المعاناة لم تكن مسئوليتك، لكن التعافي منها مسئوليتك
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
حسنًا، أيًا ما كان الذي جرى، فهو لم يكن خطأك.
لم يكن شيئًا سعيت لأن يحدث.
حسنًا… هو لم يحدث بسببك أنت في الأساس.
ما جرى لك تحديدًا في هذه الحكاية لم يكن شيئًا تستحقه أبدًا.
ما حدث لم يكن منصفًا ببساطة، لقد كنت ضحية تم سحقها بضراوة، فقط لوجودها في المكان الخطأ، أو مع الشخص الخطأ.
كلنا مررنا بالأزمات والصدمات في حياتنا، بعضنا قابلته صدمات شنيعة وبشعة فعلاً، والبعض الآخر قابله ما هو أقل منها بشاعةً وظلمًا، وليس ترتيب الصدمات إلى بشعة وأبشع هو المهم هنا، فكلنا سحقتنا الحياة مرات عدة، بعضها بشع وبعضها أبشع، لكن يبقى المهم دومًا أن نذكر أن التعافي من كل انسحاقاتنا وأزماتنا تلك، والنهوض عقبها، هو مسئولية تقع على عاتقنا نحن بشكل أساسي.
فعوضًا عن الانسحاق مع كل صدمة، يمكننا أن نتعلم استقبالها كهدية ثمينة، يمكننا أن نتعلم مقابلتها بالإصرار على التعافي.
وتتساءلون: كيف؟ ولماذا يكون التعافي مسئوليتنا نحن المحطمين الهشين الذين لا حيلة لهم ولا قوة؟
حسنًا، الإجابة أن التعافي مسئوليتنا، لأن الفترات التي تمر من عمرنا مصدومين ومنسحقين، هي حياة غير محسوبة، ونحن لا نريد أن نحيا أعمارًا غير محسوبة تمر بنا كما الأموات.
التعافي مسئوليتنا لأن الآلام التي لا تُشفى تؤذي أحباءنا وذوينا بشكل أو بآخر، ونحن لن نسمح لسلسلة الأذى تلك بأن تمتد وتطولهم، لذا سنقطعها نحن بأيدينا، والآن.
التعافي مسئوليتنا لأن لدينا هذه الحياة الوحيدة… هذه الفرصة الوحيدة… هذه المرة الوحيدة فقط لنكون ونحيا ونقوم بأشياء مهمة في هذا العالم، أهم من الانزواء والحزن.
التعافي مسئوليتنا لأن الجلوس وانتظار شخص آخر يساعدنا على التعافي، لن يجعلنا نتعافى… لن يجعلنا نتحسن فعلاً، ولكنه سيجعلنا فقط أشخاصًا حزينة، اعتمادية، تشعر بالمرارة والنقص والحاجة إلى الآخرين دومًا.
التعافي مسئوليتنا لأننا نملك القوة على التعافي بأنفسنا، بل في الحقيقة لأننا الوحيدون القادرون على معافاة أنفسنا ومعالجة جراحها، حتى وإن كنّا نعتقد بأننا لا نملك القوة لذلك.
التعافي مسئوليتنا لأنه يجعلنا غير مرتاحين، وعدم الارتياح ذاك هو إشارة لنا دومًا بأن في هذه الحياة مكانًا آخر ينتظرنا نقوم إليه، لنكون فيه أكثر راحة!
التعافي مسئوليتنا لأن كل شخص خاض رحلة عظيمة وأعجبنا به وبرحلته في مرحلة ما من حياتنا، لم يبدأ رحلته العظيمة تلك إلا حين عرف أن بداخله ما هو أقوى -وبشكل لا يُضاهى حتى- من أسوأ الكوابيس والأزمات والصدمات التي قد تقابله جميعًا.
