زيارة الرئيس السيسي إلى السعودية: مهمة صعبة؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
بعد ظهر الأحد، وصل الرئيس «عبد الفتاح السيسي» إلى المملكة العربية السعودية لإجراء محادثات مع العاهل السعودي الجديد «سلمان بن عبد العزيز» في العديد من القضايا الثنائية والإقليمية.
ليس هذا هو اللقاء الرسمي الأول بين الزعيمين منذ تولي الأخير مقاليد الحكم في المملكة عقب وفاة أخيه الملك عبد الله الذي كان من أقوى مؤيدي السيسي -في عملية الانتقال السياسي في مصر بعد الإطاحة بالرئيس المنتمي لتيار الإسلام السياسي «محمد مرسي» في صيف 2013، فقد سبق وأن ألتقيا في مراسم عزاء الملك الراحل بعد أيام قليلة من اجتماعهم قبل وفاة عبدالله.
هذه هي أول محادثات موسعة تدور بين السيسي والعاهل السعودي الجديد، والمهمة الرئيسية للرئيس المصري ضمان استمرار دعم الرياض المالي والسياسي للقاهرة وعدم انقطاعه بصورة ملحوظة.. ووفق مصادر مصرية مطلعة، فإن الدعم المالي السعودي لمصر قد تضاءل بالفعل لسبب غير مفهوم خلال الأشهر الأخيرة من حكم الملك عبد الله. يقول الدبلوماسيون المصريون أنه لا ينبغي استبعاد التقارير التي تشير إلى تغير النهج السعودي تجاه مصر تماما. ولكنهم يجادلون عن أن حجم هذا التغيير لم تُحدد معالمه بعد داخل الأوساط الحاكمة الجديدة في الرياض؛ تلك الأوساط التي رأينا فيها مؤخرا الغياب الواضح للمراوغات الداخلية من قبل الداعمين لحكومة السيسي ومعارضي جماعة الإخوان المسلمين أقوى خصوم السيسي.
يقول أحد الدبلوماسيين:
في الأسابيع القليلة الماضية، تمكنت مصر من طمأنة حليفتها السعودية على التزامها بعلاقات ثنائية أقوى بين البلدين في أعقاب حادثتين متتاليتين من التوتر المحتمل بين البلدين.
الحادثة الأولى تتعلق بتسريب مزعوم يتحدث فيه كبار رجال الدولة، من بينهم السيسي، عن منح الدعم المالي من دول الخليج إلى القاهرة. وكان الحادث الثاني هو اتهامات مصرية مباشرة إلى قطر، عضو في مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية- بدعم الإرهاب.
وفق الوجهة النظر السعودية، فإن رغبة مصر في الحفاظ على تحالف متين مع المملكة العربية السعودية مقرونة بتوصلها لتفاهمات حول نقطتين رئيستين؛ الأولى: منح الرياض المالية إلى القاهرة ليست دون قيد أو شرط ولا يحتمل أن تكون سخية كما كانت عليه في الماضي؛ الثانية: الدينامية الإقليمية السابقة، والتي كانت تستند إلى المواجهة بين محوري مواجهة: دولة الإمارات العربية مقابل قطر-تركيا، أصبحت على وشك الانتهاء والتحلل.
اليوم، أظهرت الرياض حدوث تقارب كبير مع الدوحة -حتى إذا كانت المملكة العربية السعودية قد تقدمت بطلب واضح إلى وسائل الإعلام التابعة لقطر بخفض مستوى الهجوم على السلطات المصرية، وفقا لمصادر إعلامية من الدوحة.
وعلاوة على ذلك، فإن إرسال الرياض الدبلوماسيين إلى أنقرة يُوصف بأنه إشارات إيجابية لإرادة سياسية مشتركة بين البلدين لإعادة بناء الجسور بين المملكة العربية السعودية وتركيا، في ظل وجود ثلاثة من المخاوف الإقليمية الرئيسية: استمرار انهيار النظام في سوريا، وصعود تيار الإسلام السياسي الراديكالي المتشدد، والصحوة الدبلوماسية المتوقعة لإيران بعد الاتفاق المتوقع هذا العام بين طهران والعواصم الغربية الرئيسية حول البرنامج النووي الإيراني، وفقا لمصادر دبلوماسية أوروبية مطلعة.
طبقاً لمصدر سعودي، فإن ثمة حقيقة إقليمية أخرى تلوح في الأفق يبدو فيها أنه من المتوقع أن تعترف مصر بحقيقة أن عليها أن ترد بالمثل على دعم السعودية عند مواجهتها للتحديات الأمنية، مثل تنامي قوة الحوثيين الذين تجمعهم ارتباطات قوية بإيران في ظهيرها الخلفي باليمن، أوتهديد الجماعات المسلحة التابعة لداعش على الحدود السعودية العراقية.
