مسرحية «سوبيبور»: هل يمكن التعاطف مع اليهود؟
بهذه الكلمات النارية شنّت الكاتبة الصحفية أمنية طلعت هجومًا ضاريًا عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، على أحد العروض التي يجري تقديمها حاليًا في الدورة 12 للمهرجان القومي للمسرح، ويحمل اسم «سوبيبور».
اعتبرت أمنية في حديثها أن هذا العرض دليل على اختراق الصهيونية العالمية النشاط المسرحي الجامعي، من أجل العمل على تدمير عقول شباب المصريين، وخلق أجيال جديدة «تكره الفلسطينيين، وتنسى القضية»، مؤكدة أن كل مَن مرّر هذا العرض «خائن وعميل وممول».
وأكدت طلعت في حديثٍ لـ«إضاءات»، أن 90% ممن شاهدوا العرض رفضوه، أما الـ10% الباقون فالتمسوا لهم الأعذار بدعوى أنهم مجرد طلبة جامعيين أخطئوا التقدير، و«أنا لست ضد الطلاب الغلابة المساكين، اللي ممسوح دماغهم، أنا مع حمايتهم من الأفكار المغرضة، لكن أنا ضد مخرج المسرحية والمشرفين على هذا النشاط في الجامعة».
وتابعت: «المسرحية تنتهي بأن المسلم بيقول لليهودي اطلع انتَ وأنا هتحرق مكانك، انتَ المستقبل والحياة، إنما أنا معنديش مستقبل، عاوزين أكتر من كدا إيه؟».
معسكر الموت
«سوبيبور»، هو اسم لأحد أشهر المعسكرات النازية، التي احتُجز به عشرات الآلاف من اليهود، تم إنشاؤه في مارس عام 1942، ويقع على مساحة تتراوح بين 1300 و1900 قدم قُرب الحدود الألمانية مع بولندا، التي وقعت تحت النفوذ الآري إبان اكتساح هتلر لأوروبا خلال الفترة الأولى من الحرب العالمية الثانية، وبدأ في استقبال المساجين يبشهر مايو من نفس العام، واستمر في العمل حتى أكتوبر من السنة التي تليها.
زعمت بعض التقارير أن أكثر من 260 ألف يهودي تم قتلهم في غرف الغاز داخل المعسكر، معظمهم أتوا من بولندا أو المناطق التي تم احتلالها في الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية.
أما أكثر ما ميز المعسكر في هذه الحقبة المظلمة من التاريخ هو أنه شهد أكبر محاولة لهروب مساجين من «سجون الموت»، حدثت في 14 أكتوبر عام 1943 عندما نظم قرابة 300 يهودي تمردًا على المشرفين وحرس المعسكر وقتلوا بعضهم، إلا أن خسائر جمة وقعت في صفوف اليهود ولم ينجح في الفرار إلا 47 فردًا فقط.
وفي ظل الهوجة الهوليوودية لتجسيد معاناة اليهود من أفاعيل النازيين، جرى بالطبع الاحتفاء فنيًا بهذا المعسكر المتمرد قطعًا بعدة أشكال مجّدت من تضحيات اليهود وقُدرتهم على تدبير خطة هروب من معسكر مُحكم التأمين بواسطة ضباط ألمان أشدّاء، أولها، هو فيلم «الهروب من سوبيبور Escape from Sobibor» الذي تم طرحه عام 1987، وفيلم وثائقي خرج للنور سنة 2001، وفيلم «سوبيبور» الذي أُنتج العام الماضي، وأخيرًا العرض المسرحي المصري المثير للجدل.
فرقة «تجارة عين شمس»
هذا العرض من بطولة فريق المسرح التابع لكلية التجارة بجامعة عين شمس التي يتجاوز عددها ـ50 فردًا، والذي خرج منه من قبل أبطال واحدة من أنجح المسرحيات الشبابية، مؤخرًا، وهي «1980 وانتَ طالع»، وسبق لهم تقدم عروض مثل «الغريب» تأليف وإخراج محمود جمال حسين، و«سينما 30»، و«البؤساء».
تم تقديم «سوبيبور» في مهرجان عين شمس في أبريل من هذا العام، وحصل على 13 جائزة، منها الأول في التمثيل والإخراج والتأليف والإضاءة وأحسن ممثلة، علاوة على نصف دستة شهادات تميز تمثيل، وأحسن ممثل مركز ثانٍ، ومن المنتظر أن يمثل مصر في مهرجان طنجا الدولي بالمغرب أواخر هذه السنة.
