إعلان جديد، صدر هذه المرة من جنوب اليمن، أعاد إلى الأذهان أثر التدخل المصري والسعودي على وحدة اليمن خلال الستينيات، ولكن جاء هذه المرة من التحالف العربي، فبدلًا من أن يسهم تدخله في إنهاء انقلاب «الحوثي – صالح» وعودة الشرعية ممثلةً في الرئيس عبد ربه منصور هادي، كان أحد الأسباب في تغذية النزعة الانفصالية مجددًا، وهو ما ليس في صالح اليمنيين، ولا بعض دول التحالف وخاصة السعودية، أكثر من غيرها.


كواليس إعلان الانفصال

أصدر الرئيس اليمني، في 27 أبريل/نيسان الماضي قرارًا بإقالة عيدروس الزبيدي، محافظ عدن، ووزير الدولة هاني بن بريك، مع إحالة الأخير للتحقيق، وكلاهما مدعوم من الإمارات العربية المتحدة، وهو ما أثار غضب أبو ظبي، والتي يرى مراقبون أنها ليست ضد الانفصال الجنوبي، وذلك من أجل السيطرة على الشواطئ اليمنية وخاصة موانئ عدن في الجنوب، لتحمي موانئها وتدعم نفوذها البحري.

ومع اعتراض الإمارات على قرار هادي بإقالة الموالين لها، لجأ هادي إلى الرياض بعد يومين من قراره، والتقى بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز للاستعانة به في مواجهة أبو ظبي، وفي محاولة من المملكة لضمان عدم تحرك الإمارات بشكل منفرد والتناقض معها، تم تشكيل لجنة ثلاثية تضم الإمارات واليمن والسعودية، تختص بمناقشة القضايا ذات العلاقة بالحسم العسكري، وتطبيع الحياة في المناطق المحررة، وتنسيق جهود مكافحة الإرهاب.

ولم تنجح هذه اللجنة في وقف محافظ عدن المقال من تنظيم احتجاجات،والإعلان في 11 مايو/أيار الجاري عن تشكيل «هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي» وذلك لإدارة محافظات جنوب اليمن، برئاسته وتعيين بن بريك نائبًا له، ويهدف المجلس كما أعلن إلى إدارة وتمثيل الجنوب داخليًا وخارجيًا بالإضافة إلى استكمال إجراءات تأسيس هيئات هذا الكيان والمكون من 26 شخصًا.

اقرأ أيضًا:هل ينقذ الدعم الخليجي الاقتصاد اليمني من السقوط؟

وإلى جانب ذلك، أكد البيان على الاستمرار في التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ضد المد الإيراني بالمنطقة والشراكة في محاربة الإرهاب، ورغم تنصل بعض الأسماء التي ورد ذكرها ضمن الهيئة الرئاسية، إلا أنه كشف عن تحرك ملموس ومدعوم من أطراف داخلية وخارجية ستزيد من تعقيد الأزمة اليمنية ومهمة التحالف العربي، والإضرار بشكل بالغ بالسعودية.

وما يؤكد خطورة إعلان عدن وما شكله من تحرك مادي ملموس،تجديد هاني بن بريك صاحب النفوذ الأول على «قوات الحزام الأمني»، التي تأسست بدعم الإمارات، كثاني أبرز الشخصيات ما يضفي شرعيةً ميدانية على المجلس الانتقالي، ويكشف عن تحرك أكبر قد يقلب موازين العملية السياسية وهو تشكيل «مجلس عسكري»، وفي حال تم ذلك فإنه سيكون بمثابة جيش موازٍ لقوات هادي، وتمهيدًا فعليًا لتكوين دولة الجنوب.


الخلاف السعودي الإماراتي يعصف بوحدة اليمن

رغم وحدة موقف التحالف العربي وخاصة القوتين الفاعلتين، الإمارات والسعودية، على الهدف الأساسي لعملية عاصفة الحزم، وهو منع نشوء دولة جديدة موالية لإيران على الحدود المباشرة، إلا أن هناك خلافات حول إدارة الداخل اليمني والمناطق المحررة وحجم النفوذ السياسي للقوى الداخلية، ولهذا تتحرك الإمارات بشكل منفرد في بعض المواقف، وهو ما أثار الخلافات مع حكومة هادي، ومن ورائها السعودية.

