في كرة القدم: الانقلابات لا تكون دائمًا عسكرية
لا مفر من تحقيق أي مجموعة للنجاح سوى بقيادة حكيمة، والقيادة في المجمل ليست سهلة مُطلقًا، فأغلب الأشخاص دائمًا ما يجدون صعوبة كبيرة في حل مشاكلهم الشخصية حتى يضطروا إلى اللجوء لآخرين، الذين يكونون في الغالب عبارة عن مستمعين فقط لا غير، ومع ذلك يرتاح الحاكي قليلًا بمجرد أن يلحظ أن الطرف الآخر يشاركه نفس ردة الفعل، يتوهم أنه طبيعي لأنه اكتشف أن صديقه يُشاركه الحُزن وكأن الهموم انقسمت على اثنين فبات الإحساس بها أقل. أما في الظروف الصعبة التي تطال أكثر من فرد، الحاجة ماسة جدًا إلى متحدثين، وبكلام مُقنع مؤثر، ميزتهم ليست مُجرد البحث عن اقتراحات فحسب ولكن تتمثل في إيجاد حلول فورية والأهم من ذلك جعل المُقادين مؤمنين بهذه الأفكار وإلا فسيكون كل ذلك فشلاً جديدًا في التحمُس.
أما في كرة القدم فكل من المدرب وكابتن الفريق مطالبان بالتعامل مع عدة نوعيات مختلفة من العقليات بحسب الجنسيات؛ المهتم بالفرديات أكثر من الجماعية والعكس، الذي يُحب أن يلفت أنظار الجمهور، الذي يُفضل الاستماع لمدربه ونوع ثالث يعتبر وكيل أعماله هو ولي الأمر خاصًة إذا ما كان ميدنيز أو رايولا، من يريد أن يسعد الجماهير حقًا ومن يخدعهم بتلك التصريحات وفي الواقع يلعب لنفسه فقط، هذه الاختلافات لا تظهر بوضوح سوى في غرف خلع الملابس أو غرف خلع القناع بمعنى أدق، بعيدًا عن أعين الجماهير الغاضبة والكاميرات الراصدة، والبريميرليج تحديدًا كلما زادت قيمته التسويقية زادت مشاكله أكثر في الآونة الأخيرة.
المال يكسر القواعد أحيانًا
في كرة القدم قواعد يضعها الاتحاد الدولي، مالك النادي، المدرب أو حتى تاريخ النادي، من يلعب لمانشستر يونايتد مثلاً عليه أن يحترم الجماهير والقميص الذي يرتديه وأن يرفض الطرف الآخر من المدينة رفضًا باتًا مهما كانت الأسباب والظروف حتى لو كانت الكواليس في أولد ترافولد عبارة عن مُعتقل سياسي، ولكن هذا غير مقبول أبدًا، ولكنه كان مقبولاً لكارلوس تيفيز، فمَن صرح مسبقًا أن حلمه هو العودة لبوكا جونيورز وانتقد من يلعب للمال ثم ذهب للصين ، من الطبيعي ألا يمنعه اللعب لمانشستر يونايتد على سبيل الإعارة لمدة موسمين من أن يُقرر الالتحاق بمشروع مانشستر سيتي الجديد آنذاك.
ولكن المشكلة ليست في ذلك الانتقال الذي كان الأول من نوعه منذ عام 99 وجعله مكروهًا لدى جمهور اليونايتد، ولكن تيفيز ترك بصمة سيئة أيضًا لدى جمهور السيتي بعد أن رفض الدخول إلى أرض الملعب في مباراة السيتي والبايرن في دوري الأبطال ليُصرح مانشيني أن مشواره انتهى ويتم خصم جزء كبير من راتبه كغرامة ومنعه من الحصول على مكافآت الولاء، تم استبعاده لما يقرب من خمسة أشهر قبل أن يعود للعب، ليس لأنه تمت مسامحته ولكن حتى يكون في الصورة وينتقل بسهولة إلى الأندية المهتمة بخدماته، المال سلاح ذو حدين لا يكسر القواعد فقط ولكن التقاليد أيضًا.
وهذا يجعلنا نتساءل: هل تكرر ذلك في السيتي مرة أُخرى؟ أم أن بالوتيلي المجنون كان مجرد استثناء؟، وماذا عن توريه الذي حاول التمرد، عوقب ولم يلعب سوى بعد اعتذاره ؟
السير أليكس فيرجسون وقبعة ديفيد بيكهام
من أشهر الخلافات في كرة القدم على الإطلاق ما حدث بين بيكهام وأليكس فيرجسون في غرفة الملابس عقب الخسارة أمام أرسنال في كأس الاتحاد الإنجليزي بهدفين نظيفين، وقتها انفجر السير في وجهه بسبب تراكم بعض المواقف التي أّثرت على مستواه وهي اهتمامه الزائد عن الحد بالشهرة لدرجة جعلته يذهب إلى التدريبات و يتناول الطعام مع اللاعبين والقبعة فوق رأسه، فقام بركله بالحذاء وأصابه فوق عينه مباشرًة وبدا ذلك وكأنه موضة جديدة للاعب ويجب على كل محبيه تقليدها، ويعود التحول في مسيرته إلى زوجته فيكتوريا التي قال السير بأنها دَمرت مشواره ومنعته من أن يكون أحد عظماء اللعبة.
