ليست «فايزة العماري»: قصة المرأة التي تتحكم في قرار مبابي
حقيقةً لا نعلم بشكل قاطع من قائل هذه العبارة. على كل حال، طبقًا لإحدى الروايات، التي تبدو منطقية، تُنسب هذه المقولة لرجل أعمال ثري، اصطحب موظفيه إلى بحيرة ممتلئة بالتماسيح، مطالبًا إياهم بعبورها، على أن يحصل من يتمكن من اجتياز هذه المغامرة على مليون دولار أمريكي، أما إذا ما فشل والتهمته التماسيح الجائعة، تحصل أسرته على تعويض يقدر بمليون دولار ونصف.
تردد الجميع بالطبع، باستثناء شخص واحد، نجح في العبور إلى الضفة الأخرى من البحيرة دون أن تمسه التماسيح بضرر. لنكتشف لاحقًا أنه لم يكن ينوي القفز من الأساس، بل إن زوجته قامت بدفعه من الخلف، طمعًا في أي من الجائزتين الكبيرتين. وفي النهاية، أصبح الرجل عظيمًا؛ لأن خلفه امرأة.
في قصتنا، خلف البطل امرأتين، وكأن واحدة لا تكفي.
«مشروع كيليان»
حاشية «كيليان مبابي» هو التعبير الأكثر استهلاكًا من الصحافة الرياضية. لكن المثير هو أن هذه الحاشية، على عكس العديد من الرياضيين في هذا المستوى العالي من كرة القدم، تقتصر بالأساس على والدته «فايزة العماري»، ووالده «ويلفريد مبابي»، اللذين يُمكن اعتبارهما الشخصين الأكثر تأثيرًا في قرارات الوجه الأهم في كرة القدم العالمية.
حرص «ويلفريد»، الذي عمل في عدة مناصب حول كرة القدم في نادي «ضاحية بوندي»، على أن يحظى نجله بمسيرة مثالية، عكس مسيرته الضعيفة، بل بالأحرى، بناء ما يمكن تسميته بـ «مشروع مبابي».
بجانب الرجل الكاميروني، كان دور جزائرية الأصل «فايزة العماري»، والدة مبابي، أكثر أُلفة للجماهير، حيث تصدرت العناوين كمتحدّث رسمي للاعب، وكيلة له، ومديرة لمسيرته الرياضية.
لا تبدو هذه المعلومات مثيرة بكل تأكيد، أي متابع عادي يعلم جيدًا دور ويلفريد في فشل انتقال مبابي لريال مدريد عام 2017، طمعًا في حصول نجله على عدد دقائق مناسب، ويدرك تمامًا الحيل التي قامت بها العماري لاقتناص أكبر عقد في تاريخ كرة القدم لنجلها في 2022.
على الرغم من عدم قدرتنا على التشكيك في تأثير عائلة مبابي -إيجابًا أو سلبًا- على مسيرته الرياضية أو علامته التجارية، تظل هناك حلقة مفقودة تظهر بمجرد السؤال عن هوية الشخص الذي يمتلك القدرة على صياغة عقود اللاعب المثيرة منذ أن ظهر على الساحة العالمية.
والسبب بسيط، لا نتوقع أن تتمكن لاعبة كرة يد سابقة أو لاعب كرة قدم هاوٍ من إدارة مسيرة لاعب كرة قدم محترف بحجم مبابي، دون مساعدة من شخص خبير، حتى ولو كانا أحرص البشر على مصلحة نجلهما.
هنا تظهر السيدة الثانية في حياة «كيليان مبابي»، التي ندعي أنها تمتلك التأثير الأكبر على مسيرة الرجل الذي يعد ثروة فرنسية قومية. هذه السيدة تُدعى «دلفين فيرهايدن»، وتعرف اختصارًا بمحامية الأبطال. فمن هي؟
«الأفوكاتو»
في صيف 2015، وصل «كيليان مبابي» لفريق إمارة «موناكو» تحت 19 عامًا، وقتئذٍ، تواصلت «فايزة العماري» مع «فيرهايدن» للاتفاق معها على تولي مسئولية الدفاع عن مصالح نجلها.
لماذا اختارت والدة «مبابي» هذه المحامية تحديدًا؟ حقيقةً يمكن الوصول لإجابة بمجرد دخول مكتب المحامية في باريس؛ حيث نكتشف من بعض الصور التي تُزيِّن الجدران هوية عملائها أمثال: «تيدي رينر»، بطل الجودو الأولمبي الفرنسي، المتزلج الأولمبي الفرنسي «مارتن فوركاد»، وبطل التجديف الأولمبي «توني استانغيت».
في الواقع، نعتقد أن تولي المحامية لشئون مجموعة من نخبة الرياضيين الفرنسيين المحترفين لم يكن السبب الوحيد الذي دفع عائلة «مبابي» للاقتناع بأن «فيرهايدن» هي الشخص المناسب لتمثيل اللاعب، بل الحقيقة الواضحة هي أن هذا الاقتناع كان لسبب أكثر موضوعية: وهو أن «دلفين فيرهايدن» ترفُض تمامًا أن تعمل كوكيل تقليدي يتقاضى عمولات.
تتقاضى الفرنسية أجرها «المرتفع» بالساعة، بغض النظر عن حجم العقد الذي تتفاوض بشأنه وعن اسم ومكانة العميل والطرف الثاني الذي تفاوضه.
