البعض لا يذهب للمأذون مرتين: فيلم للعيد فقط
مذيع في منتصف العمر متزوج من خبيرة علاقات أسرية يبدو من حديثهما أنهما لا يتفقان على الكثير من الأمور، فجأة يجدان نفسيهما مطلقين مثل كل الشعب المصري بسبب مشكلة لحقت بنظام تشغيل السجل المدني على مستوى الجمهورية، في نفس الوقت الذي تطالبهما فيه جهة عليا بتصدر المشهد لمحاولة إقناع الأزواج الذين تطلقوا بسبب الخطأ التقني بالرجوع لبعضهما مرة أخرى لأن البلد لم يعد فيها أي شخص متزوج، أو حتى يرغب في الزواج مرة أخرى، هذه هي باختصار قصة فيلم البعض لا يذهب للمأذون مرتين.
لعب دور الزوج خالد النجم كريم عبد العزيز، والزوجة ثريا دينا الشربيني، ويشاركهما بطولة الفيلم ماجد الكدواني في دور أنيس محامي الطلاق الشهير الذي تدمرت حياته بسبب أنه لم يعد هناك أزواج يسعى لتطليقهم، الفيلم من تأليف أيمن وتار وإخراج أحمد الجندي.
البعض لا يذهب للسينما مرتين
الفيلم هو التعاون الثاني بين كريم عبد العزيز -وكل نجوم الفيلم تقريبًا فيما عدا دينا الشربيني- مع أيمن وتار كمؤلف، بعد فيلم نادي الرجال السري منذ عامين والذي حقق نجاحًا كبيرًا، أيضًا يأتي الفيلم بعد اكتساح كريم عبد العزيز –النجم المحبوب بالأساس– لقلوب المشاهدين بعد تأديته دور الضابط زكريا في مسلسل الاختيار 2 الذي عرض في موسم رمضان الماضي، يمكنك أن تستدل على شعبية كريم عبد العزيز التي زادت بشكل ملحوظ جدًا إذا راجعت ظهوره على المسرح في احتفالية الرئاسة لإطلاق مبادرة حياة كريمة، ظل الجمهور يصفق لكريم عبد العزيز بسبب حبهم للضابط زكريا قرابة الدقيقتين وتسببوا في تلعثمه عند إلقاء كلمته من فرط التأثر.
المقصود هنا أن فيلم البعض لا يذهب للمأذون مرتين هو استراحة كوميدية مستحقة لكريم عبد العزيز، وذكاء شديد منه في تثبيت أقدامه كممثل متنوع ومتلون ولا يلتصق به دور معين أو نوعية محددة من الأعمال.
الفيلم بشكلٍ عام خفيف ويصلح للأعياد، حيث السينما مزدحمة ولن يفوتك شيء إذا خرجت لتبتاع بعض الفشار وتأخرت قليلاً، فيلم كوميدي يتحدث عن العلاقات والزواج والطلاق والمفارقات الكوميدية التي تعج بها الحياة الزوجية، ورغم أن الفيلم كوميدي ومناسب للأجواء، ورغم أن الحديث عن العلاقات والزواج دومًا ثري ومهم ومطلوب حتى لو تمت مناقشته بكوميدية، فإن الفيلم لم يكن على المستوى المطلوب، فرغم أن كل نجوم الفيلم قدموا أداءً جيدًا فإنه لم يكن هناك أصلاً ما يستدعي التمثيل.
المذيع الذي لا يجد مواضيع ليناقشها ولا يجد جدوى من زواجه والذي يجد نفسه فجأة في مواجهة النجومية ومواجهة فشله في زيجته بالتوازي، ومحامي الطلاق المحنك الذي يتباهى بقدرته على تطليق أي شخص والذي يجد نفسه فجأة في حاجة لأن يعيد تزويج الشعب كله حتى يحصل على عمل بعد أن فقد كل شيء، خبيرة العلاقات التي تؤلف كتابًا عن أن الطلاق ليس هو الحل والتي لا تريد أن تستكمل زيجتها ولكنها مضطرة حتى تحدث المفارقة الكوميدية التي تمكنها من التحرر من زواجها، كل هذه الشخصيات كان يمكن أن تقدم مناقشة عميقة وجادة عن ماهية الزواج والعلاقات عن طريق مواقف كوميدية صارخة، أو على الأقل هي مادة لاستخراج أحدهما، إما مناقشة القضية الهامة أو على الأقل الضحك الشديد، ولكن الفيلم كان متوسطًا جدًا، هل الفيلم كوميدي؟ الإجابة نعم، هل يناقش موضوعًا هامًا؟ الإجابة نعم، ولكن هل يفعل أيًا من ذلك حقًا؟ الإجابة أيمن وتار.
