مسلسل «Succession»: هل نتحدث عن الحب؟
إذا كان لي أن أختار مكانًا أبدأ منه الحكي وأستل منه خيطًا يأخذني إلى قلب هذا المسلسل مباشرة، سأختار هذا المشهد. في نهاية الموسم الثالث من مسلسل Succession يقف «رومان» في صف إخوته متوسلًا لوالده «لوجان روي» أن يوقف الصفقة التي ستسمح ببيع شركته العملاقة لشركة أخرى ناشئة دون رغبة أبنائه، ويدور بينهما هذا الحوار:
تنبيه: المقال يحتوي على حرق لبعض أحداث المسلسل الهامة
هل يتحدث Succession عن الحب؟
في عالم تتشابك فيه السياسة بمتاهات البيزنس والميديا، عالم من المؤامرات، الصفقات والخيانات، عالم من الطائرات الخاصة، المساكن الفاخرة، اليخوت، مواكب السيارات والأنوات المتضخمة، يبقى Succession عرضًا عن الحب أو بالأحرى عن غياب الحب.
إنه أيضًا عمل عن العائلة وعن أمريكا بقدر ما كان الأب الروحي لكوبولا كذلك إلى جانب كونه فيلمًا عن المافيا. في ظني أن هذا الجانب الخاص بالعائلة وغياب الحب بين أفرادها وتعقد العلاقات داخلها هو الجاذب الأكبر لجمهور المسلسل وهو ما يجعل عالم المسلسل البعيد تمامًا عن خبرتنا الخاصة قريبًا ومألوفًا.
يدور Succession حول حبكة بسيطة. من سيخلف لوجان روى، بطريرك العائلة والجالس على عرش «وايستار رويكو» واحدة من أكبر شركات الإعلام والترفيه في العالم؟ هل يستطيع أحد أبنائه أن يكون جديرًا بهذه المهمة في ظل تقدمه في العمر وانتكاساته الصحية المتكررة ورؤيته أنهم غير جديرين بها؟ تبدو وايستار رويكو مثل إحدى ممالك الأزمنة القديمة. لوجان هو الملك بينما يتنافس الأبناء على من يجلس على عرشه حتى لو كان معنى ذلك الانقلاب على الأب والعائلة.
يكتب عالم النفس الكبير كارل يونج هذا المعنى، حين يحضر الحب فلا حاجة لأحد أن يمارس سلطته على آخر، بينما في غياب الحب تتولد بنا رغبة مستبدة بالسلطة. في أعمق أعماق «Succession» رغبة يائسة في الحصول على الحب من نبع لا يعرف الحب. وهو ما يجعله أيضًا ضربًا من المأساة. كل هذا الصراع الشرس على الخلافة بين الإخوة ما هو إلا صراع مجازي بين الأبناء على أيهم يحظى باعتراف الأب وحبه، إنهم ينزفون أرواحهم في هذا الصراع المستحوذ من أجل الحب، الحب الذي يتشوه في مدارات الرغبة ليصبح رغبة في السلطة. هذه هي القيمة المجازية لكرسي المدير التنفيذي لوايستار رويكو.
المسلسل الأكثر سينمائية منذ سنوات
يمكن قول كثير في مديح Succession. هناك نوع من الاتفاق أنه واحد من أفضل المسلسلات على الإطلاق، لكني أفضل أنه العرض الأكثر سينمائية من بين كل ما شاهدت خلال السنوات الماضية، بداية من التصوير على شريط سينمائي 35 ملم، بلاغته البصرية ثم تأسيسه لمزاج أسلوبي يجمع بشكل أساسي بين جماليات سينما الحقيقة Cinéma vérité والدوجما، حيث الحركة المهتزة للكاميرا المحمولة باليد، وحركات الزوم المباغتة. إذا كان لي أن أختار أكثر عناصر الصورة فعالية، سيكون بالتأكيد حركة الكاميرا. في فلسفة سينما الحقيقة، تعمل الكاميرا كأداة لكشف الحقيقية وراء واقع معقد. لا تعني الكلمات شيئًا في عالم Succession، تكذب الشخصيات مثلما تتنفس وتقول عكس ما تضمر، وبما أننا أمام عمل حواري بامتياز، هنا يأتي الدور الفائق للكامير التي تبحث وراء الوجوه والانفعالات عن الحقيقة وراء أقنعة الكلمات.
