سبشيال يونايتد: مورينيو زعيم للشياطين أم شيطان للزعيم؟
مانشستر يونايتد مدرسة 1992
عليك أن تكون مولودًا بالأمس لتتحدث عن مانشستر يونايتد دون أن تسترجع الصورة الذهنية لجيل 92 الذي صنع أفضل عودة في تاريخ اللُّعبة، أن تكون متأخرًا بـ 18 لقب لـ 7 ثم تعود في النتيجة لهو أمر يعجز عن وصفه فيرجسون نفسه، إلى جانب ذلك يبدو نهائي 99 كتمارين الصباح.
ولن تكون مبالغة إن قلنا أن تاريخ مانشستر يونايتد الفعلي بدأ مع تلك المجموعة، وبرغم انسجامهم الواضح إلا أنهم لم يتشاطروا نفس الرأي فيما يخص الاستثنائي. بيكهام أعلن مساندته الواضحة لمورينيو، سكولز لجأ لإحراجه بتصريح ذكي عن كرة القدم المثيرة التي ينتظرها جمهور الشياطين، بينما اكتفى جيجز بالصمت في انتظار جلسة الحسم مع البرتغالي بعد إجازته، وصرَّح الملك كانتونا أنه يفضِّل جوارديولا لوظيفة اليونايتد رغم “إعجابه بكل تفصيلة في شخصية الاستثنائي”.
ورغم أنَّ عدوانية روي كين الذي يرى مورينيو “أكثر استفزازًا من أن يُعجب به” قد اختصرت مخاوف الكثيرين، إلاَّ أن الجميع اتفق على أن فان خال جعل من الاهتمام بتلك التفاصيل رفاهية لا يملكون كُلفتها.
جو ضد العالم
إن كان هناك شيءٌ واحد لم يعتده مورينيو طيلة مسيرته فهو الرِّقابة، البرتغالي قطع شعرة التمرُّد منذ زمن بعيد وطال مزاجه الحاد كل من عملوا معه تقريبًا، ناهيك عن خصومه.
ومنذ مغادرته بورتو لم يحظى مورينيو بنفس الهدوء والدَّعم الذي حظي به في إنتر، ربما لأنه المكان الوحيد الذي شعر فيه بأُلفة شديدة ساعدته على استكمال رحلته البعثية لمجد هيريرا القديم؛ الرجل الذي أدخل الكاتيناتشو إلى فرق أوروبا الكبيرة لأول مرة بعد أن كان مقصورًا على الناجين من الهبوط من صغارها. ومازال ماتيراتزي حتى اللَّحظة يُصرُّ على كون الاستثنائي أعظم مدرِّبي العالم، مصممًا أن ظاهرة انهياره في الموسم الثالث هراء لا أكثر، وبينما لن يحتاج داهية كمورينيو كثيرًا من الجهد للتأثير في شخص محدود الذكاء كالإيطالي، فإن دفع “أنا” تسير على قدمين كإبراهيموفيتش للقتل من أجلك يتطلب شخصية كاسحة حتمًا.
العكس حدث في مدريد، كان زلزال خماسية الكامب نو أكثر مما يمكن السُّكوت عليه، أطلق دي ستيفانو تصريحه الشَّهير عن فئران مدريد وأسود البرسا منتقدًا لجوء البرتغالي للدفاع بهذا الشَّكل الذي اعتبره عبثًا بثوابت الميرينجي التاريخية، بالطبع كان الاستثنائي أكثر ذكاءًا من التطرق لحرب كلامية مع ملك ملوك الملكي، وأقل ذكاءًا من تجنب حرب أخرى مع المدير الرياضي الأسطوري خورخي فالدانو؛ الرجل الوحيد الذي حقق المجد للملكي لاعبًا ومدربًا وإداريًا، وحتى بعد استقالته اعتراضًا على أساليب مورينيو لم تنتهى المشاكل، ربما لأن مورينيو لم يكن يعلم أن قرب فالدانو للاعبين بلغ درجة دفعت القائد راؤول جونثاليث لتسمية مولوده الأول تيمنًا بالرجل، وربما لأن مشاكل البرتغالي صنعت شقًا مازال قائمًا حتى اليوم في غرفة ملابس الميرينجي طبقًا لإيكر كاسياس.
ربما لهذا السبب كوَّن فالدانو نظريته المعروفة عن مورينيو الذي دفعه فشله كلاعب لاحتضان المظلومية كونه خسر موقعه لصالح الموهوبين رغم اجتهاده، وهكذا أصبحت رسالة البرتغالي الأسمى في الحياة هي أن يتحول للمدرب الذي تمنى أن يحظى به كلاعب.
