الأكثر إنفاقًا والأكبر عربيًّا: قصة اللوبي الإماراتي في واشنطن خلال عقد الربيع العربي
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
صعد اسم دولة الإمارات العربية المتحدة في الشرق الأوسط بسعيها الدؤوب ضد الثورات العربية والربيع العربي المندلع عام 2011، لتقود الإمارات جبهة الممالك والدول العربية المنزعجة من التغيير وما قد يأتي به من انفتاحٍ في الحياة السياسية. ولم تكتفِ الإمارات بقيادة جهود «الثورة المضادة» داخل المنطقة فحسب، بل نقلت المعركة للخارج، لأهم عاصمة سياسية في العالم: واشنطن.
لكنَّ «الحج الإماراتي» لواشنطن مختلف عن غيره، فاللوبي الإماراتي من أكبر لوبيات الشرق الأوسط حجمًا وأكثرها إنفاقًا، وإن كان من اللوبيات الجديدة في واشنطن، فتأسيسه الفعلي لم يبدأ إلا قبل الربيع العربي بسنواتٍ قليلة.
عمل فريق «ساسة بوست» على قراءة وتحليل أكثر من 766 وثيقة تخصُّ دولة الإمارات في قاعدة بيانات وزارة العدل الأمريكية التابعة لقانون «فارا»، وتكشف الوثائق عن تفرُّعات اللوبي وتحرُّكاته، وعن تحالفات الإمارات مع أطرافٍ مختلفة مثل اليمين الأمريكي المُتشدِّد والمعادي للإسلام، ومع الجماعات المناصرة لإسرائيل.
وبحسب الوثائق، فمنذ عام 2011 بلغت مدفوعات اللوبي الإماراتي «المُعلن عنها» في واشنطن 132 مليونًا و716 ألف دولار أمريكي. دفعت مقابل خدمات ضغط سياسي، أو حملات علاقات عامة لتحقيق المصالح الإماراتية في واشنطن.
في هذا الموضوع نرسم صورةً عامة وشاملة – قدر الإمكان – عن اللوبي الإماراتي، نبدأها بالتأسيس الفعلي له عام 2008، ونستعرض أهم وجوه اللوبي والعاملين فيه، وشركاته الكبرى وأجندتها وأسلوب عملها. وباختصار هذا الموضوع هو مُوجز عمل اللوبي الإماراتي في واشنطن خلال العقد الأول للربيع العربي.
تنويه:
اسم «اللوبي الإماراتي» في هذا التقرير يشمل الأفراد والشركات، والجهات الإماراتية الحكومية والخاصة، وجميع من مثَّلوا مصالح دولة الإمارات في الولايات المتحدة.
تأسيس «اللوبي الإماراتي»
لم يكن هناك لوبي إماراتي حقيقي قبل تعيين يوسف العتيبة سفيرًا للإمارات في الولايات المتحدة. جاء التعيين في يوليو (تموز) 2008، وقبله كانت معظم عقود الإمارات في أمريكا عن طريق إمارة دبي ومؤسساتها المالية والسياحية، إما لإنجاز صفقاتٍ استثمارية أو لخدماتٍ ترويجية للسياحة في دبي.
قبل قدوم العتيبة، حاولت الإمارات الاستحواذ على ستة موانئ أمريكية، من خلال شركة موانئ دبي، فقاد السيناتور الديمقراطي شاك شومر حملةً ضارية في الكونجرس لتصنيف هذه الاستحواذ باعتباره «خطرًا قوميًّا» على الولايات المتحدة، وحوَّلَ النقاش بشأنه ليصبح قضية أمن قومي. وضغط الكونجرس ضدَّ الصفقة التي دافعت عنها إدارة جورج بوش الابن، ولكنَّ الكونجرس ضغط حتى تراجعت شركة موانئ دبي، وكانت هذه أولى معارك اللوبي الإماراتي في أمريكا وأقساها.
ومع دخول الاقتصاد العالمي في أزمة عام 2008 وانشغال وضعف دبي بأزمتها وديونها، اتَّسع نفوذ ولي عهد إمارة أبوظبي، محمد بن زايد، وبدأت الإمارات خطةً لإعادة التموقع في المنطقة، وبالتالي في واشنطن.
وفي هذه اللحظة يحلُّ العتيبة سفيرًا في واشنطن لينفذ الرؤية الجديدة ويبدأ بحملة توظيف موجَّهة لالتقاط مواهب وشخصيات تعرف مداخل واشنطن وأساليبها، فوظَّف العديد من الشركات الكبرى في مجال اللوبيات منذ وصوله، بعضها يعمل حتى اليوم لصالح أبوظبي، وفيما يلي موجزٌ سريع عن الشركات والشخصيات التي رافقت العتيبة منذ وصوله:
- هاجر العوض، من مساعدي العتيبة في واشنطن ووجهٌ بارز للوبي الإماراتي، وهي سيدة سودانية أمريكية عملت بشكل مباشر في السفارة الإماراتية منذ عام 2008 وحتى 2016 (واستمرت في العمل لصالحها لاحقًا)، وضغطت ونسَّقت لعدة صفقات سلاح إماراتية، وساعدت في بداية عملها على إنجاز الملف النووي الإماراتي. ولاحقًا أسست هاجر شركتها الخاصة، لخدمة السفارة الإماراتية بشكل حصري، وركَّزت على ملفات سياسية، فأدارت الحرب الإماراتية ضدَّ قناة الجزيرة في الولايات المتحدة، وروَّجت للإمارات ودورها في حرب اليمن ونسقت حملات ضغط ضدَّ تشريعات تدعو لوقف المشاركة الأمريكية في الحرب، وتعمل هاجر الآن في شركة أكين جامب مستشارةً سياسية وتقدم خدماتها للإمارات. يمكن الاطلاع على تفاصيل عمل هاجر العوض في واشنطن من هنا.
- ريتشارد مينتز، رجل العتيبة الأول، وخبير العلاقات العامة والضغط سياسي. مينتز قليل الظهور في الفعاليات العامة وصُوَره نادرة على الإنترنت، تنقَّل في مسيرته المهنية بين البيت الأبيض والكونجرس وشركات الضغط السياسي، واستقر بعدها في «مجموعة هاربور – The Harbour Group» التي استأجرها العتيبة عام 2009، وهي من أهم الشركات في اللوبي الإماراتي، لإشرافها على علاقاته المتشعبة مع مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأمريكية، ومع مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى، ولمجموعة هاربور يدٌ طُولى في علاقات الإمارات مع المجموعات المناصرة لإسرائيل ومع اليمين الأمريكي، وأشرفت الشركة، بقيادة مينتز، على عقودٍ أخرى للإمارات في واشنطن، ومنذ عام 2011 بلغت المدفوعات للشركة 34 مليونًا و858 ألف دولار أمريكي. للاطلاع على علاقة ريتشارد مينتز بالإمارات ببعض التفصيل من هنا.
