بهدوء، كيف نتعامل مع تفجيرات الكنائس؟
بعيدًا عن المقدمات التي تفيد الإدانة والشجب والرفض، والغوص في سماحة الإسلام من عدمه، أو مناقشة الإسناديات الدينية التي يرتكز عليها أصحاب الفكر المتطرف في تبرير عملياتهم الإرهابية، أو المقولات الوهمية بأن الإرهاب لا دين له، أو وضع فرق الكشافة بداخل الكنائس في دائرة الاتهام، أو الوقوف على مقولات المحللين بأن ما حدث استمرار لدور العبادة، أو القول بأن مصر لن تنكسر ولن تركع للإرهاب وتحيا مصر وغيرها من العبارات التي لا قيمة لها، أو الحديث عن فشل أمني من عدمه، دعونا نناقش ما هو أهم، وهو ما يهدف إليه الإرهاب في مثل تلك الحوادث:
هل تعيش مصر فتنة طائفية؟ ولعل هذا ما حاول تنظيم داعش تغذيته وجرنا نحو هذا الإطار من خلال إصداره «وقاتلوا المشركين كافة» الصادر يوم 19 فبراير الماضي.
ولما كان «أ.ب» إرهاب قاعدة «البحث في البيئة المناسبة لنمو الإرهاب» بمعنى أن تواجد الإرهاب يرتبط بسياقات اجتماعية وسياسية واقتصادية، وشكل العملية الواقعة هي التي تحدد نسبة تأثير كل سياق منهم على الشخص القائم بالعملية الإرهابية، فإن قراءتنا لتلك الحوادث المتعلقة باستهداف الكنائس تستدعي النظر إلى محاور عدة:
أولها نحن أمام أي نوع من الإرهابيين؟
وثانيها ما العوامل الدافعة لنمو هذا النوع من الإرهاب؟
وثالثها ما هي عوامل نجاح مثل هذه العمليات؟
وأخيرًا كيف يمكننا التصدي له بعيدًا عن النواحي الأمنية؟
أي نمط إرهاب نواجه؟
في دراسة نشرت في ديسمبر 2015 حاول الباحث «حميد الشيخ» التفرقة بين ثلاثة أنواع من الإرهابيين «الجهاديين» هم «الإرهابيون المحليون، الإرهابيون الإقليميون، الإرهابيون الدوليون» ولكل نمط منهم مبرراتهم وأهدافه.
وبالنظر إلى الحالات الإرهابية في الداخل المصري والمستهدفة لدور العبادة فإننا بصدد الحديث عن النوع الأول من الإرهابيين «الإرهابي المحلي».
ذلك النوع من الإرهاب يتم الاعتماد فيه بصورة أساسية على متطرفين من أبناء الدولة ذاتها من خلال قضية لها نصيب شيء ما من عقلهم وتفكيرهم؛ أي أنه ذلك النمط من الإرهاب الذي ينشأ في إطار السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي الداخلي بالدولة محل وقوع الحادث ويمكن أن يتأثر هذا النوع ويتداخل مع أنماط أخرى تساعده في تسهيل عملية.
العوامل الدافعة لنمو هذا النوع من الإرهاب
في حالة ما أردنا أن نقف على العوامل التي تم بها تغذية عقول هؤلاء القائمين بأعمال إرهابية من شأنها الإضرار بدور عبادة الإخوة الأقباط، فهناك العديد من الأساطير التي يمكن من خلالها فهم تلك الدوافع:
أسطورة عدم المساواة
عادة ما يتم تسويق صورة في المجتمع المصري من قبل البعض من أتباع تيار الإسلام السياسي مفادها أن الأقباط يعاملون بصورة أفضل بكثير من المسلمين في الدولة المصرية من قبل السلطات المتتابعة فترة مصر الجمهورية، سواء من ناحية أنهم يشغلون مناصب عليا أو أنهم يتحكمون في جزء كبير من الاقتصاد المصري أو…إلخ من صور التمييز التي عادة ما تسوّق ممن لهم خلفية إسلامية.
العلاقة بين السلطة والكنيسة
في تلك النقطة يدفع أتباع الجماعات الإسلامية المتطرفة بعبارة دائمة مفاداها أن الكنيسة عادة ما تقف بجوار السلطة في مواجهة أتباع التيار الإسلامي من ناحية، وأنها تستفيد من وجود شخص ذي خلفية عسكرية في السلطة من منطلق عداء العسكريين للإسلاميين.
