المرأة والتدخين: لا تقلدي الرجل في هذه الكارثة
لكثرة ما تكلم الأطباء في قضية التدخين بشتى تنويعاتها، أصبح كل حديثٍ جديدٍ فيها بمثابة موعظة متكررة، اعتادت عليها الأذن، ومل منها العقل والقلب. رغم ذلك، لا نملك كأطباء رفاهية أن نتوقف عن الطرق على حديد تلك القضية الساخن دائمًا، ونحن نرى ضحاياها يوميًا خاصة من الشباب.
نلاحظ في الفترة الأخيرة ظاهرة انتشار التدخين بكافة أنواعه بين العديد من الشرائح النسائية، خاصة سن الشباب، حتى في المجتمعات المحافظة، والتي كانت تعتبر التدخين «عيبًا» بالنسبة للمرأة لأسبابٍ دينية واجتماعية وثقافية.
من وجهة النظر الطبية البحتة، وبغض النظر عن أية أبعاد فلسفية أو دينية أو ثقافية، فظاهرة انتشار التدخين بين النساء جدُّ خطيرة، خصوصًا وأن ضررها لن يقتصر على المرأة فحسب، إنما قد يمتد إلى جنين لا ذنب له في بطنها، أو طفل صغير لصيق بها يكتسب منها هذه العادة، ويشاركها كل سيجارة سلبيًا.
عن التدخين عمومًا
هناك مخاطر عديدة للتدخين مشتركة بين الرجال والنساء على حد سواء، وهو إما يسببها مباشرةً، وإما يسهل حدوثها باعتباره أبرز عوامل الخطر على صحة الإنسان. ما بين زيادة فرص حدوث الجلطات الشريانية بالقلب، وبالمخ، وبالشرايين الطرفية، وفتح الأبواب على مصراعيها أمام مشاكل لا حصر لها في الجهاز التنفسي، تبدأ بإضعاف المناعة فيه وزيادة فرص حدوث الالتهابات الشعبية والرئوية، مرورًا بحدوث الربو الشعبي المزمن، وليس انتهاءً بحدوث التليف الرئوي، وسرطانات خبيثة متنوعة بالرئتين.
ولا تقتصر السرطانات المتعلقة بالتدخين على الصدر، فهناك أيضًا سرطانات الجهاز الهضمي من الفم، إلى البلعوم، إلى المريء، فالمعدة، والبنكرياس، وكذلك بعض سرطانات الجلد.
اقرأ أيضًا: التدخين والصحة .. لا داعي للمبالغة
تدخين المرأة: أخطار خاصة
قد يضايق مثل هذا العنوان بعض المهووسين بالنسوية، والمساواة بين الجنسين. لكن الموضوع لا علاقة له هنا بالفلسفة والأيديولوجية، إنما بالطب. والطب يخبرنا أن للمرأة خصوصيتها في قضية التدخين، وهي خصوصية خطيرة.
القلب
للمرأة حماية طبيعية ضد أمراض الشرايين التاجية المغذية للقلب، طالما استمرت الدورة الشهرية لديها منتظمة؛ وذلك نتيجة دور هرمون الإستروجين في تقليل فرص حدوث تصلب الشرايين، الذي يزيد قابليتها لحدوث الجلطات. عندما تتوقف الدورة الشهرية فيما يعرف بسن اليأس، في حدود سن الخمسين لدى أكثرية السيدات، تتساوى فرص خطورة الإصابة بأمراض الشرايين التاجية مع الرجال.
عندما تدخن المرأة في سن مبكر، فإن هذا يلغي بشكل غير مباشر الحماية الطبيعية التي تكفلها لها الهرمونات الأنثوية، فتتساوى مع الرجل مبكرًا في خطورة حدوث أمراض وجلطات الشرايين التاجية المغذية للقلب، والتي تعد السبب الرئيسي للوفاة في معظم أنحاء العالم في السنوات الأخيرة.
تذكر الأكاديمية الأمريكية لطب القلب أن تدخين من 1-4 سيجارات يوميًا يفاقم احتمالية إصابة المرأة بأمراض القلب إلى الضعف، بينما يؤكد المعهد القومي الأمريكي للصحة أن المرأة المدخنة مقارنة بغير المدخنة، تعرض نفسها لاحتمالية من 2-6 أضعاف للإصابة بأمراض الشرايين التاجية المغذية للقلب.
