محتوى مترجم
المصدر
نيو ريبابلك
التاريخ
2016/02/18
الكاتب
إليزابيث وينكلر

هناك طريقة صحيحة لتكوني عزباء، وهناك طريقة خاطئةصدر الفيلم الكوميدي «كيف تكونين عزباء» الأسبوع الماضي كنوع من الوقاية ضد القلق المنتظر المتعلق بيوم عيد الحب، «هناك طريقة صحيحة لتكوني عزباء، وهناك طريقة خاطئة». تشبه الطريقة الصحيحة تألق الممثلة الكوميدية، ريبيل ويلسون، في أحد النوادي، على نحو غير مبالٍ ودون ندم، أو قراءة داكوتا جونسون لكتاب على سلم الطوارئ خاصتها. بينما تنطوي الطريقة الخاطئة على قضاء أيامك في تصفح مجلات الزفاف ومواقع التعارف بحثًا عن الرجل الأنسب. الفيلم أشبه بمضاد حيوي ضد أفلام الرومانسية الكوميدية، مع احتفاظه بالنهاية السعيدة. ولكنه يبدو مختلفًا. فبدلًا من بدء الأحداث بفتاة عزباء والانتهاء بعلاقة شديدة الابتهاج، يستهل الفيلم بانفصال وينتهي بإدراك البطلة أنها تريد حقًا أن تكون عزباء، «حتى تعرف ذاتها المنفردة».ذلك النوع من النساء هو تحديدًا ما كتبت عنه الكاتبة ريبيكا ترايستر في كتابها الجديد، «جميع النساء العازبات: النساء غير المتزوجات وصعود الأمة المستقلة». فبدلًا من التباكي على غياب خاتم الزواج، يستمتع هؤلاء النسوة بعزوبيتهن ويحتضنّها. إنه تحول جذري للمواقف عن حالة البحث الملح عن زوج الخاصة بكاري برادشو (الشخصية الخيالية بمسلسل Sex and the City)، أو شخصية بريدجيت جونز. فخلال معظم فترات التاريخ، نالت النساء غير المتزوجات نظرة استغراب واستعطاف – وفي أفضل الحالات، يُشفق عليهن بوصفهن كائنات غير كاملة محكوم عليهن بالموت وحيدات مع قططهن؛ وفي أسوئها، يتم لعنهن واستهدافهن، على طريقة «محاكمات الساحرات» في سالم، بوصفهن خطرًا على النظام الاجتماعي.بدأت أخيرًا الوصمة الاجتماعية التي ظلت محيطة بالنساء غير المتزوجات في السقوط للسبب البسيط المتعلق بكثرتهن في المجتمع. ففي عام 2009، لأول مرة في التاريخ الأمريكي، فاق عدد السيدات غير المتزوجات عدد السيدات المتزوجات. وبحلول عام 2012، مثلن حوالي ربع (23 بالمئة) من لهم حق التصويت. وتعتبر النساء غير المتزوجات جزءًا من جميع الطبقات الاجتماعية، المناطق، والقطاعات العرقية في أمريكا، وتستمر أعدادهن في التزايد سنويًا. وفي عام 2014، زاد عدد السيدات البالغات العازبات بمقدار 3,9 مليون سيدة عن عام 2010. حيث تعلنها ترايستر: «أصبحنا نمثل دولة جديدة، بها فئة جديدة من المواطنات».يمثل كتابها دراسة ضخمة للآثار السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والجنسية لزيادة أعداد السيدات غير المتزوجات. وتعتبر تلك الآثار، باختصار، ضخمة جدًا. حيث تغير السيدات غير المتزوجات طبيعة القوى العاملة. إنهن يعِدْن صياغة مفهوم العائلة، كما يعيدن كتابة السياسيات الاجتماعية والاقتصادية.

أسهمت السيدات غير المتزوجات في إيصال باراك أوباما إلى منصبه، وسيكون لهن كلمة مسموعة بصدد من سيخلفه

أسهمت السيدات غير المتزوجات في إيصال باراك أوباما إلى منصبه، وسيكون لهن كلمة مسموعة بصدد من سيخلفه. وبينما كن يعتبرن سابقًا على هوامش المجتمع، تعيد النساء غير المتزوجات الآن تشكيل الأمة الأمريكية. كما يثيرن مخاوف شديدة بين المحافظين الأمريكيين – وهو ما يمثل ربما الشهادة الأكثر دلالة عن نفوذهن المتصاعد. وفي عام 2014، أطلقت عليهن خبيرة شبكة «فوكس نيوز»، جيسي واترز، «مصوتات بيونسيه»، وعلقت: «إنهن في حاجة إلى أمور مثل وسائل منع الحمل، الرعاية الصحية، ويروق لهن الحديث بشأن تساوي الأجور».