تعتقد «فيرهايدن» أن هذه الاستراتيجية مهمة جدًّا لنيل ثقة من تمثله، حيث من المهم أن يشعر العميل أن نصائحها الثمينة صادقة ومجانية تمامًا، بمعنى أنها ليست نصائح متأثرة برغبة وكيل اللاعبين التقليدي في الحصول على عمولة عند إتمام أي صفقة أو عقد شراكة.
على كل، تم الاتفاق بين عائلة اللاعب والمحامي في هذه اللحظة على إدارة مسيرة اللاعب من ناحية قانونية؛ أي مساعدته على البقاء في مسار قانوني صحيح، وفرز مقترحات الشركات التي ترغب في رعايته والتفاوض بشأن العقود التي تُقدمها، والأهم هو حث اللاعب على بناء هيكل إداري مستدام، ليتحوَّل اللاعب من مجرد رياضي لمؤسسة قائمة بذاتها.
رائدة المجال
حياة المحامية الرياضية الفرنسية الأشهر سرية جدًّا، تمامًا مثل الأتعاب التي تتقاضاها نظير عملها. نعلم عن السيدة التي ولدت في إقليم «سين ومرن» الفرنسي القليل، مثل حبها لرياضة الكاراتيه التي لعبتها حين كانت مراهقة، دراستها في جامعة «بانتيون-أساس» في باريس، ثم إصابتها بحب قانون الرياضة، ونشرها لمؤلفها الأول عام 1999 بعنوان: «الرياضي ووكيله».
على مدى سنوات، بَنَت «دلفين فيرهايدن» سمعتها في الوسط الرياضي بسبب كونها رائدة في مجال حقوق الصور الخاصة بالرياضيين. في كتابها «الوكيل الرياضي»، الذي تم نشره عام 2004، تحكي دلفين أنها أدركت بوقت مبكر جدًّا تطوُّر مهنتها؛ ومكانة حقوق الصور الإعلانية للرياضي في الاقتصاد الرياضي الحديث. بالتالي لم يعد الأمر مقتصرًا على التفاوض على الراتب الذي يتقاضاه الرياضي سنويًّا.
في مارس/آذار 2022، رفض «كيليان مبابي» الامتثال للمشاركة في جلسة تصوير مع أحد شركاء الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، التي تراها «بيئة اللاعب» غير مناسبة للصورة الإعلانية الخاصة به، قبل أن تنتهي هذه القصة بإعلان الاتحاد الفرنسي الرضوخ لطلبات نجم «باريس سان جيرمان»، والتفاوض حول مراجعة بعض البنود المتعلقة بحقوق الصور الخاصة به.
تعي «حاشية مبابي» جيدًا أن الطريق ليصبح الفرنسي أيقونة حقيقية صعب، يتطلب كونه الأفضل داخل الملعب وخارجه، وهذه الأخيرة تتطلب وضع استراتيجية واضحة لإدارة علامته التجارية. وهذه الاستراتيجية باختصار تدور حول «التأني».
في الواقع، «كيليان» ليس أكثر لاعب كرة قدم يُحصِّل دخلًا من الشراكات التجارية، بل إن قائمة الرعاة الخاصة به محدودة جدًّا، لكنها في نفس الوقت تخدم صورته التي يحب أن يروج لنفسه من خلالها: رياضي مثالي، لا يفضل الوجبات السريعة، الخمور، أو المراهنات.
هذه الاستراتيجية تعني باختصار رغبة مبابي في أن يتحوَّل لعلامة تجارية أكثر تفردًا وندرة، ما قد يجعل محاميته تتفاوض في المستقبل على مقابل أقيم لرعايته.
من يملك ذراع التحكُّم؟
من هذه الإجابة نستشف أن السيدة فيرهايدن لا علاقة لها بمسيرة مبابي الرياضية، التي يبدو أنها في أيدي اللاعب ووالدته على الأرجح.
وبغض النظر عن حقيقة تدخُّل «دلفين» في أي من قراراته السابقة، أو حتى القرارات التي سيتخذها مستقبلًا من عدمه، يبدو أننا أمام «تأثير صامت» للسيدة التي يُنسب لها الفضل في صعود علامة «مبابي» التجارية منذ 2018.
طبقًا لصحيفة «El Pais» الإسبانية، خلال مفاوضات ريال مدريد مع مبابي عام 2022، أخبرت «فيرهايدن» والده ووالدته أنه ليس في حاجة بهذه الفترة تحديدًا للتنازل عن 50% من حقوق صورته لصالح نادي العاصمة الإسبانية، حتى وإن ارتفعت قيم هذه العقود إذا ما انتقل لريال مدريد.
هنا، لم تتخذ المحامية قرارًا رياضيًّا بالنيابة عن اللاعب بكل تأكيد، لكن نصيحتها تلك هي ما يُمثِّل التأثير الصامت على مستقبل اللاعب، الذي قرر في النهاية الاستمرار مع النادي الذي يمنحه 100% من حقوق صورته.
في النهاية ربما ينتقل كيليان مبابي لريال مدريد أو أي فريق آخر، وقد يستمر كذلك في باريس سان جيرمان، لكن الأكيد هو أن السيدة التي تدعي أنها لا تفهم أي شيء في رياضة كرة القدم، قد تحوِّل مسيرة اللاعب الأهم في فرنسا من أقصى اليمين لأقصى اليسار عن طريق نصيحة مجانية واحدة.