الصندوق الأسود
في مقاله “الشيطان ومورينيو”، اقترح جوناثان ويلسون محرِّر الجارديان أن مسيرة البرتغالي كاملةً ما هي إلا خطة كبيرة للانتقام، فطفولة الاستثنائي شهدت تجريد عائلته الأرستقراطية من العديد من ممتلكاتها إبان ثورة القرنفل البرتغالية في السبعينيات، ثم فشله كلاعب واعتزاله في الخامسة والعشرين من عمره رغم نشأته في عائلة كروية ضمنت له العديد من الفرص.
كل ما سبق لم يفتّ في عضد البرتغالي العنيد، فبعد إتمامه الدراسة في أفضل معاهد البرتغال الرياضية بدأ مورينيو مسيرته التي شغل خلالها عدة مناصب تنوعت بين إعداد الملفات عن الخصوم وتولِّي فرق الشَّباب حتى جاءته الفرصة الكبرى بانتقاله للعمل كمترجم للسير بوبي روبسون في برشلونة، والباقي للتاريخ.
الآن هو على وشك العودة للبريميرليج من بوابة الشَّياطين، عقب فترة أخرى مع تشيلسي بدت واعدة في بداياتها بعد مؤشرات على مزيد من التسامح والمرونة من جانب الاستثنائي قد تمنح أبراموفيتش “الكرة المثيرة” التي طالما حلم بها، بل وصارت حقه المكتسب بعد استثمار ما يقارب 1.5 مليار باوند في النادي حتى اليوم، الباقي يمكن اختصاره في هزيمة ساندرلاند في الجولة الخامسة والثلاثين من موسم 2013-2014 والتي كانت السادسة للبلوز هذا الموسم، خرج بعدها البرتغالي ليتحدث عن «ضرورة العودة للأساسيات»؛ التصريح الذي لم يرغب أبراموفيتش في سماعه مرة أخرى طيلة حياته، ولكن فوز الاستثنائي بالبريميرليج في العام التالي ألجم لسانه.
يعلم الجميع ما حدث لاحقًا؛ مورينيو يحرق الأرض من تحته مفتعلًا الأزمات مع الجميع تقريبًا، النتائج تنهار لتُبطل حجة الاستثنائي الوحيدة في أسوأ بداية لحامل لقب في تاريخ البريميرليج على الإطلاق، نهاية بمشهد يوجين تيننباوم منتظرًا عودة مورينيو لمكتبه مساء السابع عشر من ديسمبر 2015 ليخبره بقرار إقالته..أين كان مورينيو؟..في عشاء الكريسماس بالطبع.
المزيد من بيب
نعم، بيب سيكون خصمًا لمورينيو وسيلاقيه مرتين سنويًا على الأقل مرشحة للزيادة في ظل بطولتي كأس، والرجلان اللذان لم تتسع أسبانيا بأكملها لهما معًا سيتقاسما نفس المدينة.
الأمر بين بيب وجوزيه شخصي تمامًا داخل الملعب وخارجه ولا يوجد طريقة أخرى لوصفه، فأسوأ سجل للاستثنائي على الإطلاق كان مع جوارديولا، فبينما تلقَّي منه ضعف عدد الهزائم التي تلقَّاها من أي مدرب آخر، فهو لم ينجح في الفوز عليه سوى ثلاث مرات في 16 مباراة كاملة، وهو نفس العدد الذي خاضه أمام فيرجسون للصدفة، فقط مع انعكاس الوضع. ولكن هذا ليس أكثر من تسطيح لشخصية عميقة ومتشابكة كمورينيو، فهو يمتلك سجلًا سيئًا مع يورجين كلوب هو الآخر ولكنك لا تراه ينتهز كل فرصة للانقضاض عليه، ولا ينشغل بمهاجمته حتى وهو يتلقَّى التَّهاني لتحقيقه أول لقب دوري في 4 سنوات.
الواقع أنَّ الأمر أكثر تعقيدًا من ذلك، يتابع ويلسون مستعينًا بسيرة مورينيو الذاتية لدييجو توريس:«بعد الرَّحيل عن تشيلسي في 2008، اعتقد مورينيو أنه بات جاهزًا للعودة لبرشلونة، النادي الذي لم يشعر يومًا أنه ينتمي له حقًا فكان يراهم مجموعة من المثاليين المنفصلين عن الواقع، وهم كذلك لم يشعروا بأنه قد تعلم شيئًا من مدرسة البارساياكس حيث كان يتم إعداد المدربين ليتسيَّدوا أوروبا فيما بعد؛ ففي مؤسسة تطرح السؤال عن كيفية الفوز أولًا، كان جوزيه أكثر براجماتية ممَّا يمكن احتماله».