نحن أمام كاميرا ذات وجود محسوس دائمًا. يمكنك حتى في بعض المشاهد أن تلمس كيف تشعر الكاميرا أو تدرك رد فعلها التلقائي تجاه ما يحدث أمامها وكأنها تمتلك ذاتها الخاصة. تبدو حركة الكاميرا تلقائية وكأنها تتصرف في نفس اللحظة دون توقع مسبق. يأتي هذا النهج عادة على حساب مثالية التكوين في بعض اللقطات لكنه يمنح المشاهد الحوارية حيوية نادرة.
تبدو كل حركة كاميرا كما لو كانت تمتلك حافزها الخاص، كأنها تعني شيئًا أو تبحث عن شيء ما. كل شيء يبدو تلقائيًا وإن كان مخططًا له بعناية. أحد الأمثلة النموذجية لذلك، يأتي في الحلقة الثالثة من الموسم الأول، حين يصاب الأب بسكتة دماغية ويقوم كيندال ورومان بإدارة الأمور في غيابه. يدور المشهد حول تفكير الأخوين في تجاوز عقبة تواجه مستقبل الشركة تسبب والدهما بها. يبدو كيندل منطلقًا وفي موضع قوة بينما تراقبه الكاميرا يسير على منضدة داخل مكتبه، حتى يذكر رومان أن عليهما إخبار الأب بهذه الأفكار، هنا نشاهد حركة زوم مباغتة للكاميرا لتلتقط إحباط كيندال ثم تتابعه أثناء هبوطه ليصير في قعر الكادر. هذا سلطان لوجان روي الذي يمارسه على أبنائه حتى في غيابه.
يصل هذا الأسلوب لذروته في تتابعين من المشاهد في الموسم الأخير، الأول هو معرفة الأبناء بوفاة الأب في الحلقة المعنونة «زواج كونر» والثاني هو تتابع تأبين الأب في الحلقة التاسعة. القيمة الانفعالية للمشهدين عالية جدًا، لذلك يلجأ مارك ميلود مخرج الحلقتين لاستخدام ثلاث كاميرات في المشهد الأول وأربع في المشهد الثاني، وكأنه لا يريد أن يفلت أي دفقة عاطفية أو نبضة انفعال في مجال المشهد. الحركة الدائبة والمتصلة للكاميرا توحي بوحدة الزمن وكأن ما نشاهده يحدث في زمنه الحقيقي وهو ما يضاعف الوزن العاطفي لهذه المشاهد وإحساسنا بها.
هذه الأسلوبية التي تحاكي صنع الدوكيومنتري تشعرك من البداية أنك أمام شخصيات حقيقية وتجعلك أقرب لهذه الشخصيات.حين يتوحد المشاهد دون وعي مع الكاميرا فإنه يصبح جزءًا من المشهد ومن عالم الشخصيات.
ربما هذا هو ما يجعلنا نتورط عاطفيًا، نتفهم ونهتم بمصير مجموعة من الشخصيات غير الأخلاقية، التي تعيش في عالم بعيد تمامًا عن عالمنا. لكن ذلك ليس السبب الوحيد فقدرة المسلسل الفريدة على الالتقاط الدقيق والمستبصر للديناميكيات النفسية داخل العائلة تجعله واحدًا من أكثر المسلسلات إثارة بشكل لا يقاوم. إلى جانب الدراسة المعمقة للشخصيات يبدو أن ما يشكل السرد ككل ويحركه إلى جانب حركة الشخصيات داخله هو سيكولوجي تمامًا.
سيكولوجيا السرد
سؤال السرد الرئيسي هو: من سيكون خليفة للوجان روي؟ لكن هل يبني السرد إثارة حقيقية حول هذا السؤال؟ تنبع طبيعة السرد هنا من منطق نفسي يتفهم جيدًا سيكولوجيا الأبطال وطبيعة الصراع. تبدو الطبيعة الدائرية للسرد مثل مدار لا تستطيع الشخصيات أن تفلت منه. تظل تتحرك للأمام لكنها تعود لنفس المكان الذي بدأت منه مجددًا، هذا الطابع التكراري، الذي يبدو مملًا أحيانًا هو أمين تمامًا لطبيعة الصراع وطبيعة الشخصيات.
