أبناء هاجر (قصيدة باريس) للشاعر أحمد بخيت
لا عَـــــرضَ لا أبــطــالَ لا نَــظَّــارَةْ
لا شـــــيءَ إلا نَــجْــمَـةً ثَـــرثــارةْ
الـطفلُ فـوقَ السطحِ شوقٌ حاشدٌ
أرقٌ كَـــريـــمٌ عـــزلـــةٌ مِـــغـــوارةْ
عـيـنـانِ لـلأعـلـى يـــدانِ وســادةٌ
لــيــلٌ يُــجَــرِّبُ طَـيْـشَـهُ وَوقَـــارَهْ
زمـنـانِ يـصـطرعانِ : مــاضٍ حـاضرٌ
فـــي حــاضـرٍ مــاضٍ يَـجـرُّ غُـبَـارَهْ
وأنـــا «عَــلـي بـابـا» بِـقـوَّةِ كِـلْـمَةٍ
تُـدعـى الـحياةَ فـتحتُ ألـفَ مَـغارةْ
يــا طــول هـذا الـليل مُـتْعبةٌ يـدي
قمرا يجوبُ الليلَ يــــا نـــوّارةْ
أطــوي مـجـراتِ الـحـنينِ كـكـوكبٍ
كـــلُّ الـكـواكـبِ غَـاصَـبَـتْهُ مَــدَارَهْ
والـذكـريـاتُ هـديـةُ الـحـزنُ الـتـي
انــتـصـرتْ عـلـيـهِ وطــهَّـرتْ أوزارَهْ
زمـــنٌ لــحـبٍّ لـــم نَــكـنْ غُـيَّـابَـه
– رغــمَ الـغيابِ- ولـم نَـكنْ حُـضَّاره
خـلفَ الـشبابيكِ المضاءة في الصِّبا
«جِـيـتارةٌ» تـبـكي عـلـى «جِـيـتارةْ»
بـالـضـوءِ شُـبَّـاكـي يُــحـدِّث تـــارةً
شُــبَّـاكَـهـا أو بــالأغــانـيَ تـــــارةْ
الـطفلُ فوقَ السطحِ كم سنةً ولمْ
أَكــبـرْ ولـــم تَـكـبـرْ بــنـاتُ الـحـارةْ
طـيـري إذنْ يــا طـائراتُ فـلم تَـتُبْ
«فـيـروزُ» تـلـكَ الـطفلةُ «الـختيارةْ»
نـعـتادُ مــا اعْـتَـدنا ودَمـعـةُ مُـذنبٍ
تـشـيـيع ذنـــب كــابـد اسـتـغفاره
فــي نـبرةِ الـشجنِ الـعميقةِ بـلدةٌ
تـنـفـي الـجـمـالَ, وتـقـتفي آثــارَهْ
إنْ فَـكَّرَ الـرجلُ الـشجاعُ استنفرتْ
جــيـشَ الـدفـاعِ وقلمت أفـكـارَهْ
هــي قـسمة ضِـيزى فـلا تـتربحوا
بـالـدمـع أربـــاحُ الـدمـوعِ خـسـارةْ
حــزنُ «الـجليلةِ» بـنتِ مُـرةَ لاهب
كل ابن ثاكلة يزيد أواره
قـــد تـشـتـهي ألا تـعـيـشَ لأنَّـهـا
لا تـشـتـهي مِـــن مـوتِـها تَـكـرارَهْ
لا تمنحوا «الخنساءَ» أجر رثائِها
دمعًا فليس لذنبِنا كفَّارة
رفعَ «ابنُ هانئِ» خمرَه و«عنانه»
كأسًا فكانا شِعْرَهُ وشِعارَه
وأضاعَ «دِيكُ الجنِّ» حِمْصَ، أضاعَها
وبكى ، كما يبكي النبيذُ جِرارَهْ
أَلِـــجُ الـمـكانَ لـكـي أراهُ فــلا أرى
إلا الـــــزمــــانَ مُـــــكَــــرِّرًا أدوارَه
رجـلٌ على الشطِّ القديم ونظرة
لسفينةٍ سـبـقـتْ تؤمُّ ديارَهْ
هــو نفسُهُ الـرجـلُ الــذي أبـصـرتُهُ
رهــنَ الـمـحطةِ قــد أضـاعَ قِـطارَهْ
هــو ذاتُــهُ الـرجـلُ الــذي لاحظتُه
في كلِّ طائرةٍ يسبُّ مـَـطـارَهْ
كلُّ الحقائبِ في مطاراتِ الأسى
قَشٌّ إذا ما الشوقُ أيقظَ نارَه
نحنُ الذنوبُ ولاطريقٌ مُذنبٌ
حتى يقدِّمَ للخُطا أعذارَهْ
مــاذا إذا عُـدنـا؟ ، إذا اخـتـرنا مـعـا
مــا لــم نـكـن أقـوى لـكي نـختارَهْ
يـتـبسّمُ الـرجـلُ الـعجوزُ مـتمتمًا :
لا بــحـرَ يـمـنـحُ شـاطـئًـا أســرارَهْ