وفقا لمصدر مصري مطلع، فإن القاهرة التي كانت مترددة في ذلك الأمر قررت بالفعل، وفى وقت قصير للغاية، استدعاء بعثتها الدبلوماسية من العاصمة اليمنية صنعاء، بعد استيلاء الحوثيين عليها، وقد قررت أيضا وقف قنوات الحوار التي كانت قد فتحتها مع الحكام الجدد في اليمن في صنعاء عبر الوساطة اللبنانية. فاليمن يمثل أهمية استراتيجية حيوية لمصر، نظراً لسيطرتها على مضيق باب المندب في البحر الأحمر إلى الجنوب من قناة السويس. كانت القاهرة تأمل في الاحتفاظ بقنوات مفتوحة مع جميع القوى السياسية في اليمن، ولكنها اختارت الرضوخ في نهاية المطاف للطلب السعودي -لاسيما أثناء المناوشات الدبلوماسية الأخيرة مع الدوحة.
مصر قد تذهب أبعد من ذلك، وتحذو حذو السعودية وتقوم بإعادة تخصيص بعثتها الدبلوماسية إلى عدن، حيث تعمل البعثة الدبلوماسية السعودية في مقر جديد تابع للرئيس اليمنى المستقيل والمدعوم من السعودية عبد ربه منصور هادى. بالإضافة لذلك، وفي استجابة للطلب السعودي، سيكون على القاهرة التوصل إلى قرار بإنشاء القوة العربية العسكرية المشتركة للتدخل -أغلبها من الجيش المصري- لدعم المصالح الاستراتيجية العربية الرئيسية، وهي إشارة غير مباشرة إلى مخاوف السعودية من تسلل الحوثيين المتكرر عبر حدودها مع اليمن، وتسلسل مقاتلي داعش عبر حدودها مع العراق.
من جانبها، يقول المسئولون المصريون بأنه قد تم استيعاب السياسات السعودية التي تمت صياغتها حديثا، وفي المقابل، طلبت مصر الدعم المتواصل من الرياض في مواجهة مخاوف الإسلاميين في ليبيا على حدودها الغربية. وفقا للرأي السائد في الأوساط الحاكمة المصرية، فإن جميع الإسلاميين في ليبيا -سواء كانوا متشددين للغاية مثل تنظيم داعش أو غير ذلك- يُنظر إليهم كمصدر للقلق نظراً لاستعدادهم لتقديم الدعم المالي والسياسي والعسكري لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
مصر تشعر بالفعل بقليل من الاستياء من مستوى الدعم الدبلوماسي السعودي المتواضع للمبادرة الدبلوماسية المصرية في الأمم المتحدة لتنسيق التدخل العسكري الدولي ضد الإسلاميين في ليبيا، وتحصين برلمان طبرق المدعوم من القاهرة والمعترف به دوليا في شرق ليبيا ضد القوى السياسية الإسلامية في غرب ليبيا.
في وقت سابق من هذا الأسبوع في العاصمة الفرنسية، أعلن وزير الخارجية «سامح شكري» أن مصر تمكنت من الحصول على دعم نظيره السعودي لحزمة من الإجراءات الدبلوماسية والعسكرية في ليبيا ستؤدي إلى تعزيز الثقل السياسي لتحالف طبرق ضد التحالف السياسي للإسلاميين فى غرب ليبيا. وقد عزز شكري حزمة الإجراءات الدبلوماسية الجديدة مع الأطراف المؤثرة المحتملة في تونس وموسكو وبكين.
وبدعم من رؤساء وفود السعودية والإمارات في اجتماع وزراء الخارجية بالجامعة العربية في القاهرة، قال وزير الخارجية أنه ينبغي ضمان دعم عربي أكبر لهذه الحزمة، ووضع خطة دبلوماسية جديدة لتحقيق الاستقرار في سوريا. ومن المتوقع أيضا مناقشة هذه المسألة مع مبعوث الأمم المتحدة لليبيا، برناردينو ليون، أثناء زيارته المرتقبة إلى القاهرة.