لا يؤمن جيسي أرمسترونج خالق هذا المسلسل أن الشخصيات يمكنها أن تتغير بصورة جوهرية، حتى في أعماله الكوميدية التي تشكل غالب إنتاجه قبل Succession تبقى الشخصيات على حالها بل تفشل هي نفسها مساعيها لأن تتغير. في هذا المسلسل، دائمًا هناك جديد يحدث للشخصيات، تتبدل المواقف من حولهم وربما تبصر الشخصيات في لحظات نادرة شيئًا من مأزقها لكنها تظل على حالها.
تخبر «مارشا» زوجة الأب «شيفون» ذات مرة بشأن والدها «لقد منحك ملعبا وأنت اعتقدت أنه العالم كله» هذا ينطبق على الأبناء جميعًا، ليس من مسار آخر لهذه الشخصيات و «وايستاررويكو» هي كل العالم بالنسبة لهم.
ما يهم السرد حقيقة هي تلك الرحلة التي نصاحب فيها الشخصيات في صعودها وسقوطها المتكرر نعرفهم أكثر وندرك حقيقتهم ثم محاولاتنا لفهم لماذا يسلكون على هذه الشاكلة؟ حين ينتهي المسلسل يكون المدار قد انتهى منهم، استهلكهم ثم لفظهم بعيدًا هذه المرة.
العائلة وصدمة التكوين الممتدة لأجيال
يعجبني وصف (Trauma Factory) لحالة إعادة تدوير الصدمات النفسية داخل العائلة. لماذا لم يستطع الأبناء أبدًا الفرار من مدار الأب حتى بعد موته؟ كل مرة قرروا الابتعاد، كان المدار يجذبهم مجددًا. هذا ما يسميه فرويد «إجبار التكرار» حيث رغبتنا اللاوعية لإعادة خلق الصدمات، ربما أملًا خفيًا في نتيجة مختلفة أو لأننا نفضل المألوف ولو كان مؤلمًا عن احتمالات المجهول.
مثلما تمثل وايستار رويكو الإرث المادي لهذه العائلة، هناك إرث آخر، لا أحد يتحدث عنه إلا لمامًا، ولا يأتي إلا عابر في ثنايا الحوار، إنه إرث الصدمة (التروما) الممتدة في قلب هذه العائلة ومنه تأتي هذه الرؤية المتشككة في الذات والعالم.
تتجاوز التروما أطفال لوجان إلى لوجان نفسه الذي عاش صدمة الحرب في طفولته ثم مشاعر الذنب تجاه وفاة أخته وصدمة النشأة مع عمه الذي كان قاسيًا وغريب الأطوار. في مشهد عابر نشاهد أثر ندوب على ظهر لوجان. إذا كان أبناء لوجان يتحدثون بين حين وآخر عن ذكريات صادمة من ماضيهم فإن لوجان ينكر ماضيه تمامًا، إنه ينكر فكرة الماضي من أساسها، حين يقول «المستقبل حقيقي، الماضي مختلق». هذه العائلة منذورة للشك وانعدام الأمان وغياب الحب.
يخلو السرد من الفلاش باك. تأتي تترات البداية كنافذة أساسية على زمن الطفولة، على العالم الذي ولد ونشأ فيه الأبناء. نشاهد الانفصال واضحًا بين أفراد العائلة، غياب الأم والحضور الطاغي للأب. لكنه حضور الأب هو أيضًا حضور كالغياب. إنه مصور من الخلف غالبًا، نشاهده دائمًا يخرج من الكادر، يبتعد بينما يتطلع الأطفال نحوه في يأس. الأطفال دائمًا وحدهم داخل هذه الذكريات، لا لحظات حميمية تجمعهم مع الأبوين.
ندرك من خلال هذا الافتتاحية كيف تكون العاطفة شيئًا هامشيًا لهذه العائلة. ما نشاهده في تترات البداية، نعاينه مكررًا في تعامل الأب والأم مع أبنائهما والإخوة مع بعضهم خلال مسار السرد منعكسًا في مرايا لا نهائية من الخيارات والأفعال.
يبدو إرث الصدمة في هذه العائلة مثل لعنتها الخاصة. يعجز الأبناء على إقامة علاقة حقيقية مع أحد. إنهم غير قادرين على الحب لأنهم لا يمتلكون في خبرتهم النفسية نموذجًا له. الحب لديهم بئر مسمومة من مشاعر مختلطة ومتناقضة. يعيد كيندال مع أطفاله سيرة أبيه. لا نراه يتواصل عاطفيًا معهم، في غياب دائم عنهم وفي الموسم الأخير، نجده يكرر ما كان يقوله لوجان «كل ما فعلته، كان من أجل عائلتي».
