في عصرنا الحالي الذي نلهث فيه خلف كلٍ حقيقة وسراب، دائمًا ما ننسى أوجب الواجبات، وهو الحفاظ على صحتنا، التي هي رصيدنا الأهم في هذه الحياة، حتى تنتزعنا من تلك الدوامة إحدى المفاجآت غير السارة، وهي الإصابة بإحدى المضاعفات الصحية الخطيرة التي يصبح ما بعدها من حياتنا، غير ما قبلها.

والكُليتان من أهم الأعضاء الحيوية في الجسم، فهما مسئولتان كما نعرف جميعًا عن إدرار البول وما يحتويه من سموم وأملاح وسوائل زائدة، ولذلك فالقصور الكلوي الحاد والمزمن والذي قد يصل إلى درجة الفشل الكلوي، من أخطر الأمراض التي قد تصيب الإنسان، لاسيَّما إذا تطور سلبيًا إلى مرحلة الفشل الكلوي النهائي، والذي يستدعي الاختيار بين حلَّيْن أحلاهما مر، وهو إجراء عملية زرع الكلى، والتي لا تتوافر إمكاناتها المالية والتجهيزية لمعظم المرضى، أو الاعتماد النهائي على الغسيل الكلوي مرتيْن أو ثلاثة أسبوعيًا.

وللأسف الشديد، فإن نمط الحياة المعاصر يكتظ بالعديد من عوامل الخطر على الصحة بوجهٍ عام، وعلى سلامة الكليتيْن بوجهٍ خاص. وهذا يفسر الانتشار المليوني الكبير للقصور الكلوي حول العالم. في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها هناك أكثر من 37 مليون مصاب بالقصور الكلوي بمختلف درجاته، ومعظم هؤلاء يظلون لسنواتٍ غير مدركين أنهم مصابون بالقصور الكلوي، حتى تتطور أعراضه وتبدأ المضاعفات الصحية في الظهور، كما أظهرت الإحصائيات أن حوالي ثلث الشعب الأمريكي (أكثر من 100 مليون إنسان) معرضون لخطر التضرر الكلوى.

في الفقرات القصيرة التالية، سنتعرّف على بعض الخطوات السهلة التي يمكن بها الحفاظ على صحة الكليتيْن، وزيادة المسافة بيننا وبين الفشل الكلوي المخيف، وهي خطوات لا تحتاج منا لجهودٍ خاصة مُكلفة.

1. السيطرة على عوامل الخطر المزمنة

هناك بعض الأمراض المزمنة التي إن لم يُسَيْطَر عليها جيدًا بالتعليمات الصحية وبالدواء المناسب، فإنها ستتفاقم مع مرور الوقت وتُسبِّب تضرر الكلى، وأشهر تلك الأمراض ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع سكر الدم، وضعف عضلة القلب. ومن اللافت للنظر، أن السيطرة الكاملة على تلك الأمراض المذكورة بالغة الصعوبة بدون سلامة الكلى.

ويجب على المصابين بمثل تلك الأمراض المزمنة إجراء تحاليل وظائف الكلى بشكلٍ دوري كل 3 أشهر في المتوسط، ومراجعة الطبيب المختص.

2. الحركة بركة

خير الرياضة أدومها وإن قل. لا ينبغي أن تكون بطلًا رياضيًا محترفًا لتحافظ على سلامة كُليتَيْك، إنما نتحدث عن مجرد المشي المنتظم لحوالي نصف ساعة يوميًا معظم أيام الأسبوع، أو المدوامة على الجري الخفيف، أو ركوب الدراجات أو ممارسة إحدى الألعاب الجماعية المحبوبة ككرة القدم بشكلٍ دوري… إلخ.

تساهم الرباضة المعتدلة في الحفاظ على الوزن، وتُقلِّل فرص الإصابة بعوامل الخطر الضارة للكلى كالسكر والضغط والقلب، وتحسن كفاءة الدورة الدموية، وبالتالي تتمتع الأعضاء الحيوية بتغذية دموية أكثر كفاءة، وفي مقدمتها الكلى، والتي تعتبر من أكثر أعضاء الجسم حساسية لأي تغير في التغذية الدموية.

اقرأ: كيف يمكن أن ينجو أصحاب الأمراض المزمنة من حر الصيف؟

3. المسكنات دواء للضرورة القصوى، وليست قطعًا من الحلوى

الجميع يعانون من الصداع والإرهاق وآلام المفاصل، والحل الأسهل لدى الغالبية العظمى ليس بالطبع تعديل نمط الحياة السلبي، إنما اللجوء دائمًا وأبدًا لتعاطي المسكنات، والتي يتعامل معها الكثيرون بخفةٍ شديدة، ويتناولها البعض لسنوات متتالية بشكلٍ يومي.

والتعاطي المزمن لمجموعات المسكنات الشهيرة مثل الأسبرين والإيبوبروفين والديكلوفين.. إلخ من أشهر أسباب الإصابة بمختلف درجات القصور الكلوي المزمن، فتلك المسكنات قادرة على التأثير سلبًا على الكلى بالعديد من الآليات المرضية (تقلص الشرايين المغذية للكلى – تضرر الأنابيب الكلوية – تضرر النسيج البيني بالكلى – ضرر مباشر بالنفرونات الكلوية، وهي الوحدة الوظيفية المسؤولة عن فلترة الدم داخل الكلى … إلخ).

اقرأ: المسكنات والكلى: قصة مؤلمة حزينة.

