الطاقة الشمسية في مصر: «كرم سولار» نموذجًا
لو أننا وُلدنا في الظلام، أو في عصر ما قبل الكهرباء؛ لتمكّنا من تحمل العيش في ظروف قاسية من صيف، حر، عمل لا ينتهي، نوم غير كافٍ، دراسة لا تحبها… إلخ من ظروف الحياة اللطيفة هذه بشكلٍ عام، لكن لا أعتقد أننا نستطيع تحمل فقدان الضوء والكهرباء ليوم كامل، بعد ما اختار لنا القدر أن نكون ضمن المحظوظين في الكوكب، الذين ولدوا في المدى الزمني الذهبي لسجل الحياة، حيث ينعم العالم بتقدم علمي، أجهزة تقنية متنوعة، إنترنت، أضواء، وتكييفات باردة… إلخ من أمور هذه الحياة اللطيفة جدًا.
منذ أعوام، بضعة أعوام مضت في مصر، أدت مشاكل حرمان المواطنين من نعمة الكهرباء سواء بسبب الانقطاع المتكرر لها، أو التلكؤ في إيصال خطوطها لمنازلهم؛ إلى لجوئهم إلى استخدام ألواح الطاقة الشمسية على حسابهم الخاص، وفوق منازلهم، حيث لا يستطيع أي أحد أن يسلبك ضوء الشمس.
المواطن بكّار أحد هؤلاء، يروي قصته ويقول إنه بعد الانتهاء من بناء منزله الخاص أدى الروتين اليومي البطيء لشركة كهرباء جنوب القاهرة إلى تأخر توصيل كابلات الكهرباء، مما اضطره إلى إنارة فيلاه المكونة من دور واحد بألواح طاقة شمسية. حاتم أيضًا مواطن استفاد من ضوء الشمس الساطعة في محل إقامته بعيدًا عن ازدحام القاهرة الخانق، ليس في إمداد منزله بالطاقة الكافية فحسب، بل في إمداد الآخرين الذين حرموا منها أيضًا من خلال شركته المتخصصة في إنتاج الطاقة الشمسية «Cairo solar».
القدم الأولى في مصر
في أوائل القرن الماضي، عام 1913 تحديدًا، ارتأى مخترع من فيلادلفيا يدعى «فرانك شومان» أن منطقة جنوب القاهرة في مصر بيئة رائعة لبناء أول محطة للطاقة الشمسية في العالم، نظرًا لموقع المنطقة الجغرافي المتميز. وبالفعل أنشأ شومان محطته الشمسية في صحراء القاهرة، عرفت فيما بعد بحيّ «المعادي» الآن. بلغت مساحتها 3 كيلومترات مربعة، ومن أجل صنع جهازه الشمسي الأول «Shams 1»، استخدم شومان 5 أحواض على شكل قطع مكافئ (شكل هندسي) تمتد على طول 60 مترًا.
تمتص هذه المحطة حرارة الشمس من خلال المرايا التي تركز أشعتها على 5 غلايات سوداء غير لامعة. أنتجت المحطة بهذه التقنية ما يكفي من البخار لضخ نحو 23000 لتر من الماء في الدقيقة، ووفرت قدرًا كافيًا من الكهرباء لتزويد نحو 60 ألف منزل مصري آنذاك.
بعد نجاح مشروعه هذا خطط شومان لمشروع أكبر؛ وهو بناء سلسلة من محطات الطاقة الشمسية العملاقة في صحراء مصر على مساحة تبلغ 52450 كم مربع من أجل التغلب على استخدام العدو الأسود في إنتاج الطاقة: الفحم.
لاقى هذا المشروع دعمًا كبيرًا من مستثمرين بريطانيين، ومن الحكومتين البريطانية والألمانية، لكن نحن هنا لسنا في أرض الأحلام والنجاح الأبدي، فلا شيء يدوم طويلًا مهما كان رائعًا!