كيف لمن ذاق العذاب أن يذيقه لغيره؟!
يقول فادي فخري أحد أبطال العرض، في حديثه لـ«إضاءات»، إن مسرحيتهم لا تسير على نفس المنوال الهوليوودي السابق للقصة، مؤكدًا «أكيد مش هناخد فكرة ونسرقها، الناس اختلط عليهم الأمر بسبب تشابه الأسماء».
فيما يوضح أدهم هاني، الذي قام بدور الضابط الألماني مارك الذي يكره اليهود لـ«إضاءات»:
ولا تعتبر أشرقت مدكور، التي تجسّد شخصية إيميليا الفتاة اليهودية التي تتعرض للتعذيب داخل المعسكر النازي، أن النص متعاطف نهائيًا مع القضية الصهيونية، بل على العكس «فيه إهانة كبيرة جدًا ليهم» وأنه فضحهم بأشكال متنوعة، لكنه يناقش الأحداث بشكل يرفض تعذيب البشر أيًّا كانت ديانتهم، مضيفة «نحن نرفض بشدة التقليل من وطنيتنا، احنا كطلبة اتربينا على كرههم، ومش من حق أي حد إنه يشكك في ده، احنا بنقدم فن، والفن أمانة، احنا مستحيل نخونها».
بينما يؤكد فادي، أن العرض بشكل عام يسعى لـلمس الناس إنسانيًا، عبر حكاية مُسلِمَين؛ رجل وزوجته، اعتُقلا بالخطأ في معسكر نازي، وطوال العرض يتردد تعليق صوتي يكرر رقم 1948 في إشارة لعام النكبة الفلسطينية، وتتواصل الأحداث التي تعرض أحداث تعذيب اليهود بالمعتقل، وتتطور علاقة بين المسلمين وعائلة يهودية لديها طفلة صغيرة عُمرها 8 أعوام، أصبحت مثار اهتمام الطرفين، حتى أنه عندما تأتي لحظة الإفراج على المسلمين يمنحون أوراقهم الثبوتية لليهود كي ينتحلوا هويتهم ويخرجوا بدلاً منهم بدعوى أنهما «معندهمش أطفال يخافوا عليهم» أما الآخرون فلديهم «بنت صغيرة عايزة تعيش، وأولى بالخروج».
ويضيف فادي:
ووجه فادي النقد لما قالته الكاتبة الصحفية أمنية، بدعوى أنها لم تشاهد العرض كاملاً وإنما غادرته من منتصفه، وهو ما نفته الأخيرة لـ«إضاءات»، معتبرة أنه «كلام فاضي، أنا جلست لآخر العرض، وعملت مشكلة في صالة مسرح السلام، وكل الناس شافت الزعيق بتاعي، يبقى مشيت إزاي من نص العرض؟!».
ويتابع فادي، إن عروض المسرح بشكل عام في مصر عليها رقابة مسرحية محكمة، موضحًا:
وهو ما اعترضت عليه طلعت بدورها، قائلة:
عايز تقولّي إن الدنيا جميلة، ولا يمكن إن حد يرشي الرقابة؟ كيف يوافق على هذا العرض من المصنفات الفنية وجامعة عين شمس، هذا هو السؤال. هل تعلم أن الرقابة المصرية تمنع كل فيلم أجنبي يتحدث عن الهولوكوست بأي شكل للعرض في السينمات والقنوات التلفزيونية والأرضية، فكيف حصلت مسرحية من أولها لآخرها هولوكوست على هذه الموافقة؟
تأييد رسمي
وعن أبرز ردود الفعل الرسمية عن الجدل المثار حول هذا العرض، أكد فادي أن الفنان أحمد عبدالعزيز رئيس الدورة الحالية زارهم وأكد لهم أنه شاهد المسرحية «كويس»، و«أي كلام بيتقالكم انتوا ملكوش دعوة، واحنا كمهرجان عارفين احنا واخدين عروض عاملة إزاي، وواثقين إنكم هتقدموا حاجة محترمة».
فيما قال إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح لـ«إضاءات»: «العرض اتشاف من لجنة خاصة، ويمكن يكون فيه شيء من اللبس حصل في فهمه، وما إلى ذلك، لكن احنا بالنسبة لنا بشكل رسمي الموضوع أخد إجراءاته المعتادة».