علم الفلك بدون أدوات: كيف تراقب السماء بعينيك فقط؟
ليس هناك ما هو أجمل من الخروج للسماء وتأملها ليلًا، خاصة في ليالي الصيف بهوائها المنعش بعيدًا عن الازدحام والاحترار. يمكن لك أن ترى النجوم تتلألأ، أو القمر باختلاف أطواره، كذلك يمكن أن ترى شهابًا يمر بسرعة، الأخير هو أحد أجمل المشاهد السماوية. لكن ما لا تعرفه بعد هو أن سماء الليل أكثر ذخرًا من مجرد تقديم المتعة، فهناك الكثير لتفعله وأنت على سطح المنزل ليلًا.
يظن الكثيرون أن ممارسة علم الفلك كهواية تتطلب أدوات معقدة تبدأ بالأطالس الفلكية غير المفهومة وتنتهي بالتلسكوبات، لكن ذلك – لا شك – غير صحيح. بل ويمكن القول إن البداية الوحيدة الصحيحة للتعامل مع السماء ليلًا، وتعلم علم الفلك من خلالها، هي أن تخرج لسطح المنزل وتتأملها بعينيك، بالطبع لن ترى سوى مجموعة من النقاط اللامعة والتي تزين سماء مظلمة في الأعلى، لكن الأمر لا يقتصر فقط على ذلك، بل هو أكثر عمقًا مما تتصور.
الكوكبات أولًا
لنأخذ الكوكبات مثلًا، وهي تجمعات للنجوم في السماء تتخذ شكلًا مميزًا (إذا كنت لا تعرف عن الكوكبات شيئًا فيستحسن أن تبدأ من هذا التقرير). لا يوجد ما هو أمتع من متابعتة الكوكبات بعينين مجردتين (ونظارة معظمة على حد سواء)، في السماء 88 كوكبة يحددها الاتحاد الفلكي الدولي IAU، لكن في نطاق الوطن العربي، باختلاف خطوط العرض، يمكن أن يرى الشخص الواحد ما يقترب من 40 – 50 كوكبة.
يمكن أن تبدأ بالكوكبات الواضحة ثم تنتقل منها لأخرى أقل وضوحًا، يعتمد الأمر هنا على جودة السماء الخاصة بك، فإذا كنت في مدينة يغمرها التلوث الضوئي كالقاهرة لا يمكنك إلا أن ترى فقط عددًا من الكوكبات الرئيسية. أما في مدن أقل إضاءة، ثم القرى، وصولًا إلى المناطق الصحراوية، فإنك سوف ترى عدد كوكبات أكبر بفارق واضح. يمكن للشخص العادي، فقط بعينيه، في ليلة حالكة أن يتخطّى حاجز الـ 3500 نجمة، بوضوح، هذا وحده كفيل بجعل متعة رصد السماء بعينين مجردتين لا ينتهي.
الآن دعنا نتحدث عن بعض المصادر الهامة، ولنبدأ بالكتب:
1. بالنسبة للقارئ المبتدئ والذي يرغب في معرفة شهرية مفصلة لسماء الليل، هو كتاب «Stargazing: Astronomy Without Telescope» للسير باتريك مور، ويبدأ الكتاب بمقدمة سهلة تبسط حركات السماء ونجومها وكيفية فهمها، ثم ينتقل إلى 12 فصلاً بترتيب فصول السنة تشرح لك ما يمكن أن تراه خلال عام كامل في السماء من كوكبات ونجوم، مع مجموعة رائعة من الخرائط المشروحة جيدًا.
2. أما الكتاب الثاني، وهو حد أهم الكتب التي استخدمها كاتب التقرير في أثناء تعلمه لسماء الليل، فهو The Observer’s Year 366 Nights of the Universe، لنفس المؤلف، ويمثل هذا الكتاب دليلًا متكاملًا يشرح سماء الليل يومًا بعد يوم، الكتاب كذلك مقسم لـ12 فصلًا يشرح كل منها ما يمكن أن تراه في سماء الليل الخاصة بهذا الشهر، ويقسّم كل شهر لأيامه 1 ثم 2 ثم 3 … الخ.
3. من جهة أخرى فإن دار نشر سبرينجر تقدم دليلًا رائعًا للمبتدئين في علم الفلك يسمى A Stargazing Program for Beginners، وهو يشبه سابقيه، الكتابين الثاني والثالث تابعين لدار نشر سبرينجر، وهي مفتوحة مجانًا في مصر، ويمكنك تحميل كتبها ببساطة.
