العمل الاجتماعي للإخوان المسلمين بعد 30 يونيو
حرصت جماعة الإخوان المسلمين طوال تاريخها، وبالأخص جيل التأسيس الثاني في السبعينات على علنية وقانونية نشاطها بشكل عام، وبالأخص شبكة الخدمات الاجتماعية التابعة لها، والتي لعبت دورًا ملحوظًا في كسب الشعبية والثقة، وللمصادفة فإن هذه العلنية هي ما يسّر على الدولة بعد 3 يوليو تحجيم هذه الشبكة بصورة مؤثرة.
منح هذا النهج الحكومة قائمة بالمستهدفين، ولم تنفع شبكة الخدمات الاجتماعية تلك ما أنجزته من تعاون مع الوزارات المختلفة، ولا الدور الكبير الذي قامت به في مساعدة الدولة على تشكيل وتشغيل المجتمع بدلاً من العمل على نزع شرعيتها.
من خلال دراسة المؤسسات الطبية والتعليمية التابعة للجماعة والتي استولت عليها الحكومة بعد 3 يوليو يمكن إضافة تفاصيل ذات قيمة في فهم واحد من الملفات التي غالبًا ما يتم تداولها عبر التكهنات، وهو ما اعتمد عليه الباحث «ستيفن بروك» في ورقته المنشورة عبر معهد بروكنجز.
ما الإستراتيجية التي اتبعها النظام في قطع أوصال الخدمات الاجتماعية للجماعة؟
استندت خطة النظام في قطع أوصال شبكة الخدمات الاجتماعية للجماعة على دعوى قضائية في سبتمبر/أيلول 2013 (حكم رقم 2315 لسنة 2013)، وهو الحكم الذي اعتبرت فيه محكمة القاهرة للقضايا المستعجلة أن جماعة الإخوان منظمة إرهابية، وتبع ذلك إنشاء المحكمة لجنة لدراسة احتمالات الاستيلاء على الأصول المادية والمالية للجماعة.
وأنهت اللجنة تقريرها الأوّلي في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وتضمنت القائمة الأولية 1142 كيانًا منتشرًا في جميع محافظات مصر. ترى اللجنة أنها إما تابعة مباشرة للإخوان أو مستقلة ظاهريًا، لكن للجماعة نفوذ متحكم بها مثلما كان الحال مع الجمعية الشرعية وأنصار السنة. وبالتزامن مع ذلك نشرت صحف مصرية قائمة بعدد 87 مدرسة تابعة للجماعة، وقد خضعت كل تلك المؤسسات والمدارس لتجميد فوري للأصول في انتظار مزيد من الإجراءات.
واجه النظام تحدي أن يحافظ على الاستقرار الاجتماعي في الوقت الذي يتمكن فيه من الحد من نفوذ الإسلاميين في تلك الجمعيات؛ حتى لا تتحول لمراكز معارضة ضده يستعملها الإخوان في حشد الدعم عن طريق استمرارهم في مساعدة المصريين لحل مشاكلهم اليومية.
ذلك أن تلك الجمعيات قد بدأت منذ عهد الرئيس السادات، حيث توجهت الدولة لاعتماد اقتصاد السوق الحر، فضلاً عن سياسات الإصلاح الاقتصادي في التسعينات؛ ما قلّص من فرص الأمان الاجتماعي وضاعف الحاجة لتدخل مؤسسات غير حكومية، أبرزها الجماعات الإسلامية لملء تلك الفجوة، على سبيل المثال كانت الجمعية الطبية الإسلامية التابعة للإخوان تخدم ما يقرب من مليون مصري سنويًا.
هذا التحدي واجهه النظام بالتأكيد على استمرار عمل الجمعيات والحفاظ على الكفاءة التي تقدم بها خدماتها، فلجأ لتعيين فرق إدارة جديدة تتألف من حكوميين بيروقراطيين وشخصيات أمنية للإشراف على هذه المرافق.
لم يترك النظام أمام النشطاء الإسلاميين غير ساحة الاحتجاج في الشارع، ولسوء الحظ فأمام تعنت الجماعة وحرصها على مطالب سياسية يبدو تحقيقها ضربًا من ضروب المستحيل تتمثل في إعادة مرسي ومحاكمة القادة العسكريين، فضلاً عن اتباع إستراتيجية غير نهائية من الاحتجاج. بدا احتمال حدوث مواجهات عنيفة منطقيًا للغاية، وهو ما يتكرر بترك هؤلاء المحتجين ساحات التظاهر تحت وطأة قمع الشرطة منجرفين إلى العنف.
الشبكات الطبية للإخوان
تعد الجمعية الطبية الإسلامية هي أكبر وأقدم الخدمات الاجتماعية المنظمة للجماعة، فقد تأسست على يد القيادي البارز أحمد الملط عام 1977 لتوفير تكلفة منخفضة ورعاية طبية عالية الجودة، وفي 2013 كانت المؤسسة تدير 22 مستشفى و7 مراكز طبية متخصصة (أربعة مراكز غسيل كلى، ومركز لطب العيون، ومركز للخصوبة، ومركز لذوي الاحتياجات الخاصة) .
بعد فترة وجيزة من 3 يوليو زار أعضاء بالأجهزة الأمنية جميع مرافق الجمعية للتأكد من صلاحية الأوراق الخاصة بها وقانونية عملها، في المقابل اضطرت الجمعية لقطع علاقاتها بأعضاء بارزين في الجماعة بما في ذلك عضوي مجلس الإدارة «حلمي الجزار» و«جمال حشمت»، فيما قرر البعض الآخر الفرار من البلاد مثل محيي الزيات مدير المستشفى الخيري المركزي الرائد بمدينة نصر، وتعرّض آخرون للاعتقال من قبل السلطات.