- شركة «أكين جامب – Akin Gump»، استأجرتها الإمارات عام 2007، وأشرفت على عمل الإمارات في الملف النووي، ونسَّقت لاتفاقية السماوات المفتوحة بين أمريكا والإمارات، وبرزت في حملة الإمارات ضد قناة الجزيرة. ومنذ 2011 تلقَّت الشركة 20 مليونًا و197 ألف دولار، ومن أبرز العاملين للإمارات في الشركة هال شابيرو، مستشار سياسي واقتصادي أمريكي عملَ في البيت الأبيض سابقًا، والنائبة الجمهورية السابقة إليانا روس ليتينين، وهي من أهم الجمهوريين في لجان الخارجية.
للاطلاع على تفاصيل عمل شركة أكين جامب للإمارات من هنا.
كيف يعمل اللوبي الإماراتي؟
بعد وصوله لواشنطن سفيرًا، انتقى يوسف العتيبة بعنايةٍ فائقة فريقه الذي سيعمل معه في السنوات التالية، وشكَّل فريقًا من الشباب والخبراء لإدارة الملفات السياسية للإمارات في واشنطن، وعلى سبيل المثال بعد وصوله لواشنطن عيَّن العتيبة أمي ليتيل توماس، التي كانت مسؤولة في وزارة الخارجية في عهد جورج بوش الابن، لتعمل في السفارة الإماراتية مسؤولة للبروتوكول.
وفي الشؤون التشريعية والعسكرية، اعتمد على هاجر العوض، السودانية الأمريكية الشابَّة آنذاك، والتي بدأت العمل في السفارة في عمر 28 عامًا، وشملت مهامها التواصل مع الكونجرس والتنسيق مع الجهات الأمريكية.
ومن خارج السفارة، اعتمد العتيبة على مُحرِّك اللوبي الإماراتي، ريتشارد مينتز، المدير الإداري في مجموعة هاربور للضغط السياسي، والخبير في شؤون العلاقات العامة.
وأثناء تأسيس اللوبي عام 2008، اعتمد العتيبة بشكلٍ كبير على شركتين، الأولى شركة المحاماة العالمية التي ركزت على إتمام الاتفاقيات الثنائية مثل البرنامج النووي السلمي، والثانية مجموعة هاربور للعلاقات العامة والتي شبَّكت مسؤولين في الحكومة الإماراتية مع مراكز الأبحاث الأمريكية، وجهات إعلامية، والمنظمات المناصرة لإسرائيل.
في 2017 خرجت هاجر العوض من السفارة لتؤسس شركتها الخاصة لتعمل الشركة لصالح اللوبي الإماراتي، وعملت فيها ثلاث سنوات لتعود عام 2020 للعمل في شركة أكين جامب، لصالح الإمارات مجددًا.
لكنَّ اللوبي الإماراتي لم يقتصر على توظيف شركات الضغط فقط، بل مثَّلت جهات أخرى المصالح الإماراتية مثل «مجلس الأعمال الإماراتي الأمريكي» الذي لعب دورًا مهمًّا في هندسة وإنجاز الاتفاقيات الثنائية بين البلدين. وتأسس المجلس عام 2007 بعد لقاء جمع جورج بوش الابن ومحمد بن زايد لإنهاء أزمة شركة موانئ دبي العالمية، ويترأس المجلس داني سيبرايت، الذي عمل سابقًا في وكالة الدفاع الاستخباراتية، وهي وكالة استخبارات تابعة للبنتاجون، ولسيبرايت ملفٌ عامر بالعمل في الشرق الأوسط، إذ نسَّق صفقات سلاحٍ إسرائيلية أمريكية.
وعادة ينسِّق المجلس لقاءات مع أعضاء في الكونجرس أو موظفين في الحكومة الأمريكية، مثل عشاءٍ مع السيناتور الجمهوري روي بلانت، بمناسبة انعقاد الألعاب الأولمبية الخاصة العالمية في أبوظبي عام 2019، وحضر هذا اللقاء داني سيبرايت وهاجر العوض.
ونذكر أسلوبًا آخر يتَّبعه اللوبي الإماراتي يميزه عن باقي اللوبيات الخليجية والعربية عمومًا، بتجهيزه لبحوثٍ من بيانات وأرقام عن العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الإمارات والولاية التي يمثلها السياسي الذي يريد اللوبي التواصل معه، سواء مسؤول حكومي أو عضو كونجرس يمثِّل هذه الولاية، وتكون هذه التقارير أداةً للتركيز على المصالح المشتركة المباشرة بين الطرفين، واستفتاحًا للضغط على هؤلاء السياسيين لتأييد الإمارات في الكونجرس.
وببساطة تتحدث الأرقام: كلما زادت الاستثمارات زادت فرص العمل، وكان للسياسي أن يباهي بإنجاز جديد في سيرته ليكسب ناخبين جددًا.
ومن أهم أنشطة اللوبي تواصله المكثَّف والحثيث مع مختلف المراكز البحثية في واشنطن على اختلاف توجهاتها السياسية، والعمل على تنسيق رحلات لباحثيها لزيارة الإمارات والتجوُّل فيها.
«تكشف الوثائق عن تفرعات اللوبي وتحركاته، وعن تحالفات الإمارات مع أطراف مختلفة مثل اليمين الأمريكي المتشدد والمعادي للإسلام، ومع الجماعات المناصرة لإسرائيل».
وعملت الإمارات خلال السنوات الماضية على بناء شراكات بحثية مع بعض هذه المراكز، بتمويل مشاريعها المختصَّة بالشرق الأوسط أو الشؤون العربية، ولهذه المراكز أهمية خاصة لأنها العقل المفكِّر لبعض التيارات داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبعضها يغذِّي مؤسسات الدولة الكبرى، مثل «مؤسسة راند – RAND Corporation»، المؤسسة البحثية التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية.