شــوقُ الـمـنارةِ أنْ تـكونَ سـفينةً
شــوقُ الـسـفينةِ أنْ تـكونَ مـنارَةْ
لــم يُـخـلق الـنسيانُ لـلولدِ الـذي
فــي الـبذرةِ الأولـى رأى أشـجارَهْ
مَـن لـم يـرَ الـغيمَ الـمسافرَ مُـثقلًا
بـالـحبِّ يـوشـكُ أنْ يــرى أمـطـارَهْ
نــروي قُـرى الـنعناعِ عـلَّ يـدًا غـدًا
تـسـقـي بـجـانـبِ قـبـرِنا الـصُـبَّارَةْ
في الوقتِ بين رصاصتينِ سنلتقي
حتى يـــودِّع كـــلُّ جـــارٍ جـــارَهْ
نـسـتقبلُ الـمـنفى كـما يسـتقبلُ
الـشهداءُ »طـلقَتهم» بـكلِّ جسارةْ
جــــرِّد فـــؤادَك إذ يــجـردُ شــاعـرُ
الــمـوتِ الـمـعـادِ قـصـائـدًا جَــرَّارَةْ
وقلِ :السلام على الحياةِ وإن تكن
قــديـسـةً أغْــوَتْـكَ فـــي خَــمَـارةْ
أو عِـــشْ كـحـفَّـارِ الـقـبـورِ مُـؤرقًـا
دومًــــا بــقـبـرٍ يـشـتـهي حــفَّـارَهْ
بــاريـس شـقـراءٌ وصـوتي أســمـرٌ
«جُـو تـيمْ» ولـست مُـتَيَّما يا جارةْ
أشـواق حـرفِ الـحاءِ لا محسوسةٌ
ودمــوعُ حــرفِ الـعـينِ غـيرُ مـعارَةْ
أنـــا جــائـعٌ حـــدَّ الـبـكـاءِ لـجـملةٍ
عــربـيـةٍ , فـهـبـي فــتـات عِــبـارةْ
حرفي المقدَّسُ ضائعٌ مِنِّي فلا
«مُضَرٌ» سمعتُ ولا سمعتُ «نزارَهْ»
يا كِلْمتي السمراءَ يا عُكَّازتي
البيضاءَ والمعنى يلمُّ عثارَهْ
لا تَـنـظُري شَــزَرًا لـنـاقفِ حـنْـظَلٍ
يــتـنـفَّـس الأيـــــامَ دونَ مـــــرارةْ
كـم مِـن غـريبِ الأرضِ يـدخلُ قريةً
مـــا ضـيَّـفَتْهُ لـكـي يـقـيمَ جــدارَهْ
لستُ «امرأ القيسِ» الأخيرَ منادما
سككَ الندامةِ وهو يطلبُ ثارَهْ
خلفي أبو حيان يحرق نثره
وأبو العلاء مُغاضِبًا أشعارَهْ
لست النزاري المصابَ بلعنة ِ
النهدين يغمد فيهما أظفاره
إني الجنوبي الذي بجيبنِهِ
شَجٌّ وسمرتُهُ أقلُّ نضارةْ
في كلِّ بحرٍ زارَ ألفَ جزيرةٍ
عذراءَ لا تستقبلُ البحَّارَةْ
عمرٌ من الـكـلماتِ كم مِن صوفِها
نسجَ الشتائيُّ الغريبُ دثارَهْ
فهبي لـ «أحمد» كلما أحصى الخطا
أملَ الرجوعِ بأنْ يَضُمَّ صِغارَهْ
مـنذ الـرؤى الـبيضاءِ كـم ذئبٍ أتى
خـلفَ الـقميصِ ولا لم يجئْ سَيارةْ
بـاريـسُ..مـقهى الـخـالدينَ مُـلـوِّحٌ
بــالــقــبــعــاتِ مـــحـــيــيًّــا زُوَّارَهْ
«هـوجـو» بـركـنِ الـعـبقريةِ صـامتٌ
وأنـــــا و«دنـقـل» نـسـتفزُّ حــــوارَهْ
«مـوباسان» يـشردُ في نهايةِ قصةٍ
عـــن صـاخِـبَـينِ يـزاحـمانِ جــوارَهْ
أبــنـاءُ «هَــاجَـرَ» طـيـبـون تـرجَّـلـوا
مُـستبشرينَ أمـامَ ضحكةِ «سارةْ»
سـنُـحِـبُّ مـنـفـانا وحــيـن يـحـبُّـنا
الـمنفى، سـيرجعنا قميصَ بِشارةْ
بـاريسُ … هـذا الـعُوْدُ أجملُ عازفٍ
فــي الـشـرقِ أطـربَ لـيلَهُ ونـهارَهْ
سـيـظـلُّ يــعـزفُ لـلـذيـنَ يـحـبُّهم
لــــو غَــرَّبُــوهُ ، وجــرَّحــوا أوتـــارَهْ
أبــنـاءُ هــاجـرَ يـعـرفـون طـريـقَهم
لــلـمـاءِ مــهـمـا فــارقــوا أنــهــارَهْ