محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2020/3/24
الكاتب
ستيفن زونيس

عندما يُكتب التاريخ المضطرب المأساوي للعقد الماضي في شمال أفريقيا، من المرجح أن تُعتبر ثورة 2019 المطالبة بالديمقراطية في السودان إحدى النقاط المضيئة القليلة. حيث أطيح بواحدة من أكثر الديكتاتوريات وحشية في العالم -ظلت في السلطة لأكثر من 30 عامًا- في تمرد مدني سلمي ضخم، شمل ملايين السودانيين، وحلت مكانها إدارة مدنية تكنوقراطية ليبرالية. 

سواء سينجو الحكم المدني الديمقراطي من التحديات الخطيرة التي لا تزال تواجه الدولة أم لا، سنشاهد ما يحدث. لكن في الوقت الحالي، السؤال الرئيسي هو: كيف فعلوا ذلك؟ 

لم تكن الأوضاع في السودان مبشرة بنجاح حركة المقاومة المدنية المطالبة بالديمقراطية. كان النظام مستبدًا ومحصنًا ونجح في تطبيق سياسة «فرِّق تسد» في أمة كبيرة وغير المتجانسة عرقيًا

بالإضافة إلى ذلك، دمرت ثلاثة عقود من الحكم العسكري القمعي -إلى حد كبير- مؤسسات المجتمع المدني مثل النقابات العمالية ومنظمات حقوق الإنسان، وفرضت القيادة الإسلامية الرجعية قيودًا شديدة على النساء. هاجر أكثر من خمسة مليون سوداني، بمن فيهم الأعلى تعليمًا في البلاد. 

أخيرًا، ساعدت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في دعم النظام العسكري. ويبدو أن معظم الغرب محا السودان من حساباته كحالة ميؤوس منها. 

مع ذلك، بدءًا من ديسمبر/ كانون الأول 2018، ظهرت حركة جمعت ملايين السودانيين في الشوارع. بحلول أبريل/ نيسان 2019، أسقط مسؤولون عسكريون الجنرال عمر البشير. استمرت الاحتجاجات رغم مئات القتلى، وبحلول أغسطس/ آب، تنحى الجيش لصالح حكومة انتقالية بقيادة مدنية.  

هناك أسباب عديدة لنجاح هذه الانتفاضة. تتراوح العوامل الرئيسية بين عدم كفاءة النظام وحقيقة أن الاقتصاد في حالة فوضى، إلى الطريقة التي نظمت بها قوى المعارضة نفسها في حركة واسعة النطاق. العامل الرئيسي الآخر في نجاحهم هو أنهم اختاروا استخدام الأساليب السلمية مثل الاعتصامات والتظاهرات. 

مقومات النجاح 

ساهم عدد من العوامل في نجاح الانتفاضة. هذه العوامل تتضمن ضعف النظام، إضافةً إلى الأساليب التي تستخدمها قوى المعارضة.

فيما يتعلق بالنظام، كان هناك أربعة عوامل على الأقل تعمل ضده، وهي: 

1. الانقسامات: لصالح المعارضة، قُسمت بعض العناصر الرئيسية للجهاز القمعي للنظام، الشرطة والمخابرات والجيش والقوات الخاصة. قامت المعارضة بعمل ممتاز في مفاقمة هذه الانقسامات واستخدامها لمصلحتها الخاصة، إذ قدمت حمايةً للقوات المنشقة، وعيّرت عائلات الجنود المتشددين إلى جهة النظام، وكسبت بعض الضباط الصغار. 

2. عدم الكفاءة: كانت الدولة ضعيفة وعاجزة في كثير من النواحي. كان الاقتصاد في حالة من الفوضى. لوحظ هذا بشكل خاص بعد أن فقدت البلاد إمكانية الوصول إلى احتياطيات النفط في الجنوب، بعد أن استقل جنوب السودان عام 2011. وتدهور التعليم والنقل والرعاية الصحية والزراعة وغيرها من البنية التحتية الأساسية بشكل كبير خلال ثلاثة عقود في السلطة. 

3. العقوبات: تسببت العقوبات الدولية بالإضافة إلى تفشي الفساد وسوء الإدارة في إضعاف الاقتصاد. 