4. بجانب ذلك كله سوف تحتاج لبعض ما يمكن أن نسميه «دوائر المعارف الفلكية» والتي تقدم بعض التفصيلات الهامة، هنا يقدم كتاب The Constellation Observing Atlas لكيفين جونز مرجعًا للمبتدئين عن الكوكبات، خريطة كل منها في صفحة، ثم في الصفحة التالية معلومات عنها، ثم الكوكبة التي تليها. أما كتاب The Cambridge guide to the constellations لمايكل باكيتش من مطابع جامعة كمبردج فيقدم مجموعات غاية في الروعة والأهمية من القوائم المتعلقة بالكوكبات، أسماءها، ونطقها، وألمع النجوم، خرائط الكوكبات وحدودها وقصصها القديمة … الخ.
5. بالنسبة للأطالس الفلكية للعينين المجردتين فليس هناك ما هو أروع من عجلة النجوم Star wheel، تجد بعضها بسهولة على الويب ويمكن طباعتها، أما مجلة سكاي اند تيليسكوب فتقدم دليل كوكبات ممتع، كذلك ستفيدك خرائط الاتحاد الفلكي الدولي كثيرًا، ولكن ما أفضله حقًا هو هذا الأطلس الصغير الموجود فقط في أربع ورقات يسمى Chart SFA من جامعة كورنل.
6. أطلس توشيمي تاكي للقدر 6.5 يقدم لك في 12 صفحة كذلك تجربة متقدمة للرصد بالعين المجردة وبمنظار أو حتى بتيليسكوب صغير منزلي، وترجمته صفحة السماء الليلة وأنصح بتحميله واستخدامه أو طباعته على ورق A3 ليصحبك دائمًا فوق السطح أو أثناء الرصد.
من جهة أخرى فإن بعض المصادر الهامة على الإنترنت قد تساعدك كثيرًا:
1. فبجانب تقريرنا السابق عن «علم الفلك من الصفر» يمكن أيضًا أن تتعلم الخرائط المميزة لكل من الفصول الأربعة في تقريري «منارات السماء: خرائط سماوية للمبتدئين في علم الفلك» و «الصورة الكاملة: خرائط سماوية للمبتدئين في علم الفلك»، وكلاهما يعطيك مقدمة أساسية لكيفية رصد السماء بدرجة من الاحترافية. كذلك يمكن لك متابعة «تقريرنا الشهري» والذي يقدم في قسمًا شهريًا مختصًا بالرصد الفلكي، كل شهر، بجانب عرضه لأهم الأحداث السماوية.
2. كذلك فإن متابعتك لفيديو موقع تلسكوب هابل الشهري، أو خرائط موقع Skymaps المجانية سوف يعطيك دعمًا جيدًا. الفيديو يشرح السماء بطريقة سهلة ومبسطة، تدبلجه للعربية صفحة السماء الليلة على فيسبوك. والثاني يقدم خريطة مميزة كل شهر، يمكن طباعتها بسهولة، والخروج للسماء لتأملها، الخريطة كذلك تقدم أهم الأحداث الفلكية، بجانب عرض لأهم الأجرام التي يمكن رؤيتها بعينين مجردتين.
3. بجانب ذلك كله يمكنك تحميل تطبيق Google sky map من متجر تطبيقات هاتفك الذكي، سوف يساعدك في التعرف على سماء الليل بكل سهولة حتى وإن كانت تلك هي المرة الأولى لك فوق السطوح ليلاً. كل ما تحتاجه هو أن تدور بجهازك في السماء فتظهر على شاشة موبايلك أو حاسبك اللوحي أشكال وأسماء كل تلك النجوم والكوكبات والكواكب كذلك. التطبيق مجاني، وهو سريع الاستجابة جداً، وفيه محرك بحث يمكنك بواسطته العثور في على الكوكب او النجم الذي تريده لينقلك له عبر توجيه يديك للحركة في أي اتجاه.
4. أما برنامج Stellarium فيمكن له أن يكون محطتك الأولى نحو السماء، من خلاله سوف تتمكن ببساطة من التعرف على أماكن النجوم وأسمائها والكوكبات كذلك. البرنامج مجاني، ومفتوح المصدر. ادخل للبرنامج وابدأ ببساطة في تحديد الوقت والتاريخ وموقع بلدك ومدينتك واستمتع بمتابعة سماء الليل فوق بيتك.
سوف تكون محاكاه رائعة ودقيقة للغاية للسماء فوق سطوح بيتكم، وكنّا قد فردنا لهذا الجزء التقني تقريرًا خاصًا من قبل بعنوان «10 تطبيقات فلكية للهاتف والحاسوب لا غنى عنها» سوف يفيدك كثيرًا خاصة في مهمة ممتعة للعينين المجردتين، وفي تتبع المحطة الفضائية الدولية.
هندسة السماء!