هنا لم يصدق المثل القائل بأن وراء كل رجل عظيم امرأة، بيكهام كان يمتلك وجهًا جميلاً وقدمًا جميلة أيضًا، ولكنه لو كان قد استمع إلى نصائح فيرجسون أو وكيل أعماله حتى لحظي بتقدير أفضل من الجمهور الذي يحب كرة القدم وليس ذاك الذي يُتابع اللاعب بسبب وسامته، لا أتخيل ما كان سيفعله فيرجسون مع بوجبا وهو أغلى لاعب في العالم، وتعتبر إحصائيات عدد تسريحات شعره أكبر من تلك الكرات التي أصابت القائمين والعارضة، اعتقد أن السير كان سيرافقه إلى محل أحذيه وينهال عليه بالضرب بكل حذاء هناك، لا تهتم بشعرك إلا إذا سجلت أهدافًا بالرأس أكثر من شيرار مثلًا. الشيء الوحيد الذي تركه السير في اليونايتد هو الالتزام، لذا كان الرد من اللاعبين على سخرية الصحافة منه طيلة الوقت هو الرحيل متوجًا.
الاستثنائي الذي لم يعد استثنائيًا
تم الإعلان رسميًا عن البرومو الخاص ببداية الفوضى في العلاقة بين اللاعبين والمدربين في الولاية الثانية لجوزيه مورينيو في تشيلسي وتحديدًا موسم 2015-2016، عندما غادر الرجل الخاص ريال مدريد بسبب مشاكل بينه وبين الصحافة واللاعبين وعلى رأسهم القائد «كاسياس» والمدير الرياضي فالدانو، يوم أصبح التاريخ المهني خطيرًا كالتاريخ المرضي، من الطبيعي أن يفشل أي مدرب مع أي نادٍ ولا يحقق أهدافه معهم، هذا لا يُعني أنه لن ينجح مرة أُخرى ولكنه بالقطع يعني أن تكرار الفشل مهما اختلفت الأسباب ستُلقي باللوم عليه هو لوحده فقط، حتى تركت مشكلة مورينهو مع الطبيبة «إيفا كارنيرو» في مباراة سوانزي سيتي جرحًا لم يندمل في نفوس اللاعبين، هازارد أيضًا لم ينسَ ما قاله عنه مورينهو عقب مواجهة أتلتيكو مدريد في دوري الأبطال، وإذ لم يدافع لقطع الكرة في هدف خوانفران، خطط لتعويض ذلك ولكن بالدفاع عن نفسه.
شيء ما تغير في مورينيو، لم يعد يحمي لاعبيه، خرج وانتقد هازارد علانية وهو ما لم يعجب البلجيكي، لماذا فعل البرتغالي ذلك؟، هل يئس من التكتم على تمرد النجوم ويخشى من أن يكون هو المتهم الأول كعادته؟.
منذ ذلك الحين قاد هازارد الجميع ضده، لقطة أُخرى تشرح كيف فقد مورينيو السيطرة مُجددًا على فريقه عندما ألقى كوستا القميص على مورينيو بسبب إجراء عمليات الإحماء بدون المشاركة في المباراة، وحينها رد مورينيو بأن دييجو لو كان يقصد إيذاءه لكان قد ألقى عليه شيئًا ما أثقل في الوزن.
هل ذلك هو مورينيو؟، الذي وقف قبلها في حفل جوائز تتويج تشيلسي بالدوري في موسم 2014/2015 يدافع عن لاعبيه ويقول إنهم لم يحصلوا على الاحترام المستحق في المواسم السابقة، ومن ثم بدأ يسخر من طريقة لعب كل فريق كان ينافسه على اللقب كما لو كان في عرض ستاند أب كوميدي بعنوان «الحافلة التي دهست الجميع» قبل أن يتم العثور على جُثة شخصية جوزيه مورينيو الاستثنائية في التعامل مع الصحافة والإدارة واللاعبين وهي مُلقاة على الجزء الأيسر الأزرق من لندن بعد ضربة ثانية قاضية من هازارد الذي بدا وكأن لاعبي مانشستر يونايتد تعمدوا إصابته في مباراة الكأس الأخيرة بتعليمات انتقامية من الرجل غير الخاص الآن «جوزيه مورينيو».