وفور ظهور الجمعية في قوائم المنظمات الإخوانية في ديسمبر/كانون الأول 2015، ما يجعلها مستهدفة بتجميد الأصول، ردت بإعلان على الصفحة الأولى من جريدة الأهرام الحكومية تدعو الحكومة بالنيابة عن 2 مليون مريض وآلاف المواطنين الذين لا يستطيعون دفع تكاليف علاجهم أن يُسمح لهم بمواصلة تقديم الخدمات، كما عبّر أحد مديري الجمعية في مقابلة عن تفاؤله بأن قرار تجميد الأصول سيُرفع خلال أيام.
رغم ذلك في أوائل 2015 قررت الدولة السيطرة على الجمعية واستولت على أصولها المقدرة بنحو 300 مليون جنيه مصري، كما حلّت فرق إدارة المستشفيات، وأُعيد تشكيلها بفرق أخرى مؤيدة للنظام، وخضع المديرون الماليون لفحوص إضافية للتأكد من عدم تمويل المنظمة للإرهاب.
واختارت لجنة أموال الإخوان الشخصية الدينية المؤيدة للنظام بقوة علي جمعة، مفتي مصر السابق، لرئاسة مجلس إدارة الجمعية الطبية الجديد.
مدارس الجماعة
تمثل سلسلة المدارس الخاصة التابعة للجماعة الركيزة الثانية في شبكة الخدمات الاجتماعية، وقد تعرضت اعتمادًا على حكم المحكمة السابق الإشارة إليه إلى محاولة سيطرة من طرف الحكومة، وذلك بإسناد مهمة الإشراف عليها من خلال «لجنة 30 يونيو».
وتعرضت تلك المدارس لحملة إعلامية تتهمها بالتحريض ضد الجيش والشرطة، وتلقين الطلاب معاني تتعارض مع حب الوطن ومعادية لأحداث 30 يونيو باعتبارها انقلابًا وليست ثورة كما تراها الأجهزة الحكومية.
وعلى عكس تمكن الدولة من السيطرة على المستشفيات فقد واجهت عقبات بيروقراطية وقانونية أكثر في التعامل مع المدارس، تمثل الأول في أن كل قرار كان لا بد له من المرور عبر لجنة 30 يونيو.
أما العقبة القانونية والتي تحدى بها ملاك المدارس، قرار سبتمبر/كانون الأول 2013، وهي أن هذه المدارس مملوكة لأفراد، وبالتالي نجح عدد منهم لا يقل عن 9 في نهاية 2014 في الحصول على أحكام قضائية – استنادًا للدستور الذي يحمي مبدأ الملكية الخاصة من المصادرة – تفيد بأن إجراءات الاستيلاء على مدارسهم غير صالحة، على الرغم من كون بعضهم رموزًا إخوانية معروفة مثل: «وفاء مشهور» ابنة مرشد الجماعة السابق مصطفى مشهور، و«محسن راضي» النائب ببرلمان 2012، و«خديجة الشاطر» ابنة القيادي خيرت الشاطر.
الأمر الذي دفع الأجهزة الأمنية لاستخلاص أن وزارة التربية والتعليم ليس لديها القدرة على إخضاع هذه المدارس، إلا أن الوزارة دفعت في يناير/كانون الثاني 2015 بعدد من المدراء الجدد المؤيدين للنظام في مجالس إدارات هذه المدارس، وصرح وزير التعليم في فبراير/شباط 2015 بأن شبكة المدارس التابعة للإخوان تحت السيطرة بنسبة 85%.
كما أصدر الرئيس لاحقًا قانونًا يتضمن سلسلة من التدابير التي تعطي السلطات صلاحيات أوسع لمصادرة أصول الجماعات التي تمثل تهديدًا للسلم العام، وليس من قبيل المصادفة أن قرار سبتمبر/أيلول 2013 يعتبر الإخوان جماعة تمثل تهديدًا للسلم العام، وهو ما يضع أساسًا قانونيًا أكثر حزمًا لضبط الثغرة التي استخدمها ملاك المدارس التابعة للجماعة.
ما الذي استنتجه الإسلاميون من نمط الخدمات الاجتماعية للإخوان؟
يعزز فشل هذا النمط من تقديم خدمات اجتماعية، بهدف كسب أصوات الناخبين وزيادة النفوذ الاجتماعي لحزب سياسي رغم عدم اشتراط الولاء الأيديولوجي للوصول إلى الخدمات والعمل بصورة قانونية ومنفتحة للتعاون مع الدولة، اتجاها رأي متعارضيْن.
الأول أكثر تخصصًا يقوم على فصل العمل المجتمعي عن السياسي الحزبي بشكل مؤسسي، وكذلك على مستوى القيادات مع انتشار أفراد التيار الإسلامي بإمكانياتهم وحاملي رسالتهم وأفكارهم في مختلف مؤسسات المجتمع المدني، بحيث يصعب على النظام مستقبلاً مواجهتهم أو التخلص منهم.
والثاني هو فكر السلفية الجهادية التي تنظر للمشاركة اللاعنفية باعتبارها وسيلة غير ناجحة في التغيير الاجتماعي والسياسي، وباتت تنظر أن أي دور اجتماعي يمكن أن تلعبه يجب أن يكون على حساب الحد من شرعية الدولة في مقابل تحويل هذه الشرعية لصالحها، وهو الأمر الذي ظهر بأشكال مختلفة في سيناء، حيث حرص مقاتلو تنظيم الدولة أو ما يعرف بولاية سيناء على مساعدة المتضررين من هدم المنازل والصراع الدائر في شبه الجزيرة في سبيل كسب شرعية بديلة عن الدولة.