تواصل اللوبي الإماراتي خلال العقد الماضي بشكل مركَّز مع ستة مراكز بحثية، نضع بين أيديكم نبذة مختصرة عنها جميعًا في النقاط التالية:
- معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي يُنسق اللوبي رحلاتٍ لباحثيه لزيارة الإمارات، وسجَّلت وثائق وزارة العدل تواصلًا مع عددٍ من الباحثين في المعهد مثل الباحث مايكل نايتس، المختص بالشأن الخليجي والعراقي، ويُذكر أن المعهد أُسِّسَ بتمويلٍ مباشر من أهم أذرع اللوبي المناصر لإسرائيل، «أيباك»، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، والمركز من مؤيدي التدخُّل العسكري الأمريكي الخارجي وخاصةً ضد إيران، ويروِّج لتعزيز العلاقات الأمريكية مع إسرائيل.
- «معهد الشرق الأوسط – Middle East Institute»، تلقَّى المركز تبرعات مالية من الإمارات تصل إلى 20 مليون دولار خلال عامي 2016 و2017، ولدى المعهد فرع في أبوظبي، وتتواصل معه الإمارات بشكل مستمر.
- مركز التقدُّم الأمريكي، مركز بحثي مقرَّب من الحزب الديمقراطي، وتتبرع للمركز جهاتٌ مقرَّبة من «أيباك» والإمارات، وكشفت تسريبات إيميلات العتيبة تنسيقًا بين العتيبة وبريان كاتوليس، أحد الباحثين الكبار في المركز. ونقلت مجلة «جاكوبين» الأمريكية أنَّ المركز يمنع موظفيه من انتقاد إسرائيل في أبحاثهم.
- معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة، ينسِّق اللوبي لبعض باحثيه رحلات سنوية للإمارات، والمركز مناصر بالكامل لإسرائيل، وقد كرَّم نتنياهو عام 2015 في ذروة خلافه مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على النووي الإيراني وعلى الصراع العربي الإسرائيلي.
- مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي يحصل على تمويل كبير من الإمارات.
- مؤسسة هدسون، مركز بحثي مقرَّب من تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، ومثل غيره من مؤسسات التيار، المركز مؤيدٌ صلبٌ لإسرائيل.
البرنامج النووي الإماراتي
مع صعود خطر النووي الإيراني، استطاعت الإمارات إقناع إدارة جورج بوش الابن في نهاية عهدته الثانية ليوافق على تطوير برنامجٍ نووي سلمي إماراتي، ووقعوا «اتفاقية تفاهم» مبدئية لتطوير هذا البرنامج عام 2008.
وكان ديفيد سكوت رجل الإمارات لإنجاز الاتفاقية، وسكوت رجل مفتاحي؛ إذ عمل في إدارة بوش الابن مديرًا لشؤون «شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا» في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، وبعد خروجه منه ترأَّس مؤسسة الإمارات للطاقة النووية.
ومع قدوم إدارة الرئيس باراك أوباما للبيت الأبيض، أراد أوباما تطوير نموذجٍ لبرنامج نووي سلمي ليكون نموذجًا لباقي دول المنطقة، خاصةً مع دخول دول خليجية في حالة النفير والسعي للحصول على برامج نووية موازية للإيراني لتأمين نفسها.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2009، وقَّعت الإمارات اتفاقية تطوير برنامجها النووي السلمي، موقعةً على «قانون 123» من قانون الطاقة الذرية لعام 1958، ويشترط هذا القانون على الدول المُطورة الالتزام بالمعايير «السلمية» المحددة، وعدم تخصيب اليورانيوم لإنتاج الوقود النووي أو استخدام الطاقة النووية في أي شكل غير سلمي.
وأحدثت اتفاقية البرنامج النووي الإماراتي جدلًا في الكونجرس بين مؤيدٍ ومعارض، وتساءل خبراء الطاقة عن جدوى البرنامج خاصةً مع تراجع سوق الطاقة النووية، ولأن الإمارات دولة يعتمد اقتصادها على النفط. وردَّ اللوبي على المعارضة بتقديم سردية أخرى بأنَّ الإمارات ستواجه نقصًا في الطاقة الكهربائية مستقبلًا، وأنَّ الاعتماد على الطاقة النووية سيعوِّض حاجتها المستقبلية.
وبعد طرح مناقصة لتنفيذ المشروع اختارت الإمارات المفاعل النووي لشركة كوريا للطاقة الكهربائية «كيبكو»، مع تصميم نظام الشركة الأمريكية «ويستنج هاوس 80+». وفي عام 2012، أسست محطَّة البراكة النووية في أبوظبي، وأُعلن في سبتمبر (أيلول) 2020 عن وصول المفاعل بأول محطة البراكة النووية إلى 50% من طاقته الإنتاجية.
فيما يلي نُلخِّص لك في نقاطٍ سريعة جهود اللوبي الإماراتي لتطوير البرنامج النووي السلمي:
- عملت شركة أكين جامب على الملف النووي، وساعدتها شركة «دي إل بيبر – DLA Piper»، وعمل على الملف من طرف شركة أكين جامب هال شابيرو، بالتنسيق مع رئيس مجلس الأعمال الإماراتي الأمريكي داني سيبرايت، وقد وصلت المدفوعات الإماراتية لإنجاز الاتفاقية في تلك الفترة إلى مليون و600 ألف دولار.
- استمرت أكين جامب بالعمل بعد الاتفاقية، وضغطت على الكونجرس للسماح لشركة أمريكية ببيع تقنية نووية للإمارات.
- «أوت لوك إنفيسمنت – Outlook»، شركة مملوكة لإمارة أبوظبي، وظَّفت شركة «إنفيسمنت دبلوماسي- Investment Diplomacy»، وهي شركة يملكها ديفيد سكوت، مسؤول سابق بإدارة بوش، لتقدِّم «خدمات تحليلية» عن الشراكة الأمنية بين الإمارات وأمريكا، ودُفِعَ للشركة 150 ألف دولار دون الإفصاح عن أي نشاط من أنشطتها.
ووظَّفت الشركة الإماراتية «مجموعة كامستول» الأمريكية، وهي من أهم أجزاء ترسانة اللوبي الإماراتي، يديرها مسؤولون كبار عملوا سابقًا في وزارة الخزانة وتحديدًا في قسم الجرائم المالية و«الإرهاب المالي»، ويُذكر أنهم عملوا لصالح الإمارات فورَ خروجهم من الوزارة.
وتكشف وثائق الشركة عن تواصلها مع صحافيين أمريكيين ذوي اتجاهاتٍ يمينية، لكتابة مقالات تشويهية عن قطر والإخوان المسلمين، ومنذ 2012 بلغت مدفوعات الإمارات للشركة 41 مليون دولار، لتكون الأعلى كلفة بين شركات اللوبي طوال العقد الماضي، ورسومها كلَّفت تقريبًا ثلث مدفوعات اللوبي الإماراتي خلال العقد الماضي.