أضف لذلك كله أن هناك مجموعة من النشاطات الهامة الممتعة والحسابية، تلك التي يمكن أن تمارسها بسهولة مع تعلمك لبعض أساسات علم الفلك الرصدي والكرة السماوية وإحداثياتها (في تلك النقطة يمكن أن تتابع معنا حلقات أساسيات علم الفلك والتي تشرح الإحداثيات بسهولة على صفحة السماء الليلة على فيسبوك).
في الحقيقة يمكن لك أن تستخدم سماء الليل لتحديد الاتجاهات الأربعة، والوقت تحديدًا، وموقعك الجغرافي، ثم قد يمتد ذلك لما هو أعقد من ذلك، حيث يمكن تحديد الشهور والفصول الأربعة من تحركات النجوم والكوكبات والشمس والقمر في السماء وفي الأفق، إلى آخر ذلك من الحسابات الفلكية والتي تصل إلى تحديد حركات الكواكب على مدار العام، فقط بعينيك!
في تلك النقطة يجب أن تبدأ بالتعلم عن علم الفلك الرصدي ببساطة، وهنا لا يوجد غير ترشيح واحد ممتع ومهم، وهو في رأيي أفضل وأهم مساق جامعي ممكن لعلم الفلك، لطلبة السنة الأولى. كل ما تحتاجه هو فقط الأسبوع الأول من هذا المساق، والذي يشمل بعض الأساسات الهامة في علم الفلك الرصدي، مع شرح أكثر من رائع من د.رونين بلسر بجامعة ديوك.
أنصح الجميع بخوضه، للأسف قامت coursera بحذف المساق، أما Duke فلا تتيحه الآن لكنها تفعل مرة أو مرتين في العام، لكنك سوف تجد كامل مادته بسهولة على عدد من ملفات التورنت في المواقع الكبيرة Introduction to astronomy – coursera.
يمكن كذلك أن تضم له أيًا من هذين الكتب الثلاثة Astronomy for Dummies – Stephen P. Maran، و Idiots Guide to Astronomy – C. dePree، A. Axelrod، وAstronomy Demystified: Stan Gibilisco، ويطرح كل منهم منهجًا جيدًا للغاية في علم الفلك مع تحاشى المعادلات تمامًا، لكن ما يهمنا بشكل أكبر هو المقدمات في شكل السماء وهندستها وتفاصيل الكرة السماوية.
كتاب Practical Astronomy with your Calculator — بيتر دافيت سميث
لكن أفضل الكتب في هذا المجال، كتب الهواة أقصد، هو لا شك كتاب كمبردج الشهير Practical Astronomy with your Calculator لبيتر دافيت سميث، يمكن لك أن تجده بسهولة على الإنترنت، الكتاب يبدأ بمقدمة بسيطة عن كيفية استخدامه ثم ينطلق إلى عدة فصول متتالية يشرح فيها كيف يمكن فقط أن تستخدم آلتك الحاسبة للتعرف على مواعيد الظواهر الفلكية القادمة كالخسوف والكسوف.
كذلك الإحداثيات السماوية، مواضع الكواكب والشمس والقمر وحركة كل منها بشكل يومي، أنظمة التوقيت والتاريخ والتحويل بين بعضها البعض … إلخ. سوف يفيدك هذا الكتاب في كل جوانب هذا التقرير القادمة والسابقة، فهو يضفي عليها جميعًا جانبًا حسابيًا.
الكتاب موسوعة فلكية شاملة لكنها أيضًا غاية في التعقيد على مبتدئ، وتتطلب قدر من المعرفة الفلكية تجده في تقرير سابق عن «علم الفلك من الصفر»، لكن ما إن تصبح قادرًا على الخوض في هذا الكتاب حتّى تبدأ المتعة الحقيقية لممارسة علم الفلك بصورة سهلة حسابية الطابع، بعد الخوض فيه لفترة، ولا نقول إن ذلك سوف يكون سهلًا على الإطلاق، ستصبح السماء ليلًا، ونهارًا، هي لعبة ممتعة تمارسها بشكل يومي ولا تتسبب في الملل أبدًا.
الشمس والقمر والكواكب
أما بالنسبة للقمر، فهو لا يدع إلى الملل أبداً، يمكنك متابعة نموه على مدى الشهر القمري ومتابعة اختلاف أطواره، يمكنك كذلك تتبع ظواهر هامة كالكسوف والخسوف (قبل حوالي الشهر كنّا نلاحظ أحد أمتع الخسوفات القمرية)، كذلك يمكنك ملاحظة البحار القمرية، ويمكنك أيضاً متابعة الاقترانات القمرية مع نجوم أو كواكب هامة، حينما تتعلم القليل عن تلك النجمة التي تقف هناك بجوار القمر فغالباً ما يكون ذلك من أمتع ما يكون.