منذ فترة ليست بالطويلة، كانت فكرة أن تختار المرأة أن تبقى غير متزوجة، فكرة متطرفة وهامشية. حيث كانت تلقى تأييدًا فقط من قبل حفنة من النسويات اللاتي اعتبرن الزواج أداة للظلم ولاستعباد المرأة. حتى بيتي فريدنان، مؤلفة كتاب «الغموض الأنثوي»، لم تؤيد فكرة تخلي المرأة عن الزواج، إلا في حال توافر الفرصة أمامها للتقدم مهنيًا أيضًا. واليوم، يقول 70 بالمئة من النساء إنهن يفضلن أن يكن غير متزوجات عن أن يصبحن ربات منازل. فكيف تحول قرار عدم الزواج من كونه متطرفًا إلى كونه عاديًا؟

كما هو الحال بالنسبة للعديد من التطورات الاجتماعية، حسبما توضح ترايستر، مُورس الامتناع عن الزواج في البداية بين الأمريكيات اللاتي لم يعتبرن الزواج أفضل الخيارات أمامهن – أي السيدات المنتميات للقطاعات الاجتماعية التي تعرض الكثير من رجالها للسجن، الغارقة في الفقر، أو البطالة. ما يعني أن ذلك التوجه قد بدأ وسط السيدات الفقيرات وذوات البشرة الملونة، غير الحائزات على امتيازات اجتماعية أو شقق عصرية ومجموعات واسعة من الأحذية. بينما على الجانب الآخر تبنت السيدات البيض الثريات سلوك المرأة العاجزة، بقدرما ملن إلى سماع موسيقى الجاز أو فكرة عمل المرأة بأجر. وتضيف ترايستر: «دائمًا ما كانت السلوكيات التناسخية أو وجهات النظر الخاصة بالنساء البيض – وليس التحولات الأصلية التي قادتها المرأة الفقيرة والنساء الملونات – هي التي تجعل المعنيين ينتبهون ويدونون ملاحظاتهم، وقد أصبح ذلك أحيانًا مميزًا بوصفه تحررًا».

لا تحتاج المرأة إلى زوج لتحصل على دخل أو منزل، فهن لسن منبوذات لإنجابهن الأطفال خارج إطار الزواج، ويفضلن تجنب الفوضى العاطفية والمالية الخاصة بمرحلة الطلاق

