مدينة النوم: هل ترغب في العيش هناك؟
تقع مدينة باد كيسينغن Bad Kissingen في قلب ألمانيا، وهي منتجع صحي، يقصدها الزائرون للاستمتاع بعيونها الاستشفائية. تتميز المدينة أيضًا بطرز معمارية جذابة، وبمساحات خضراء شاسعة يشقها نهر فرانكونيان ساله، وبها العديد من المزارات والأماكن الترفيهية.
في أواخر عام 2013 وضع باحثون في مجال البيولوجيا الزمنية (البيولوجيا الزمنية أو علم الأحياء الزمني هو العلم الذي يتناول الظواهر الحيوية الدورية) خطة لمشروع بحثي يدرس تأثير البيولوجيا الزمنية على تغيير سلوك الإنسان. وقع اختيار فريق البحث على مدينة باد كيسينغن لتكون المختبر الذي يُنفَّذ فيه المشروع، وأُطلق على المشروع اسم: مدينة النوم، أو حرفيًّا: مدينة الوقت، أو المدينة الزمنية «ChronoCity».
. البيولوجيا الزمنية والنوم.
. عدم استيفاء النوم، هل هو أمر خطير فعلًا؟
. ما الهدف من وراء «مدينة النوم»؟
. النوم الصحي السليم.
البيولوجيا الزمنية والنوم
يدرس البيولوجيا الزمنية (في أحد فروعه المتعلق بالإيقاعات اليومية circadian rhythms) تفاعل الساعة البيولوجية للجسم مع مؤشرات الوقت الطبيعية لتعاقب الليل والنهار، وتأثير ذلك على الوظائف الفيسيولوجية مثل معدلات التنفس والنبض ومستويات النشاط الإنزيمي والهرموني وغيرها من الوظائف التي تختلف على مدار الـ24 ساعة. وبحسب هذا العلم، يختلف شخص عن آخر في الوقت الذي تنشط فيه وظائفه الحيوية، ويُطلق على ذلك الطراز الوقتي «Chronotype» الخاص بكل شخص. وحيث يوجد طيف واسع ومتنوع من الطرز الوقتية، فإن قطبيه هما الأشخاص الصباحيون «morning people» والأشخاص المسائيون «evening people»، ويتراوح بينهما الأشخاص الأكثر مرونة في توقيت نومهم واستيقاظهم ونشاطهم وراحتهم.
يترجم الجسم مؤثرات النور والظلام إلى مستويات مختلفة من هرمون الميلاتونين «melatonin» الذي تفرزه الغدة الصنوبرية، وتمثل مستويات الميلاتونين المختلفة إشارات النوم والاستيقاظ وازدياد نشاط أجهزة الجسم أو انخفاضه مع اختلاف التوقيت من اليوم. يوجد عاملان يتحكمان في مستوى إفراز الميلاتونين، وهما: مقدار الضوء الذي يتعرض له الجسم في اليوم، بالإضافة إلى ساعة الجسم البيولوجية. وفي الإنسان الطبيعي يزداد إفراز الميلاتونين ليلًا ويقل مع الصباح.
تركز أبحاث البيولوجيا الزمنية مؤخرًا على تأثير اضطرابات النوم على السلوك الإنساني، ولذلك تهتم بدراسة موضوعات مثل تأثيرات التوقيت الصيفي، وأعمال الوردية، وتوقيتات بدء اليوم الدراسي والذهاب للعمل، وفترات التعرض للضوء الاصطناعي وغيرها.
عدم استيفاء النوم، هل هو أمر خطير حقًا؟
استيفاء النوم هو الحصول على القدر الكافي من النوم. يقول د. «توماس كانترمان» المدير العلمي لمشروع مدينة النوم في حديثٍ له في إحدى فعاليات «TEDx» المعروفة:
ويرى كانترمان أن أبرز علامات عدم استيفائنا للنوم هي استخدامنا للمنبه صباح كل يوم. ويرى أيضًا أن ثمن عدم استيفاء النوم باهظ جدًا، حيث إنه يأتي على حساب صحتنا. وجدير بالذكر أيضًا التأثيرات غير المباشرة لذلك، مثل أن قبطان الطائرة والطبيب والممرضة يعدون من أمثلة موظفي الوردية الذين لا يستوفون قسطهم السليم من النوم، على حساسية الدور الذي يقومون به وخطورته، حيث يمس حياة الآخرين وسلامتهم.
وقد توصلت بعض الدراسات البحثية إلى وجود علاقة بين عدم استيفاء عدد ساعات النوم وبين مشكلات صحية مثل آلزهايمر وداء السكري من النوع الثاني بالإضافة إلى السلوك الجانح للمجازفة والمخاطرة. ويذكر موقع «Chronobiology» وجود أكثر من 80 مرضًا مرتبطًا بالنوم.
