قصة تدهور الاقتصاد الأرجنتيني
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
اجتمع قادة الدول الأكبر اقتصادًا في العالم في العاصمة الأرجنتينية، بيونس آيرس، ضمن فعاليات قمة مجموعة الـ 20 الاقتصادية، لمناقشة قضايا بالغة الأهمية تتعلق بالاقتصاد العالمي، والتي تشمل تأمين العمل والغذاء في المستقبل، والحرب التجارية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وعلى الرغم من ضعف احتمالية أن يتحدث الرئيس الأرجنتيني، ماوريسيو ماكري، عن الوضع الاقتصادي المتردي في بلاده، فليس على الضيوف إلا محاولة تحويل عملاتهم إلى البيزو الأرجنتيني لإدراك الوضع، إذ كان الدولار الأمريكي يساوي 20 بيزو في إبريل/نيسان الماضي، أما اليوم فإنه يساوي ضعف هذا المبلغ، ما يجعل العملة الأرجنتينية الأسوأ أداءً في 2018.
ومن متابعة التقلبات في الاقتصاد الأرجنتيني صعودًا وهبوطًا خلال العقدين الأخيرين، ومراجعة السياسات الاقتصادية والمالية في كل من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي، يتبين لنا الآتي:
أوقات عصيبة
تعاني الأرجنتين من تدفق رؤوس الأموال إلى خارج البلاد، ما أدى إلى دخول اقتصاد البلاد في حالة ركود، التي تعد الأزمة المالية الأسوأ منذ عقود.
هل يبدو الأمر مخيفاً؟ بالنسبة للأرجنتينيين، ليس هذا شيئًا جديدًا، فقد مرت البلاد بالعديد من الأزمات الاقتصادية في العقود الأخيرة، وكانت الكوارث الاقتصادية تنتهي تقريبًا في كل مرة بمزيج من المستويات غير المستدامة من الدين القومي، وارتفاع البطالة ومعدلات الفقر، وزيادة النهب، وسحب المودعين أموالهم من البنوك، وهروب رؤوس الأموال خارج البلاد، والتضخم المفرط، وهذا بدوره يهيئ المجال للأزمة الاقتصادية التالية.
ليس بالضرورة أن يحدث نفس الشيء هذه المرة أيضًا، فمنذ عامين فقط، تعلمت القيادة الأرجنتينية دروس الماضي وبدأت في التحكم في الاقتصاد بطريقة أكثر فعالية، إذ ساعدت القيود المفروضة على حركة رؤوس الأموال على استقرار البيزو ودعم القطاع المالي، فيما ساعد الإنفاق الحكومي الرشيد على تراجع معدلات الفقر، وارتفع إنفاق المستهلكين وتراجعت معدلات البطالة وتحسن توزيع الدخل.
السياسات الخاطئة
بناء على ما سبق، فقد كانت البلاد تتمتع بوجود أسس من السياسات المفيدة التي دعمت الإنفاق الحكومي عندما تولى الرئيس ماكري مقاليد السلطة عام 2015، على الرغم من وجود بعض التحديات.
ولكن بدلاً من التحلي بالمسئولية وكبح جماح الإنفاق والتضخم، قرر ماكري، الذي ينتمي إلى يمين الوسط، تخفيض الضرائب على الشركات، والاقتراض من الخارج بمستويات قياسية حتى يتمكن من تنفيذ سياساته، وفي نفس الوقت فقد ألغى القيود الرأسمالية المعمول بها منذ عام 2002.
وبالطبع، أدى ذلك إلى تعرض البلاد لأزمة مالية بدأت في مايو/آيار من العام الجاري، عندما تعرضت البلاد لجفاف شديد -يعد الأكبر تكلفة في تاريخ البلاد- أدى إلى موت المحاصيل المهمة المصدرة للخارج، مثل فول الصويا والذرة، وتعد الأرجنتين الدولة الثالثة على العالم في تصدير هذين المحصولين.
وبدأ المستثمرون الأجانب، مدفوعين بالمخاوف حيال قدرة الحكومة على أداء التزاماتها، في التخلي عن السندات الحكومية قصيرة الأجل التي يملكونها، فيما بدأ الأرجنتينيون في التخلي عن مدخراتهم من البيزو الأرجنتيني عند استشعارهم للمشاكل الاقتصادية من الوهلة الأولى.
وبحلول شهر يونيو/حزيران، كانت الأرجنتين تسعى للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي في صورة تسهيلات ائتمانية بقيمة 50 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل أكبر مبلغ تحصلت عليه البلاد من الصندوق في تاريخها.
إلى أين تذهب الأرجنتين؟
لقد بددت الأرجنتين بالفعل 15 مليار دولار من أموال صندوق النقد الدولي في سعيها للحفاظ على استقرار البيزو، وقد نجحت في مسعاها، إلا أن البنك المركزي باع سندات حكومية بعشرات المليارات من البيزوات بعائدات قد تصل إلى 70%، أعلى معدل عائد على السندات في العالم.
وعلى الرغم من نجاح ذلك في إيقاف النزيف الاقتصادي، إلا أن الجرح لايزال غائرًا، إذ اقترب البيزو الأرجنتيني من أدنى مستوياته التاريخية، فيما عدل الاقتصاديون توقعاتهم للتضخم خلال 2018 ليبلغ 47.5%، وهو ضعف تقديراتهم الأولية في شهر أبريل الماضي، كما توقع صندوق النقد الدولي تقلص الاقتصاد الأرجنتيني بنسبة 1.9% في 2019، بعد انكماشه بنسبة 2.6% وفق التوقعات خلال العام الجاري.
ولحسن الحظ، لا يزال هناك ما يدعو للتفاؤل، إذ يمكن للبلاد الخروج من الأزمة الحالية، ولكن ذلك يعتمد على ما إذا كانت الأرجنتين ستلتزم بشرط صندوق النقد الدولي بإنهاء عجز الموازنة خلال عام 2019، وكذلك ما إذا كانت البلاد ستعتمد سياسات رشيدة أخرى مثل زيادة الموارد العامة من خلال إعادة فرض الضرائب على الصادرات وتفعيل القيود الرأسمالية لضمان استقرار العملة المحلية.