الطاقة الشمسية والرياح: فرصة لكسر الجمود حول سد النهضة
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تتصاعد منذ عدة سنوات التوترات السياسية بين إثيوبيا والسودان ومصر في النزاع حول سد النهضة الإثيوبي شبه المكتمل. ويُعتَبَر السد أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، فهو يحجز مياه النيل الأزرق المقبل من مرتفعات إثيوبيا قبيل عبوره إلى السودان حيث يتجه شمالًا إلى مصر بعد اندماجه بالنيل الأبيض.
تحتاج إثيوبيا إلى ما سيولده السد من كهرباء لانتشال ملايين المواطنين من براثن الفقر. لكن مصر تستشعر القلق من تداعيات السد على زراعتها المعتمدة بالكامل على مياه النيل. وفي الوقت عينه، يرى السودان في السد فوائد ومخاطر محتملة. لقد استمرت محادثات الوساطة للاتفاق على تشغيل السد لسنوات، لكنها اليوم متوقفة.
لم هذا الخلاف؟ لأنَّ خزان السد سيكون من الضخامة بحيث يخزن التدفق السنوي للنيل الأزرق بالكامل، سامحًا له بإنتاج الطاقة الكهرومائية على مدار العام. لكن من شأن هذا المخطط التشغيلي أن يضبط المواعيد الطبيعية للنهر الموسمي للغاية. غير أنَّ وراء الخلافات المتعددة حول السد تحتجب مسألة أيُّ جهةٍ يجب السماح لها بمثل هذا التحكم والسيطرة على النهر، إنْ وُجِدت هذه الجهة.
لقد نشرتُ وزملائي بحثًا جديدًا يبيّن وجود سبلٍ للخروج من هذا الخلاف وإمكانية التوصل إلى موقف مربح لجميع الأطراف بشأن تشغيل السد على المدى الطويل.
اقترحنا قيام إثيوبيا والسودان ومصر وجيرانهم بإنشاء مزارع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع وإقامة شبكة طاقة متكاملة إقليميًا. ستحتاج إثيوبيا بالتالي إلى الاتفاق على تشغيل السد بالتضافر مع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
برغم أنَّ هذا قد يستلزم استثمارًا أوليًا كبيرًا، نزعم أنَّه سيوفر مكاسب ملموسة لكل البلدان المعنية، وعلى المدى الطويل ستفوق المكاسبُ التكاليفَ.
سد النهضة والنيل
تُملأ محطات الطاقة الكهرومائية الكبيرة، على شاكلة سد النهضة، في موسم الأمطار وتُفرَغ في موسم الجفاف، مُطلقةً المياه بطريقة منظمة على مدار العام لضمان توليد الكهرباء طوال هذه المدة. لكن هذا يحرم النهر من تدفقه الطبيعي إلى حدٍ كبير.
في حالة سد النهضة، سيكون لهذا التغيُّر في التدفق، إلى جانب المخاوف البيئية المحيطة بصحة النهر، تداعياتٍ على تشغيل السد العالي الذي تستخدمه مصر لتنظيم تدفق نيلها. كذا قد يترتب على ذلك ظهور فترات خلافية يتنافس فيها السَدَّان على المِلء.
بعيدًا عن ذلك، فإنَّ خزان سد النهضة ضخم، وقد أثار قلق مصر والسودان لجهة إمكانية حصولهما على كمية كافية من المياه، لا سيما خلال سنوات الجفاف. من جهتها لا ترغب إثيوبيا في ضمان إطلاق كمية ثابتة من المياه نحو المصب؛ لما قد يسببه من قيود على استخدام البلد لموارد المياه.
تبين دراستنا أنَّ استحداث مصادر كهرباء بديلة، لتكون بمثابة مكملٍ لطاقة السد الكهرومائية، سيعالج تلقائيًا العديد من هذه المشكلات.
مصادر طاقية بديلة
كانت النقطة الرئيسية في دراستنا أنَّ لأشعة الشمس والرياح في العديد من مناطق إثيوبيا والسودان وجيرانهما طابعًا موسميًا قويًا يعاكس تدفق النيل الأزرق الموسمي. إذْ تكون أشعة الشمس أسطع والرياح أقوى خلال موسم الجفاف.
في حال جرى تشغيل السد لدعم الطاقة الشمسية والرياح، سيعني هذا إنتاج طاقة مائية أقل خلال موسم الجفاف، وأكثر خلال موسم الأمطار، دون المساس بمتوسط إنتاج الطاقة السنوي للسد. ستكون هذه العملية مشابهة للوضع الطبيعي.
