صناعة الرجل القوي: حكاية «دانيال أراب موي» ديكتاتور كينيا
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
توفي في الرابع من فبراير/ شباط الحالي دانيال أراب موي، رئيس كينيا بين عامي 1978 و2002، عن عمر يناهز 95 عامًا. عُرف موي بالرجل القوي الذي حكم كينيا لأطول فترة رئاسية منذ استقلالها عن الاحتلال البريطاني؛ ولأنه أعقب مرحلة ما بعد الاستقلال، فقد شهدت حقبته العديد من التناقضات، بين تعددية الأحزاب والحكم بالحديد والنار.
في هذا التقرير يقدم غابريللي لينش، أستاذ السياسة المقارنة بجامعة وارويك، رؤية مختصرة للظروف التي صعد من خلالها موي إلى قلب السلطة في كينيا وكيف أدار التوازنات خلال تلك الفترة.
كتب أندرو مورتون السيرة الذاتية الوحيدة المطولة للرئيس الكيني صاحب أطول مدة في الحكم، والذي ذاع صيته في عالم المشاهير، بين الأميرة ديانا ومادونا إلى ديفيد وفيكتوريا بيكهام.
في كتاب «موي: صناعة رجل دولة إفريقي»، يصور مورتون موي باعتباره شيخًا إفريقيًّا «تقليديًّا»، يتفهم تعقيدات قيادة وتوحيد وتطوير مجتمع فقير يغلب عليه الطابع الريفي، ويتألف من 42 «قبيلة» على الأقل. مما لا يثير الدهشة، أن هذه الصورة البريئة لم تعد أبدًا الأكثر رواجًا.
يُحمَّل موي مسؤولية كبيرة عن نظام شهد على العنف والفساد والظلم واستفاد منه. وجدت لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة في كينيا أن حكومة موي كانت مسؤولة بين عامي 1948 و2002 عن العديد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كالمذابح والاعتقالات غير القانونية والتعذيب.
لكن بدلًا من التركيز على مساوئ نظام موي، أريد أن أناقش كيفية وصوله إلى السلطة في المقام الأول، وما يمكن أن تقدمه تلك الأفكار. خاصةً لأنه – على عكس العديد من القادة الأفارقة الآخرين بعد الاستقلال – لم يكن ذا علاقات جيدة. لم يتعلم موي بالخارج، ولم ينشأ في صفوف الجيش. بل كان من مجتمع صغير هامشي نسبيًّا: التوجين، وهم جماعة من قبيلة كلينجين.
رغم هذه الصعوبات، خلف موي جومو كينياتا، أول رئيس لكينيا، في عام 1978. وعلى عكس كينياتا، الذي استفاد من كونه «والد الأمة»، ومن المكاسب الاقتصادية الفورية للاستقلال، صعد موي السلطة عندما بدأ الاقتصاد الكيني مرحلة الركود. وسرعان ما واجه معارضة متزايدة ومحاولة انقلاب.
في هذا السياق، ترأس موي نظامًا استبداديًّا، في حين اعتمد – بصفته «الرجل القوي» – على شبكة من المؤيدين المخلصين. لكن كيف شكلت سنوات تكوينه حكمه؟
المعلم
ولد موي عام 1924، عندما كانت كينيا مستعمرة بريطانية. اختاره عمه – قائد محلي – للالتحاق بمدرسة البعثة المسيحية الإفريقية المحلية عام 1934، ما حوله إلى تابع قوي للكنيسة الإنجيلية.
بعد المدرسة، اختار موي الذهاب إلى كلية تدريب المعلمين. عمل ذلك على تقوية النزعة الدينية لديه والأهمية التي يوليها للانضباط والالتزام الذي ميز فيما بعد نظامه.
من خلال دوره كمعلم ثم مدير مدرسة، إلى جانب حضوره المنتظم إلى الكنيسة ومنصبه في مختلف المجالس واللجان، طور موي سريعًا سمعته بين المسؤولين الاستعماريين للعمل الجاد والكفاءة، وبالتالي كقائد إفريقي «معتدل» محتمل.
اختار المسؤولون البريطانيون موي لحضور دورة خاصة في التربية المدنية عام 1953. كان هذا في وقت وصلت فيه معارضة الحكم الاستعماري إلى آفاق جديدة. بعد ذلك بعامين، أصبح واحدًا من ثمانية أفارقة جرى ترشيحهم لعضوية المجلس التشريعي للحكومة الاستعمارية.
كان مفترضًا أن يظل موي عضوًا في الهيئة التشريعية الكينية، أولًا كعضو مرشح ثم عضو منتخب، لمدة 47 عامًا.