و لأن الخيانة كالقتل يسهل على مرتكبه تكرار فعلته مرة تلو الأُخرى، تكرر ذلك من لاعبي ريال مدريد مع بينتيز، و كذلك دييجو كوستا الذي تشاجر مع مورينيو في ولايته الأخيرة ثم تشاجر مع كونتي وهدده بالرحيل للصين !؟
العجوز الذي لا يستحق تلك النهاية
بعيدًا عن اختياره للوصف لنفسه بنفسه، ولكن مورينيو كان خاصًا بالفعل، ربما لا يكون رانييري بنفس قوته ولكنه قدم ما يجعل له دلالة كبيرة عند العالم بأكمله وليس فريقه فقط بعد أن تعامل مع مطاريد ليستر سيتي بطريقة مثالية وحّول هؤلاء المنسيين إلى أبطال خارقين، ولكن لم يبدُ ذلك كفيلًا برد الجميل ولو لعام آخر إضافي من باب المجاملة حتى، لماذا تخاذلوا؟، هل لأنه رفض تغيير معاملته لهم، أم لأن الجميع كان ينسب الفضل له وحده في رأيهم وحتى كانتي لم تكن كلمات المديح له تمثل 70% من مدائح الكرة الأرضية لو لم ينتقل إلى تشيلسي مثلًا.
الموقف الوحيد المثير للجدل قبل إقالة رانييري كانت تغريدة «أولوا» بأنه تعرض للخيانة من قبل كلاوديو لأنه رفض عرض سندرلاند لذا لن يلعب للفريق مجددًا، بغض النظر عن أنه مُدان لرانييري الآن بعدم الانضمام للهابط إكلينيكيًا للشامبيونشيب ولكن هناك سبب آخر؛ لأن «أولوا» لم يشارك مع شكسبير حتى والتطور الأبرز هو دخوله لقائمة المباراة فقط لا غير، وهو أوكازاكي الذي كان مُعجبًا بخبر إقالة رانييري على الحساب الرسمي لليستر سيتي على إنستغرام. الجدير بالذكر أن شينجي منذ قدوم شكسبير بات يُشارك أساسيًا على الدوام بعد أن كان مجرد لاعب احتياطي منذ بداية الموسم.
لماذا اجتمع لاعبو ليستر بالمالك عقب مباراة الذهاب في ثمن نهائي الأبطال ضد أشبيلية وطالبوا برحيل رانييري؟ ذلك الاجتماع الذي جعل بعض النقاد يصفون اليقظة المفاجئة للاعبي ليستر ضد ليفربول بالعار وشجع كاراجير على محاولة معاتبة لاعب ليستر «سيمبسون» على تويتر. دعونا نُخمن: هل تغير رانييري مثل مورينيو ولكنه بات مغرورًا بعد الإنجاز التاريخي، أم تذكروا للتو سخرية مورينيو من لغته الإنجليزية الضعيفة ووصف فيالي له بالمهرج؟، هل شعروا هذا الموسم فقط أن شخصيته ضعيفة، أم أن ذلك السيناريو تم في إطار منحوس فلا مانع من التسبب في إقالته بعد أن فاز بجائزة أفضل مدرب في العام الماضي؟، رانييري لم يفضح الأمور كمورينهو، وترك النهاية مفتوحة وقال إن هناك شخصًا وراء ذلك في النادي.
من ليستر إلى ويستهام وميدلسبروه
ومن ثم تكرر الأمر ذاته مع الفرنسي ديميتري باييه والكرواتي سلافين بيليتش مدرب ويستهام الإنجليزي، وبحسب مورينيو أيضًا فإن كارانكا تمت خيانته من لاعبي ميدلسبروه كذلك!، فصار من الواضح أن الانحدار في سلوكيات اللاعبين بدأ يتخذ مسارات أخرى، من كونه مجرد بؤرة في فريق ما بعينه إلى بداية ظهور وباء خطير. الأندية الكبيرة كالقائد في غرفة الملابس إذا شهدت انقسامات جديدة ستٌصاب الأندية الأصغر بالعدوى، ولكن في الوقت الذي يُفترض فيه أن يكون من حسن الحظ كبار الدوري الإنجليزي امتلاكهم لمدربين ذوي شخصيات قوية يُحسدون عليهم، تكفلت الصحافة باستغلال ذلك بأسوأ صورة ممكنة عن طريق تهويل بعض المواقف محاولةً افتعال المشاكل فقط من أجل وضع أسمائهم في الصفحات الأولى دائمًا ، وهو ما سيتسبب باستياء الكثيرين ورحيلهم واحدًا تلو الآخر واستبدالهم بمِمَن يبحثون فقط عن إثارة الجدل، وحينها سيصبح البريميرليج حقًا مجرد فرقعة إعلامية من الألف للياء بدون انتظار دواعي انفصال إنجلترا عن الاتحاد الأوروبي، البريميرليج من الآن لم يعد في أيادٍ أمينة.
- السير أليكس فيرجسون و ديفيد بيكهام
- فيكتوريا و ديفيد بيكهام
- مورينيو يهاجم لاعبي ميدليسبروه
- كاراجير و سيمبسون على تويتر