- نسقت شركة «ذا أمريكان ديفيند إنترناشونال» رحلة لوفدٍ من الكونجرس لزيارة الإمارات في أيام 5 – 8 أكتوبر 2019، وزار الوفد مؤسسة الإمارات النووية.
- مع وصول المحطة الأولى في المفاعل الإماراتي لـ25% من طاقته، بدأ اللوبي الإماراتي في حملاتٍ ترويجية للمفاعل.
يمكنك الاطلاع على تفاصيل الضغط من أجل البرنامج النووي الإماراتي من هنا.
صفقات السلاح والعلاقات مع الجهات الدفاعية
الإمارات من أهم زبائن السلاح الأمريكي، وقد وقَّعت خلال العقود الماضية العديد من الصفقات الدفاعية مع الولايات المتحدة، وللإمارات مثل غيرها علاقاتٌ مباشرة مع الشركات الدفاعية الأمريكية الكبرى.
وعلى سبيل المثال، تعود علاقتها مع شركة لوكهيد مارتن، كبرى شركات الدفاع الأمريكية، لما قبل الألفية، ووقعت الإمارات معها عام 2000 صفقةً بقيمة 6.4 مليار دولار لبيع 80 مقاتلة «إف-16» للإمارات، بموافقة الإدارة الأمريكية. وتبعتها صفقاتٌ أخرى لشراء الطائرة، مثل التي تمَّت عام 2014، وفيها اشترت الإمارات 30 طائرة أخرى.
ولم تقتصر الصفقات على الطائرات، فقد استطاعت الإمارات إقناع إدارة جورج بوش الابن ببيعها منظومة «ثاد» الدفاعية الصاروخية، وتُصنِّعها نفس الشركة الأمريكية، إلا أنّ الصفقة تعطَّلت حتى وافق عليها الكونجرس نهاية عام 2011، في الموجة الأولى من الربيع العربي، لتكون أول صفقة بيع خارجي للمنظومة الدفاعية القادرة على تدمير الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى.
وقبل التصديق على صفقة السلاح لعام 2011، قابل وزير الدفاع روبيرت جيتس ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في قصره في أبوظبي، وكان يوسف العتيبة حاضرًا في هذا الاجتماع.
وبعدها بأسابيع قليلة، سافر وفدٌ إماراتي على رأسه بن زايد للقاء الرئيس أوباما لنقاش «الاستقرار ومحاربة التطرُّف في المنطقة»، وفي هذه الزيارة نسَّق الوفد عشاءً حضر فيه آنذاك، وزير الدفاع روبيرت جيتس، والأدميرال مايكل مولين رئيس هيئة الأركان، وليون بانيتا «رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه)»، والذي أصبح بعدها بشهور وزيرًا للدفاع، وضمَّ الاجتماع أيضًا جيمس ماتيس، قائد قيادة القوات المشتركة، ووزير الدفاع الأول لترامب.
وفيما يلي نقاطٌ موجزة عن العمل الإماراتي في الملفات الدفاعية الأمريكية طوال العقد الماضي، وبعضًا من جهود اللوبي:
- وزير الدفاع الأمريكي روبيرت جيتس (2006 – 2011):
حضر جيتس المنتدى الاستراتيجي العربي عام 2017 في الإمارات بعد أحداث حصار قطر، وتحدث فيه عن بعض الإشكاليات المشتركة بين أمريكا والإمارات مع قطر. - أثناء فترة توقيع صفقة منظومة «ثاد» الدفاعية عام 2011، نسقت شركة التحالف الإماراتي الأمريكي التي يقودها ريتشارد مينتز، اجتماعًا مع ريان مكارثي، مدير المشاريع الاستخباراتية في شركة لوكهيد مارتن، والذي تسلَّم لاحقًا منصب وزير الجيش الأمريكي في يوليو 2019. واجتمع مكارثي مع محمد بن زايد في سبتمبر (أيلول) 2019 لنقاش قضايا مشتركة، وتكشف حسابات مكارثي على الإنترنت عن زيارة له للإمارات في يوليو 2020، قبل إعلان صفقة التطبيع بشهرين.
- وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا (2011 – 2013):
في سبتمبر 2015، نشر بانيتا مقالًا يقول فيه إنه على الولايات المتحدة مواجهة التمدد الإيراني بتسليح حلفائها في المنطقة؛ الإمارات والسعودية ومصر، لتحقيق توازن في القوى.
وكان بانيتا أحد الحاضرين في المنتدى الاستراتيجي العربي لعام 2016، وهو المنتدى الذي يروِّج في مؤتمراته السنوية لما أسماه بـ«التكاليف المباشرة لفوضى الربيع العربي»، وقيمتها بحسب المنتدى تصل إلى 833 مليار دولار.
وبعد خروج بانيتا من منصب وزير الدفاع سافر إلى أبوظبي لإلقاء محاضرة قال فيها إن أمام دول الخليج ثلاث إلى خمس سنوات لقيادة وتصويب مسار العالم العربي وإلا فستسير الأمور في الاتجاه الخاطئ، ونصح بانيتا الإمارات والسعودية ببناء قدراتهما العسكرية لمواجهة إيران.
وفي مارس (أذار) عام 2012، تواصلت شركة أكين جامب مع بانيتا «لطلب مساعدة من الجيش الأمريكي»، وتواصل اللوبي الإماراتي مع بريان موريسون، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون مجلس النواب (منصب تنسيقي بين البنتاجون والكونجرس)، لمناقشة احتمالية صفقة دفاعية إلى الإمارات.
- فترة وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل (2013 – 2015):
في أبريل (نيسان) 2013، رتَّبت وزارة الدفاع الأمريكية لصفقة سلاحٍ قيمتها 5 مليارات مع الإمارات، لشراء 26 مقاتلة من طائرات «إف-16». - وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر ( 2015 – 2017):
قدَّم كارتر دعمه الكامل للتحالف السعودي الذي شاركته فيه الإمارات في الحرب في اليمن، وصرَّح: «سنوفر لهم مساعدات استخباراتية ورقابية، وبعض المعدات والذخائر». - وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس (2017– 2019):
قبل انضمامه لإدارة ترامب وزيرًا للدفاع في يناير (كانون الثاني) 2017، عمل ماتيس بعد تقاعده من قوات المارينز مستشارًا عسكريًّا للإمارات العربية المتحدة، وقد عمل ماتيس في هذا المنصب بموافقة من البنتاجون عام 2015، وهو من مَنح الإمارات لقب «أسبرطة الصغيرة». - بين عامي 2017–2018 تواصلت هاجر العوض مع كريستوفر مايكلي من القوات الجوية الأمريكية للحديث عن مشتريات دفاعية، وللحديث عن عطل في إحدى طائرات الأباتشي، وعن رغبة الإمارات في شراء منظومة «AIM-9X».
