تفجير كاسيني وتشغيل فوياجر: استكشاف الفضاء في 2017
في نهاية كل عام يبدأ الجميع بحصد ما زرعه فيه. وبالنسبة لعلوم الفضاء، هناك عوالم سحيقة تستطيع أن تنْتَقِي منها ما تشاء، فالكون السحيق لن يضع لك أي حدود أو قيود في الكشف عن أسراره.
وفي عمليات الحصاد هذه، أوقفتنا محطات تأثرنا بها كثيرًا. محطات بناها علماء على أمل إيجاد أي إجابات لتساؤلاتهم. منهم من قضى نحبه دون أن يرى ثمرة أبحاثه وسعيه، ومنهم من ينتظر، ومنهم من وجد دربًا آخر أكثر جنونًا في عملية البحث والتطوير في علوم الفضاء. إذن، كيف بدت محطاتنا للعام 2017؟
الرحلة الأخيرة للمسبار كاسيني
كبسولة فضائية بدأت رحلتها متوجهة إلى كوكب زحل في الـ 15 من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1997؛ لاستكشافه ودراسته، ودراسة أقماره وحلقاته وأجوائه بشكلٍ عام. بدأت المهمة بتعاون مشترك بين عدة وكالات فضائية؛ هي ناسا، وكالة الفضاء الأوروبية، وكالة الفضاء الإيطالية.
وصلت كاسيني – هويجنز إلى كوكب زحل في يوليو/ تموز عام 2004. استمدت وقود الرحلة، وعملت الأجهزة والحواسيب، والمرسلات الراديوية؛ وسارت بين النجوم قاطعة مسافات ضوئية هائلة بفضل 3 «مولدات كهربية حرارية مشعة – Radioisotope Thermometric Generators – RTGs».
أعطت ملاحظات كاسيني لأكبر أقمار زحل «تيتان – Titan» العلماء صورة عما إذا كانت الأرض قد بدت بتلك الصورة قبل أن تتطور الحياة فيها، حيث يعتقد العلماء أن قمر تيتان يمتلك العديد من أوجه التشابه مع كوكب الأرض؛ مثل البحيرات، والأنهار، والقنوات المائية، والكثبان الرملية، والمطر، ووجود السحب، الجبال وربما البراكين!
بعد رحلة استمرت نحو 19 عامًا و11 شهرًا، وتصدير نحو 280 ألف صورة لكوكب زحل وأقماره وتضاريسه للأرض، وبعد نفاد وقودها، انتهت مهمة كاسيني أخيرًا في عملية أطلق عليها اسم «The Grand Finale» في الـ 15 من سبتمبر/ أيلول 2017.
استمرت كاسيني في بث بياناتها، والتقاط الصور لآخر لحظاتها حتى غرقت في غلاف كوكب زحل معلنة انتهاء رحلتها. انتهت المهمة باحتراق المركبة وكأنها مجرد شهاب يحترق في غلاف الكوكب الجوي، وبذلك تكون قد أغلقت سجلاً كاملاً من سجلات البشر في عمليات استكشاف الفضاء.
SpaceX
لا يمكن أن يرحل هذا العام -وأي عام- دون أن تسطر الشركة خطوطها العريضة فيه. فمنذ إنشائها في العام 2002 أذهلت العالم بكمٍ هائل من الابتكارات، وتنفيذ أفكار أقرب إلى الخيال في العديد من المجالات، سواءً كانت على الأرض أو خارجها في الفضاء.
بعثات الصاروخ Falcon – 9
أبرز ابتكاراتها هو الصاروخ «فالكون 9 – Falcon 9» الذي صمم للاستخدام المتعدد في مهمات الفضاء. خلال هذا العام أجرت الشركة نحو 16 عملية إطلاق من مناطق مختلفة معظمها من قاعدة كيب كانافيرال.
في يونيو/ حزيران أنطلق الصاروخ في المهمة iridium -2 حاملًا معه 10 أقمار صناعية للجيل التالي من مجموعة الأقمار الصناعية Iridium NEXT communication. وفي الـ9 من أكتوبر/ تشرين الأول انطلقت المهمة الثالثة لإيصال 10 أقمار صناعية أخرى.
في الـ 15 من ديسمبر/ كانون الأول؛ وصلت كبسولة المؤن دراجون CRS – 13 إلى محطة الفضاء الدولية في مهمتها الثانية على متن الصاروخ. زودت الكبسولة بـنحو 4861 باوند ( 2205 كلغ) من الإمدادات، النسبة الأكبر فيها هي لوازم وأدوات لإجراء نحو 329 من التجارب العلمية على متن المحطة.