«هاتف لابورتا وكل أعضاء مجلس الإدارة ليخبرهم أنَّه مستعد وأن عليهم منحه الوظيفة، وكان رد لابورتا أنَّ الكلمة الأخيرة ليوهان كرويف الذي قرَّر فيما بعد منح الثقة للشاب عديم الخبرة جوزيب جوارديولا مفضِّلا إياه على مدرب متمرس أثبت نفسه بالفعل..أجرى مورينيو مكالمة أخيرة للابورتا ليخبره بأنه قد ارتكب لتوه أكبر غلطة في حياته ثم انطلق إلى ميلانو».
ابتلع مورينيو قائمة طويلة مجهَّزة من التعليقات الساخرة وهو يشاهد أكبر غلطة في حياة لابورتا يحقق أفضل موسم في تاريخ الأندية على الإطلاق، حتى حظي بانتقامه أخيرًا في 2010، قبل أن يعود بيب ليمنحه أسوأ هزيمة في تاريخه في أول كلاسيكو، بالطبع زادت سيرة فيرجسون الذَّاتية الطين بلَّة، فبعد نشرها في 2013 اكتشف الاستثنائي أنه لم يكن مرشح سير أليكس الأول لخلافته رغم ما يجمعهما من علاقة استثنائية بدورها، ولا الثَّاني فيما بدا بعد انتداب مويس..بالطبع لا داعي لتخمين خيار فيرجسون الأول.
Pass the Bus
ألقاب أم متعة..تلك هي المسألة.
البعض يرى الخيار حتميًا والبعض الآخر لا يراه مطروحًا من الأصل لأن الجمع بين الاثنين ضروري لأي نادي كبير، مورينيو ليس منفصلًا عن الواقع ويعلم جيدًا أنَّ أكثر جماهير اللعبة لم تعد تعترف سوى بمقياس واحد للنجاح هو الألقاب، مقياس واحد للكبرياء هو الألقاب، ومقياس واحد للمتعة هو الألقاب. وفي عالم مورينيو كل هذا الهراء حول الكرة الجميلة لا يشغل حيزًا كبيرًا، فلم يمنحه كُنيته المفضلة “الاستثنائي” سوى الألقاب في المقام الأول، لذا يُمكن للفشلة أن يواسوا أنفسهم كما يشاءون بالكليشيهات التقليدية عن الكنز الذي يكمن في الرحلة، فلدى مورينيو؛ الكنز يكمن في الكنز ولا شيء سواه.
لكن من سخرية القدر أنه لو اجتمع تولستوي وشكسبير وديستويفسكي سويًا لما قدموا وصفًا أفضل من ذاك الذي قدمه البرتغالي نفسه وهو يصك أشهر مصطلحات كرة القدم على الإطلاق بعد تعادله سلبيًا مع توتنهام في 2004.
يوم الجرد
لا شك أن التنقيب في الماضي ضروري في بعض الأحيان، ولكن اللَّحظة الآنية الطارئة التي تحكم زعيم الإنجليز تتطلب محاولة جادة لاستشراف التعديلات التي سيدخلها مورينيو على الفريق، الجزء الأكثر إثارة من رحلة البرتغالي الجديدة.
طريقة لعب مورينيو تقوم وترتكز على ثنائية الضغط والارتداد الدفاعي السَّريع في حالة فقد الكرة، لذا ستكون فاتورتها البدنية باهظة لن يقدر على دفعها عدد كبير من لاعبي الشياطين الحاليين.
إعادة بناء الفريق سترتكز على عدة محاور، أولها بالطبع هو الجولدن بوي ومن حوله سيبني مورينيو فريقه الجديد، إما بإشراكه في مركز الارتكاز المساند أو الـBox to Box أو في صانع اللعب خلف المهاجم الوحيد؛ المركز الذي يفضله القائد الإنجليزي معوِضًا لأوسكار في خطة البرتغالي.
هنا يتبقى لجوزيه أن يجد هازار آخر، فابريجاس آخر، وبالطبع ماتيتش آخر، محاور لعب الاستثنائي التي تقوم عليها فلسفته؛ من حسن حظه أنه يملك الأول بالفعل في مارسيال الذي يجد الكثيرون صعوبة في ابتلاع قيمة صفقته رغم كونه بالفعل لا يقدر بثمن، الثاني قد يوفره روني نفسه، أو يجبر مورينيو على اللجوء لمنجم بورتو ومحاولة ضم واحد من الثنائي الإعصاري دانيللو بيريرا وروبن نيفيس، قبل أن يمنح فرصة لشنيدرلين لتعويض ماتيتش ثم يُقرِّر التعاقد مع ويليام كارفاليو أخيرًا.
مورينيو ورغم كونه أكثر الشخصيات إثارة للجدل على وجه الأرض، فكفاءته لا تنتظر شهادة أو إشادة، والسؤال لم يكن يومًا عن إمكانية نجاحه مع الشياطين الذي يُعدُّ مسألة وقت لا أكثر، لكن عن كُلفة هذا النجاح.