جلطات الدم
تلجأ ملايين السيدات لاستخدام حبوب منع الحمل من أجل تنظيم الأسرة. عمومًا تزيد حبوب منع الحمل من قابلية الدم للتجلط، خاصة داخل الأوردة، فتحدث جلطات بالأوردة العميقة بالساقين، قد تنفصل قطع منها مع الحركة لتصل مباشرة إلى الشريان الرئوي، فتسبب انسداد بعض تفريعاته، أو الشريان الرئيسي نفسه إذا كانت الجلطات كبيرة، مما قد يقطع مسار الدورة الدموية الرئوية، وقد يسبب حدوث هبوط شديد في الدورة الدموية، وفشل في وظائف الجانب الأيمن للقلب المتصل بالشريان الرئوي، وقد تحدث الوفاة.
يفاقم التدخين من الأثر الجانبي لحبوب منع الحمل في زيادة تجلطية الدم عدة أضعاف، مما يدفع الكثير من المتخصصين إلى نصح المرأة المدخنة خاصة فوق سن الـ 35 بعدم استخدام حبوب منع الحمل، وأفضل من هذا بالطبع الإقلاع عن التدخين.
الأم المدخنة والحمل
د.روبرت وِلش … رئيس قسم طب النساء والتوليد بإحدى مشافي ولاية متشجان الأمريكية، والمختص بحالات الولادة عالية الخطورة
قائمة عريضة من الأضرار يحملها التدخين للأم ولطفلها. يُعزى معظم هذه الأضرار للنيكوتين، ولأول أكسيد الكربون الناتج من احتراق السجائر. يسبب النيكوتين ضيق شرايين المشيمة، والتي هي حبل الحياة من الأم لجنينها، والذي تصل من خلاله المغذيات والأكسجين لخلاياه الجائعة كثيفة النشاط والانقسام. قد يسبب ما سبق الوفاة المفاجئة للطفل داخل الرحم، أو نقص النمو، أو الولادة قبل الأوان بوزن قليل… إلخ.
جديرٌ بالذكر أن تعاطي الأم لسيجارة واحدة فقط أو اثنتيْن يوميًا يكفي لبدء تضرر شرايين المشيمة. أما أول أكسيد الكربون فيمنع خلايا الدم الحمراء من نقل كمية كافية من الأكسجين للأنسجة، ومن أهمها المشيمة، حيث يلتحم هذا الغاز بشراهة بجزيئات الحديد على هيموجلوبين كرات الدم الحمراء، وهذا هو المكان المخصص لحمل الأكسجين.
كذلك وجدت بعض الدراسات علاقة إحصائية مباشرة بين كمية التدخين ومدى النقص في وزن المولود حتى لو وُلد في أوانه، فمثلًا تناول علبة سجائر يوميًا يخصم على الأقل نصف رطل من وزن الطفل، ومن المعلوم بالضرورة للجميع العلاقة التناسبية بين وزن الطفل المولود ونضج أجهزة جسمه المختلفة.
على مستوى الجهاز التنفسي للمولود لأم مدخنة، فتأخر نمو الرئتين شائع للغاية، وقد يتسبب في وضعه في الحضانة لفترة بعد الولادة للحصول على دعم تنفسي، قد يصل للتنفس الصناعي. فإن نجا من هذا، فهو عرضة أكثر من غيره للإصابة بالربو الشعبي على مستوى القلب، يكون أكثر عرضة للعيوب الخلقية بالقلب بنسبة قد تصل إلى ٧٠٪ مقارنة بالمولودين لأم غير مدخنة كما أظهرت دراسة لـ CDC عام ٢٠١١.
وجدت الدراسات كذلك أن المولودين لأم مدخنة يكونون أكثر عرضة لمشاكل التعلم، والتركيز، ويمتازون بانخفاض معامل الذكاء مقارنة بغيرهم.
الخصوبة
يؤثر التدخين سلبًا على كل مراحل الخصوبة الطبيعية، وحتى على المحاولات الصناعية لعلاجها. فالمرأة المدخنة تقل فرصتها في حدوث عملية التبويض والتي هي محور عملية التلقيح والحمل. وإن حدث التبويض، وتم تلقيح البويضة، ففرصة وصولها سالمة إلى جدار الرحم وانزراعها فيه ليتواصل تكاثرها، ويبدأ تكون الجنين، تكون أقل مقارنةً بالمرأة غير المدخنة. أما إن تم تجاوز ما سبق وحدث الحمل، فارجعي إلى الفقرة السابقة.