نكتة أيمن وتار الأبدية
كلمة السر دومًا في الأعمال التي لا يمكنك أن تصفها بالنجاح ولا بالفشل هي أيمن وتار، المؤلف الشاب الذي بدأ حياته بكتابة إسكتشات للبرامج الكوميدية، وهي اللعنة التي لم يستطع التخلص منها، إسكتشات أيمن وتار تحتوي دومًا على نكتة ما، وهي قادرة على إضحاكك طالما الإسكتش سينتهي في غضون دقائق، أما أن تشاهد عملاً كاملاً من كتابة أيمن وتار فأنت حتمًا ستشعر أن هناك مشكلة ما، حتى إذا كان هذا العمل بطولة كريم عبد العزيز وماجد الكدواني وبيومي فؤاد.
تبدو كتابة أيمن وتار دومًا في حاجة لإعادة تحرير، بحاجة لخط درامي لجمع كل هذه النكات والمواقف الكوميدية والمفارقات الدرامية داخله حتى يكون العمل مفهومًا، أيمن وتار ببساطة يحتاج لحضور ورشة سيناريو! الموهبة وحدها لا تكفي أبدًا لكتابة عمل درامي، خاصة لو كوميدي، ولذلك فأنت عندما تحضر عملاً لأيمن وتار ستضحك، ولكنك لن تعرف لماذا تضحك بالضبط، وإذا طلب منك أحدهم أن تحكي له العمل الذي شاهدته لن تجد قصة، بل سوف تحكي مجموعة من النكات التي بعضها جيد وبعضها مغرق في الاستظراف، لأنه دائمًا ما يكون لدى أيمن وتار ما يقوله لنا، ولكنه لا يعرف كيف يقوله.
الكتابة ليست موهبة فقط، الكتابة تعتمد بشكل أساسي على التعلم، لا يكفي أبدًا أن تأتي لك أفكار جيدة فالتفكير في حد ذاته ليس موهبة، ولكنك عندما تقرر أن تقدم لي أفكارك فأنت تحتاج أن تصيغها، ولن يكفي إلقاء النكات حتى لو كانت جيدة في توصيل أفكارك، التعلم أشبه باللجام الذي نتحكم به في الأفكار الجامحة، فنتعلم كيف نصيغها وكيف ننسقها وكيف نقدمها في قالب يناسب قياسها، وأيمن وتار بحاجة ماسة إلى تعلم هذه المهارة.
هل فيلم البعض لا يذهب للمأذون مرتين ناجح؟
بالطبع ما زال الوقت مبكرًا جدًا للحكم على الفيلم وما إذا كان ناجحًا أم لا، ولكن بالقياس فإن الفيلم بالتأكيد سينجح، اسم كريم عبد العزيز كفيل بإنجاح الفيلم، على الرغم من أن معظم أعمال أيمن وتار يطالها النقد الشديد، فمثلاً مسلسل رجالة البيت لأحمد فهمي وأكرم حسني تبرأ منه جميع أبطاله، وفيلم الأبلة طم طم لياسمين عبد العزيز لم يسمع عنه أحد أصلاً، وفيلم الكويسين لأحمد فهمي أيضًا طاله نقد شديد وجميعها أعمال كتبها أيمن وتار، أما فيلم نادي الرجال السري والذي قام ببطولته كريم عبد العزيز فقد نجح، ولذلك كان التعاون الثاني في البعض لا يذهب للمأذون مرتين، رغم أنه كان من الواضح تمامًا أن سبب نجاح نادي الرجال السري هو كريم عبد العزيز وحده، وأن مشكلة كون الفيلم مهلهلاً كانت واضحة جدًا.
إذن لماذا يظل أيمن وتار يكتب أفلامًا ومسلسلات إذا كانت الأعمال ليست على مستوى جيد؟ هذا سؤال سهل، لأن الإيرادات هي التي تحكم، طالما المسلسل يباع لأكبر عدد من القنوات باسم أكرم حسني إذن سوف يظل أيمن وتار يكتب مسلسلات، وطالما السينمات تستقبل أعدادًا كبيرة بسبب اسم وصورة كريم عبد العزيز على البوستر سوف يظل أيمن وتار يكتب أفلامًا، المهم أن المنتج يباع، وأن الزبون يشتري، صحيح أنه بعد أن يشتري يسب المنتج ويصيح عن رداءته، لكنه دفع المعلوم، إذن هذا هو المهم، والخدعة معروفة، سوف نغير له الغلاف المرة القادمة، فنضع على البوستر ممثلاً آخر محبوبًا، يدخل الجمهور فيلمه حبًا فيه، ولن يلاحظ أحد الخدعة سوى بعد أن يدفع، وهكذا تظل العجلة تدور بلا انقطاع.