الأربعاء الماضي في القاهرة، تمكن السيسي من الحصول على تأييد شريكه العربي المقرب: ملك الأردن عبدالله الثاني، على الأفكار المصرية الأولية المتعلقة بالقوة العربية المشتركة والصيغة المصرية الخاصة بليبيا المصممة أيضا على هوى السعوديين. من غير المتوقع أن تشمل الصيغة الجديدة للعلاقات المصرية-السعودية والتي لا يزال تجرى صياغتها من كلا الجانبين، نفس الدعم السعودي الحاد ضد جماعة الإخوان المسلمين. أكد مسؤول مصري رفيع المستوى على «أن هذا ليس موقف الإدارة الجديدة في الرياض». هذا التراجع في المشاعر المعادية لجماعة الإخوان المسلمين في الرياض ليس مماثلا على الإطلاق لما في أبو ظبي؛ ورغم ذلك، فإن أبو ظبي لم تعتد أن تكون مستعدة للعمل بعيدا عن التوافق مع المملكة العربية السعودية حليفتها الأقرب من دول مجلس التعاون الخليجي، ومن غير المحتمل أن تقوم بذلك الآن مع دول مجلس التعاون الخليجي التي تواجه العديد من التحديات الاستراتيجية، إما بسبب توسع تنظيم الدولة أو بسبب الإشارات المتزايدة على بزوغ الدبلوماسية الإيرانية.
يبدو أن السلطات المصرية ستتوافق مع حقيقة أنها سوف تضطر إلى إعادة صياغة حربها على الإخوان المسلمين. السياسة الجديدة بشأن «جماعة الإخوان المسلمين» من المرجح أن تتضمن تخفيض الهجمات الإعلامية ضد الجماعة المحظورة. وقد أوضح مصدر في واحدة من أكثر القنوات الفضائية المعادية للإخوان المسلمين ولثورة يناير أن هناك بالفعل تعليمات جديدة بتخفيف حدة الإشارات العدوانية ضد «جماعة الإخوان المسلمين». كما تتضمن أيضا الإفراج المخطط عن أكثر من 10.000 من الشباب الإسلاميين من السجن، بما في ذلك بعض الشباب من أعضاء جماعة الإخوان تحت شعار تشجيع «المراجعات الفكرية» في معسكر الإسلاميين. تتوقع مصر عملية طويلة من إعادة المواءمات والتسويات، بدلاً من التغييرات المفاجئة أو التحركات السياسية الصادمة، من المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، تأمل القاهرة في ألا تستغرق هذه المواءمات فترة طويلة لحدوثها.
المصريون بالفعل أعربوا عن آمالهم في مشاركة سعودية كبيرة –كلمة «سخية» ليست في المفردات هذه الأيام– في «المؤتمر الاقتصادي» المزعم عقده في شرم الشيخ في الأسبوع الثاني من مارس، وأيضا مستوى عال من مشاركة السعودية في القمة العربية المقرر عقدها الأسبوع الأخير من الشهر، في شرم الشيخ. وقال مصدر مصري رفيع المستوى أن العاهل السعودي على الرغم من حالته الصحية الواهية، من المتوقع أن يرأس وفد بلاده «على الأقل للجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة». «لكن الدليل الحقيقي الذي سينبه القاهرة فيما يتعلق بالنوايا طويلة الأجل لنظام الرياض الجديد، هو إذا ما كان السفير السعودي لدى مصر الذي شغل هذا المنصب لأكثر من خمس سنوات سيبقى في منصبه كما كان مخططا له فى عهد الملك عبدالله أم لا» هكذا قال نفس المصدر الرفيع المستوى الذي أضاف أنه لا يتوقع استبداله في وقت قريب، ولكنهم إذا كانوا قد اختاروا شخصا آخر ليحل محله فإن ذلك يعد مؤشرا قويا لرياح التغيير، التي لا يمكن أن تكون أبدا بحرا من التغييرات «فلا يوجد ذلك في كتاب العلاقات الثنائية المصرية-السعودية التي نشأت منذ السبعينات».
وأضاف المصدر أن واشنطن تتوقع الآن حدوث تقارب أوثق لحلفائها في الشرق الأوسط لمواجهة خطر الإرهاب. هذا التقارب الذي تأمله واشنطن والذي تحدثت عنه المصادر، ليس فقط الأمل بإدارة الرياض لعلاقتها مع القاهرة بحكمة، وإنما أيضا التوصل إلى تفاهم بين القاهرة وأنقرة.
يضيف نفس المصدر، أنه من المتوقع أن العاهل السعودي سيتطرق لهذا الأمر بشكل أولي فقط مع السيسي اليوم. ومن المتوقع أيضا،وفقا لمصدر تركي مطلع، أن هذا الأمر تمت دراسته بصورة أولية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الليلة البارحة في زيارته للعاصمة السعودية. الشيء الوحيد الذي يبدو يقينيا اليوم -وفقا لمصادر دبلوماسية وسياسية تحدثت إلى الأهرام- هو أن بيت آل يعيد النظر في أولوياته الإقليمية، وهو ما سيتم مناقشته بصورة مستفيضة نهاية الأسبوع في الرياض أثناء الزيارة المتوقعة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري. الاعتبارات السعودية الجديدة تعني أن الرياض قد شرعت في بدء إصلاحات ليست بالقليلة في خياراتها الإقليمية الراهنة، هذه التغيرات التي لا يمكن أن نستثنى مصر منها.