رومان غير قادر على إقامة علاقة جنسية طبيعية. يحول مشاعر الإذلال والخزي التي عاشها في طفولته إلى موضوع إثارة جنسية. شيف هي الأكثر شكًا وخداعًا بينهم، دائمًا لديها مخططاتها ودائمًا ما تبقى خياراتها مفتوحة. يكاد الشك يكون حالتها العقلية الطبيعية. لم تجد أبدًا ما يجعلها تثق في أحد سواء الأم أو الأب.
حين تختار «توم» زوجا فإنها تختار شخصًا سيتطلع دائمًا نحوها بنوع من الامتنان، شخصا لم يكن ليطمح أبدًا أن يرتبط بها وبذلك تقلص احتمال خيانتها لكنها حتى ذلك الهامش الضئيل من الاحتمال لا تحتمله، إنها تطلب منه زواجًا مفتوحًا ليلة الزفاف.
أما كونر الابن الأكبر فهو يخبرنا منذ البداية «أنا مثل الماء أتدفق». إنه خارج هذا الصراع تمامًا، إنه مهزوم من البداية، لأن الأمر لم يكن منافسة بالنسبة له بل بقاء «Survival». إنه يعرف كيف يواصل حياته دون حب. حين يقرر الزواج يتزوج من «call girl». الأمر أشبه بصفقة. العلاقات داخل العائلة عمومًا أقرب للصفقات.
أما بالنسبة للأب، لا حدود تفصل بين ما هو عائلي وهو بيزنس داخل بارانويا لوجان روى التي تطبع نظرته للعالم. لا مكان للعاطفة، كل الأشخاص أدوات في عرضه الخاصة يتلاعب بهم حسب مصلحته. الرؤية مضببة خارج حدود ذاته المتضخمة. العالم بالنسبة له كما يقول لكيندال صراع على سكين في الوحل، لذلك فالمرة الوحيدة التي نراه فيها وعلى وجهه شبح ابتسامة إعجاب بكيندال تكون حين قرر الانقلاب عليه في موضوع ضحايا التحرش الجنسي، حين رفض أن يكون ضحية، حين انحنى والتقط السكين من الوحل وطعنه بها.
Succession كتراجيديا
ينتهي Succession كتراجيديا حتمية. هنا انتهت علاقة أبناء لوجان بمملكة الأب. لقد باعوا أرواحهم وخسروا كل شيء. تحققت مخاوفهم الأعمق. العالم المأساوي عالم مغلق ولا مفر منه، حيث يتمثل جوهر التراجيديا في أنها كفاح لا طائل منه للهرب من مصير محتوم. في التراجيديات القديمة تنذر الآلهة البطل التراجيدي لمصيره، بينما في التراجيديات الحديثة يستبدل القدر الإغريقي بالسيكولوجيا. يبدو الأمر مثل لعبة مضمونة الخسارة، مثل فخ نصبه الإنسان لنفسه ليقع فيه.
عاشت شخصيات الأبناء الثلاثة لحظات متكررة من الصعود والسقوط خلال رحلتها وبعد كل سقوط كانت تعود من جديد لهذه الدائرة المسمومة. رأينا لحظات أيضًا شعرنا خلالها أنهم ربما قد تتغير هذه الشخصيات، لكن كل شخصية كانت تعود إلى طبعها المتأصل.
في لحظات عابرة نشاهد لمحات عن كيف يمكن أن تكون هذه الشخصيات مختلفة عما هي عليه، لحظات تواصل وتعاطف حقيقي بينهم مثلما بعد وفاة الأب أو في بيت الأم على الشاطئ في الحلقة الأخيرة، لكن الحقيقة العاطفية والجوهرية للشخصيات تظل على حالها بعد عمر ممتد من الألم والغضب والتنافس والغيرة. يسقطون كل مرة يقتربون فيها من هدفهم تحت ثقل جراحهم النفسية.
هذه النوازع النفسية المدمرة للذات توازي ما يسمى في عرف التراجيديا النبوءة المحققة لذاتها Self Fulfilling Prophecy. رغم كل الأمنيات يعرف الأبناء في أعماقهم أن الأب لم يكن يريد أيًا منهم أن يحل محله. يؤمن الضحايا أحيانًا بعدالة المعذب لذلك وعلى نحو غير واع يفشلون مساعيهم الخاصة. هذا ما حدث في نهاية المسلسل.