- وفي نفس الوقت تواصلت الإمارات مع روبيرت هنتر، رئيس مكتب السياسات الدفاعية والاستراتيجية في مجلس الأمن الوطني، لنقاش الحرب في اليمن.
- ومع نهاية عام 2018، نسَّقت هاجر العوض اجتماعًا تعريفيًّا مع العقيد راندال ألين، مسؤول ملف الإمارات في وكالة التعاون الأمني الدفاعي في وزارة الدفاع، ونسقت لمبعوث الشؤون الدفاعية الإماراتي اجتماعًا مع العقيد ألين لمناقشة مبيعات معلقة.
وفي نفس الفترة نسقت هاجر اجتماعًا لوفد من وزارة الدفاع الإماراتية لرابطة الجيش الأمريكي «AUSA» وإدارة أمن تكنولوجيا الدفاع «USG/DTSA»، وحضر هذا الاجتماع بيدكي مايكل، مستشار إقليمي للشرق الأوسط في وزارة الدفاع، وناتاليا دين، تعمل في مكتب الشراكات الدفاعية في السفارة الأمريكية في أبوظبي.
- وفي أبريل (نيسان) 2019، نسقت العوض اجتماعًا لمحمد بن زايد مع مجموعة من أعضاء وموظفي الكونجرس، وحضر الاجتماع السيناتور الجمهوري جيم ريش رئيس لجنة العلاقات الخارجية، والسيناتور الديمقراطي بوب مينيدينز زعيم الأقلية في لجنة العلاقات الخارجية. وحضر الاجتماع أيضًا، الجنرال ميجول كورا، مبعوث الشؤون الدفاعية في السفارة الأمريكية في أبوظبي، ومن الموظفين إريك تراجير، الموظف البارز في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.
أموال اللوبيات مُسخَّرة لاستمرار حرب اليمن
كانت الإمارات من أوائل الدول المُنضمَّة للتحالف السعودي في حرب اليمن عام 2015، ودخلتها بتركيزٍ على المناطق الساحلية والموانئ، ولكن ظلَّت الحرب مُهدَّدةً بالتعطُّل مع كل تشريعٍ قدَّمه الكونجرس لوقف الدعم الأمريكي لحرب اليمن، فماذا يعني وقف الدعم؟
إذا حظرَ الكونجرس دعم التحالف في حربه في اليمن، فقد يقرِّر منع استخدام الأسلحة الأمريكية في الحرب، مثل الطائرات أو الصواريخ أو العتاد والذخيرة الأمريكية، وستُمنَع أجهزة الاستخبارات الأمريكية المختلفة عن التعاون في اليمن مع دول الخليج المنخرطة في الحرب، عدا الخطر الأكبر: وقف صفقات السلاح لهذه الدول.
وبالطبع لو صَدَرَ من الكونجرس قرارٌ يمنع أمريكا من المشاركة في الحرب لأزال الغطاء الأمريكي عن الحرب، ولخطورة هذا الملف أطلق اللوبي الإماراتي معركته الخاصة في واشنطن للتأكُّد من استمرار الدعم الأمريكي للحرب.
وفي بداية 2016 أسَّس العتيبة قسمًا في السفارة الإماراتية للشؤون السياسية والعسكرية، وعيَّن هاجر العوض (مساعدة العتيبة ووجه اللوبي الإماراتي في الكونجرس) رئيسةً للقسم، وبعد خروجها من السفارة لتأسيس شركتها «هاجر العوض وشركائها» للضغط السياسي، عملت هاجر على تلميع دور الإمارات في اليمن، ومعارضة أي مشروع قانون يُقدَّم في الكونجرس ضد الحرب، أو القوانين المقدمة لتعطيل صفقات السلاح للسعودية والإمارات.
واستأجرت شركة هاجر العوض شركة «أمريكان ديفينس إنيترناشونال – American Defense International» للضغط على الكونجرس والتواصل مع جهات دفاعية أمريكية لضمان تمرير صفقات السلاح.
وفيما يلي نُوجز أهم جهود اللوبي الإماراتي للضغط لاستمرار الحرب في اليمن:
- أشرفت السفارة الإماراتية على حملة هجومية وتشويهية ضد مجموعات حقوقية يَمَنية قدمت للأمم المتحدة تقارير عن حالة حقوق الإنسان في اليمن ودور الإمارات في الحرب، ونفذت الحملة شركة «جرين ويتش ميديا ستراتيجيز – Greenwich Media Strategies»، وكانت خطة الحملة: أن يكتب أحد حلفاء الإمارات في المراكز البحثية تقريرًا يتحدَّث عن هذه المجموعات الحقوقية ويتَّهمها بالعمل لصالح الحوثيين، ثم توزَّع شركة جرين ويتش هذا التقرير على الدبلوماسيين في الأمم المتحدة وفي الإعلام الأمريكي.
من اتصالات شركة «جرين ويتش ميديا ستراتيجيز» مع صحافيين يعملون في الأمم المتحدة، ومع مراكز بحثية أمريكية، في إطار حملة لتحسين صورة الإمارات ودورها في الحرب في اليمن. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.
- عملت هاجر العوض بكثافة على الملف اليمني مستعينةً بشركة أمريكان ديفينس إنترناشونال، وروَّجت لدور الإمارات في الحرب وتواصلت مع جهات دفاعية أمريكية لعقد صفقات سلاح يليها الضغط على الكونجرس لضمان مرور هذه الصفقات.
وعملت هاجر على تلميع صورة الإمارات في حرب اليمن بتواصلٍ مستمر مع «وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID)» للحديث عن أنشطة الإمارات «الخيرية» هناك.
- وفي سبتمبر 2017، قدَّم النائب الديمقراطي رو خانا مشروع قانون يُطالب الرئيس الأمريكي بسحب القوات الأمريكية من «الأعمال العدائية» غير المصرَّح بها في اليمن، فنسَّقت العوض اجتماعًا للعتيبة مع رو خانا للضغط عليه ليسحب مشروعه، وفي النهاية لم يُمرر القرار.