من جهة أخرى فإن تأمل المنازل القمرية في سماء ليلية صافية لهو واحد من أمتع المهام الفلكية لعينين مجردتين، وكنّا قد فردنا تقريرًا خاصة لهذا الموضوع بعنوان «دليلك المبسط لكيفية رصد منازل القمر في السماء» يشرح لك المنازل القمرية، ويرسمها في خرائط بسيطة ومميزة وسهلة لاستخدام بحيث تلاحظها مع حركة القمر بشكل يومي، كذلك يمكن لك أن ترى أيًا من تلك المنازل بالقرب من الشمس قبيل الشروق لكي تحدد الأنواء كما فعلت العرب قديمًا، وبذلك يمكن أن تتعرف على الطقس القادم.
أما بالنسبة للكواكب فمع المتابعة المستمرة سوف تتمكن من التعرف إلى مواقعها في السماء، بالطبع هي تظهر كنجوم لامعة، لكن مع الوقت ستتعرف إليها بسهولة، المشترى، والزهرة، والمريخ، وزحل، وعطارد هي كلها كواكب تلمع في السماء يمكنك تتبع حركتها واقترانها مع القمر، ومع نجوم أخرى ومع بعضها.
يمكنك متابعة خط سير الكواكب طول العام بالنسبة للشمس والأرض وتعلم حركتها بالنسبة للكوكبات، وملاحظة تراجع بعد الكواكب كالمريخ بالنسبة للنجوم، وسوف يساعدك تقرير سبق بعنوان «كيف نرصد الكواكب في سماء الليل؟» لتحقيق فهم مفصل لحركات الكواكب، سواء كانت حركات سنوية لكواكب كالمشتري وزحل، أو حركات خاصة كتراجع المريخ واستطالة الزهرة وعطارد.
أما بالنسبة للشمس فيمكن لها أن تكون موضوعاً هاماً للمتابعة بالعين المجرده. يمكنك أن تراقب بسهولة تغير مكان شروقها وغروبها من نافذتك على مدى الفصول الأربعة، جنوب قليلاً أم شمال قليلاً أم في المنتصف، يمكنك كذلك متابعة طول اليوم – ازديادًا ونقصانًا – وارتفاع الشمس والتعرف على أيام الاعتدال الربيعي والخريفي، الانقلاب الشتوي والصيفي، سوف يساعدك مصدر سابق «Practical Astronomy with your Calculator» على تأمل تلك الحركات بدقة أكبر.
ثم إلى الشهب
أما بالنسبة للزخات الشهابية، فهي أمتع ما يمكن أن تراقب في سماء الليل، يتعجب الكثيرون من مجرد معرفة أن للشهب مواعيد لسقوطها، يكون ذلك حينما تمر الأرض في البقايا التي تركها مذنب ضخم كسويفت تتل أو هالي، البرشاويات في أغسطس/آب والتوأميات في ديسمبر/كانون الأول هي أشهر الزخّات التي يمكن للعالم لعربي أن يراها، لكن هناك كذلك زخات أخرى ممتعة؛ كالأسديات يمكن أن ترى فيها بعض الشهب (تابع قائمة ويكيبيديا المرفقة)،
الزخات الشهابية هي مشهد سماوي مهمل الروعة، يمكنك أن ترى أكثر من 60 شهابًا في الساعة الواحدة في اليالي الرئيسية لتلك التساقطات والتي غالباً ما يتم الإعلان عنها من مصادر عدة في وسائل التواصل الاجتماعي، في صفحة السماء الليلة نقدم تغطية خاصة لها أينما حلّت.
بوصولنا للشهب نكون قد انتهينا من كل ما يمكن أن تقدمه السماء لعينين مجردتين، كما ترى فإنها تقدم الكثير، وما يمز سماء الليل حقًا هو أنها تتغير كل يوم، فتقدم عرضًا سينمائيًا مجانيًا بسيطًا يمكن للجميع أن يستمتع به دون ملل، لكن فقط عليك أن تتعلم بعض الأساسات.
والقاعدة تقول إنه كلما تعلمت عن السماء وعن علم الفلك أكثر، كانت أحلى في عينيك. فمثلًا يمكن أن ترى قلب العقرب Antares كنجمة حمراء لامعة، وانتهى الأمر، و يمكن لك أن تتأمله كعملاق أحمر مهيب يبتعد عنك مسافة 600 سنة ضوئية تقريبًا، بوجود المعلومات الأخيرة سوف تتصور موضع قلب العقرب بآلية ثلاثية البعد، يضفي ذلك قدرًا من الروعة على الرصد، هكذا هو العلم دائمًا، يمتعنا بصورة أخرى للجمال.