قبل أيام وتحديدًا في العاشر من أبريل/نيسان الجاري هبطت طائرة أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في إحدى مطارات إثيوبيا في زيارة استغرقت يومين، ولم تكد الأنباء تتوالى عن أبرز ملامح هذه الزيارة، حتى تناولتها العديد من وسائل الإعلام بالتفنيد، حتى قبل أن تبدأ معالمها الأساسية في التبلور.

سلط البعض منها – وخاصة المصرية – الضوء عليها باعتبارها محاولة أخرى ضمن المحاولات القطرية لاستفزاز القاهرة وتقويض مصالحها بالقارة السمراء واللعب على وتر أمنها القومي عبر دعم تمويل سد النهضة، فيما خفف البعض الآخر من حدة هذا التناول موضحًا أنها تأتي في سياق التوسعات القطرية في دول العالم المختلفة والتوجه الخليجي للاستفادة من القارة الأفريقية لإيجاد بيئات استثمارية جديدة وتنويع مصادر للدخل بدلًا من الاعتماد الكلي على النفط.

ما بين هذا وذاك، تُثار العديد من التساؤلات حول أهداف الزيارة، وهل هناك دواع حقيقية للتخوف المصري منها؟، وهل يتم ربط التحرك القطري بنظيره السعودي في تلك المنطقة البعيدة والتي تعد جانبًا أساسيًا من جوانب الأمن القومي المصري؟

ماذا عن الاستثمارات القطرية السعودية في هذه المنطقة وخاصة إثيوبيا؟، وهل بالفعل هناك دور قطري في إشعال الخلافات بين مصر وعدد من من دول القارة كما هو الحال مع السودان؟، كل هذه أسئلة تستوجب الإجابة عليها برسم خريطة عامة لهذه المنطقة من العالم ولسياسات الدول الخليجية بها وتداعياتها على الداخل المصري.


رسائل قطرية عبر البوابة السودانية

لندخل مباشرة إلى الدور القطري في القارة والمخاوف المصرية منه عبر بوابتي السودان وإثيوبيا، وهنا بنظرة سريعة إلى دورها بالسودان، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا صورة الشيخة موزا والدة أمير قطر وزيارتها إلى أهرامات السودان في مشهد كثيرًا ما نراه في أعين السائحين أمام الأهرامات المصرية، لا السودانية.

كل هذا لم تكن به أي دلالات مثيرة للقلق، غير أن تدوينها في سجل الزيارات أن «السودان أم الدنيا» أثار حالة من الغضب المصري خاصة في الأوساط الإعلامية والتي سلطت الضوء عليه، إذ ثارت حالة من التلاسن الإعلامي انتهى بخروج وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره السوداني إبراهيم غندور ليؤكدا تجاوز البلدين الخلافات فيما بينهما ويشددا على رفض أي تجاوزات غير مقبولة تجاه أي من الدولتين.

التواجد القطري بالسودان له شقان؛ أحدهما اقتصادي والآخر سياسي، إذ بلغت استثمارات الدوحة في السودان نحو 1.7 مليار دولار ومن المتوقع أن تصل إلى 2 مليار دولار العام الحالي، وذلك حسب تصريح مدثر عبد الغني، وزير الاستثمار السوداني. هذا وترتكز معظمها في القطاع العقاري والمصرفي والزراعي بصفة خاصة.

أما عن الجانب السياسي، فيكفي الإشارة إليه عبر توضيح العلاقات الوثيقة بين البلدين والدور القطري في إنهاء العقوبات الأمريكية على السودان، وحل مشكلة إقليم دارفور، الأمر الذي كثيرًا ما خرج السودان للإشادة والشكر للدوحة على دورها الرائد في هذا.

وبينما تزداد العلاقات السودانية القطرية قوة، يلاحظ على الجانب الآخر توتر العلاقات السودانية المصرية، حيث مزيد من التصعيد السوداني إزاء الجانب المصري، وكان لافتًا للنظر في مثل هذا السياق تزامن زيارة السيدة موزا للسودان مع إعلان الحكومة السودانية حظر استيراد بعض المنتجات الغذائية المصرية، ما يثير تساؤلًا حول ما إذا كان لقطر دور في فساد العلاقات المصرية السودانية أم لا.

يثير ذلك الشكوك أيضًا حول ما إذا كانت قطر تتبع إستراتيجية لا تزال غير مكتملة الأركان لتطويق المصالح المصرية بالقارة الأفريقية، عبر مزيد من التعاون مع الجانب السوداني والآخر الإثيوبي في ظل مجيء زيارة أمير قطر إلى إثيوبيا بعد نحو أسبوع واحد من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى أديس أبابا وتجديد السودان بعدها على حق إثيوبيا في «مشروع النهضة»!.


إثيوبيا: إستراتيجية سياسية أم منافسة اقتصادية؟

في مثل هذا السياق،يمكن الإشارة إلى الأبعاد الاسياسية والاقتصادية للزيارة ودلالاتها في إيضاح التحرك القطري في إثيوبيا، فيما يلي:

بالنسبة للأبعاد السياسية، فقد جاءت الزيارة ترجمة لنتائج زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني لإثيوبيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي وعد خلالها بزيارة مرتقبة لأمير قطر، وهو ما يؤكد المساعي القطرية لتعزيز شراكتها الاقتصادية مع أديس أبابا خلال الفترة المقبلة. أتت الزيارة كذلك، قبل نحو 3 شهور من الموعد المقرر لاكتمال سد النهضة في يوليو/تموز المقبل، وفي ظل توارد الأنباء عن العجز الإثيوبي عن توفير الدعم اللازم لتمويل السد، حيث صرحت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية أن السلطات تخطط لجمع نحو 6 ملايين دولار لاستكمال البناء.

