهم خيار عدم المواصلة إذا رغبوا في ذلك؛ وكذلك الطفل. وتؤيد النموذج متوقعةً أنه يعزز «فهمًا بأنه ليست الطبيعة بل الحب، بكل احتمالاته، هو المصدر الحقيقي للاستقرار الذي يحق لجميع الأطفال». ليس من الواضح ما إذا كان للوالدين البيولوجيين أي حقوق خاصة في هذا النموذج. ومن المفترض ألا حقوق خاصة لهم، بما أن الطوعية مفترضة في كافة العلاقات، وتلتزم فايرستون صراحةً بالرغبة في «تدمير هذه الملكية [التي تصدر عن الروابط البيولوجية] إلى جانب تعزيزاتها الثقافية».
أفترض أنه من الممكن أن يكون هذا النموذج أفضل للأطفال. لكن هل هناك أي سبب للاعتقاد بأنه كذلك؟ من المدهش أن لويس لا تقدم أي دليل على أن إبعاد الأطفال عن والديهم، والآباء عن نسلهم، سيكون في الواقع أكثر ملاءمة للتطور العاطفي للأطفال. بالنسبة إلى أي شخص قام بتربية طفل، فإن الدرس الأول، والواضح بشكل مؤلم منذ اليوم الأول من ولادته، هو مدى يأس الأطفال للتواصل؛ ومن الواضح، على الأقل من خلال الخبرة، أن ما يبحثون عنه أكثر من أي شيء آخر في علاقاتهم بمقدمي الرعاية هو الاستقرار، وليس عدم القدرة على التنبؤ. هل هناك أي سبب للاعتقاد بأن ما يحتاجونه حقًا هو أن يكتشفوا، في طفولتهم، حقيقة الحب «بكل احتمالاته»؛ هل هناك أي دليل على أن تجربة دخول وخروج بالغين في حياة طفلٍ عمره عامان أو سبعة أعوام، كما هو الحال في نموذج فايرستون، هي في الواقع تجربة صحية عاطفيًا؟ والأكثر من ذلك، هل هناك أي سبب يدعو للاعتقاد بأن الادعاءات الفخمة لمنح الأطفال «الاستقلال الذاتي» في اختيارهم للبالغين هي مجرد فانتازيا قاسية مفروضة عليهم؟
قد لا يحتاج الأطفال إلى أن يكون الوالدين أو أحدهما أو الشخصيات التي تلعب الدور الوالديّ على صلةٍ بيولوجيةٍ بهم؛ لكنهم يحتاجون ويطالبون بحب غير مشروط منهم. لا أقصد أن أقترح أن البنية العائلية الحالية هي الأنسب أو حتى الأكثر ملاءمة لتلبية الاحتياجات العاطفية للأطفال، لكن يبدو أن الدعوة إلى إلغاء الأسرة لا معنى لها في أحسن الأحوال وربما تؤدي إلى نتائج عكسية. ما يجب مهاجمته هو نظام اقتصادي يقوّض بشكل منهجي إمكانية إقامة علاقات قائمة على الحبّ وذات مغزى تشمل الكبار والأطفال.
بينما من الواضح أن إلغاء الأسرة محفوفٌ بالمشكلات، فإن تزويدها بالموارد اللازمة لإصلاح أمراضها مُحاطٌ بالكثير من التوصيات. إن الإجازات والتعويضات الكاملة عن الحمل ورعاية الأطفال بشكل متعدد السنوات، والرعاية والإجازة عند الإجهاض، ورعاية الأطفال المجانية وعالية الجودة، والرعاية الصحية الشاملة مع أحكام خاصة للأطفال والمسنين، والإسكان منخفض التكلفة، كلها مطالب ضد المنطق الاقتصادي الأكّال للرأسمالية، ولديها القدرة على تحويل الأسرة التقليدية بطرقٍ ذات مغزى. عندما لا نُقيّد ونُعاقَب على رعاية بعضنا البعض، نكتشف طرقًا أكثر حميمية وإبداعية وذات مغزى للتواصل. ومن الممكن بالتأكيد أن تتحلل الأسرة بما هي مؤسسة، ليس من خلال إلغاءٍ معلنٍ من أعلى، ولكن عبر خيارات الأشخاص المحاصرين حاليًا في نظامٍ عقابي للرعاية.