ويُذكر أن العوض اجتمعت مع أحد مساعدي النائب الأمريكي، ولاحقًا اجتمع به خلدون المبارك، رئيس شركة «مبادلة»، وفي شركة الاستثمارية الإماراتية، وناقش في الاجتماع استثمارات الإمارات والشركة في ولاية كاليفورنيا التي يمثلها رو خانا.
في فبراير (شباط) 2021 صرَّح النائب خانا لموقع «ذي إنترسبت» بأن العتيبة صرخَ عليه في أحد الاجتماعات، ورد العتيبة على هذا التصريح قائلًا إن ما ذكره خانا لا يتسق مع أسلوبه المُعتاد في التواصل مع الآخرين، ودعا خانا للمشاركة معه في بودكاسته الخاص ليخوضا «نقاشًا هادئًا ومباشرًا» عن القضايا التي تهمهمها. ورد النائب خانا بالموافقة على العرض بشرط أن تطلب الإمارات من المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، المدعوم من أبوظبي، أن يُفرج عن الصحفي اليمني عادل الحسني.
- وفي بداية عام 2019 قدَّم السيناتور البارز بيرني ساندرز مشروع قانون آخر لسحب القوات الأمريكية من اليمن، وشغلَ هذا التشريع اللوبي الإماراتي في تلك الفترة، فاجتمعت وجوه اللوبي مع عِدَّة نواب وشيوخ لإقناعهم بإيقاف القانون. لكن الموجة هذه المرة كانت أكبر من ضغط الإمارات هذه المرة، ومرَّ القرار في مجلس الشيوخ، وجاء ترامب منقذًا للإمارات والتحالف السعودي في اليمن مستخدمًا «حق النقض/الفيتو» الرئاسي وعطَّل القانون.
وفي النصف الثاني من عام 2019 قدَّم السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز مشروعًا يعارض صفقة أسلحة للسعودية والإمارات، وكثف اللوبي الإماراتي جهوده لتعطيل القانون وعملت هاجر العوض على حملةٍ ترويجية تصوِّر دور الإمارات بشكل إيجابي في حرب اليمن، ولكن خرج ترامب مرة أخرى وعطَّل القانون باستخدام حق النقض الرئاسي.
وهنا يظهر أثر المال السياسي واللوبيات بوضوح على السياسة الأمريكية؛ أموالٌ عربية تُدفع لتأمين الدعم الأمريكي لحربٍ أدخلت اليمن في ظرفٍ إنساني مأساوي.
- تواصل اللوبي الإماراتي بشكل خاص مع مركز «مؤسسة أبحاث التسلح في الصراعات – Conflict Armament Research»، المعني بإصدار دراسات بحثية عن استخدام الأسلحة ونقلها ونوعيتها في صراعات مختلفة حول العالم، وفي حالة اليمن لم يتحدث المركز إلا عن السلاح الذي استخدمته جماعة الحوثي، دون أي ذكرٍ لأطراف الحرب الأخرى، وقد عمل اللوبي الإماراتي على تزويد المركز بمعلومات لاستخدامها في أبحاثه عن اليمن.
- تواصل اللوبي مع مراكز بحثية مختلفة، ورعى رحلات بحثية لباحثين ليزوروا اليمن، منهم مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي قال إنه ذهب لليمن مرافقًا للقوات الإماراتية باعتباره مراقبًا ميدانيًّا، وكتب عن الإمارات وأهمية دورها في اليمن.
- عمل اللوبي الإماراتي على حملات ترويجية للمساعدات الإماراتية في اليمن، وحملات أخرى عن استعداد الإمارات للمشاركة في محادثات السلام وإيجاد حل دائم في اليمن.
- ومع نهاية عام 2019 نسَّقت الإمارات اجتماعاتٍ لوفود من الكونجرس حضرها محمد بن زايد، ووزير الخارجية عبد الله بن زايد للترويج للدور الإماراتي في اليمن، وكان ممن حضروا هذه الاجتماعات السيناتور الجمهوري تود يونج، عضو لجنة العلاقات الخارجية، والسيناتور المستقل أنجوس كينج، عضو لجنة القوات المسلحة.
الإمارات واليمين الأمريكي.. صداقة مثالية
بحثت الإمارات عن شركاء لها في واشنطن تتقاطع مصالحها معهم بأي شكل من الأشكال، فسعت للتواصل مع اليمين الأمريكي بتياراته المختلفة، فاليمين يؤيد التحرك العسكري ضد إيران، ويؤيد التجريم الكامل لحركات المقاومة الفلسطينية ويدعو لوضع جماعة الإخوان المسلمين على «قوائم الإرهاب»، ولا يهم كثيرًا أبناء التيار ما تفعله إسرائيل في الضفة الغربية ولا في غزة.
هذه العلاقة الحساسة لدولة عربية بأغلبية مسلمة مع المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، تخدم الإمارات بعدة أشكال، من أهمها العداء المشترك لقطر التي لعبت دور الوسيط لسنوات في القضية الفلسطينية، واستضافت المكتب السياسي لـ«حركة المقاومة الإسلامية (حماس)».
وتُظهر وثائق وزارة العدل الأمريكية توظيف الإمارات لشركة «مجموعة كامستول – Camstoll Group»، التي يعمل فيها مسؤولون سابقون في الخزانة الأمريكية، ومعظمهم عملوا في ملفات العقوبات الاقتصادية و«تمويل الإرهاب»، وبعضٌ ممن يعملون في الشركة لهم تاريخ من العمل مع قادة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، بحسب ما نقل موقع «ذا إنترسبت» الأمريكي.
ومع فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة صعدَ نجم مستشاره ورئيس حملته ستيف بانون، أحد زعماء اليمين الشعبوي الأمريكي ومن أهم قادته، وهو من المؤمنين بفكرة الصراع بين «الحضارة المسيحية- اليهودية» والحضارة الإسلامية. وبانون من مُهندسي ومؤسسي فكرة الشركة الشهيرة «كامبريدج أنالتيكا» التي اتُّهمت بالتلاعب بسلوك الناخبين الأمريكيين في الانتخابات الأمريكية عام 2016 وفي انتخابات في دول أخرى حول العالم، ولقدرات بانون ومكانته في اليمين الأمريكي طلبه اللوبي الإماراتي ليوظف إحدى شركاته للترويج لمواد دعائية ضد قطر.
