شريف إكرامي: كيف تتصدر المشهد من على مقاعد البدلاء؟
أرجوك عاود قراءة التصريحين مرة أخرى. إنهما متطابقان في المعنى لكنهما يختلفان تمام الاختلاف في الأسلوب. سيكون من المناسب تمامًا أن يلجأ أحد المدربين لطباعة التصريحين متجاورين في ورقة واحدة لإعطاء لاعبيه درسًا في طريقة الرد. لا تتحدث مثل صاحب التصريح الأول بل عليك أن تنتقي كلماتك مثل صاحب التصريح الثاني.
لكن المثير هنا أن صاحب التصريحين واحد وهو حارس النادي الأهلي «شريف إكرامي». الفارق الأساسي أن التصريح الأول يعود لعام 2014 للرد على شائعات تهربه من الانضمام للمنتخب الوطني، بينما التصريح الثاني تحدث به شريف للرد أيضًا على شائعات عدم قناعة المدير الفني رينيه فايلر بإمكانياته قبل ستة أشهر من الآن أي بعد خمس سنوات كاملة من التصريح الأول.
كيف تحول شريف إكرامي من رجل يرد بشكل قاسٍ على الشائعات لرجل لديه القدرة على توضيح موقفه بشكل دبلوماسي مميز؟ كيف تحولت كلمات مثل: «العاملون في هذا المجال والفشل المهني» إلى «بعض الإخوة الصحفيين وفخ الأخبار غير المنضبطة».
إكرامي مستقبل النادي الأهلي
دعنا نبدأ من مشهد النهاية، دعنا نستعرض النتيجة التي نجح إكرامي في الوصول لها ومنها نستعرض الأسباب والظروف التي أدت إلى تلك النتيجة.
أعلن إكرامي رحيله عن النادي الأهلي بنهاية الموسم الحالي ولم تخرج أصوات حقيقية كالعادة تؤكد مظلومية شريف وأحقيته في المشاركة، لكن في المقابل خرجت أصوات كثيرة تؤكد انتظارها لدور جديد لإكرامي الابن داخل النادي الأهلي بعد الاعتزال.
خلال السنوات الأخيرة أصبح شريف إكرامي أول لاعب مصري تتعلق الجماهير بشخصيته لا بقدراته الفنية داخل الملعب، بل أصبح الاعتقاد بكون شريف إكرامي هو مستقبل النادي الأهلي هو اعتقاد منطقي تمامًا لدى الجماهير.
تستطيع بقليل من البحث أن تعثر على عشرات المواقف والتصريحات الموفقة لشريف إكرامي خلال السنوات الخمس تلك. ما بين حديث تحفيزي لمنافسه الأول على حراسة مرمى الأهلي محمد الشناوي، أو رسائل دعم لمنافسين خسروا أو حراس مرمى أخطأوا، أو صمت مطلوب في أحيان كثيرة بينما يتحدث الجميع دون فائدة. وأمام كل تلك المواقف لن تجد مباريات قدم فيها شريف أداءً استثنائيًا لحماية مرمى النادي الأهلي أو منتخب مصر.
الحقيقة أن شريف إكرامي كان أكثر وعيًا بتفاصيل هامة في عالم كرة القدم مثل طبيعة اللعبة وأهمية المنافسة والوعي الذاتي. دعنا نتناول تصريحً جديدًا ونستمر في محاولة تحليل واحد من أفضل عقليات لاعبي كرة القدم في مصر.
أين تقف الآن؟ وما هي أولوياتك؟
الشق الأول من هذا التصريح يشرح لنا كيف استطاع شريف التخلص من واحدة من أهم آفات أبناء النادي بعد تجاوز الثلاثين، وهي شعور اللاعب أنه أصبح جزءًا من تاريخ النادي ويستحق اللعب دون النظر لقدراته الفنية أو على الأقل الحصول على فرص كافية للمشاركة وإثبات قدرته على اللعب.
أدرك شريف إكرامي أن تلك الكليشيهات عفا عليها الزمن. فلا يوجد نادٍ يبحث عن البطولات سيشرك لاعبًا في المباريات كجائزة عن مجمل أعماله السابقة. وهنا تمامًا أدرك شريف أين يقف من خريطة حراسة المرمى في الأهلي، بعد أن كان حارس الأهلي الأول أصبح الخيار الثاني بين حراس الأهلي ودوره المتقلص مع الوقت بات شيئًا منطقيًا.
