الإحصاء وكرة القدم: ماذا يحدث للفرق بعد إقالة المدربين؟
بسبب التطورات والتغييرات الكبيرة التي شهدتها كرة القدم في السنوات القليلة الماضية، اكتسبت اللعبة طابعًا تجاريًا حوَّلها لصناعة مربحة جدًا تدر الكثير من الأموال وتعتمد بشكل كبير على التسويق، ومَن ليس بمقدرته اللحاق بهذا الركب سيجد نفسه خارج المنافسة حتمًا. ونتيجة لتواجد الأموال التي تترجم لغتها فقط بالأرقام سواء بالخسارة أو الربح، أصبحت هذه الصناعة تتسم بأنها شديدة الحساسية وذات مخاطر كبيرة.
وفي عالم كرة القدم يرتبط مفهوم الربح والخسارة بالنسبة للأندية بعاملين، أولهما، العمل الذي يقدمه المدرب داخل أرض الملعب، والآخر، هو نجاحه في تلبية متطلبات الإدارة وطموحاتها، فمهمة المدرب الأساسية هي تحقيق النتائج الإيجابية واستخراج أفضل ما يمكن من عناصره، ولهذا عند حصول خلل ما أو تراجع في المستوى يبدو أن الطريق الأمثل لاستعادة الروح هي إقالة أو طرد المدرب. فالنتائج الإيجابية بمثابة حلم يطمح الجميع لتجنب الاستيقاظ منه، أما السلبية أشبه بقصة خرافية مرعبة لا يرغب أحد بسماعها.
كابوس النتائج الموحش
في كواليس الأندية هناك بيئة خاصة يعيشها المدرب مع لاعبيه ولا نعلم ماذا يحدث خلف هذه الأبواب الموصدة، ما نعلمه أن اللحظات السعيدة تمر بسرعة وتُنسى بشكل أسرع، أما اللحظات السيئة مرورها يكون قاتلًا، تطفو على السطح ولا يمكن تجاهلها، لأن الطبيعة التجارية تفرض عليك العمل والتأدية بشكل جيد لكي تكسب ثقة مرءوسيك. وليستر مع رانييري في الفترة الأخيرة من مشواره مع النادي دخل في كابوس أحداثه موحشة جدًا، فافتقد لاعبوه رغبتهم باللعب وانقطعت شهيتهم الكروية، فغابت الأهداف والانتصارات واعتاد اللاعبون على هذه الأجواء السلبية.
على الرغم من أن رانييري كان مخلصًا للاعبيه ولم يتهم بعضهم بالخيانة أو التراخي، وربما تغاضى عن سوء أداء بعضهم الآخر كثيرًا تحنبًا للمشاكل، لكن في الوقت ذاته افتقد كلاوديو للحلول ولم يحاول مساعدة نفسه وانتشالها من هذا التخبط، فدخل ليستر في غيبوبة وأصاب رانييري موت إكلينيكي، ولذلك كان القرار بإزالة أجهزة الإنعاش عنه. وبالمنطق ليستر اتخذ قرارًا صحيحًا بإقالته، فالفريق كان بحاجة ماسة لقشة يتعلق بها هربًا من الغرق، وفي كرة القدم عواطفنا لا تهم، النتائج هي الأهم، والتاريخ مجرد ذكرى أسعدتنا تفاصيلها.
إحصائيًا وقبل التضحية بالمدرب، تشير الأرقام إلى أن أداء الفرق يصيبه بعض الركود خلال فترات معينة ولأسباب متعددة، البروفيسورة سوزان بريدج ووتر والتي تعمل مديرة في مركز الاقتصاد الرياضي جامعة ليفربول، وصلت إلى نتيجة تقريبية بعد تحليلها لبيانات المدربين المُقالين في البريمرليغ بين عامي 1992-2008.
فترة شهر العسل
المدرب الجديد ببساطة لا يملك عصا سحرية، لكن وفقًا للإحصائيات؛ فإن الأندية التي تقوم بإقالة المدربين تؤدي بشكل أفضل لعدة مباريات مع المدرب الجديد، ويمكن الإشارة إلى هذا التحسن الملحوظ بمصطلح «فترة شهر العسل» والذي يستمر من 6-12 مباراة، وبالنسبة للبروفيسورة بريدج يمكن تفسير هذا الأمر بسهولة، لأن إقالة المدرب تمت في أحلك أوقات الموسم وأشدها انخفاضًا.