وفيما يلي موجزٌ سريع لعلاقة اللوبي الإماراتي مع شبكات اليمين الأمريكي:
- دفع اللوبي الإماراتي 565 ألف دولار لشركة «أندريا أسوشيتس» التي يترأسها شارليس أندريا، مسؤول تواصل إعلامي سابق في البنتاجون أشرفَ على دعاية «حرب نفسية» أثناء حرب العراق، وأنتجت الشركة وثائقيًّا تشويهيًّا عن قطر بعنوان: «Qatar: A Dangerous Alliance».
لاحقًا وُزع هذا الوثائقي في مؤتمر نظمته مؤسسة هدسون البحثية تحت اسم «مواجهة التطرف العنيف: قطر وإيران والإخوان المسلمون»، وتحدث في المؤتمر سياسيون أمريكيون عن دور قطر في «دعم الإرهاب»، ومن بينهم ستيف بانون.
- وعملت الإمارات على حملةٍ تشويهية أخرى ضد قطر قبل انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2017، عن طريق شركة «سي إس إل سوشيال ليميتد – SCL Social Limited» شقيقة شركة كامبريدج أنالتيكا.
- تواصلت شركة كامستول مع صحافيين بميولٍ يمينية أو مؤيدة لإسرائيل لكتابة تغطيات إعلامية ضد قطر، وتربطها بجبهة النصرة أو حركة حماس.
اللوبي الإسرائيلي مع الإماراتي في الحرب على قناة الجزيرة
قدمت دول الحصار قائمةً من المطالب لتفك حصرها عن قطر كان من أبرزها إغلاق قناة الجزيرة، ومع الحصار انطلقت معارك اللوبيات في واشنطن، وبدأ اللوبي الإماراتي حملةً شرسةً ضد القناة، وضد منصة «AJ+»، المنصة الإعلامية المنتشرة في الولايات المتحدة والتي اشتهرت بتغطيتها المختلفة في الإعلام الأمريكي للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، ودخلت المنصة في مساحات شائكة ووفرت تغطية إعلامية غير مسبوقة عن حركة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، «بي دي إس – BDS».
أرادت الإمارات أن تُسجِّل الجزيرة باعتبارها وكيلًا أجنبيًّا يُمثِّل مصالح الحكومة القطرية، تبعًا لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب المعروف اختصارًا باسم «فارا».
ولكن ما معنى تسجيل منصة «AJ+» بصفتها وكيلًا لدولة قطر؟ سيلزم قانون فارا المنصة بالإفصاح عن كافة تحركاتها في الولايات المتحدة وعن الأموال التي تأخذها من قطر، وهنا ينتقل خصوم قناة الجزيرة للمرحلة التالية باتهام القناة بـ«العمل لصالح قطر».
وأثمرت هذه الحملة بأن أمرت وزارة العدل الأمريكية قناة الجزيرة أن تسجِّل «AJ+» وفقَ قانون فارا، ومن اللافت للنظر أن القرار جاء في 14 سبتمبر 2020، أي قبل يومٍ من توقيع اتفاقية التطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل في البيت الأبيض، واستنكرت قناة الجزيرة القرار وقالت إنه كان جزءًا من اتفاقية التطبيع.
وهذا الأمر من وزارة العدل يضع الجزيرة في مصاف قنوات تروِّج للحكومات التي تموِّلها، مثل قناة «روسيا اليوم» المملوكة للحكومة الروسية، وقناة «تي أر تي» المملوكة للحكومة التركية، وقنوات صينية أخرى تملكها الصين.
ومن الجدير بالذكر أن شركة هاجر العوض وزَّعت «على نطاق واسع» مقطعًا عنونته بـ«فيديو للجزيرة يُنكر أحداث الهولوكوست»، في إشارة لفيديو نشرته النسخة العربية من منصة «AJ+» يتحدث عن المحرقة ويقول إن دولة إسرائيل استفادت منها. وللمفارقة، تحدث الإعلام الإماراتي والسعودي عن حذف الجزيرة للفيديو مؤكدًا على «انصياع الجزيرة» لإسرائيل وأن القناة «تطرد موظفين.. من أجل إسرائيل».
الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، أكبر المنظمات الحقوقية الأمريكية، اعتبر قرار وزارة العدل تهديدًا لحرية الصحافة، وقال مسؤول في الاتحاد إن مواطني الولايات المتحدة يعتمدون على الإعلام ذي المصداقية ليعرفوا آثار سياسات حكومتهم على العالم، وقال: إنَّ الحكومة الأمريكية لا يصح أن «تسيء استعمال مفهوم قانون الوكيل الأجنبي الغامض لتستهدف مؤسسات الإعلام لغايات سياسية»، وفي النهاية أمرت وزارة العدل الأمريكية بتسجيل المنصة.
وفيما يلي نذكر لكم الخط الزمني للحرب ضد الجزيرة وصولًا إلى قرار وزارة العدل:
- في 2017 عملت مجموعة هاربور مع منظومات مناصرة لإسرائيل على حملات ضد قناة الجزيرة، منها رابطة مكافحة التشهير، وهي منظمة تناصر إسرائيل وتلاحق بالنقد من يعارضونها.
- وفي منتصف عام 2018 تواصل اللوبي الإماراتي مع أعضاء وموظفين في الكونجرس، مثل النائب الجمهوري ليي زيلدين، والسيناتور الجمهوري تيد كروز، لمناقشتهم في تسجيل الجزيرة ووضعها القانوني في الولايات المتحدة.
- وفي سبتمبر 2018 نسَّقت شركة أكين جامب مع هيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية اجتماعًا خاصًّا لمناقشة متطلبات تسجيل الجزيرة وكيلًا أجنبيًّا لقطر، وحضرت هاجر العوض الاجتماع ممثلةً عن السفارة الإماراتية.
- وفي أبريل (نيسان) 2019 استأجرت السفارة الإماراتية شركة جيليلاند آند ماكيني – Gilliland & McKinney International» مقابل خدمات ضغط سياسي لتسجيل الجزيرة.
- وبعد انتقال النائبة الجمهورية إليانا روس ليتينين للعمل في شركة أكين جامب، أصدرت ليتينين في يوليو (تموز) 2020 تقريرًا موسعًا من 124 صفحة لتعزيز السردية الإماراتية عن القناة.