تستند مواقف لويس بشأن تأجير الأرحام والأسرة في النهاية إلى معارضتها لنوع الحتمية البيولوجية التي خاضت النسويات ضدها حربًا طويلة. ويشارك قطاعٌ كبيرٌ من حملة معاداة تأجير الأرحام منصته مع المعادين للحق في الإجهاض. وكلاهما يشترك في كثيرٍ من الأحيان في فكرةٍ عتيقةٍ عن قدسية الولادة. إن لويس محقة في تأكيدها على أن معارضة تأجير الأرحام لا يمكن أن تستند إلى تعزيز المفهوم البطرياركي للأمومة، أو الافتراضات ذات المعيارية الغيرية والعرقية التي تروّج عادةً لهذه المعارضة. كما شجبت بحقٍ «الأمثلة الإنسانوية للأمومة الجنينية التي ترتكز على قناعةٍ بأن الحمل ليس عملًا وإنما قمة الكمال وتحقيق الذات». وفي مواجهة مثل هذه الحتمية البيولوجية، تثير لويس سيناريوهات تتحدى الأمثلة: «في بعض الأحيان، لا يمكن للنساء أن يصبحن أمهات، أحيانًا يجهضونهن أو يسيئون معاملتهن أو يهجرونهن أو يقع الطلاق أو حتى القتل».
من الصحيح بالطبع أنه لا يمكن لجميع النساء أن يكن أمهات، ولا يرغب كلهن في ذلك، وأن معظم النساء يرغبن ويستطعن أن يكن أمهات فقط في مراحل معينة من حياتهن، وأن ظروف الحياة، خاصة الفقر، يمكن أن تؤثر بشكلٍ موهنٍ على القدرة على الأمومة. لكن كيف ينفي أي من هذا حقيقة أن النساء يشكلن في الغالب رابطًا مع جنينٍ ينفثون فيه الحياة بلحمهن ودمهن؟
على الضد من استدعاء اليمين المستمرّ للأبعاد الوجدانية والعاطفية للأسرة، يميل اليسار إلى رفض تقييم هذه الجوانب من الحياة، وهو ما يضر به. صحيحٌ أنه في الحرب ضد حقوق الإجهاض، يقوم اليمين بتعبئة -في كثيرٍ من الأحيان بقوة ونجاح- العواطف الإنسانية الأساسية للحب والرحمة والشعور بالذنب. لكن مقاربة لويس تجسد عيوب استجابةٍ تتخلى ببساطةٍ عن أسس هذه العواطف. إن أي رؤية تقدمية قابلة للتطبيق لمستقبل ما بعد رأسمالي لا يمكن أن تبدو على أنها تجربة في الهندسة الاجتماعية، ولكن على أنها مشروع يعترف بالعلاقات، داخل الأسرة وخارجها، التي غالبًا ما تكمن وراء النضالات اليومية للعمال.
من الجدير بالثناء أن لويس تسعى جاهدةً لتطوير منظور يحترم عمل مؤجِّرات الأرحام. لكن العداء الدوغمائي للعلاقة بين الوالدين والطفل لا يجعل من الصعب عليها التواصل مع العنف العاطفي الذي تعاني منه مؤجرات أرحامهن، بل يقودها أيضا إلى الاستنتاج المذهل تمامًا بأن طريق التحرر يؤدَى من خلال المزيد من تسليع الحياة الاجتماعية. بالنّسبة إلى لويس، إذا عملت البطرياركية على تسليح عمل المرأة الإنجابي والرعاياتي في شكل «غموض أنثوي»، فهناك حاجة لإزالة الغموض عن مثل هذا العمل عن طريق إضفاء الطابع التجاري عليه. لكن هذا منطق غريب للغاية، خاصة بالنسبة إلى كاتبة تقدمية. منذ متى وتسليع العمل، أو أشكال التكامل الاجتماعي، هو الشرط المسبق الضروري لإضفاء الطابع الإنساني عليه؟ بالنسبة إلى أي مشروعٍ يساري، يجب أن يكون هذا لعنة.
إن الطريق إلى الأمام يمر عبر التضييق التدريجي للشكل السلعي، وتعميق الدعم الاجتماعي للعلاقات الحميمة، ونعم، من خلال الاعتراف الحقيقي بعمل مؤجرات الأرحام، اللواتي يشغلن تلك المساحة الهامشية بين العالمين.