لتجنب ما سبق، احرص على اللجوء للمسكنات عند الضرورة القصوى، وألّا يكون ذلك بشكلٍ يومي، وفي حالة وجود داعٍ طبي لاستخدامها لأيامٍ متتالية، فاحرص على أن تبدأ أولًا بالأخف ضررًا كالباراسيتامول، وأن تشرب المياه بوفرة.

اقرأ: المسكنات تؤلم… وتقتل أيضًا.

4. الماء: حياة الكلى

شرب الماء بوفرة، هو العمود الأهم للحفاظ على صحة الكليتيْن، فهو يحسن التغذية الدموية للكلى، كما يساهم في التخلص من الأملاح، ويُقلل فرص تكون الحصوات الكلوية التي قد تؤدي إلى تضرر الكلى عبر سد أنابيبها أو الحالب.

 لا يوجد حجم معين من المياه يُنصَح به، فهذا يختلف من شخصٍ لآخر، ومن ظروف لأخرى، لكن في المتوسط لا تقل عن 2 لتر من السوائل يوميًا، مع زيادة تلك الكمية في حالة التعرض لفقد المياه، مثل النشاط الرياضي المكثف، أو ارتفاع حرارة الجو، أو الإصابة بنزلة معوية وإسهال شديد… إلخ.

ولأن الشيء بالشيء يُذكَر، فنؤكد هنا على ضرورة تجنب التعرض لأشعة الشمس المباشرة في الصيف، حتى لا نتعرض للإصابة بضربات الشمس الحرارية، والتي قد تؤدي إلى الإصابة بالجفاف الشديد، وحدوث الفشل الكلوي الحاد.

اقرأ: نصائح مهمة حتى لا يؤذي حر الصيف صحتك.

5. المعدة بيت الداء والدواء

الأطعمة الصديقة للكلى، هي الفواكة والخضروات الطازجة، والبقوليات كالفول والبازلاء والفاصولياء، والحبوب الكاملة، والألبان قليلة الدسم، والأطعمة قليلة الملح بوجهٍ عام. وهذه الأغذية أيضًا هي الأنسب لمرضى الضغط والسكر والقلب.

وهناك بعض النصائح الغذائية الإضافية للحفاظ على الكلى:

  • تقليل السكر الصناعي.
  • الاعتماد على التوابل المتنوعة لتقليل الحاجة لملح الطعام.
  • تجنب قلي وتحمير اللحوم، والاعتماد أكثر على السلق أو الشوي.
  • تقليل الدهون المشبعة مثل السمن والزبدة، والاعتماد أكثر على الزيوت النباتية لاسيَّما زيت الزيتون في الحصول على حصتنا من الدهون.
  • محاولة تدوين ما نتناوله من طعام بشكلٍ أسبوعي، وذلك لترسيخ العادات الجيدة، ومراجعة السيئة، وتقييم الوضع.

وفي حالة الإصابة بدرجة من درجات القصور الكلوي، فيجب الالتزام الجيد بتعليمات الطبيب في تقليل تناول البروتين بكل أنواعه، وكذلك الاقتصاد في الأغذية عالية البوتاسيوم مثل الموز والعصائر المحفوظة، والتشدد في تقليل الملح.

6. قسط جيد من النوم يوميًا 

يساهم النوم الصحي ليلاً لحوالي 6-8 ساعات في تحسين كفاءة كافة أعضاء الجسم، وتقليل التوتر العصبي والإجهاد البدني والنفسي، والتي تؤدي إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، والتي تؤثر سلبًا على صحة الكلى.

اقرأ: الأرق يقتلنا: هل يمكن تنظيم النوم؟

7. تجنب الإصابة بكوفيد-19

لا صوتَ يعلو فوق صوت جائحة كوفيد-19 التي أوشكت على إتمام عامها الثاني بعد أن حصدت أرواح الملايين حول العالم. والإصابة الشديدة بكوفيد-19 لا تؤثر على الجهاز التنفسي فحسب، إنما قد تسبب ضررًا في أيٍ من الأجهزة الحيوية بالجسم، ومن أبرزها الكليتان، كما تؤثر بعض الأدوية شائعة الاستخدام في علاج تلك الإصابات الشديدة على الكلى، ومنها المضادات الحيوية، والكورتيزون الذي يرفع ضغط وسكر الدم… إلخ.

إذن، فيجب مواصلة الالتزام بوسائل الوقاية المتاحة وعلى رأسها التطعيمات، وارتداء الكمامات في التجمعات، والحفاظ على المسافة الآمنة، وغسل اليديْن جيدًا أولًا بأول.

اقرأ: أهم 8 خرافات حول تطعيمات كورونا في مصر.

اقرأ: بروتوكولات حكام كوفيد: عن الطب العشوائي القاتل.

8. السيطرة على العادات غير الصحية (التدخين – الكحوليات)

يُسبِّب التدخين حدوث تصلب الشرايين المغذية للأعضاء الحيوية بالجسم، فتفقد مرونتها وكفاءتها في إمدادها بالتغذية الدموية، كما يُسبِّب هذا ارتفاع ضغط الدم، والإصابة بجلطات شرايين القلب، التي تُضعِف عضلة القلب، فتؤثر على كفاءة الدورة الدموية بوجهٍ عام، فتتضرر الكلى.

أمّا الكحوليات، فالإفراط فيها يُساهِم في ارتفاع ضغط الدم والذي يؤثر سلبًا على الكلى، كما أن الكحوليات من أشهر أسباب التليف الكبدي وفشل وظائف الكبد، والذي يؤدي بالتبعية إلى ما يعرف بالمتلازمة الكبدية الكلوية، حيث تتسبب السموم التي يعجز الكبد على التخلص منها مثل الصفراء، في إتلاف الكليتيْن.

اقرأ: التدخين والصحة: لا داعي للمبالغة