4. الشباب الساخط: كان لدى الشباب السوداني ما يكفي. شعروا أنه ليس لديهم مستقبل وليس لديهم ما يخسرونه. كشفت المقابلات مع الشباب أثناء زيارتي في يناير/ كانون الثاني عن شعور باليأس المطلق، شعور «طفح الكيل». 

وفيما يتعلق الأمر بالحركة نفسها، ساهم عدد من العوامل في تعزيز جهودها، وجعلها أكثر فعالية. من بين هذه العوامل: 

1. النطاق والمدى: في حين حدثت بعض التمردات المدنية إلى حد كبير في العاصمة بدعم الطبقة الوسطى في الغالب، حدثت الثورة السودانية في جميع أنحاء الدولة، في جميع المناطق، بمشاركة متنوعة، طبقيًا وعرقيًا. كان العنصر الرئيسي الآخر هو حقيقة أن لجان المقاومة الشعبية كانت نشطة حتى في الأحياء الأكثر فقرًا. 

كان هذا بالتزامن مع الدور الذي لعبه تجمع المهنيين السودانيين، وهو تحالف من النقابات المهنية التي لعبت دورًا قياديًا رئيسيًا. 

كان بناء مثل هذا التحالف الواسع للقوى مهمًا جدًا، نظرًا لحجم الدولة وتعقيدها. 

2. الوحدة الوطنية: لعقود حاول النظام تقسيم السودانيين إلى شمال وجنوب، وعرب وغير عرب، مسلمين وغير مسلمين. أدرك المتظاهرون المطالبون بالديمقراطية أن الوحدة الوطنية كانت حاسمة، وقاومت بوعي جهود سياسة «فرّق تسد». 

من الأمثلة على ذلك، جهود النظام في بداية الانتفاضة لمحاولة إلقاء اللوم على الانتفاضة في الخرطوم على «الفور»، وهم السكان الأصليون في منطقة دارفور. وردًا على ذلك، بدأ المتظاهرون وغالبيتهم من العرب لكن متعددي الأعراق يهتفون «كلنا دارفور». تضامنًا، بدأ المتظاهرون في الفاشر -عاصمة دارفور- يهتفون «كلنا الخرطوم». 

3. دور المرأة: ساعدت القيادة القوية من النساء على زيادة أعداد المتظاهرين، عبر تشجيع النساء على الانضمام إلى التظاهرات. كما أعطى ذلك مصداقية للاحتجاجات وتصورًا شعبيًا أفضل للحركة وأهدافها، عبر تحدي المفاهيم التي كانت عنيفة وخطيرة. 

4. الحراك السلمي: برأيي، ربما كان العامل الأكثر أهمية هو قرار التأكيد على سلمية الحراك. 

انخرطت المعارضة السودانية -في مناسبات سابقة- في صراعات عنيفة. على سبيل المثال، في عام 1993، انطلقت حركة حرب العصابات تعمل من قواعد في إريتريا. لكنها فشلت في إثارة انتفاضة شعبية أكثر انتشارًا، وحُلت رسميًا عام 2006. وبالمثل، تحول المتظاهرون إلى العنف أثناء التمرد المدني عام 2013. سُحقت الانتفاضة في غضون أيام بعد سقوط أعداد كبيرة من القتلى المدنيين. 

جعل اختيار الاحتجاجات السلمية والاعتصامات والإضرابات من الصعب على النظام تشويه الحركة. وكانت السلمية تعني أن الحركة اجتذبت التعاطف الذي كانت ستفقده من خلال الأساليب العنيفة. ما أدى إلى تضاعف أعداد الناس في الشوارع. 

ما الذي لا يزال يتعين فعله؟

لا يزال هناك الكثير الذي يتعين فعله لتعزيز الديمقراطية والحكم المدني في السودان. رغم سيطرة المدنيين على الحكومة الانتقالية، لا يزال الجيش وعناصر الحرس القديم الأخرى جزءًا من النظام. 

لكن إنجاز الإطاحة بعمر البشير يمكن أن يكون درسًا لأولئك الذين يناضلون من أجل حرية سياسية وعدالة اجتماعية أكبر في الشرق الأوسط الكبير وما بعده.