ضرس وظفر وبواقي إفطار: حول الولع بمقتنيات المشاهير
من الشائع أو المعتاد أن الأشخاص يفضلون اقتناء الأشياء الجديدة والتي لم يسبقهم في اقتنائها أحد، إلا أن هذا الأمر لا ينطبق على حالتين وحيدتين؛ حينما نفقد شخصًا عزيزًا ونحتفظ ببعض أغراضه كتذكار، والأمر نفسه على أي شيء يقتنيه أحد المشاهير الذين نولع بهم.
وتنتشر في العالم الغربي ثقافة بيع المقتنيات الشخصية والأعمال الفنية لكبار الفنانين والمشاهير في مزادات علنية وبأسعار باهظة؛ فاعتدنا سماع أنباء بيع البابا فرانسيس لبعض مقتنياته لصالح الفقراء، أو القصر الملكي في بريطانيا يعلن عن بيع بعض مقتنيات الملكة إليزابيث. قد تستمر حتى مبيعات مقتنيات بعض النجوم لعشرات السنوات عقب رحيلهم وبأسعار باهظة للغاية مثل إلفيس بريسلي، ومادونا، وغيرهم.
ونتفهم جيدًا بيع مشاهير لأغراضهم الشخصية لصالح المؤسسات والأعمال الخيرية، أو لجوء البعض منهم للأمر ذاته لاستثمار شهرتهم وإظهار شعبيتهم بين الجماهير، أو ربما للتخلص «الذكي» من أغراضهم المستعملة- التي سرعان ما تمتلئ بها خزاناتهم نتيجة للهدايا المتكررة من كبرى الماركات، أو لكونهم مطالبين بالتجديد في مقتنياتهم باستمرار، بينما يبيع بعضهم الآخر أشياءه المفضلة لتبقى مهمة وخالدة حتى لو كانت لدى آخرين، لكن السؤال هنا:
ما الذي يدفع الأشخاص لإنفاق آلاف بل وملايين الدولارات مقابل الأعمال الفنية ومقتنيات المشاهير خصوصًا غير النافع منها؟
ينبغي أن نلفت أولاً إلى أن بداية البيع بطريقة المزايدة بدأت عام 500 ق.م، عندما كانت الأسر اليونانية تبيع فتياتها عبر المزاد العلني كعرائس بغرض الزواج، بعدها قام الرومان ببيع العبيد وغنائم الحروب، ثم تراجعت شعبية تلك المزادات منذ سقوط الحضارة الرومانية وحتى القرن السابع عشر، حيث بدأ إنشاء دور المزادات الكبرى مثل دار ستوكهولم بالسويد عام 1674، ودار Christie، التي حققت أرباحًا تقدر بـ 7.4 مليار دولار عن العام 2015 وحده، ودار Sotheby’s في إنجلترا، وأصبحت أغلب مبيعاتها تتركز في مقتنيات المشاهير واللوحات الفنية والتحف.
وفي عام 2008 حدثت الطفرة الكبرى في تحول المزادات إلى الإنترنت، عبر مواقع عديدة مثل ebay، واعترفت الرابطة الوطنية للمزادات بتحقيقها 268.4 مليار دولار أرباحًا في العام نفسه، مدفوعةً بمزايا البيع عبر الشبكة العنكبوتية. كما بلغت مبيعات اللوحات الفنية عام 2014 عبر الإنترنت 2.8 مليار جنيه إسترليني؛ أي ما يعادل 6 أضعاف مبيعاتها في دول العالم.
أغرب مبيعات النجوم
ربما تظنون أن الأشخاص قد يدفعون الكثير من المال مقابل مقتنيات المشاهير المهمة فقط أو اللوحات المميزة؛ لكن الواقع أن الأشياء التي نعتبرها غير ذات قيمة في حياتنا تكتسب قيمةً مضاعفة في حال نسبت لأحد المشاهير، وتُباع بأسعار فلكية.
إذ بيع ضرس العقل لمطرب فرقة البيتلز الشهير «جون لينون» مقابل 20 ألف جنيه إسترليني في عام 2011، أما ظفر «ليدي غاغا» الاصطناعي فبيع بـ 9 آلاف جنيه إسترليني عندما سقط منها على المسرح والتقطه واحد من الجمهور وعرضه في أحد المزادات، وبيعت قطعة من الخبز الفرنسي المحمص المتبقية من إفطار المغني «جستين تمبرلك» بأكثر من 1000 جنيه إسترليني، وسروال داخلي قيل إن الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا نسيته على متن طائرة خاصة استقلتها في إحدى رحلاتها، بيع في مزاد خاص مقابل 18 ألف جنيه إسترليني.