أتت الحرب العالمية الأولى لتزعزع كيان الدول، واكتشف النفط. بهذا انتهى حلم شومان، وتوفي هو عام 1918، وفي النهاية أصبح العالم ينتج طاقته من الفحم. الأكثر حزنًا من ذلك هو أنه تم تفكيك محطة المعادي للطاقة الشمسية، واستخدام معدنها من أجل صنع أسلحة وذخائر للجيش البريطاني. في الثمانينيات، أعيد استخدام تقنية الطاقة الشمسية لإنتاج الطاقة، لكن ليس في مصر بالطبع، بل في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أزمة النفط المكتشف.
الطاقة الشمسية في مصر: العودة مجددًا
استخدام الطاقة الشمسية أمر جيد ومفضّل بالطبع، لكن يبدو أن المشاريع الجيدة تصبح بديلًا في وقت الأزمات في مصر. فإذا بحثنا في جذور مشاكل الطاقة في مصر، فسنجد أنها ظهرت في الفترة بين عامي 2006-2007، عندما بدأت مصر استيراد النفط. وعلى مدى السنوات التالية ارتفعت أسعار دعم الطاقة حتى بلغت نحو 20% من جميع نفقات الدولة.
وعلى إثر ذلك تواجه مصر العديد من الأزمات في نقص مصادر الطاقة الكهربائية، وسوء التوزيع السكاني الناتج عن تدهور البنية التحتية. تظهر الأرقام الحالية أن أكثر من 90% من جميع الطاقة المنتجة في مصر تأتي من الوقود الأحفوري، و8% فقط من الطاقة الكهرومائية، وأقل من 1% من الطاقة الشمسية والرياح معًا.
كرم سولار
في جنوب القاهرة، في الواحات البحرية، تحديدًا في مزرعة إنماء التابعة لشركة جهينة بعد تعاون مثمر، تجدهم هناك، ألواح لامعة تصطف منتظمة، تمثل ألواح الشركة المصرية لتوليد الطاقة الشمسية «كرم سولار – KarmSolar»، التي أنشئت عام 2011. بدأ «أحمد زهران» تأسيس الشركة برفقة 4 من أصدقائه، ومنذ إنشائها قامت الشركة ببناء ما مجموعه 34 محطة، والتي بدورها تولد طاقة كهربائية بقدرة 1.7 ميجاوات.
وكحال معظم المشاريع الناشئة في مصر، في بداية إنشاء كرم سولار لم يكن هناك أي دعم أو تطوير حكومي لمجال الطاقة الشمسية في مصر، بسبب وجود دعم الوقود الذي أبقى أسعار النفط والغاز منخفضة. كما صرفت الحكومة المصرية نظرها عن المجال بسبب أسعار الألواح الشمسية المرتفعة.
أما عن القطاع الخاص، فقد أقامت الشركة مشروعات،ووقعت صفقات مع شركات محلية مثل شركتي «الدقهلية وادي النطورن للزراعة، والدقهلية جنوب الوادي للدواجن» التابعة لمجموعة شركات «الدقهلية»، إحدى كبرى الشركات المنتجة والمصدرة للأغذية الزراعية في مصر. بلغ حجم الصفقة نحو 23 مليون دولار أمريكي، من أجل توفير نسبة 75% (23.5 ميجاوات) من متطلبات الشركتين للطاقة على مدى 30 عامًا.
كما وقعت الشركة صفقات أخرى مع مشاريع في مجالات مختلفة، مثل مجال السياحة. أبرز هذه الصفقات في المجال مشروع «سهل حشيش»، أكبر منتجع سياحي على البحر الأحمر، لتبدأ العمل في أبريل/نيسان 2017، بقدرة 2.2 ميجاوات.
كما وقعت الشركة اتفاقًا مع «الصندوق الاجتماعي للتنمية»، هو الأول من نوعه، للحصول على نحو 9.5 مليون جنيه لإقامة محطات للطاقة الشمسية. تتبع شركة «كرم سولار» شركة «كرم للمباني»، وهي الشركة المنفذّة للمشاريع من هندسة وتصميم، تخطيط، وتشييد.
