الصراع على «الدرَّة»: نقطة خلاف جديد بين إيران والخليج
على الرغم من محاولات الكويت للنأي بنفسها عن التوترات السياسية والصراعات الإقليمية، تجددت المشاكل بينها وبين إيران بسبب محاولة الأخيرة الحصول على نصيب من ثروات حقل الدرة للغاز الطبيعي، ووفق وكالة أنباء فارس الإيرانية، فقد صرح المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خجسته مهر، قائلًا: «نحن جاهزون تمامًا لبدء عمليات الحفر في حقل آرش»، وهو الاسم الذي تطلقه طهران على حقل الغاز الطبيعي في الخليج قبالة الساحل الكويتي، ويعود لأحد أبطال الأساطير الفارسية القديمة.
في المقابل، قال وزير النفط الكويتي سعد البرّاك إنّه «فوجئ» بالنوايا الإيرانية التي قال إنها: «تتنافى مع أبسط قواعد العلاقات الدولية»، مضيفًا: «نرفض جملة وتفصيلًا الادّعاءات والإجراءات الإيرانية المزمع إقامتها حول حقل الدرة» وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الكويتية (كونا).
دخلت المملكة العربية السعودية على الخط وطالبت طهران بالرجوع إلى أحكام القانون الدولي من أجل ترسيم الحدود، إذ اتفقت الرياض والكويت على تطوير هذا الحقل البحري بشكل مشترك، يحتوي الحقل على كميات هائلة من الغاز، وتختلف التقديرات حول حجم الاحتياطيات الموجودة به ما بين 10 تريليونات قدم مكعب تقريبًا إلى حوالي 60 تريليون قدم مكعب، ووقعت شركتا «نفط الخليج» الحكومية الكويتية، وشركة «أرامكو» السعودية اتفاقًا في ديسمبر/كانون الأول الماضي يقضي بتطوير الحقل بشكل مشترك لإنتاج مليار قدم مكعب من الغاز و84 ألف برميل من الغاز المسال يوميًا، بناء على ذلك، تقرر أن يتم تقاسم ثروات المنطقة المشتركة بين البلدين بالمناصفة بغض النظر عن كميات النفط أو الغاز.
يقع حقلا الوفرة والخفجي ضمن المنطقة المشتركة بين البلدين، فمعظم حقل الخفجي يقع ضمن الحدود الجغرافية البحرية السعودية، بينما حقل الوفرة يقع معظمه ضمن الحدود الجغرافية البرية الكويتية، وتدير الأمر شركة عمليات الخفجي وهي مشروع مشترك بين أرامكو والشركة الكويتية، ويقع الحقل أمام سواحل الكويت في المنطقة المشتركة أو المحايدة بين البلدين التي تأسست عام 1922، وفي عام 1965 وقّعت الدولتان اتفاقية التقسيم، وتضمنت تجزئة المنطقة إلى نصفين على أن تكون الثروات الكامنة في باطن الأرض مشتركة بين الجارتين.
تأخر استخراج الغاز من هذا الحقل طويلًا لكن مع زيادة الطلب في البلدين على الغاز تجددت المناقشات حول الاستفادة المشتركة للحقل، وتوقفت المفاوضات عام 2013 للاختلاف على طرق خطوط الأنابيب وتقاسم الإنتاجية، وفي السنوات اللاحقة، تم تعليق إنتاج النفط من حقول المنطقة المحايدة بسبب الاختلاف على الإجراءات التشغيلية إلا أن نمو الطلب على الغاز وزيادة احتياجاتهما المحلية في الدولتين أدى إلى إعادة محاولات إنجاز الأمر.
واتفق البلَدان على تقسيم المستخرج من حقل الدرة بالتساوي، بناءً على خيار «الفصل البحري»، أي فصل حصة كل من الجارتين في البحر، فيتم إرسال نصيب «أرامكو» إلى مرافقها في الخفجي، ونصيب الشركة الكويتية إلى مرافقها في الزور.
أصل النزاع
يعود أصل النزاع إلى عدم ترسيم الحدود البحرية بشكل رسمي وواضح في السابق، فقبل اكتشاف قيمة الغاز الطبيعي لم يكن الأمر بنفس الأهمية التي يحظى بها اليوم.
تم اكتشاف الحقل عام 1960، لكن لم يتم استغلاله حتى اليوم بسبب مشاكل ترسيم الحدود، إذ تصر طهران على ضرورة الحصول على جزء من إنتاج الحقل، وتتقاطع المطالبات الإيرانية مع الجزء الشمالي من الحقل الذي يقع قبالة سواحل الكويت.
وترفض إيران ترسيم حدودها البحرية مع الكويت، وتقول، إن الحقل يقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة، ولا تعترف بالاتفاق بين الدولتين العربيتين.
وتصر إيران على أن لها حقًا في الحقل بناءً على اعتبارها الخليج -من طرف واحد- بحرًا مفتوحًا للتحايل على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تنص بوضوح في المادة رقم (122) على أن «البحر المغلق أو شبة المغلق خليجًا أو حوضًا أو بحرًا، تحيط به دولتان أو أكثر ويتصل ببحر آخر أو بالمحيط بواسطة منفذ ضيق، أو يتألف كليًا أو أساسًا من البحار الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة لدولتين ساحليتين أو أكثر»، وهو ما ينطبق حرفيًا على الخليج العربي، وبالتالي يتم ترسيم الحدود بناء على مدى القرب من سواحل الدول وليس الجرف القاري لأي دولة، وقد رفضت طهران عام 2003 دعوة الكويت إلى التحكيم الدولي.
