«نيوم» الرياضية: كيف عاد الغرب لأحضان السعودية؟
هل تعرف ما هو الجنون؟ أن ترى مدينة نصفها في البر والآخر في البحر. تكون مياهها محلاة بمائه، يفصل بين جزأيها الرئيسين خط على هيئة مرآة عملاقة هو ناطحة سحاب ممتدة على طول 121 كيلومترًا بخلاف ارتفاعها. تتجهز لاستقبال 5 ملايين شخص من العدم. بها الخضرة والصحراء والماء، ويمكنك الوصول إليها من كل مكان في الشرق الأوسط بأسرع مما تتخيل. هل تعرف ما هو الأكثر جنونًا؟ أن هناك من يبدأ العد التنازلي لرؤية كل ذلك حقيقة بالفعل!
بل إن الواقع يقول إن هناك مشاريع بعينها في «نيوم»، المدينة الحلم التي حولتها أموال السعودية إلى حقيقة يقترب تمامها، قد باتت أمرًا واقعًا يمكنك أن تراه عبر صفحات الإنترنت، عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بها، أو أن تستخرج تأشيرتك التي باتت سهلة إلى المملكة العربية السعودية لتراها.
حلم «نيوم» وراؤه العديد من التفاصيل التي تخبرك كيف يمكن لاستثمار مختلف لأموالك أن يغسل يديك الملطخة بمنتهى السهولة، بل ويجعل أولئك الذين انهالوا عليك انتقادًا، يتسابقون لعقد الشراكات معك!
خارج حدود النفط
ليست هذه هي الرؤية فحسب، بل إن «السعودية ما بعد النفط» هاجس يشغل بال محمد بن سلمان بكل تأكيد.
يؤكد نيل هوبكنز رئيس وكالة «إم سي ساتشي» للأبحاث الرياضية والترفيهية، أن «نيوم ربما تكون أشهر مشاريع صندوق الاستثمارات العامة العملاقة، المصممة لتحفيز النمو الاقتصادي ومساعدة السعودية على رسم مسار اقتصادي يدعم مستقبلًا خاليًا من النفط».
هل يمكن أن تخلو السعودية من النفط؟ سؤال سابق لأوانه. لكن يبدو أن محمد بن سلمان لا يتوقف عن تخيُل مملكته تجلب حصيلتها المالية الحالية من مصادر بخلاف النفط خصوصًا مع تعذر رفع الإنتاج السعودي من النفط في العديد من المناسبات السابقة.
يحمل بند الرياضة الكثير من التفاصيل التي تخص شراكات «نيوم»، تمامًا ككل رغبات السعودية في استخدام الرياضة كوسيلة لغسيل السمعة إذا جاز استخدام ذلك الوصف.
أتاحت طبيعة نيوم لها إمكانية استضافة العديد من الرياضات التي تحتاج هذه التضاريس. بخلاف ما سيكون عليه الحال في كل بنيتها التحتية المؤسسة خصيصًا لاستضافة الفعاليات الرياضية الكبرى في كل البطولات.
فنيوم تشتمل على الشطآن التي تؤهلها لاستيعاب الرياضات المائية والشاطئية، تشتمل على التضاريس الجبلية الوعرة الملائمة لهذه الرياضات، بيئة خصبة لسباقات السيارات الصحراوية، ولذلك تم التحرك في شتى الأنواع لجلب كل الصور المختلفة من الرياضات لدعم صورة السعودية من خلال «نيوم».
فبدءًا من عام 2021، عقدت «نيوم» شراكات بالغة الأهمية في مجال الرياضة ككل، بداية من شراكات الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، في بطولاته وكافة مبارياته الرسمية بين عامي 2021 و2024، جنبًا إلى جنب مع استضافة بطولة العالم للكرة الشاطئية التي شهدت تغطية هي الأقوى منذ ظهور تلك الرياضة برمتها للنور في عام 1992، كما استضافت نيوم في 2022، سباقات دوري الترايثلون الممتاز، الذي يشتمل على سباقات السباحة والجري وركوب الدراجات.
هذه الشراكات سواء باستضافة نيوم لفعاليات رياضية عالمية، أو بوضع اسمها في لافتة إعلانات تراها فقط في ثوانٍ معدودة مع كل هجمة لفريقك المفضل أثناء متابعة مباراة، ستجعل اسم «نيوم» محفورًا في ذهنك وملتصقًا بالفعاليات الرياضية، وهذا ما يستهدفه الاستثمار البالغ 500 مليار دولار إلى الآن!
نيوم ماكلارين: كيف عاد الغرب لأحضان السعودية؟
العقد الأكثر إثارة في توجهات نيوم الرياضية، هو الشراكة مع علامة «ماكلارين» البريطانية، شراكة تستهدف «قيادة قطاع السباقات الكهربائية عبر منافسات سباقات (فورمولا إي) و(إكستريم إي)» حسب البيان الرسمي الذي صدر من الجهتين عن تلك الصفقة التي بات من خلالها فريق «ماكلارين» للسيارات الكهربائية، يدعى «نيوم ماكلارين».
في تقرير أصدرته صحيفة «التليجراف» البريطانية، فإن عقد «ماكلارين» إضافة إلى الاستحواذ السعودي على «نيوكاسل» وملكية دوري «ليف جولف» الذي ارتفعت جوائزه المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة السعودي لتصل إلى 405 ملايين دولار، ما هي إلا مجرد أمثلة على ما يعرف بـ«غسيل الرياضة».
يشرح التقرير هذا المصطلح بالقول، إن هذه الشراكات هي «طريقة السعودية لتحسين صورتها العامة مع تشتيت الأنظار عن الفضائح» في إشارة إلى مقتل جمال خاشقجي في السفارة السعودية بتركيا عام 2018، التي تركت انطباعًا سيئًا لدى الغرب، خصوصًا ممن تحمسوا للمظهر الإصلاحي الذي عنون به محمد بن سلمان ظهوره للعالم.
يمكنك أن تعود للعقوبات البريطانية في 2018 على 20 شخصية سعودية بسبب التورط في قتل خاشقجي، وترى اللهجة البريطانية الرسمية وهي تدعو لسحب الاستثمارات البريطانية من المملكة، ثم تقيم الوضع الآن تجاه نفس الشركات التي تتوجه بنفسها للحاق بالمستقبل الذي تقود المملكة خيالاته.
ماكلارين جزء بسيط من استثمارات بريطانية فقط دخلت وتدخل وستدخل إلى السعودية في السنوات الأخيرة، إضافة إلى شراكات أخرى تستثمر بها المملكة مبالغ طائلة في الرياضة البريطانية، وما نادي نيوكاسل ذو الملاءة المالية الأعلى بين أندية العالم عنّا ببعيد.
وهذا مجرد نموذج، كان من الخيال أن يصدق أحد أن يحتضن الغرب السعودية مرة أخرى، فإذا بها هي التي تدعوهم إلى أحضانها وهم يأتون صاغرين من أجل أموال لم يتخيل أكد كمّها من قبل، من كان يتخيل ذلك في غضون 5 أعوام فقط؟
قد يكون هو نفسه من تخيل حلم «نيوم» وجعله واقعًا، تلك المدينة التي نصفها في البر والآخر في البحر، ويفصل بين جزءيها مرآة طويلة في قلب الصحراء.