حساسية الربيع: دليلك لفهم ما يحدث لك خلال فصل الورود
هكذا تقول السيدة «أم كلثوم» في أغنيتها «غنى الربيع»، لكن فصل الربيع لدى البعض ليس كما هو هنا، بألحان طيوره ونسيم أغصانه، وفجره ووروده، بل هو كابوسهم. كابوس هؤلاء المصابين بنوع من الحساسية مرتبطة بالربيع، تعرف باسم «حساسية الربيع – Spring Allergies»، فما هي؟ ولماذا يحدث لهم هذا؟
في البداية، دعونا نتعرف أولًا على موعد قدوم فصل الربيع وكيف يحدث.
فصل الربيع فلكيًا
هناك اعتدالان يحدثان خلال السنة، أحدهما في الربيع والآخر في الخريف. يعرف فصل الربيع فلكيًا بأنه الفترة بين الاعتدال الربيعي والانقلاب الصيفي، ويتميز بدرجات حرارة معتدلة تبدأ بالارتفاع تدريجيًا، ويتساوى فيه طول الليل والنهار.
يبدأ هذا الاعتدال في النصف الشمالي من الكرة الأرضية من يوم 20 – 21 مارس/آذار، وحتى 20 – 21 من شهر يونيو/حزيران في فصل الصيف. أما في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، فيحدث من يوم 22 – 23 سبتمبر/ أيلول إلى 22 – 23 ديسمبر/كانون الأول. كيف نفهم هذا فلكيًا؟
حسنًا، تدور الأرض حول الشمس دورة كاملة لتكمل عامًا كاملًا، وتدور حول نفسها أيضًا دورة كاملة لتكمل يومًا واحدًا. يميل محور الأرض نحو الشمس، مما يتسبب في طول فترة النهار في نصف الأرض الواقع في اتجاه ميل المحور، واعتدال الطقس حين ترتفع درجة الحرارة. هذه الحرارة تمنح الأرض بعض الدفء، والذي يمنح النباتات والحيوانات فرصة بدء حياة جديدة. لهذا نرى النباتات تزهر، والطيور تبدأ الخروج من سباتها الشتوي.
حساسية الربيع، القصة الكاملة
يلزمك الاطلاع على هذا الفيديو سريعًا:
كما رأيت في الفيديو السابق،السبب الرئيسي لحدوث الحساسية هو «حبوب اللقاح – Pollen» التي تبدأ بالانتشار في الهواء. تنتشر هذه الحبوب حين تبدأ النباتات بإطلاقها من أجل تخصيب نباتات أخرى. عرفنا السبب، فماذا عن الحساسية؟ وكيف نتعامل معها؟
معنى «الحساسية – Allergy»
بشكل مختصر، يمكننا تعريف الحساسية بأنها رد فعل الجهاز المناعي عند تعرضنا لمادة غريبة تجد طريقها داخل أجسادنا سواء عن طريق الأكل، التنفس، اللمس، أو الوخز. هذه الحالة التي يكون عليها الجسم -ونكون عليها- تسمى الحساسية.
فإذا كنت تعاني من حساسية الربيع، وحالفك الحظ لتسير في هذه الأجواء الربيعية -وبالتأكيد ستسير لممارسة حياتك الطبيعية، فلن تحبس نفسك في فقاعة-، ما يحدث هو أنك تتعرض أو تصطدم بهذه الحبوب المتطايرة، عندها يبدأ الجهاز المناعي بالعمل.
يتعامل جهازنا المناعي مع حبوب اللقاح على أنها أجسام غريبة تقتحم أجسادنا يجب مهاجمتها. فيبدأ الجسم بإفراز الهيستامين في الدم، والذي يؤدي إلى ظهور أعراض الحساسية المعروفة مثل السعال والعطس، سيلان الأنف، احمرار العينين وإصابتها بالحكة، واحتقان الحلق. وفي حالة الإصابة الشديدة بالحساسية، يمكن أن يصاب المرء بطفح جلدي، انخفاض ضغط الدم، ومشاكل في التنفس، ونوبات الربو القاسية، وفي بعض الأحيان يؤدي ذلك إلى الموت.
وتفيد إحصائية لمؤسسة الربو والحساسية الأمريكية، أن أكثر من 50 مليون أمريكي يعانون أنواعًا مختلفة من الحساسية كل عام، وهي السبب الرئيسي السادس للأمراض المزمنة في الولايات المتحدة.