وليست هذه أول مرة يُصدر فيها هادي قرارات تثير حفيظة الإمارات العربية المتحدة، فقد أقال من قبل خالد بحاح من منصب كرئيس للوزراء، في أبريل/نيسان 2016 وتعينه مستشارًا لرئيس الجمهورية وتعين أحمد بن دغر مكانه. وبسبب تحركات بحّاح لدعم انفصال الجنوب، أقاله هادي مرة أخرى من منصبه كمستشار له، الشهر الماضي، إذ عمل على انتقاد حكومة هادي والترويج لانفصال الجنوب، ولم يكن ليفعل ذلك بلا دعم له.

ولإدراك أبو ظبي والرياض وجود خلافات بينهما قد تجعل الأمور تخرج من أيديهما، وكل هذا في صالح الحوثيين ومن ورائهم إيران،عقدت اللجنة الثلاثية اجتماعها الثاني لمحاولة حل مشكلة «إعلان عدن»، كما فعلت في اللقاء الأول عقب قرار إقالة محافظ عدن، وخلال الاجتماع الثاني استدعت السعودية الزبيدي وابن بريك، اللذين وصلا مع عدد من قيادات الحراك الجنوبي في المجلس إلى الرياض.

ولم يُكشف حتى الآن عن نتائج هذا اللقاء، وهو ما يرجح استمرار المساومات بين الأطراف كافة، ولن تقدم الإمارات تنازلات هذه المرة لأنه يبدو أنها لم تحصل على ما أرادت خلال اللقاء الأول، وبالتالي أوعزت لحلفائها في الجنوب لإعلان هذه الخطوة من أجل إجبار السعودية وهادي على تقديم تنازلات.

ومع وجود خلاف بين السعودية والإمارات على الموقف من توازن القوى السياسية وطبيعة الحكم اليمني، إلا أن الخلاف سيظل محدودًا ما لم يتم إنهاء النفوذ الإيراني؛ لأن استمراره ليس خطرًا فقط على مصالح الرياض وإنما على دول التعاون الخليجي كافة، وبالتالي فالتحالف السعودي الإماراتي لن ينفض ما لم يتم إنهاء تهديدات إيران.

وقد يجدان الفرصة الآن في التعاون مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء التهديدات الإيرانية وتقليص نفوذها، وهو ما يتمثل في دعم ترامب صفقة أسلحة للسعودية تُقدر بمائة مليار دولار، إلى جانب الموافقة على صفقة صواريخ باتريوت وأسلحة أخرى لأبو ظبي تقدر بملياري دولار، على الأرجح ستستخدم لحسم المعركة إلى جانب التغاضي عن الانتهاكات التي قد تحدث.

ويعد إقرار ترامب بعودة صفقات السلاح التي أوقفها سلفه باراك أوباما للسعودية بسبب انتهاكات اليمن، رسالة واضحة بدعمه لهذه الحرب، ويؤيد السعودية أيضًا بريطانيا الحليف الغربي الآخر، إذ أعلن وزير الدفاع البريطاني مؤخرًا أن المملكة محقة في حربها لأنها تدافع عن نفسها ضد هجمات الحوثيين.

وهذا يؤكد أن الرياض ما زالت تحظى بدعم غربي في عملياتها، ومن المستبعد أن تسمح إدارة ترامب بفصل جنوب اليمن حاليًا لأن هذا في صالح إيران، ولو كان الطرف المسيطر في الشمال قوة أخرى غير الحوثيين، لربما دعمت دول الخليج هذا الخيار، لكنه على الأرجح لن يتم هذا السيناريو طالما بقيت شوكة الحوثيين قوية، ومستقبلًا قد يدعم الخليج الفيدرالية باليمن وليس التقسيم، لأنه يعني دولةً إيرانية.