تعميم الخاص في حالات العداء
المعنى هنا بتعميم الخاص هو الاعتماد على حالات أو أحداث فردية في الحكم على العامة؛ أي الاعتماد على حالة مثلاً من إساءة رمز قبطي للإسلام والمسلمين في الحكم بكون كافة الأقباط في حالة من العداء للمسلمين في الداخل، أو الاعتماد على موقف ما من بعض الأقباط ضد جماعة إسلامية ما في الحكم بكون هؤلاء ضد الإسلام والمسلمين.
الخيرية ورضاء اليهود والنصارى
نقاط ربما يكون الدخول إليها مأزقًا، ولكنها مهمة في فهم اندفاع المتطرفين إلى مثل هذه العمليات، أولها التأويلات المختلفة لقوله تعالى «وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ»، وثانيها الخيرية ووجود دليل ديني داخل مختلف الديانات السماوية على أن أتباعه هم خير أمة.
حارة النصارى ومعاملة المسيحي الحسنة للمسلم
في المجتمع المصري قديمًا وربما ما زال في بعض المناطق يتجمع المسيحيون في منطقة ما بعضهم بجوار بعض،فرسخت في مخيلة بعض المواطنين -ذوي القصور في الإدراك-أن مثل هذه الحالات تعبر عن تكتل المسيحيين ومحاولتهم السيطرة على منطقة ما دون وجود مسلمين بها.
من ناحية أخرى تأتي سياقات الحديث عن حسن المعاملة من المسيحيين للمسلمين أو محاولة صاحب حرفة مسيحي لكسب زبائنه بالمعاملة الحسنة أو إحداثه فارقًا شيئًا ما عن نظيرة المسلم العامل بنفس الحرفة، استغلها البعض في ترسيخ صورة مفاداها أن كل ما يحدث هو محاولات تنصير.
نموذج دعاء اللهم عليك باليهود والنصارى
هذا الدعاء ربما سُمع في أكثر من موطن داخل خطب الجمعة بمساجد مصرية، والذي بدروه ساعد بصورة أو بأخرى في تغذية حالة من العداء في العقل الباطن لدى البعض.
كيف يمكننا التصدي لذلك، إلى جانب معالجة القصور الأمني؟
قبل أي شيء لابد وأن نؤكد أن مصر تعيش حالة غير ظاهرة من إرهاصات الفتنة الطائفية، ولابد وأن نعترف بهذا قبل أي شيء، والشواهد على هذا على مدار التاريخ المصري عدة وغالبها بسبب خلافات عادية تحولت لاعتداء على دور عبادة، وسوء التعامل مع هذه الحالات دائمًا هو ما دفع التنظيمات الإرهابية الدولية مثل داعش للعب على وتر هذه العمليات.
اللعب الداعشي على هذا الوتر من شأنه التأكيد على ضرورة البعد كل البعد عن المسكنات التي من شأنها إظهار عدم وجود خلل فعلي في النسيج الوطني؛ لأنها لم تعد كافية أو مقبولة في التعامل مع تنظيم دولي يعلم جيدًا ما يبثه ويفعله.
ما تتطلبه المرحلة شقّان:
الشق الأول
إعادة هيكلة المنظومة الأمنية المصرية بما يسمح بتكثيف الحماية لدور العبادة، خاصة وأن حادثة مثل حادثة كنيسة طنطا تثبت بما لا يدع مجالاً للشك وجود قصور أمني واضح نظرا لمحاولة تنفيذ التفجير منذ أيام والفشل فيه.
الشق الثاني
خلق إطار جدي لمناقشة العوامل التي من شأنها خلق حالة الكراهية بين طرفي المجتمع المصري ومحاولة خلق ثقافة مجتمعية مؤسسة على المساواة بين الجميع أمام الدولة، ومنظرة للتعايش السلمي بين أفراد المجتمع بحيث يكون المواطن المصري هو الحامي للآخر وليس الدولة فقط.
البداية في خلق بيئة من شأنها البعد عن تعريف المواطن للآخر بديانته، هذا الشق ربما يعتقد البعض نظريًا شيئًا ما وهو اعتقاد صواب، ولكنه على المدى الطويل مهم والعمل عليه من شأنه تقليل حدة وعدد هذا النمط من العمليات حتى نصل لمرحلة من الممكن أن نقول فيها إن الاعتماد على «متطرفين محليين» في هذا النوع من العمليات أمر شبه مستحيل.