يقول «كينيث مينديز – Kenneth Mendez»، الرئيس والمدير التنفيذي للمؤسسة، في تصريح لموقع هيلث لاين:
تؤثر التغيرات التي تطرأ على مدة وشدة موسم حبوب اللقاح على الأشخاص الذين يعانون من أمراض الشعب الهوائية مثل الربو، والأطفال والمسنين.
كيف يمكنك التعامل مع الحساسية؟
تُعطى مضادات الهيستامين للشخص المصاب بشكل أساسي بعد استشارة طبية، حيث تعمل على تقليل العطس والتهاب العينين من خلال آلية عملها التي تقلل كمية الهيستامين المفرزة في جسده. بالطبع لا يمكنك الحصول عليها إلا بعد مراجعة طبيب مختص، وهناك أيضًا بعض الإجراءات الوقائية البسيطة التي تجنبك الإصابة بالحساسية، ولا تستدعي تدخلاً طبيًا كالآتي:
1. المكوث في المنزل عندما يكون الجو مليئًا بالغبار، واصطحاب كمامة طبية معك إن اضطررت للخروج في هذه الأوقات الصعبة.
2. خلال أشهر الربيع، أغلق نوافذ منزلك حتى تحافظ على الجو الداخلي نظيفًا، ويمكنك استخدام أجهزة تنقية الهواء لمساعدتك على الحصول على الراحة داخل المنزل.
3. نظف أرفف الكتب والأسطح التي يمكن أن يترسب عليها الغبار، بالتأكيد يمكنك الاستعانة بشخص ما ليقوم بهذه الخطوة حتى تتجنب الإصابة.
4. عند العودة إلى المنزل بعد يوم طويل، قم بغسل شعرك لأن الغبار والأتربة ومسببات الحساسية تتجمع هناك.
هل للتغير المناخي دور؟
مثلما يؤثر التغير المناخي على فصول الشتاء والصيف، فبالتأكيد يؤثر على فصل الربيع.
التغير المناخي هو مصطلح يفسر ارتفاع درجة الحرارة الطبيعية، والتغير في أنماط الطقس، وكذلك زيادة مستوى حبوب اللقاح المحمولة في الهواء. وفي دراسة حديثة في مجلة «Lancet Planetary Health» أجريت على 17 موقعًا حول العالم، أظهرت أن عدد حبوب اللقاح المحمولة جوًا يزداد بشكل ملحوظ بسبب التغير المناخي، حيث تم حساب مستوى هذه الحبوب المحمولة خلال 20 عامًا.
كيف يفعل التغير المناخي ذلك؟
هناك آليات يعمل من خلالها التغير المناخي على زيادة عدد ومستويات حبوب اللقاح في الجو كالآتي:
1. تساهم العمليات الجوية المتغيرة مثل العوامل الجوية من رياح وعواصف ونقل وترسيب على إنتاج وتكوين البروتين لجراثيم اللقاح.
2. تؤثر التغيرات المناخية مثل؛ ارتفاع درجة حرارة الجو في غير موعده، أو زيادة عن معدلها الطبيعي على موسم حبوب اللقاح، حيث تؤدي إلى زيادة كمية حبوب اللقاح، وتمديد موسمها. (راجع تصريح «كينيث مينديز» في الأعلى).
3. يتعرض الأشخاص المصابون بالربو أو بمرض «الرئة الانسدادي المزمن – chronic obstructive lung» لغازات الدفيئة في الجو، حيث تكون قادرة على إثارة الأعراض التنفسية الخطيرة لهم، مثل ضيق التنفس، وتراجع وظائف الرئة، وفي بعض الأحيان قد تؤدي إلى الوفاة.
4. قد تؤدي الفيضانات والعواصف الشديدة الناتجة عن هطول الأمطار في غير موسمها أو هطولها بمعدل أكثر من معدلها الطبيعي إلى رطوبة الجو والمباني، حيث تزيد من الأعراض المرضية لشخص مصاب بالحساسية.
أخيرًا، قد يتنهد لك فصل الربيع وهو يقطف الورد من المرج، وقد يصيبك بحساسية تبقيك مريضًا وماكثًا في المنزل أيضًا. وفي كل الأحوال لا داعي للتذمر، فالأمر يحتاج منك إلى أخذ الحذر من التعرض للأجواء المليئة بالغبار لتحافظ على صحتك قدر الإمكان، ثم الاستمتاع بوقتك خلال الجلوس في المنزل. يمكنك مثلًا مشاركتنا كيف تقضي وقتك خلال ذلك؟