ولمحاولة الإمارات نفي ما أُعلن عن وقوفها وراء محاولات انفصال الجنوب، أكد أنور بن محمد قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أن التزام بلاده ضمن التحالف العربي ثابت، وأن الدور الإماراتي في اليمن مساند للسعودية، وهو ما يوضح أن الجانبين ليس لديهما الآن خيار الاختلاف، في ظل استنزاف كليهما بهذه الحرب دون حسم إلى الآن.


المتضررون من الانفصال

ربما لا تمتلك البلدان حرية الاختلاف؛ لأنه يصب في النهاية في مصلحة الجماعة أنصار الله الحوثي، ومن ورائها الوكلاء في طهران.

تعتبر إيران المستفيد الأكبر من انقسام اليمن، فدولة الشمال ستكون مجاورة للسعودية ويسيطر عليها الحوثيون، وبالتالي تستطيع تهديد وإنهاك المملكة بشكل دائم، إلى جانب خلق موطئ قدم لها على البحر الأحمر، وبهذا تكون خلقت دولة لها بالفعل في جوار دول التعاون وحاصرتها عن قرب، وهي ما ستكون ورقة رابحة في أي صراع مستقبلي.

أما المتضرر الأكبر من حدوث انفصال حاليًا فهي السعودية، لعدم وجود نفوذ قوي في مناطق الجنوب بخلاف الإمارات، إلى جانب حدودها المباشرة مع دولة الشمال، والتي تقع في قبضة الحوثيين، وهذا ما سيصعب من عملياتها وسيجعلها ساحة استنزاف، بجانب احتمالية انفضاض دول التحالف عنها لأنها ستكون بحاجة لقوات برية في صراعها مع دولة الشمال وهو ما رفضته أغلب دول التحالف حتى الآن.

لن تقبل المملكة بفرضية التقسيم، إذ لن تسمح بقيام دولة الحوثي -المدعومة إيرانيًا- على حدودها الجنوبية، أما إيران فهي أول الرابحين وأوحدهم.

كما أن تشكيل دولتين سيسقط شرعية هادي حليف السعودية، والذي ليس له نفوذ قوي لا في الشمال ولا في الجنوب، ما يعني نسف جهود المملكة والتي قادت وموّلت عمليات التحالف العربي، أما الإمارات إن استطاعات تقليص نفوذ الحوثيين في الشمال فسيناريو الانفصال قد يكون في صالحها لأنها ستبسط سيطرتها على الجنوب وستستطيع تحقيق تطلعاتها بسهولة.

ويمثل وجود دولة للحوثيين بجوار السعودية ليس تهديدًا لها وفقط، وإنما باقي دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا يوضح سر الرفض الخليجي لإعلان عدن؛ فقد أكد المجلس في بيان له أن جميع التحركات لحل القضية الجنوبية يجب أن تتم من خلال الشرعية والتوافق بين اليمنيين، مجددًا دعمه لوحدة اليمن، والحل السلمي للأزمة.

وختامًا؛ يمكن القول بأن انفصال الجنوب حاليًا لن يحظى بالرضا الخليجي وخاصة السعودية؛ لأنه بمثابة إنهاء لشرعية تدخل التحالف العربي، فهو لن يتدخل في الجنوب غير المعادي له، أما دولة الشمال لن تطلب بالطبع أي تدخل، ولقطع الحوثيين الطريق على استهدافهم فإنهم سيمتنعون عن استهداف الأراضي السعودية وبالتالي سيعني عمليًا إنهاء التحالف العربي.

ولهذا ستظل السعودية محافظة على وحدة اليمن حتى وإن رفض اليمنيون أنفسهم هذه الوحدة لاسيما الجنوب، للحفاظ على شرعية تدخلها حتى إنهاء نفوذ الحوثيين وإيجاد قوى بديلة لهم في الشمال، إذ لن تقبل بوجودهم كقوة أساسية موالية لإيران صاحبة قدرات عسكرية على غرار حزب الله اللبناني.