يطرح هذا العديد من الشكوك حول وجود دور قطري في هذا الدعم، حتى وإن كان بشكل غير مباشر، عبر مزيد من الاستثمارات الاقتصادية، ما يصب في نهاية المطاف في صالح الخزانة الإثيوبية واستمرار تمويلها لبناء السد.

هذا وقد أكد جمادا سوتي، المتحدث باسم جبهة تحرير الأورومو الإثيوبية، أن قطر تدعم بناء السد، من خلال مشروع استثماري وزراعي ضخم تموله لزراعة مليون ومائتي ألف فدان في منطقة السد.

ومع ذلك، فإن صحت هذه الشكوك فذلك يستوجب التأكيد على الجانب الأساسي للزيارة والمتمثل في الجانب الاقتصادي، إذ إنه من غير المعقول أن تبذل قطر هذه المساعي في محاولة فقط لاستفزاز القاهرة دون أن تكون لديها استفادة مباشرة من الأمر.

من هنا تعمل الدوحة على تعزيز التعاون التجاري بين البلدين، لتنويع استثماراتها الخارجية وتقليل الاعتماد على الغاز، وفي هذا الإطار جاءت الأنباء عن نتائج الزيارة لتؤكد أنها شملت مباحثات حول تعزيز التعاون الاستثماري بين الجانبين خاصة في المجال الزراعي ودعم قطر لمشاريع البنية التحتية ومشاريع الطاقة المتجددة، ولم يتوارد حتى الآن أي أنباء أو تسريبات عن التطرق إلى مناقشة ملف السد.


هل تسير السعودية على خُطى تميم؟

بعد استعراض التحركات القطرية في الأراضي السمراء كان من الضروري الإشارة إلى الخطى السعودية والتي لا تختلف كثيرًا عنها، إذ سبقت المملكة زيارة وزير الخارجية القطري لإثيوبيا بزيارتين منفصلتين لها في ذات الشهر، قام بهما كل من وزير الزراعة عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي، ومستشار العاهل السعودي بالديوان الملكي أحمد الخطيب.

ويتوازى المسار السعودي مع نظيره القطري بالقارة، إذ تسعى المملكة أيضًا للبحث عن دور كبير وتوسيع لاستثماراتها بها، وهو ما تناولته هذه الزيارات إذ بحثت خلالها تعزيز أوجه التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والطرق والكهرباء والزراعة والسياحة.

لم تسلم المملكة أيضًا من الشكوك حول التورط في تمويل السد، فخلال زيارة الخطيب لأديس أبابا قام بزيارة موقع العمل في السد، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تخطاه إلى دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي، هيلي ماريام ديسالين، المملكة إلى دعم مشروع السد ماديًا، الأمر الذي حاول أن يخفف من حدته فيما بعد بتأكيده أن هذه الزيارة جاءت للاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة للتعاون بين البلدين في مجال الطاقة.

تعمل الرياض كذلك على زيادة استثماراتها في أديس أبابا حيث أكد وزير الزراعة أن حجم الاستثمارات السعودية الحالية بها يبلغ نحو 5.2 مليار دولار، فيما تشغل السعودية حاليًا المرتبة الثالثة بين أكثر الدول استثمارًا في أديس أبابا، وهو ما يصب – كما سبق وأوضحنا – في صالح زيادة الأموال الإثيوبية وضخها نحو الاستثمار بالسد.

إذا كان هذا في إثيوبيا، فالأمر لا يخلو أيضًا من دور سعودي داعم للسودان عبر التدخل لرفع العقوبات الأمريكية عنها فضلًا عن تزايد الاستثمارات بها وبصفة خاصة الزراعية، والتي وصلت لنحو الـ 26 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.

تثار بعض الأنباء عن أن السعودية هي التي تقف وراء المطالبات السودانية بحقها في مثلث حلايب وشلاتين، وأرجع العديد من المحللين تأجيل زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري للسودان إلى انتظار القاهرة عقد مباحثات مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي من المرتقب أن يزور القاهرة قريبًا.

يرجع ذلك لإدراك الجانب المصري أن أي مباحثات مع نظيره السوداني لن تخرج عن إطار البيانات الختامية دون اتخاذ خطوات فعلية طالما لم يتم تصفية هذا الملف مع كلمة السر «السعودية».

وختامًا، يمكن القول إن هناك توجه خليجي – قطري سعودي- للتوسع في القارة الأفريقية لزيادة النفوذ على الساحة الدولية والاستفادة من مواردها المختلفة، وهو ما يؤثر سلبيًا على الجانب المصري إذ يؤدي إلى مزيد من التعنت الإثيوبي ورفع الروح المعنوية لديه، ويلاحظ كذلك أن هذا التحرك يظهر بشكل أكبر مع قطر (الدولة الصغيرة الغنية)، إذ دائمًا ما تبحث الدول الصغرى عن توسيع نفوذها الخارجي خاصة إذا كانت تمتلك مقومات هذا التمدد في محاولة منها لتعويض أوجه القصور لديها.