أما الممثل الكندي «ويليام شاتنر» فقد باع حصى الكلى الذي آلمه كثيرًا عقب استخراجه مقابل 11 ألف جنيه إسترليني تبرع بها جميعًا، في حين بيعت علكة مستعملة من قبل «بريتني سبيرز» بـ 9500 جنيه إسترليني، واختبار حمل وجد في سلة القمامة أمام منزلها بـ 3 آلاف جنيه إسترليني!
يبقى الأغرب على الإطلاق؛ محرمة أو منديل «سكارليت جوهانسون» الذي حمل مخاطها، والذي بيع لأكثر من 3500 جنيه إسترليني بعد أن تبارى 83 شخصًا لشرائه، و«جرة هواء» زعم صاحبها أن الهواء الموجود بداخلها لامس بشرة براد بيت وأنجيلينا جولي حيث قام بتخزينه قريبًا من السجادة الحمراء التي سارا عليها أثناء العرض الأول لـ Mr and Mrs Smith وبيعت جرة الهواء بالفعل بـ 350 جنيه إسترليني.
التفسير النفسي
وبينما قد يظن البعض أن ما سبق ضرب من الجنون، يتفق علماء النفس على كونه أمرًا متوقعًا. فقد كشفت دراسة أجراها «جورج نيومان»، الأستاذ بجامعة ييل بالولايات المتحدة، حول «لماذا يُقبل الأشخاص على شراء مقتنيات المشاهير؟»، أنه رغم التقدم العلمي لا يزال الكثيرون يؤمنون بتأثير «القوة السحرية»، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشاهير والنجوم المحببين لديهم.
وأوضح نيومان في دراسته أن الأشياء في حد ذاتها تميل لكونها شائعة نسبية، فقطع الأثاث والملابس وغيرها تنتج بكميات وأعداد كبيرة وتتوزع بين المحال المختلفة، ولا يوجد سبيل لتمييزها في حد ذاتها.
«لكن عندما يتعلق الأمر بشخصية شهيرة فإنها تكتسب قيمةً مضاعفة وتميزًا ملحوظًا»، ويلعب مفهوم «العدوى أو انتقال القوى السحرية» دورًا لافتًا هنا، ويعني بحسب الدراسة؛ رغبة الأفراد في اقتناء بعض الأغراض التي تحمل –برأيهم- «بعض البقايا البدنية الفعلية للمشاهير» والتي يظنون أنها قد تنتقل إليهم بمجرد اقتنائها.
أيضًا أبدى الأشخاص حرصًا أكبر على دفع أموال أكثر مقابل الأغراض التي لمسها المشاهير كثيرًا مثل شوكة أو ساعة، رغم أن المزادات نادرًا ما تتحدث عن هذه النقطة.
كما أرجع «ناثان هيفليك»، المحاضر في مجال علم النفس بجامعة لينكولن في بريطانيا، ذلك إلى «تأثير الهالة»؛ ويُقصد به أن المشاهير يمثلون جزءًا من ثقافتنا كأشخاص عاديين، وحبنا لهم يجعلنا نحيطهم بهالة من العظمة والغموض في الوقت نفسه؛ إذ نظنهم أذكى وأكثر أخلاقًا، بل ويعتبرهم البعض خيالاً، لذا لا يُتعجب من أن حرص البعض لاقتناء أغراضهم الخاصة يمنحهم «الشعور بالدفء» للتأكد من كونهم بشرًا حقيقيين.
وينقلنا كل هذا لمرض نفسي وثيق الصلة هو «متلازمة عبادة المشاهير» ويصل لمراتب الإدمان والعكوف على متابعة أخبارهم والسعي للتقرب منهم بأي وسيلة، ولو كانت دفع الملايين لاقتناء شيء لمسه هؤلاء ولو لمرة أو حتى نُسب له!
ولعل هذا يفسر رواج عمليات شراء الملابس الداخلية للمشاهير، على وجه التحديد، بالمزادات العلنية، بحسب «كريس روجيك»، أستاذ علم الاجتماع الخبير بدراسة المشاهير بجامعة سيتي في لندن، باعتبارها الأكثر قربًا وحميمية للأشخاص.
