الإخوة سواريز: 4 مهاجمين لا تعرف منهم سوى لويس
في شوارع مدينة «سالتو» بأوروجواي، لا طفولة اعتيادية لصبي دون أن يكون مغرمًا بكرة القدم، وملتزمًا بالنزول للشارع في الموعد المحدد كي يتشارك مع أقرانه لعبها.
ولكن «لويس» يكتفي من كل ذلك برؤية أخيه الأكبر «باولو» وهو يحمل الكرة تحت إبطه ويخرج حافي القدمين، تمتطيه وتطير به إلى ساحات لعب الكرة التي علقت عليها لافتة «منشأة عسكرية .. ممنوع الدخول» لكن لا شيء يعيق هؤلاء الأطفال من اللعب في مساحة متسعة. أنت هنا في بلد تعداده أقل من 3 ملايين نسمة، وحصل على المونديال مرتين!
«أريد أن أركلها كباولو»
عاضًّا على شفتيه – كما سيعض الكثيرين في المستقبل – أسرَّ لويس في نفسه أنه سيطلب من باولو أن يأخذه إلى الساحة للعب الكرة في الغد، صحيح أنه لا يزال في الرابعة من عمره، ولكنه مؤمن أنه يستطيع ممارسة تلك الرياضة، يرى نظرات الانبهار من فتيات المنطقة لا تترك باولو لحظة مع كل هدف مذهل يسجله، فأراد أن يكون مثله، لاعبًا يستطيع أن يضع الكرات في الشباك بعنف.
لم يكن باولو لاعب الكرة الوحيد ممن يتطلع لهم لويس، أبوه رودولفو الذي جُند متطوعًا كان لاعب كرة قدم في نادي ديبورتيفو أرتيجاس المحلي، وكذلك عمه سيرجيو، الذي يحب لويس دون باقي إخوته حبًّا خاصًّا.
ما إن عاد باولو من الخارج وسط آهات الأطفال المتغنين باسمه، حتى طلب لويس منه أن يصحبه معه في اليوم التالي، ومع إلحاح طفل في الرابعة، ووعود منه أنه سيكتفي بالمشاهدة فقط كي لا يصطدم بالفتيان في سن العاشرة والحادية عشرة، وافق باولو وصحبه معه فعلًا، ورغم تحفز لويس لركل الكرة أكثر من مرة، رفض باولو ذلك وذكره بوعده، ما إن انتهى اللعب، حتى استأذنه في ركل الكرة مرة بالشباك الخالية، تركه يفعل.
لم ينم لويس في تلك الليلة، وحينما دخلت عليه أمه في الليل الحالك تسأله عن سر استيقاظه، أجابها: «لقد لعبت كرة القدم مع باولو. لا أريد أن ينتهي هذا اليوم!».
في اليوم التالي، وبينما كان باولو ينتظر إلحاحًا آخر من لويس، كان الأخير قد عرف طريقه، ذهب إلى عمه سيرجيو، وقال له إنه يريد أن يدربه على كرة القدم، وحينما سأله عن هدفه من الأمر أجاب بعفوية طفولية: «أريد أن أركلها كباولو … أريد أن أصبح مثله!» وبعد لمسات بسيطة للكرة أيقن العم سيرجيو أن لويس سيكون مهاجمًا من طراز فريد.
لعب باولو ثم لويس في فريق أرتيجاس دي سالتو المحلي، وفي 1996 شاهد لويس أيقونة طفولته باولو وهو يلعب كرة القدم بشكل احترافي في نادي باسانييز ثم ديبورتيفو مالدونادو، ومع كل هدف رائع كان باولو يسجله، كان لويس يسابق العمر كي يبدأ مشواره الاحترافي الخاص والذي يتمناه أكثر نجاحًا من أخيه، وبالفعل في 2001 وحينما كان بعمر 14 عامًا فحسب، انتدبه نادي ناسيونال العملاق الأوروجوياني ليبدأ مشواره معه، والباقي بات تاريخًا.
باولو
باولو اتخذ طريقًا آخر في كرة القدم، لعب لأكثر من نادٍ في أوروجواي وكولومبيا وجواتيمالا، لكن فترته الذهبية كانت في السلفادور حيث تُوِّج بـ7 ألقاب مع ناديي إيسيدرو ميتابان وفاس، وكان واحدًا من أبطال كرة القدم في البلاد التي اعتزل بها كرة القدم في 2019 وخصوصًا بعد أن حصل على الجنسية السلفادورية طمعًا في تمثيل منتخبها الوطني، ولكن هذا لم يُتح له بسبب بعض العراقيل البيروقراطية.