في يوم الجمعة الـ22 من ديسمبر/ كانون الأول، أطلقت الشركة الصاروخ في رحلته الأخيرة لهذا العام من قاعدة فاندنبرغ الجوية، حاملًا معه مجموعة من 10 أقمار صناعية في المهمة الرابعة iridium -4. تقع هذ المهمة ضمن سلسلة من 75 قمرًا صناعيًا ستطلقه الشركة؛ لتبدأ العمل بحلول العام 2020. توفر مجموعة الأقمار هذه تغطية جيدة لبيانات للهواتف التي تعمل بالأقمار الصناعية، وأجهزة الاستدعاء والاستقبال على الأرض.
الخطط التي أقرّتها الشركة هذا العام
إذا نظرنا إلى جميع الابتكارات والأدوات التي نستخدمها اليوم؛ سنرى أنها تعمل من أجل تسهيل حياة البشر، وتقديم أفضل الخدمات لهم، والحفاظ على وقتهم. وفي تلك الأخيرة بالنسبة لـ SpaceX فإن الزمن هنا لديه معاييره الخاصة.
في الـ29 من سبتمبر/ أيلول الماضي أعلنت الشركة عن خطتها المستقبلية لنظام النقل بينجمي «Big Falcon Rocket – BFR» الذي يتكون من صاروخ عملاق مؤلف من 31 محركًا، تتقدمه مركبة فضائية قادرة على حمل نحو 100 شخص أو أكثر على متنها إلى الفضاء.
ستكون أولى رحلات BFR غير المأهولة إلى المريخ في العام 2022 كفترة اختبار. وإذا أثبت فعاليتها فإن أولى رحلاتها المأهولة ستكون في العام 2024. وعلى الأرض، سيعمل النظام على نقل الركاب من مناطق مختلفة على الأرض بسرعة تصل إلى 27 ألف كم/ ساعة، لتستغرق الرحلة كاملة مدة زمنية أقل من ساعة (39 دقيقة).
وفي يناير من العام 2018، تعتزم الشركة إطلاق الجيل الأحدث من المركبات الثقيلة المعروفة باسم «فالكون هيفي – Falcon Heavy»، وهي مركبة فضاء مدارية ثقيلة، مكونة من 3 صواريخ (فالكون 9) مدمجين معًا لتشكيلها. ستعمل المركبة على حمل مؤنة إلى مدار الأرض المنخفض تصل إلى نحو 63،800 كلغ. تم تصميم المركبة استعدادًا لمهمات السفر في الفضاء، ونقل البشر إلى القمر أو المريخ.
يأخذك هذا الفيديو في رحلة مدهشة حول آلية عمل هذا النظام:
المسبار فوياجر لا تزال هنا
في شهر مايو/ أيار الماضي، وبعد 40 عامًا من إطلاقها في الفضاء؛ قطع المسبار «فوياجر – voyager» مسافة أكثر من 20 مليار كم بين النجوم!
بعد أن التقطت صورة آسرة لكوكب الأرض من موقعها في الفضاء على مسافة 6 مليار كم، قال عنها كارل سيجن في كتابه نقطة زرقاء باهتة:
توأمان صغيران مكونان من قرص معدني ذهبي وقرني استشعار، انطلقا في الفضاء في رحلة سحيقة بحثًا عن أسرار الكون. انطلقت المسبار فوياجر 2 في الـ 20 من أغسطس/ آب عام 1977، ولحقتها المسبار فوياجر 1 في الـ 5 من سبتمبر/ أيلول من نفس العام. أعطى هاذان التوأمان أول نظرة عن قرب لكوكب المشتري، زحل، أورانوس، نبتون وأقمارهم.
في أغسطس/ آب عام 2012،خرجت المسبار فوياجر 1 خارج نظامنا الشمسي، لتصبح أول أداة بشرية تصل لتلك المسافة في فضاء الكون السحيق. وفي مايو/ أيار الماضي، قطعت المسبار فوياجر 2 مسافة أكثر من 20 مليار كم في الفضاء.
وبعد 40 عامًا في الفضاء، بدأت الدفاعات التي توجه المسبار فوياجر 1، وتبْقِي هوائي الاستشعار في اتجاههما الصحيح في الانهيار. لذا عمل مهندسو وكالة الفضاء ناسا على محاولة تعديلها. وفي يوم الثلاثاء الـ 28 من نوفمبر/ تشرين الثاني استطاع المهندسون إجراء محاولة لإطلاق الدفاعات الاحتياطية التي بقيت خامدة طوال هذه المدة. لكن اضطر الفريق الهندسي أن ينتظر قرابة 19 ساعة و35 دقيقة قبل أن يحصلوا على إشارة من المسبار الواقعة خارج نظامنا الشمسي.