وبالإمكان إعداد اتفاقية ثلاثية قائمة على الكهرباء لا الماء. ستنال إثيوبيا جميع الفوائد المتوقعة من سدٍ ضخم ولن تُضطر إلى تقديم وعودٍ صريحة بشأن إطلاق المياه نحو المصب. أما بالنسبة للسودان ومصر، سيبدو الأمر كما لو أنَّ سد النهضة سد صغير نسبيًا، ما سيطمئنهما أنَّه لن يسبب أي ضرر – ثمة بالفعل العديد من هذه السدود الصغيرة على النيل، ولا اعتراض عليها. يبدو أنَّ هذه هي الشروط اللازمة لأي اتفاقٍ حول سد النهضة.
ستعمل الحلول المقترحة بشكلٍ أفضل فيما لو نُفِّذت الطاقة الشمسية والرياح على شبكةٍ إقليمية مشتركة، مثل التي دعا إليها تجمع الطاقة لدول شرق إفريقيا – وهي مؤسسة متخصصة تأسست في 2005 لتعزيز ربط نظام الطاقة لدول شرق إفريقيا.
الاستثمار
يتطلب اقتراحنا استثمارًا كبيرًا في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ستكون هناك حاجة إلى قدرة مجمعة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تقل عن ستة جيجاواط، ما يماثل قدرة توربينات سد النهضة، في جميع أنحاء إثيوبيا وجيرانها. لحسن الحظ، فإمكانات موارد المنطقة أكثر من كافية لهذا الغرض.
تعمل إثيوبيا والسودان بالفعل على تنفيذ مجمعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق واسع، ما سيضيف عدة مئات من الميجاواط إلى القدرة الفعلية القائمة. فيما يبدو أنَّ لمصر خططًا أكثر طموحًا بشأن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
سيستغرق الوصول إلى الحجم المطلوب سنوات، لكن سد النهضة لم ينتهِ بعد، فمن المتوقع استمرار أعمال البناء حتى 2023. أكثر من ذلك، من المتوقع أن يستغرق ملء خزانه، وهو ما بدأ في 2020، ما بين خمس وسبع سنوات.
تبين دراستنا أن الاستثمار المطلوب يوازي ما تَكلَّفه سد النهضة حتى الآن، أي قرابة 5 مليارات دولار. لكن لا يعني هذا أنَّ الخطة غير جذابة من الناحية المالية.
أولًا، ليس بالضرورة أن تمثل هذه الاستثمارات تكاليف إضافية، إنما إعادة تخصيص الاستثمارات، وإعطاء الأولوية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح على مصادر الكهرباء الأخرى لتلبية الطلب المتزايد في المنطقة والتي لن يكفيها سد النهضة.
ثانيًا، لقد انخفضت التكاليف النسبية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل كبير لدرجة أن استحداث هذه الموارد سيؤدي إلى انخفاض تكاليف توليد الكهرباء في إثيوبيا والسودان ومصر على المدى الطويل.
ثالثًا، قد يكون المجتمع الدولي أكثر حماسة لدعم استحداث مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بدلاً من إنشاء محطات كبيرة جديدة للطاقة المائية أو الوقود الأحفوري.
الجميع رابح
سيكون هذا النظام الهجين مربحًا للجميع، حيث يوفر العديد من الفوائد المشتركة إلى جانب حلحلة المفاوضات وخفض تكاليف توليد الكهرباء على المدى الطويل.
ستضع إثيوبيا نفسها كمُصَدّر قوي للكهرباء في شرق إفريقيا. وسيعمل سد النهضة في كثير من الأحيان بكامل طاقته– خلال فترات انخفاض الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح.
يمكن للسودان ومصر الحصول على المزيد من المياه خلال سنوات الجفاف أكثر من ذي قبل لأنَّ سد النهضة بوسعه التعويض عن تباينات تدفق النيل الأزرق بين السنوات. يمكن للسودان التخلي عن الوقود الأحفوري إلى حد كبير، ويمكن للدول المجاورة أنْ تحذو حذوه مع الوقت. ستكون بيئة نهر النيل في جميع أنحاء السودان أقل تأثرًا بسد النهضة نظرًا لأن موسمية التدفق عنصر مهم في الصحة البيئية للأنهار.
لن تحتاج مصر إلى تكييف عمليات سدها العالي بشكل كبير، نظرًا لاستمرار الطابع الموسمي لتدفق النيل الأزرق. سيجري تقليص فترات الخلاف المحتملة إلى الحد الأدنى– يجري في هذه الفترات ملء سد النهضة فيما تكون بحيرة ناصر (خزان السد العالي) في طور التفريغ.
هكذا، يوفر التخطيط المتكامل للطاقة الشمسية والرياح وسيلة للمضي قدمًا في تحقيق الأهداف المشتركة لإثيوبيا والسودان ومصر.