لقاء «بتوقيت مصر» بمسئولي الشركة:
مجمّع بينبان
من المقرر افتتاح أكبر مجمّع للطاقة الشمسية في العالم العام المقبل 2019، وهو مجمع «بينبان – Benban» في أسوان، الذي يقع على بعد نحو 650 كم جنوب العاصمة القاهرة، في الصحراء الغربية، ويمتد على مساحة 37 كم مربع، يحتوي على 40 محطة شمسية لتوليد الكهرباء بتكلفة بلغت نحو 2.8 مليار دولار أمريكي.
أما عن حجم الاستثمارات فيه، فوفقًا لتصريحات محافظ أسوان «مجدي حجازي»، فإن إجمالي استثمارات المحطات الأربع هو 180 مليون دولار، وموّله عدد من وكالات التمويل والبنوك العالمية، مثل بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية، والبنك الصناعي والتجاري الصيني.
ستصبح نصف محطات المجمع جاهزة بحلول منتصف العام المقبل، وتنتج طاقة بقدرة 186 ميجاوات، لكنها تهدف بشكل أساسي فور انتهائها كلها إلى إنتاج 2 جيجاوات من الطاقة. ومن المتوقع أن يساعد مجمع الطاقة الشمسية هذا في زيادة استخدام الطاقة المتجددة في مصر إلى 22% من جميع استخدامات الطاقة المنزلية بحلول عام 2020، كما تهدف الحكومة المصرية إلى حصول مصر على 42% من الطاقة الكهربائية من مصادر نظيفة بحلول العام 2025.
خدمات سخيّة!
في سبتمبر/أيلول عام 2014، قدم وزير الكهرباء «محمد شاكر» خطة للطاقة المتجددة، تتضمن خفض تعريفات التغذية إلى 2%، بلغ نحو 14.34 سنت/كيلووات ساعة للمشاريع التي تنتج طاقة بقدرة 20-50 ميجاوات.
* تعريفة الغذاء: هي وسيلة تعمل على تشجيع إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة نظيفة، مثل الطاقة الشمسية. تقوم شركات الكهرباء بشراء الطاقة الناتجة عن هذه المصادر من منتجيها بسعرٍ محدد ومعلن. تعمل هذه الطريقة على تحقيق عائد للاستثمار من خلال اتفاقيات طويلة الأجل؛ 41 عامًا لشراء طاقة الرياح، و49 عامًا لشراء الطاقة الشمسية.
وفي نهاية أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، أصدر رئيس الوزراء السابق المهندس «إبراهيم محلب»قرارًا ببيع الكهرباء للحكومة. نص القرار على وجوب تحديد أسعار شراء الطاقة الكهربائية من شركات التوزيع أو المواطنين الذين يستخدمون مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء، وكذلك الطاقة الكهربائية الموردة للشركة المصرية لنقل الكهرباء. وبعد أن يقوم المواطن بإجراءات تركيب الألواح الشمسية وتشغيلها، يتم تركيب عداد بنظام خاص يعمل على حساب قيمة الكهرباء المنتجة، ثم تقوم الشركة المسئولة بكتابة شيك بنكي بالأموال المستحقة للمتعاقد.
أنشأت الحكومة حصة شاملة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح بلغت 4300 ميجاوات من السعة المركبة، وتجاوزت الطلبات المقدمة من أكثر من 180 شركة في الجولة الأولى ما يقرب من 10,000 ميجاوات، مما يشير إلى وفرة الاهتمام من القطاع الخاص بمجال الطاقة الشمسية. وبحلول أوائل عام 2016 كان أكثر من 20 مجموعة تضع مقترحات مفصلة بهدف إبرام اتفاقيات شراء الطاقة بحلول نهاية أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه.
أخيرًا؛ العيون مصوّبة الآن نحو مجمع بينبان، هل سيكون مشروعًا قائمًا بالفعل؟ وهل يمكن أن يحل أزمة انقطاع الكهرباء أو ضعفها في الجمهورية؟ نحن في انتظار الإجابة!