والآن نرى هذا الأمر مع كريغ شيكسبير بعد إقالة رانييري، الإيطالي فشل في تحقيق أي انتصار في 6 مباريات على التوالي، بينما شيكسبير تمكن من تحقيق 3 انتصارات متتالية في البريمرليج منذ لحظة استلامه، لأنه بالأصل يمتلك عناصر جيدة ولا يمكن لهذه الأسماء أن تكون في مراكز الهبوط.
الأمر أشبه بعقارب الساعة، يتوقف الزمن عندما تتوقف عن الحركة بسبب تبدد الطاقة، لكن هذه العقارب ستعود للعمل بعد وضع بطاريات جديدة للساعة، والمدرب ببساطة لا يقوم بتحريك هذه العقارب، اللاعبون يعودون لوضعهم ومستواهم الاعتيادي بعد هذه الفترة السيئة، والأمر عائد لعدة أسباب، منها النفسية بسبب الاعتياد على الأجواء السلبية وصعوبة الخروج منها، وبسبب الحافز لوجود الرغبة بالعودة للعمل الجاد من أجل إقناع المدرب للدخول ضمن خططه، أو بسبب شخصية المدرب القيادية وقدرته على رفع الروح المعنوية للفريق.
العودة إلى المربع الأول!
بعد انتهاء شهر العسل والوصول لذروة التحسن، تعود النتائج إلى ما كانت عليه ويصبح معدل النقاط يتراوح بين 1 – 1.3 نقطة في المباراة كما في الحالة السابقة، وإحصائيًا مرة أخرى، كانت النتائج الإيجابية ستعود مع رانييري لو تم الإبقاء عليه في منصبه بعد انقضاء هذه الفترة السلبية. يبرهن على ذلك البروفيسور الهولندي باس تير ويل والذي أجرى تحليلًا إحصائيًا على أندية الدوري الهولندي على مدى 18 عامًا هو الآخر.
البروفيسور الهولندي باس تير ويل.
وعلى الرغم من أن الإحصائيات تشير إلى أن إقالة المدرب خلال فترة الركود ليست بالحل الأمثل على المدى الطويل، لكن المنطق يفرض عليك إقالة المدرب، لأنه في كرة القدم وكما أي مجال آخر، غياب الفعالية والإنتاجية يعني تكبد المزيد من الخسائر، ولذلك لا يمكنك الجلوس بهذه الطريقة وانتظار تحسن النتائج.
وفي كثير من الحالات لا يكون سبب هذا التراجع فنيا أو تكتيكيا بالمقام الأول، والنموذج الأبرز على ذلك هو جوزيه مورينيو عندما خسر ثقة لاعبيه وتسبب بالكثير من المشاكل في غرف ملابس تشيلسي، ولذلك الخيار البديهي كان إقالة مورينيو بدلًا من إقالة الفريق بأكمله، حتى لو كانت النتائج الإحصائية تشير إلى عودة محتملة للنتائج الإيجابية معه.
المنطق يتكلم والواقع يحكم
كرة القدم بنهاية الأمر ليست بعلم صحيح أو دقيق، والإحصاءات هي مجرد تصورات بُنِيت وفقًا لبيئات مختلفة ولا يمكن أن تتكرر لتباين الظروف، واتخاذ قرار الإقالة من عدمه يعتمد بشكل جوهري على وضع النادي لحظة اتخاذ القرار. ومرة أُخرى نحن لا نعرف ما يجري في الكواليس بسبب جهلنا بتفاصيل البيت الداخلي للأندية. لكن نعرف الواقع الحالي الذي أصبح فيه رانييري جزءًا من تاريخ الثعالب، كان ذكرى جميلة بلا شك رغم خيبة ومرارة فصلها الثاني، لكن حان الوقت ليتسلم القائد الجديد دفة القيادة.
ويبدو أن شيكسبير مُقبل على مسرحية جديدة بتفاصيل مغايرة لتلك التي اختبرها فريقه في العرض الأول من الموسم، فتمكن من إعادة الروح إلى ليستر مدينة الموتى السائرون مع رانييري. شيكسبير ربما ليس مدربًا جيدًا، فلم نره إلا في تجارب قليلة، لكن هذه الثقة التي يلعب بها فريقه الآن لم تأت من العدم، والنتائج الحالية تبشر بنهاية أفضل للنادي على المستوى المحلي، لكن دعونا لا نستبق ذلك، فالدوري الإنجليزي يتحول إلى مكان شرس لا رحمة فيه بجولاته الأخيرة، فهل سيستمر شكسبير بشهر العسل، أم ستكون مجرد فترة إيجابية مؤقتة منوطة دائمًا بتغيير المدربين وسيعود ليستر إلى ما كان عليه وفقًا للإحصاءات؟