كان ذلك هو الاختبار الحقيقي لعقلية شريف إكرامي خاصة أن الاختيارات جميعها صعبة، هو إما أن يرحل عن النادي لضمان المشاركة وفي تلك الحالة سيتم وضعه في خانة حراس المرمى العاديين الذين مروا على الأهلي منذ هروب الحضري أو البقاء في الأهلي والوقوع في فخ اللاعب الموظف الذي لا يهتم أحد بوجوده من عدمه.
تلا إدراك شريف لطبيعة كرة القدم وعي ذاتي مثالي بما يمتلكه من قدرات خارج المستطيل الأخضر. أدرك شريف أنه يملك ما يجعله أهم كثيرًا من مجرد حارس مرمى النادي الأهلي.
إكرامي رجل دارس للاقتصاد والعلوم السياسية واحترف أوروبيًا في سن صغيرة، ولذا فهو رجل لبق يستطيع الحديث لساعات دون خطأ ويتفهم تمامًا مسئولية تلك التصريحات ودوره في النادي كلاعب ويعطي عناصر المنظومة بالكامل الرصيد المستحق في الحديث، حتى أن بياناته وأحاديثه أفضل كثيرًا من بيانات النادي الرسمية.
بدأ شريف استغلال مخزونه الخاص من الدبلوماسية والحديث المنمق ليقدم نفسه مرتديًا بذلة رسمية كاملة ليطبع في ذهن الجميع صورة مغايرة لشريف اللاعب، صورة تليق برجل يستطيع بسهولة أن يصبح واجهة مشرفة للنادي الأهلي في أي مكان.
مع كل تصريح متوازن أو إشادة بمنافس داخل الأهلي أو خارجه كان شريف يقطع خطوات هائلة في قلوب جماهير الأهلي ومنافسيه لم يستطع أن يقطعها وهو على أرض الملعب. لذا، وبعد إعلان رحيله، وجد التقدير في قلوب الكثيرين بل والتلهف على رؤيته في مجال الإدارة داخل أروقة النادي الأهلي بما يمتلك من قدرة على رؤية الأمور.
هل يتأثر الأهلي فنيًا برحيل إكرامي؟
لكن هذا التصريح يملك شقًا آخر وهو ما أنقذ شريف من فخ اللاعب الموظف وما جعله يقرر الرحيل عن النادي وليس الاعتزال، هذا الشق الخاص بالمنافسة والدور الفني لإكرامي.
من خلال التصريح الأخير يتضح لنا أن شريف لم يكف عن المنافسة، نحن هنا نقصد الأربع سنوات الأخيرة منذ أن تم التعاقد مع محمد الشناوي لحماية عرين النادي الأهلي. تلك المنافسة أفادت إكرامي في البقاء بشكل جيد والوصول لقائمة منتخب مصر في أكثر من مناسبة.
هنا نصل لسؤال آخر: هل يتأثر الأهلي فنيًا برحيل شريف إكرامي؟ الحقيقة أن المنافسة في مركز حراسة المرمى هي من تجعل الحراس في حال أفضل. عصام الحضري على سبيل المثال لم يصل لمرحلة التوهج إلا بوجود نادر السيد. لذا فمن المؤكد أن استمرارية شريف في المنافسة لمحاولة استعادة مكانته هي عامل مؤثر في ارتفاع مستوى الشناوي الحارس الأساسي وهو ما قد يضر بالفريق إذا ما لم يتم التعاقد مع حارس آخر يطمع في المركز الأساسي.
خلال الموسم الأخير وصولًا للموسم الحالي فقد شريف تمامًا الفرصة في استعادة دوره كحارس أول. وفي المقابل استطاع بالفعل أن يؤسس قاعدة شعبية جماهيرية من خلال تصريحاته ومواقفه، ومع الوقت سيصبح الاستمرار في هذا الدور شكلًا من الفلسفة وفي الوقت المثالي قرر شريف الرحيل.
خلال سنواته مع الأهلي، لم يثر إكرامي أي مشاكل بعد جلوسه على مقاعد البدلاء. كما أدرك أنه باعتبار مصلحة النادي الأهلي أولوية مطلقة فذلك يزيد من جماهيريته بشكل لن يستطع تحقيقه داخل أرض الملعب. وأخيرًا استطاع أن يقدم نفسه ككادر إداري حقيقي خلال تلك السنوات بتصريحات تنم عن وعي كبير وإدراك للمسئولية. كل ذلك مع البقاء في الصورة فنيًا وبمجرد خروجه من الصورة قرر الرحيل بشكل هادئ ومثالي.
هذا هو الانطباع الذي تركه شريف إكرامي في ذهن جماهير الأهلي متناسيين إخفاقات شريف داخل الملعب تمامًا. نعم استطاع شريف بذكاء بالغ أن يتصدر المشهد من على مقاعد البدلاء.