ويوضح روجيك أن:
في حين تتحدث «آبي نورمان»، الصحافية المتخصصة بالعلوم الإنسانية، عن وجود نوع من «التفاعل التطوري» وتقصد به تشكيل رابطة عاطفية مع المشاهير أو النجوم تغذيها وسائل الإعلام المختلفة، دون وجود أي علاقة تبادلية واقعية، وهو ما قد يجعل البعض يلهث خلف مقتنيات نجمه المفضل لاقتنائها والتقرب منه قدر الإمكان.
كذلك، يرى «آبي أرنوفيتز»، الطبيب النفسي الشهير، أن:
غسيل الأموال ليس ببعيد
شقٌ آخر أكثر إثارة على الجانب الاقتصادي لهذه الظاهرة، توضحه «جورجينا آدم»، مراسلة سوق الفن والمُساهمة في الفاينانشيال تايمز، في كتابها «التطور الهائل في سوق الفن في القرن 21»، بأن الاهتمام بالفن أصبح موضة بين الأثرياء، حيث لم يعد مقبولاً ألا يهتم الأغنياء باقتناء الأعمال الفنية.
فقديمًا كان الأثرياء يمتلكون القوارب والسيارات، الآن أصبح الاهتمام بالموضة والأزياء ومقتنيات المشاهير؛ فأصبحت عمليات اقتناء الأعمال الفنية الضخمة وسيلة المليارديرات حديثي الثراء للإعلان عن دخولهم نادي أثرياء العالم.
وتعتبر آدم أن التدفق المالي للأثرياء كان من النقم على سوق الفن؛ ليس فقط بتسليع الفن المعاصر، بل أن الكثير من الأعمال التي نراها تباع بأسعار جنونية تُستخدم كستار لعمليات غسيل وإخفاء الأموال ليس أكثر.
وتشير إلى أنه مع تضييق الخناق على عمليات غسيل الأموال في المجالات التقليدية كالاستثمار والصناعة، وجد هؤلاء فرصة في الفن وتداول اللوحات ومقتنيات المشاهير لتنظيف أموالهم القذرة قبل بدء استثمارها في المجالات المربحة، لذا فهي لا تتعجب أن أشهر جامعي التحف والمقتنيات الفنية ينتمون لعائلات لديها تاريخ طويل في الاتجار بالسلاح والمخدرات وغيرها من الأعمال غير القانونية.
وتضرب «قضية بوفير» مثالاً لذلك؛ حيث تورطت دار Sotheby’s مع رجل أعمال روسي ببيع 40 لوحة، كان قد اشترى ثلثها من إيف بوفييه، تاجر التحف الشهير الذي يعمل مثمنًا بالدار، بأسعار مبالغ بها، فيما تشتبه محكمة نيويورك بأن هناك أعمالاً مشبوهة في هذه الصفقة لتنظيف أموال بعيدًا عن الرقابة العامة.
تؤكد نظرية آدم أيضًا الفضيحة الشهيرة لاختلاس ملايين من صندوق الثروة السيادية في ماليزيا من قبل «رضا عزيز»، نجل زوجة رئيس الوزراء الماليزي «نجيب رزاق»، لاستثمارها وتبييضها في إنتاج أعمال سينمائية بارزة مثل فيلم The Wolf of Wall Street لليوناردو دي كابريو، واقتناء المجوهرات الفخمة، وتضخيم أسعار العديد من القطع الفنية.
كل ما سبق يفسر بيع لوحة «مخلص العالم» بـ 450 مليون دولار كأغلى لوحة في العالم، وما كانت لتُباع بهذا السعر إلا لأن ليوناردو دافنشي رسمها، وما بيع أغلى قطعة ملابس في العالم مقابل 1.3 مليون دولار، إلا لأن مارلين مونرو معشوقة الجماهير وضعتها على جسدها، كما حظي «دستور دافنشي» على فرصة البيع مقابل 30.8 مليون دولار، كأغلى مخطوطة في العالم.
جدير بالذكر أن الأمر يختلف كثيرًا في العالم العربي، حيث لا يتم بيع مقتنيات أي شخصية شهيرة عادةً إلا بعد وفاتها، ويرى الكثيرون ذلك طمعًا ورغبةً في حصد الأموال وقلة وفاء للنجم الراحل، أما إذا كان النجم نفسه من يقوم بذلك فلربما يُتهم بالإفلاس، حتى وإن خصصت عائداتها للأعمال الخيرية والتبرعات، مثل بعض مقتنيات أم كلثوم وسعاد حسني وأحمد مظهر وغيرهم.