واحد من النماذج الأصلية للتراجيديا التي أجد «Succession» ينتمي لها ما يسمى تراجيديا العمى الإنساني وأقدم أمثلتها أوديب. نجدها أيضًا في «الملك لير» لشكسبير. لير غير قادر على رؤية حقيقة المحبة وحقيقة صلفه وحمقه. هناك إشارات مباشرة لكيندل كأوديب حيث رغبته المتكررة في القتل الرمزي للأب. ينادونه ساخرين «أوديبوس روى». ما يقصد بالعمى هنا هو عمى عن رؤية حقيقته وحقيقة أقرب الناس إليه. لو أن عمى أوديب كان شيئًا يقتصر عليه، غريبًا غرابة مصيره، لما أخلفنا هذا الرعب. لماذا نتعاطف مع هذه العائلة؟ يثير رعبنا هذا الشعور المضني بعدم الأمان، بغياب الحب وأن يكون السقوط حتميًا. لأننا نحس أننا لسنا في سلام مع أنفسنا ومع من نحبهم لذلك يصير خوفهم خوفنا ويرعبنا سقوطهم النهائي.
لو كان بمقدور أولئك الذين يعانون أن يروا الحقيقة، أن يتقبلوها حين تقال لهم، لما صار هناك تراجيديا
وإلى أن نكون مستعدين أن نرى ونتقبل حقيقتنا فإننا نبقى عميان. لذلك أجد من المميز جدًا أن يختتم المسلسل بحلقة بعنوان «بعيون مفتوحة».
عالم شكسبيري
يحفل المسلسل بعديد من الايماءات والإشارات لعالم شكسبير، لكن أثر شكسبير على «Succession» يتجاوز ذلك. نحن أمام عالم شكسبيري في روحه ولغته الشاعرية المركبة والحافلة بالمجازات. مثل مسرحيةً شكسبيرية معاصرة، يبدأ المسلسل بإيماءة من الملك لير، ملك في خريف العمر بصدد تحديد من سيخلفه، لكن لوجان هو نقيض لير، إحساسه المتضخم بذاته لن يسمح له أنه يخسر أو يستقيل أو يتقاعد أو يبتعد من نفسه، سيستمر في ممارسة اللعبة حتى آخر أنفاسه وسيقوم بتحطيم آمال وتطلعات أطفاله مرة تلو الأخرى.
في واحد من المشاهد الكاشفة عن طبيعة لوجان، يلعب مع أطفاله وأحفاده لعبة «ذهبت إلى السوق» عقب تعافيه من سكتته الدماغية وهي لعبة تعتمد على الذاكرة بشكل أساسي. يمسك اللاعب بعلبة معدنية ويردد ما الذي حصل عليه من السوق ويمرر العلبة للتالي الذي يكرر ما قاله الأول ويضيف عليه ولأنه لا يزال مشوشًا بعض الشيء لا يتذكر ما يجب أن يقوله وحين يحاول حفيده أن يسحب منه العلبة لأنه خسر، يرفض بعنف ويصدمه بها في وجهه. هذا رجل لن يتخلى عن أي شيء في يده لأي أحد.
هناك إشارات مباشرة لهاملت وظلال من ريتشارد الثالث في شخصية كيندال. هناك ظلال من ماكبث في علاقة شيف بزوجها، لكن بعيدًا عن هذه الإشارات والظلال نحن أمام عالم شكسبيرى. عالم من العنف والخيانات داخل العائلة. عالم في حالة تداع وتفسخ، حافل بشخصيات جائعة للسلطة، تفعل كل ما في وسعها من أجل الوصول إليها. عالم الخلافة يشبه عوالم شكسبير المأساوية التي تنتهي بالهزيمة، والمعاناة والقسوة والسقوط المادي والروحي.
ينتهى Succession كما ينهى شكسبير أحد مآسيه، حيث لا أحد من المتنافسين على العرش يجلس عليه، وحيث تتهاوى العائلة والمملكة لحالة من الضياع والفوضى، نهاية بلمسة عدمية الى حد ما حيث كل ديناميكية السرد وحركته تؤول إلى اللحظة يجلس رومان على منضدة داخل مكتب والده مرددًا لأخيه «كل هذا لا شيء، نحن لاشيء».