التعافي مسئوليتنا لأن التعافي في الحقيقة ليس فقط العودة إلى من كنته، أو ما كنت عليه قبل الصدمة، ولكنه أن تصبح شخصًا لم تكنه من قبل… شخصًا أرق وأقوى وأكثر تعقلاً وحكمةً… هذا ما تفعله بنا الصدمات، فحين نملك القدرة على تخطيها والتعافي منها فعلاً، نتحول آليًا ونصبح ذلك الشخص الأقوى الذي حلمنا أن نكونه دومًا… ذلك الشخص الشجاع… الحكيم… المثابر… القادر على تخطي الصعاب ومواجهة المخاوف والآلام جميعًا، ذلك الشخص الشبيه بأبطال الحكايات والملاحم الذين طالما انبهرنا بهم.
وحين نقدر على تخطي آلامنا، فالحكاية لا تقف عند مجرد أناس تخطوا آلامًا ومصاعب مرت في حياتهم وحسب حينذاك، ولكننا نصبح أيضًا أناسًا قادرين على تغيير حياتنا نفسها إلى الأفضل، والـتأثير فيها وفي حيوات آخرين -من القريبين منا أو المحيطين بنا- بشكل إيجابي ، وذلك بفضل ما تزودنا به القدرة على تخطي تلك التجارب المؤلمة من حكمة، وأمل، وقوة، تساعدنا حتى في تغيير مجتمع بأكمله، والتأثير فيه بشكل إيجابي حينذاك.
وحين نقدر على تخطي آلامنا أخيرًا، فنحن نصبح قادرين بعدها على مواجهة كل ما تلقيه الحياة أمامنا من مفاجآت وأعباء وصدمات، ونصيح في دواخلنا من أمامها قائلين: ألم نفعلها من قبل؟ أفلا يمكننا خوضها مرة أخرى الآن؟ وتخرج الإجابة من دواخلنا حينذاك وبكل بقوة أن: بلى، نستطيع خوضها الآن ومرات!
فنتجرأ على اقتحام ومواجهة آفاق جديدة أوسع لم نكن نحلم حتى بالوصول إليها يومًا، مع كل ما تحمله تلك الآفاق والطرق الجديدة لنا من مخاطر وأحلام ومفاجآت، ونشرع أخيرًا في تحقيق أحلامنا متحررين من مخاوفنا وضعفنا.
فالمسألة فقط أننا وفي كل مرة، نجلس وننتظر أن يأتي هؤلاء ممن أخطأوا في حقنا أو قاموا بأذيتنا، ليصححوا ما فعلوه، كما لو كان بإمكانهم العودة بالزمن إلى الوراء للتراجع عما فعلوه أو تصحيحه حقًا!، فقط كي يزول الألم الذي خلّفوه لنا… وفشلنا في أن ندرك أن ذاك الألم الذي تخلّفه لنا تلك التجارب المؤذية، هو في حد ذاته النعمة الأعظم، وأنه ما يهيئ لنا الأرض الخصبة التي تطرح لنا الأمل والحلم والحكمة والمعنى والجمال.
فليس الهدف أن نحيى حياة سالمة بلا تجارب… بلا ألم… أو حتى مجرد خدش واحد!
فأي حياة مملة هي ليست بحياة من الأساس!
الحياة فقط آلمتنا وتؤلمنا جميعًا بطرق مختلفة كما هو ديدنها. ونحن جميعًا لا نريد لذلك أن يستمر، ولكن الفيصل في هذا يبقى في رؤيتنا نحن للحاصل، وفي كيفية مواجهتنا له.
فرؤيتنا وزاوية نظرنا هما فقط ما يُحددان ما سنصبح عليه بفضل هذه الآلام والتجارب، وما إذا كانت الصدمة التي واجهناها ستتحول إلى مأساة (تروما) في حياتنا حقًا وعقبة لا يمكن تخطيها… أم درس وبداية لفصل جديد من حياتنا نتحول فيه من ضحايا الحكاية إلى أبطالها هذه المرة!