في العقود الأخيرة من القرن العشرين، أدى الحصول على حقوق التعليم، الوظائف، الإنجاب –ثمار الموجة النسوية الثانية– إلى جعل الأمر ممكنًا على نحو متزايد بالنسبة للمرأة أن تبني حياة مستقلة خاصة بها. وعلى رأس ذلك يأتي تصاعد عدد حالات الطلاق في أواخر السبعينيات والثمانينيات، الذي جعل المرأة غير المتزوجة شخصية أكثر شيوعًا وقبولًا. وفي ذات الوقت، حفز الاعتراف بأن الزواج ليس بالضرورة الوضع الأمثل للأمور. واليوم، لا تحتاج المرأة إلى زوج لتحصل على دخل أو منزل، فهن لسن منبوذات لإنجابهن الأطفال خارج إطار الزواج، ويفضلن تجنب الفوضى العاطفية والمالية الخاصة بمرحلة الطلاق.لا يتعلق الأمر كثيرًا بأن المرأة ترفض الزواج، بالمقارنة بأنها لا تشعر بإكراه شديد على الزواج. فالثورة تتمثل، حسبما تؤكد ترايستر، في «توسع نطاق الخيارات المتاحة، تجاوز الحتمية التي حركت جميع النساء (غير المستعبدات) تقريبًا لقرون، بغض النظر عن رغباتهن، طموحاتهن، ظروفهن الشخصية، أو مدى جودة الرجال المتاحين أمامهن للزواج، في نهاية طريقٍ سريعٍ وحيد يؤدي إلى الزواج من الجنس الآخر والأمومة».وتضيف ترايستر إن هؤلاء السيدات قد يكن في الحقيقة يساعدن، عبر تأخير الزواج أو الامتناع عنه، في إنقاذ الزواج كمؤسسة. حيث يرفعن معاييره؛ مطالبين بأن يكون شراكة متساوية، وتلاقيًا حقيقيًا للعقول والقلوب، وليس مجرد إجراء يهدف إلى الاستفادة اقتصاديًا والقبول الاجتماعي. ومع ذلك، يتزوج معظم النساء في مرحلة ما من حيواتهن، ولكن فقط بعد أن يقضين سنوات عديدة في تكوين حيوات خاصة بهن، وتطويرها بصفتهن بالغات مستقلات. (ترايستر نفسها تزوجت في منتصف الثلاثينيات). وحسبما يتضح، الولايات الأمريكية التي تقل بها معدلات الزواج، أو تتأخر بها أعمار المقبلين على الزواج، تتسم بأقل معدلاتٍ للطلاق.بشكل محزن ومتوقع، لا يرى المحافظون الأمر بذات الطريقة. حيث يستمرون في إلقاء لوم الكثير من العلل الاجتماعية الأمريكية على تراجع معدلات الزواج وتزايد أعداد السيدات العازبات. وقد قال جيب بوش إن النساء الحاصلات على الرعاية الاجتماعية «يجب أن يكن قادرات على التصرف بشكل مسؤول وأن يتزوجن»، مشيرًا إلى أن المشكلة تكمن في غياب وصمة العار المرتبطة بالأمومة خارج إطار الزواج. كذلك أكد مارك روبيو، حيث قال: «أعظم وسيلة لتجنيب الأطفال والعائلات الفقر ليس برنامج إنفاقٍ حكومي، بل الزواج». تعتبر تلك التأكيدات مثيرة للغضب على عدة مستويات. حيث ترى، على نحو خاطئ، هياكل الزواج التقليدي كعلاجٍ شامل.ولكن في الواقع، تتضمن معدلات فقر الأطفال في أمريكا أطفالًا ضمن عائلات متكاملة. وفي دول أخرى متقدمة، تنخفض كثيرًا معدلات الفقر بالمنازل التي تقودها سيدات عازبات. وبالتالي فإن السياسيين الذي يصدرون هذه المزاعم يتجنبون تطبيق سياسيات اجتماعية واقتصادية بهدف مواجهة المشكلات الحقيقية التي تعاني منها الأمهات العازبات، مثل؛ ركود الأجور وعدم تساويها، البطالة، نقص الرعاية الشاملة للأطفال وإجازة الإنجاب مدفوعة الأجر.يزدري المحافظون المرأة التي تدعو إلى مثل تلك التغييرات في السياسات بوصفهن «ملكات الرعاية الاجتماعية» الساعيات وراء الاعتماد على الحكومة بدلًا من الزوج (بغض النظر عن حقيقة أن النساء والرجال المتزوجين سينتفعون من تلك السياسات أيضًا). ولكن كما تشير ترايستر، يعتبر ذلك نفاقًا تامًا؛ فقد دعمت الحكومة طويلًا استقلال الرجل عبر المنح، القروض، الحوافز، والاعفاءات الضريبية لتشجيع ملكية الرجل للمنزل والأعمال. وقد حان الوقت لنراجع هياكلنا الاجتماعية والاقتصادية حتى ندعم استقلال المرأة أيضًا.رغم الاحباطات وعدم المساواة التي تصفهم ترايستر، يغلب على كتابها الحماسة تجاه دولة تستيقظ أخيرًا بشكل كامل، لتفك أغلال الأعراف القمعية ولتبشر نصف الشعب الأمريكي بالاستقلال على نطاق هائل. بالفعل، لا يقل استقلال المرأة غير المتزوجة، حسبما توضح، أهمية عن «إعادة تعريف بلوغ الأنثى».

مالت العوانس الأمريكيات الجريئات إلى تكريس أنفسهن للحركات الاجتماعية والسياسية

ولكن تغيير المرأة العزباء لأمريكا لا يمثل ظاهرة غير مسبوقة بشكل خاص. بل دائمًا ما غيرن أمريكا، حتى عندما كانت أعدادهن صغيرة. فبينما كرست السيدات المتزوجات أوقاتهن وطاقاتهم لعائلاتهم، مالت العوانس الأمريكيات الجريئات إلى تكريس أنفسهن للحركات الاجتماعية والسياسية. حيث حاربن من أجل تطبيق الممارسات العادلة داخل إطار العمل، إلغاء العبودية، إصلاح التعليم، وبالتأكيد، حق المرأة في الاقتراع. ويجدر بالذكر أن أول الاضرابات العمالية في لويل، بولاية ماساتشوستس، كانت تحت قيادة السيدات – اللاتي كن عادة مهاجرات شابات وفقيرات. كذلك هيمن الجنس اللطيف بشكل خاص على أنشطة إلغاء العبودية، «عندما يُكتب تاريخ قضية مكافحة العبودية، ستحتل المرأة مساحة كبيرة من صفحاته»، حسبما يعلق فريدريك دوجلاس.يمثل تاريخ التقدم في أمريكا، بعدة طرق، تاريخًا للمرأة المستقلة – المرأة التي تحاول تشكيل أمة فشلت، في بدايتها، في «تذكر السيدات»، إلى جانب عدد من الأمريكيين الآخرين. ولا تزال تشكل الأمة اليوم، ملزمة إياها بوعدها بالحرية والمساواة. وينير كتاب ترايستر السبيل نحو ما قد تبدو عليه الأمة. وما هو مثير ليس فقط احتمالية تكون هياكل اجتماعية واقتصادية مثقفة، بل واحتمالية تكون مجتمعٍ بالكامل من النساء اللاتي لديهن الفرصة لتطوير هويات تامة ومستقلة، وأن يعرفن حقيقتهن أثنا كونهن منفردات.