ارتدى باولو سواريز قميص منتخب أوروجواي في الفئات السنية الأدنى، ولكنه فشل في اللعب للمنتخب الأول، كان آخر ما وصل إليه فريق تحت 20 عامًا، ربما لو كان قد اتجه إلى أوروبا لكان له شأن آخر.
الآن باولو يعمل مدربًا في إحدى الأكاديميات الأمريكية المتعهدة بتصدير اللاعبين الموهوبين إلى الدوري الأمريكي MLS، يؤمن أنه «كما ولد في ملعب كرة قدم، عليه أن يموت في ملعب كرة قدم».
ماكسيميليانو
وكما كان لويس يراقب باولو، وجد أقرب أشقائه ماكسيميليانو الذي يصغره بعام واحد وهو يراقب خطواته، وبينما اتخذ كل من باولو ولويس طريق الاحتراف مبكرًا وبسهولة نسبيًّا، عانى ماكسيميليانو مشقة كبيرة كي يسلك الطريق نفسه.
لعب في أندية أوروجوانية وخرج في نفس التجربة الاحترافية إلى السلفادور، وبالتحديد إلى إيسيدرو ميتابان الذي يعد أخوه باولو أسطورة له، وعلى شرف الاسم كان الرهان على ماكسيميليانو سواريز، ولكن المهاجم رقم 9 الصريح كأخيه لويس لم يكن قدر الرهان وعاد إلى أوروجواي قبل أن يخرج في تجربة احترافية بجمهورية الدومينيكان ومنها إلى غياهب النسيان، ولكنه لم يعلن الاعتزال الرسمي إلى الآن.
ماكسيميليانو مهاجم صندوق كأخيه لويس، «مهاجم محطة» كما يقولون أكثر من كونه لاعبًا مهاريًّا ويعد أقل أشقائه الأربعة الذين يلعبون كرة القدم مهارة، بالتأكيد أربعة، فالدور الآن على دييجو أو المكنى بـ«ديبو».
دييجو
في طريقة اللعب يميل دييجو أكثر إلى نمط باولو، المهاجم الذي يأتي من الأطراف ويستطيع إيجاد الحلول، حظي بمسيرة كروية متواضعة مثل ماكسيميليانو.
تلك المسيرة انتهت باكرًا، وبالتحديد في 2017 بعمر 25 عامًا فقط حين وجد دييجو نفسه من غير نادٍ بعد أن حاول استغلال اسم «سواريز» الذي صنعه أخواه للعب في السلفادور، وبالتحديد في إيسيدرو ميتابان أيضًا، ولكنه فشل في التعبير عن نفسه أمام المدرب في فترة اختبارية، واكتفى بمشوار متواضع في أندية أوروجويانية مغمورة.
مجرد واحد من سبعة!
المهاجمون الأربعة هم جزء من 7 أشقاء ذكور وأب وأم قررا الانفصال حينما كان أكبر السبعة باولو بعمر 12 عامًا، الأخير هو قائد الأسرة الفعلي حاليًّا الذي يهتم بجمع شتاتها بينما لا يظهر لويس باستمرار نظرًا لانشغاله بمسيرته الاستثنائية في أوروبا، وبالكاد يستطيع رؤية أشقائه في إجازة أو ما شابه.
ورغم دفاع باولو عن لويس في أكثر من محطة بمشواره، وتسخيره حسابه الموثق على تويتر كمنصة لدعم أخيه سواء باستعراض لقطاته المميزة أو إعادات تغريد أرقامه المتجددة من الصحف العالمية الكبرى، قال باولو في عام 2020 بحوار صحفي لموقع «هيستوريكو» السلفادوري إنه لا يتعامل مع لويس كنجم كرة قدم عالمي بل «إنه واحد من سبعة أشقاء لا يتميز عنهم في أي شيء بالنسبة لشقيقه الأكبر»، على حد تعبيره.
يبدو أن باولو مُصر بعد كل تلك السنوات على أن يكون بؤرة الاهتمام أيضًا وسط أشقائه، رغم أن لويس لم يعد ذلك الفتى الذي يستأذنه في لعب الكرة، بعد أن أصبح أحد أفضل المهاجمين في التاريخ.