ما الهدف من وراء «مدينة النوم»؟
يهدف مشروع مدينة النوم أو المدينة الزمنية إلى تطبيق أحدث ما توصلت إليه أبحاث البيولوجيا الزمنية بشكل عملي، حتى تواكب المواعيد الحياتية لسكان المدينة احتياجهم الطبيعي للنوم، بحيث يكون لاستيفاء النوم أولوية واضحة، تظهر في مرونة موعد بدء اليوم الدراسي، ومرونة توقيت العمل حتى يعمل كل شخص في الوقت الذي يكون فيه في ذروة نشاطه، وعدم تفعيل نظام التوقيت الصيفي (الذي يتم فيه تأخير الساعة ساعة واحدة والاستيقاظ ساعة أبكر لحفظ ضوء النهار)، وعدم الحاجة لاستخدام المنبه في الصباح، حيث يتمكن كل فرد من أن يعيش حسب ساعة جسمه البيولوجية. وهذا هو جوهر المشروع، كما يقول د. كانترمان، أن الساعة البيولوجية هي ما يبقينا على قيد الحياة.
لا تزال «مدينة النوم» حلمًا بالنسبة لفريق عمل المشروع يسعون لتحقيقه ويدعمهم في ذلك عمدة مدينة باد كيسينغن، وهم بالفعل يضعون لبناته الأولى، ومن بادراته النتيجة التي حصلوا عليها عند تغيير موعد بدء اليوم الدراسي. يقول كانترمان:
النوم الصحي السليم
إذا كنا لن نتمكن من العيش في مدينة باد كيسينغن، وأن نحظى بفرصة أن نكون جزءًا من تجربة «مدينة النوم»؛ فإن هذا لا يثنينا عن اتباع العادات الصحية السليمة للنوم، وإعطاء النوم الأولوية التي يستحقها في أسلوب حياتنا بصفته مؤثرًا على صحتنا.
ينبغي علينا أولًا استيفاء حاجة أجسامنا من ساعات النوم، و بيانها كالتالي:
. بالنسبة للبالغين:
– من عمر 18 عامًا حتى 60 عامًا: 7 ساعات أو أكثر كل ليلة.
– من عمر 61 عامًا حتى 64 عامًا: 7 – 9 ساعات.
– من عمر 65 عامًا فما فوق: 7 – 8 ساعات.
. بالنسبة للأطفال:
– المواليد حتى 3 شهور: 14 – 17 ساعة.
– من عمر 4 شهور حتى عام واحد: 12 – 16 ساعة لكل 24 ساعة (تشمل الغفوات).
– من عمر عام حتى عامين: 11 – 14 ساعة لكل 24 ساعة (تشمل الغفوات).
– من عمر 3 أعوام حتى 5 أعوام: 10 – 13 ساعة لكل 24 ساعة (تشمل الغفوات).
– من عمر 6 أعوام حتى 12 عامًا: 9 – 12 ساعة لكل 24 ساعة.
– من عمر 13 عامًا حتى 18 عامًا: 8 -10 ساعة لكل 24 ساعة.
وحتى نتمكن من استيفاء ساعات نومنا كما ينبغي، وننعم بنومٍ عميق؛ يوصَى ببعض العادات الصحية للنوم، ومنها:
– الخلود للنوم كل ليلة في نفس الموعد، والاستيقاظ كل صباح في نفس الموعد أيضًا، ولا تُستثنَى من ذلك العطلة الأسبوعية.
– النهوض من الفراش إذا لم نستغرق في النوم خلال 20 دقيقة.
– تهيئة غرفة النوم ليتوافر فيها السكون والظلام والراحة ودرجة الحرارة المناسبة.
– وضع الأجهزة الإلكترونية مثل التلفاز والحاسوب والهواتف الذكية خارج غرفة النوم. (أتوقع أن تمثل هذه النقطة تحديًا حقيقيًّا للكثير منا)
– تجنب تناول الأطعمة الثقيلة والكافيين، وعدم الإكثار من السوائل قبل موعد النوم.
– إطفاء الأجهزة الإلكترونية قبل موعد النوم بنصف ساعة على الأقل.
– ممارسة الرياضة خلال اليوم، فهي تساعد على الخلود للنوم بسهولة ليلًا.
وأخيرًا، فلنحترم حقنا في النوم، الذي هو واجبنا أيضًا، يقول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: «إن لجسدك عليك حقًا». ويقول المولى، عز وجل: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا» [الفرقان : 47].