التطبيع الإماراتي الإسرائيلي
«بيت العائلة الإبراهيمية»، مشروع أُعلن عن افتتاحه نهاية عام 2019 في الإمارات، يجمع معابد لثلاث ديانات سماوية، المسيحية واليهودية والإسلام، وجاء خطوةً في مشوار الإمارات منذ سنوات للتطبيع مع إسرائيل، وعلى واجهة هذا التطبيع تضع الإمارات عبارات التسامح وتقبُّل الآخر، دون ذكرٍ للآخر الفلسطيني ولا لحقوقه التي تسلب كل يوم في الأراضي المحتلة.
عمل اللوبي الإماراتي في العقد الماضي على تعميق العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، وساعدت في تحقيق الهدف جماعات الضغط المناصرة لإسرائيل في أمريكا.
وبدأت رحلة التطبيع من واشنطن، بالتطبيع الناعم والتطبيع الثقافي، وبالتشبيك المكثَّف مع المنظمات المناصرة لإسرائيل، وقد قادت مجموعة هاربور هذه الجهود، وعلى رأسها ريتشارد مينتز.
يتمتَّع اللوبي الإماراتي بعلاقة وثيقة وقوية مع اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، ولعله من أقرب اللوبيات العربية له، وفيما يلي موجزٌ لأهم أنشطة الإمارات في هذا الصدد:
- تواصلت مجموعة هاربور مع مركز برونفمان اليهودي في جامعة نيويورك، والذي عُيِّن رئيسه يهودا سارنا لاحقًا كبيرًا لحاخامات المجتمع اليهودي في الإمارات.
- منذ 2010 تنسِّق مجموعة هاربور رحلاتٍ سنوية لـ«اللجنة اليهودية الأمريكية – American Jewish Committee»، إحدى المنظمات المناصرة لإسرائيل، لتزور الإمارات سنويًّا للقاء مسؤولين إماراتيين منهم نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم، وأنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، والأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، وزارت الوفود قناة العربية مرتين على الأقل والتقت بالإعلامي الفلسطيني نبيل الخطيب، الذي عمل آنذاك مديرًا لتحرير القناة، وزارت الوفود متحف الشارقة برفقة سلطان القاسمي، المثقف الإماراتي المهتم بالفنون العربية والإسلامية.
- تواصل اللوبي بشكلٍ مكثف مع رابطة مكافحة التشهير اليهودية، ونسق اجتماعات ليوسف العتيبة مع المدير التنفيذي للرابطة جوناثان جرينبلات، وتعاون اللوبي مع الرابطة في حربها ضد قناة الجزيرة في واشنطن، ونسقت هذه الجهود مع ديفيد وينبيرج، مسؤول الشؤون الدولية في الرابطة الذي يركز في عمله على قناة الجزيرة.
الإمارات تدفع للسيسي في واشنطن
بعد التحرُّك العسكري في مصر والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، دعا بعض أعضاء الكونجرس الرئيس أوباما للاعتراض على ما حصل وضغطوا ليصف تحرك الجيش بـ«الانقلاب»؛ ما سيلزم إدارة أوباما قانونيًّا بقطع كامل المساعدات عن مصر، وقيمتها على الأقل مليار و300 مليون دولار تذهب للجيش المصري.
ومن أبرز هؤلاء السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي صرَّح بأنَّ على أمريكا تعليق المساعدات إلى حين «وجود دستور جديد وانتخابات عادلة وحرة» في مصر، وفي الكونجرس أصوات أخرى أقل حدة من ماكين وأكثر قلقًا على أمن إسرائيل، مثل السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية آنذاك، والذي اكتفى بالمطالبة باستعمال المساعدات الأمريكية للضغط على الجيش المصري لينقل السلطة لحكومةٍ مدنية.
وفي يوليو 2013، تواصل اللوبي الإماراتي مع مكاتب الشيوخ بوب مينينديز، وزميله السيناتور الديمقراطي جاك ريد، الذي كان يتساءل عن جدوى قطع المساعدات عن الجيش المصري، وتواصل اللوبي الإماراتي في تلك الفترة مع مراكز أبحاث لمناقشة التطورات في مصر.
وكشف موقع «ذا إنترسبت» بتسريبات من إيميل العتيبة أنَّ الإمارات دفعت 3 ملايين دولار نيابةً عن مصر في عقد ضغط سياسي لصالح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ضابط موساد سابق في خدمة موانئ دبي
وفي نهاية عام 2019، تعاقدت شركة موانئ دبي مع آري بن ميناشي، الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وكان الهدف الأساسي من العقد هو الحصول على عقد لمدة 20 عامًا للاستحواذ على الميناء الجنوبي في بورتسودان في السودان. نصَّ العقد على أنَّ بن ميناشي سيضغط على الحكومة والاستخبارات الأمريكية لحصول الإمارات على هذا العقد. وجديرٌ بالذكر استئجار المجلس العكسري الانتقالي السوداني لآري بن ميناشي، وكذلك نبيل القروي المرشح الرئاسي التونسي السابق، وكذلك خليفة حفتر وعقيلة صالح.
لقراءة كامل تفاصيل هذا التعاقد اضغط هنا.
العتيبة.. السفير يُنظِّف نتائج البحث عنه في «جوجل»
استأجر يوسف العتيبة شركة «تيراكيت إل إل سي – Terakeet LLC» المتخصِّصة في خدمات الـ«إس إي أو – SEO»، لتحسين نتائج البحث عنه في محرِّك «جوجل»، بعد أن تصدَّرت عناوين صحافية ناقدة له نتائج البحث عن اسمه في المحرك، واستطاعت الشركة بالفعل أن تغيِّر ترتيب النتائج عن السفير، لتبرز في البداية صفحة العتيبة في موقع السفارة الرسمي، ثم موقعه الشخصي، ثم حسابه على منصة «لينكدإن».
ومقابل هذه الخدمات دفع العتيبة 350 ألف دولار أمريكي، ويُذكر أن مدير الشركة هو ماك كامينكز، مدير الشؤون المالية والإنترنت للحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون عام 2008.
وتظهر وثائق اللوبي الإماراتي تعاقدًا مع شركة «تي جي آر أدفايزوري للخدمات – TRG Advisory Services»، ومالكها ديفيد روثكوبف، المدير التنفيذي السابق لمجلة «فورين بوليسي» ورئيس تحريرها من عام 2012 حتى 2017. وبعد خروجه من المجلة وظَّفته الإمارات ليُقدِّم خدمات استشارية وإعلامية، منها تنسيق إنتاج «بودكاست» يدير جلساته السفير يوسف العتيبة، وحتى كتابة هذه السطور تلقت الشركة مليونًا و330 ألف دولار مقابل خدماتها.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.