في حالة اللجوء إلى عملية التلقيح المجهري الصناعي عند تعثر حدوث الحمل طبيعيًا، فإن التدخين يزيد كثيرًا من فرص فشل العملية والحاجة لتكرارها للحصول على النتيجة المطلوبة، وما يرافق هذا من تكلفة مادية ونفسية مضاعفة. أيضًا يزيد التدخين فرص حدوث الالتهاب البكتيري بالحوض والذي قد يتلف أيضُا قنوات فالوب، بنسبة 33% طبقًا لإحدى الدراسات.
كذلك يفسد التدخين البيئة الطبيعية داخل قنوات فالوب التي يحدث فيها تلقيح البويضة، ثم انتقالها عبر تلك القنوات إلى الرحم، مما يزيد من فرص حدوث الحمل خارج الرحم، والذي قد يسبب مضاعفات صحية جسيمة للمرأة، تبدأ من إتلاف إحدى قناتيْ فالوب إذا حدث الحمل بداخلها، مما يقلل خصوبة المرأة إلى النصف تقريبًا، وقد تصل لا قدر الله إلى حد حدوث التهابات شديدة بالغشاء البروتوني، أو نزيف شديد داخل البطن، قد يصل إلى حد إحداث هبوط شديد في الدورة الدموية والوفاة.
آلام الدورة الشهرية
من الشكاوى المؤرقة لأكثر النساء خاصة الشابات، تلك الآلام وحالة الإرهاق الشديد، والتقلبات الحادة في المزاج، والتي تصاحب حدوث الطمث. أظهرت بعض الدراسات أن التدخين قد يفاقم حدوث تلك الظاهرة بنسبة تصل إلى 50% لدى بعض المدخنات.
شيخوخة مبكرة
بجانب ما ذكرنا من أخطار التدخين على الأجهزة الحيوية كالقلب والرئتين وغيرها والتي يعتبر تأثيره عليها بمثابة إحداث شيخوخة مبكرة، فإن الظاهر يؤيد الباطن في ذلك. يبكر التدخين حدوث التجاعيد لدى المرأة، وذلك لأنه عمومًا يفسد البيئة الطبيعية لمعظم أنسجة الجسم ومنها الجلد، ولأنه كذلك يبكر من انقطاع الطمث – الوصول إلى سن اليأس – وبالتالي يقلل فترة تعرض المرأة للهرمونات الأنثوية خاصة الإستروجين والذي له دور هام في الحفاظ على نضارة البشرة وشبابها. كذلك يـ زيد التدخين من فرص حدوث هشاشة العظام لدى المرأة، ويعزى هذا بالأساس أيضًا إلى انقطاع الطمث المبكر.
خصوصيات سرطانية
بجانب الأنواع العديدة من السرطانات الخبيثة التي يشترك فيها الجنسان، هناك أنواع خاصة من السرطان لدى المرأة تزداد فرص حدوثها نتيجة التدخين، ومن أبرزها سرطان عنق الرحم، والذي قد يصل في حالاتٍ كثيرة إلى مرحلة الحاجة لإجراء جراحة جذرية لاستئصال الرحم والمبايض وقنوات فالوب وعنق الرحم بالطبع، وأجزاء من المهبل، وذلك للسيطرة على انتشاره خارج الجهاز التناسلي الأنثوي.
كذلك أظهرت دراسة دانماركية منذ سنوات، أن احتمالية إصابة المرأة المدخنة بسرطان المستقيم أكبر 6 أضعاف من غير المدخنة.
والحل؟
بداية الحل هي الاقتناع التام بخطورة التدخين، وأهمية التوقف عنه كأولوية في الحياة. حاليًا هناك العديد من الفرص التي يمكن استغلالها للمساعدة في رحلة الإقلاع عن التدخين، وستجدين تفاصيلها في هذا التقرير السابق:
6 خطوات للإقلاع عن التدخين: الإرادة ليست منها
وبالطبع عدم الوقوع في التدخين ابتداءً هو الخيار الأمثل.