وبعيدًا عن الخوض في التفاصيل القانونية فإنه لو تم رسم خط في منتصف الخليج لاتضح ببساطة أن الحقل يقع أمام السواحل الكويتية بما لا يدع للأمر مجالًا للشك أو الالتباس، لذلك شدد وزير النفط الكويتي، سعد البراك، على أن ترسيم الحدود مع إيران، يمثل خطوة أولى نحو حل الأزمة، وهو ما ترفض طهران الموافقة عليه.
وفي خضم هذه النقاشات أثار النائب السابق بالبرلمان العراقي، وائل عبد اللطيف، تفاعلًا إعلاميًا كبيرًا بعد تصريحاته عن انتماء الحقل البحري المتنازع عليه للعراق فقط، واستدل على ذلك بخريطة أكد فيها إقرار الكويت سابقًا بما فيها.
سياق الأزمة
تبدو الكويت في هذه الأزمة أكبر المتضررين من تعطل إنتاج الدرة لأنها أكثر حاجة إلى الغاز من السعودية التي أصبح لديها أكثر من مشروع للغاز الطبيعي وكمياته في زيادة مستمرة، بينما تعتمد الكويت على الغاز المستورد منذ عام 2008، وتشير توقعات الطلب على الغاز إلى أن الكويت ستحتاج إلى 4 مليارات قدم مكعب في اليوم بحلول عام 2030 لتلبية احتياجاتها المحلية.
وفي حال تقسيم الإنتاج مع الرياض بنسبة 50%، ستوفر الكويت حوالي ثُمُن الكمية اليومية المتوقع أن تحتاجها عام 2030، مع الأخذ في الاعتبار أن أول إنتاج لهذا الحقل قد يستغرق سنوات إذا بدأت الإجراءات هذا العام.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن الحقل سيضيف 3% فقط إلى الغاز اليومي الحالي، وبالنسبة لإيران فإنها تحتل المركز الثاني على قائمة أكبر الدول امتلاكًا لاحتياطات الغاز على مستوى العالم، لكن بسبب العقوبات والبُنية التحتية السيئة وعزوف الشركات العالمية عن الاستثمار فيها تعاني الدولة الإيرانية من أزمة كبيرة في الغاز الطبيعي، ولا يُتوقع أن يتم حلها بمجرد الحصول على نسبة صغيرة من حقل الدرة.
وسبق أن انخرطت الكويت مع إيران في مناقشات حول ترسيم الحدود البحرية بينهما، ولكن لم تؤد إلى التوصل لاتفاقيات لحل المشكلة، وقرر السعوديون والكويتيون تطوير الحقل، ووجهًا -بصفتهما كيانًا تفاوضيًا واحدًا- دعوات لطهران للمشاركة في المناقشات، وحتى الآن لم يقبل الإيرانيون هذا العرض.
ولا يُتوقع أن يكون لإنتاج هذا الحقل تأثير مباشر على سوق الغاز العالمي نظرًا لأنه سيتم استيعاب أي إنتاج في قطاع الطاقة المحلي في أي من الدول الثلاث، لذا لن يأخذ إنتاج الحقل طريقه إلى سوق الطاقة العالمي.
وقد تجددت المناوشات الإعلامية الإيرانية مؤخرًا مع قرب بدء الرياض والكويت العمل في تطوير الحقل، إذ حذر رئيس مجلس إدارة جمعية شركات حفر النفط والغاز الإيرانية، هدایة الله خادميورد، من تفريغ السعوديين للحقول النفطية الحدودية.
ولا تدعي طهران امتلاك الحقل ولا تنكر حق الكويت فيه، بل تعلن بوضوح أن هدفها هو تقاسم إنتاجه، وتصر على فرض معادلة تقضي بتعطيل الحفر والتنقيب في الحقل أو مقاسمتها في ثرواته، أو بعبارة أخرى ترسيخ مبدأ ألا شيء يمكن أن يحصل في الخليج من دون موافقة إيران بغض النظر عن الطريقة التي ستتم تسوية الأزمة بها سواء بمشاركتها في الحقل أو بالمساومة على ملفات أخرى.
وأعادت الكويت العلاقات مع إيران في عام 2022، تلتها السعودية في مارس/ آذار الماضي بعد مفاوضات طويلة اختتمت باتفاق بضمانة صينية.
ويأتي هذا النزاع ليحد من التفاؤل الكبير المصاحب للمصالحة السعودية الإيرانية، ويضع اختبارًا لقياس مدى نجاعة النهج الدبلوماسي في حل المشاكل بين إيران والعرب، ويثير القلق من تأثيراته السلبية المحتملة على المنطقة، لكن البعض يرى أن هذه مشكلة محدودة وليست جديدة ولن تؤثر على ما تم إنجازه بين دول الخليج وإيران، وهناك حديث عن احتمال التوصل إلى وساطة صينية أيضًا لحل تلك الأزمة.
ولم تكن المصالحة السعودية الإيرانية مصالحة بين دولتين بل هي إطار للتفاهم بين قوتين إقليميتين متنافستين، أي أن مجال عمل الاتفاق وتأثيره يشمل المنطقة بأكملها، لذا أكد بيان وزارة الخارجية السعودية على اعتبار المملكة والكويت طرفًا تفاوضيًا واحدًا في مواجهة الجانب الإيراني.