وبالرغم من أن معدل الطاقة الذي يسيّر المسبار فوياجر 2 قد بدأ في الانخفاض؛ إلا أن مهندسي الوكالة يتوقعون أن المسبار ستستمر في العمل، والتواصل مع كوكب الأرض لعقدٍ آخر من الزمن.
روّاد المحطة الدولية الجدد
تعاقبت عليها أجيال كثيرة من علماء الفضاء منذ إطلاق وحدتها الأولى في مدارها فوق الأرض عام 2000. تعتبر المحطة الدولية مختبر أبحاث للعديد من المجالات العلمية التي لا يستطيع العلماء إجراؤها في الظروف الأرضية.
اقرأ المزيد عن التجارب العلمية على متن المحطة هنا:طب وفيزياء وبيئة: أهم التجارب العلمية في الفضاء
هذا العام في شهر ديسمبر/ كانون الأول، انطلقت المركبة الفضائية Soyuz MS-07 في الرحلة Expedition 54 التي تحمل 3 روّاد فضاء في مهمة تستمر مدة 6 أشهر . هؤلاء الروّاد هم؛ «سكوت تينجل – Scott Tingle» من وكالة الفضاء NASA، «أنطون شكابليروف – Anton Shkaplerov» من وكالة الفضاء الروسية Roscosmos، و«نوريشيج كاناي – Norishige Kanai» من وكالة الفضاء اليابانية.
كما انطلقت المركبة الفضائية Soyuz MS-06 في الرحلة Expedition 53؛ وضمت هذه الرحلة كلا من؛ «راندي بريسنيك – Randy Bresnik» من وكالة الفضاء ناسا، ومهندسي الطيران «سيرجي ريازانسكي – Sergey Ryazanski» من وكالة الفضاء الروسية، و«باولو نيسبولي – Paolo Nespoli» من وكالة الفضاء الأوروبية.
سيقضي أعضاء الطاقم نحو 6 أشهر في إجراء ما يقرب من 250 دراسة علمية في ميادين مختلفة. هذه التجارب ستكون في علوم الأحياء، علوم الأرض، البحوث البشرية، العلوم الفيزيائية، تطوير التكنولوجيا،والبحوث التي تؤثر على الحياة على الأرض.
كواكب خارج المجموعة الشمسية
في الـ19 من يونيو/ حزيران،رصد تلسكوب كبلر التابع لوكالة الفضاء ناسا نحو 219 كوكبًا في كوكبة الدجاجة؛ منها 10 كواكب صخرية بحجم كوكب الأرض، يبعدان عن بعضهم مسافة واحدة. تدور الكواكب حول نجم في نطاق صالح للحياة. في هذا النطاق يمكن أن يتواجد كوكب مشابه لكوكب الأرض بكافة ظروفه الطبيعية، ويحتوي على الماء مصدر الحياة أيضًا.
كانت الوكالة قد أطلقت التلسكوب كبلر في العام 2009؛ لمعرفة المزيد عما إذا ما كانت الكواكب الشبيهة بالأرض هي كواكب شائعة أم أجرام سماوية نادرة. وخلال مهمة التلسكوب التي استمرت 4 سنوات، عثر كبلر على ما يقرب من 2335 كوكبًا مؤكدًا، ونحو 1699 جرمًا مرشحًا ليصنفوا كواكب. بهذا يصل عدد الأجرام التي اكتشفها نحو 4034؛ يشمل هذا العدد نحو 50 عالمًا أو كوكبًا له نفس الظروف الطبيعية لكوكب الأرض؛ مثل درجة الحرارة والحجم.
منظمة بحوث الفضاء الهندية
في أبرز إنجازاتها هذا العام، وفي الــ14 من فبراير/ شباط، قامت المنظمة الهندية لبحوث الفضاء «Indian Space Research Organization – ISRO» بإطلاق 104 قمر صناعي للفضاء على متن صاروخ واحد. أطلقت الأقمار الصناعية بمشاركة الهند بـ 3 أقمار، و101 قمر صناعي آخرين “nanosats” من 5 دول أخرى؛ هي الولايات المتحدة، هولندا، كازاخستان، سويسرا، وإسرائيل. بهذا الرقم تكون الهند قد تفوقت على روسيا التي كانت أطلقت 37 قمرًا صناعيًا على متن الصاروخ «دنيبر – Dnepr» في يونيو/ حزيران عام 2014.
أخيرًا، من فيلم contact المأخوذ عن رواية كارل سيجن بنفس الاسم نقتبس:
وحتى يتم العثور على هذا الواحد، على هذا الكوكب الصالح للحياة، سيكون أمام البشرية وقت ليس بالكثير، لكنه حافل بالمزيد من الابتكارات لتطوير مجال علوم الفضاء بالترافق مع عملية البحث هذه.