الدخول المبكر
منحه دخوله المبكر إلى السياسة ميزتين أساسيتين. أولًا، عندما انضم إليه سياسيون آخرون من الكلينجين في المجلس التشريعي، وكان شيخهم بالمعنى الحقيقي للكلمة، ما ساعد على توثيقه كمتحدث باسم الكلينجين.
ثانيًا، استخدم موي منصبه السياسي للاستفادة من الفرص الجديدة للمواطنين الأفارقة ليستفيد اقتصاديًّا، ما سمح له بتجميع الموارد للحملات السياسية.
مع ذلك، لا يمكن لهذه العوامل وحدها أن تفسر طول عهد موي وصعوده المستمر.
في الانتخابات البرلمانية عام 1957، وهي أول انتخابات انتخب فيها الأفارقة، كان موي واحدًا من عضوين إفريقيين جديدين في المجلس التشريعي لتأمين الانتخابات. في العقد الأول بعد الحكم الاستعماري، سقط الكثير من أبطال فترة الاستقلال وأبناء الاستقلال الأثرياء.
كما ناقشت في كتاب «أقول لك: السياسة الإثنية والكلينجين في كينيا»، كان لدى موي قدرة على صنع منعطف تاريخي رئيسي، لا سيما في الاستقلال ومع العودة إلى السياسة متعددة الأحزاب في أوائل التسعينيات، للتعبير عن مظالم رفقائه من الكلينجين. اشملت هذه المخاوف على نطاق واسع من التهميش السياسي والروايات التاريخية من الظلم فيما يتعلق بالأرض، والتي نالت أيضًا عددًا من المجتمعات الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، سخاء موي المالي لجمع التبرعات المحلية والجولات المتكررة في الريف والذاكرة الممتازة للأسماء والوجوه، جعلته يتمتع بشعبية لدى الكثيرين في جميع أنحاء البلاد.
التحالفات العرقية
كان لديه فطنة سياسية، مكنته من بناء تحالفات عرقية.
منذ البداية، أظهر موي – الذي أُطلق عليه فيما بعد «أستاذ السياسة» – نظرة ثاقبة عظيمة عندما انضم إلى الحزب الحاكم في عام 1964، وأصبح حليفًا مخلصًا للرئيس آنذاك جومو كينياتا. هذا الولاء، إلى جانب منصبه السياسي البارز في الكلينجين، يقطع شوطًا طويلًا لشرح قرار كينياتا بتعيين موي نائبًا له عام 1967. لم يُر موي كشخصية تهديدية وساعده ذلك على تولي الرئاسة بعد موت كينياتا.
يجب علينا أيضًا إدراك قدرة موي، أحيانًا من خلال الاستخدام الاستراتيجي للحماية والعقوبات، لمنع وتقويض خصومه. كان لموي ميل للتصرف بحزم وبلا رحمة ضد حلفائه السابقين، والتصالح مؤخرًا مع أعدائه السابقين. أعطى هذا موي مرونة سياسية كبيرة، ومكنه من الدخول في تحالفات جديدة، وإعادة تأهيل أو إعادة تدوير أو تبديل الحلفاء.
ساعدته هذه الديناميكية في الحفاظ على تقدمه على خصومه، وتقييد ترسيخ المنافسين المحتملين على المدى القصير. لكن على المدى البعيد، أدى تدخله المباشر في الانتخابات وقمع المعارضة إلى تزايد عدد السياسيين الشعبيين لتشكيل تحالفات جديدة مع قادة الكنيسة ونشطاء المجتمع المدني للدعوة إلى إقالته.
كانت هذه المجموعة ناجحة بدايةً في حملتها للسياسة متعددة الأحزاب في أوائل التسعينيات. ثم بعد تقاعد موي عام 2002، انتصروا، من خلال التحالف عريض القاعدة الذي كان تحالف قوس قزح الوطني، على خلفه المختار (ابن جومو كينياتا والرئيس الحالي) أوهورو كينياتا.
إرث موي متباين
يمكن لمؤيديه أن يشيروا إلى الاستقرار النسبي في كينيا خلال الثمانينيات، وقراره بإعادة إدخال سياسات تعددية الأحزاب أوائل التسعينيات، وتسليم السلطة سلميًّا عام 2002.
في المقابل، يمكن أن يشير منتقدوه إلى المشكلات التي أشرف عليها نظامه، وإلى مركزية السلطة وثقافة الإفلات من العقاب والشعور بدولة متحيزة عرقيًّا، لا يزال الكينيون يتصدون لها حتى اليوم.