شيخ الأقصى: رائد صلاح يعود إلى ساحة المعركة
هكذا كان شعار الشيخ رائد صلاح قولًا وفعلًا، ولا عجب فهو ينتمي إلى أسرة فلسطينية تمسكت بالأرض ورفضت التهجير عام ١٩٤٨، فواصل شيخ الأقصى مسيرة الآباء والأجداد دون الاكتراث بالعواقب.
واليوم، وبعد المكوث في سجون الاحتلال لتسعة أشهر، خرج ليُجدد العهد بالدفاع عن الأرض والمقدسات.
المُجاهد
وُلد الشيخ «رائد صلاح سليمان أبو شقرة المحاجنة» عام 1958 في مدينة «أم الفحم»، كبرى المدن العربية في شمال فلسطين المحتلة، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي فيها، ثم حصل على البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية في الخليل.
بدأ الشيخ رائد صلاح نشاطه الإسلامي مبكرًا، وعمل في مجال الدعوة الإسلامية منذ أن كان في المرحلة الثانوية، وكان من مؤسسي الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
وفي عام 1989، كانت البداية الحقيقية لمساره السياسي، حيث خاض للمرة الأولى انتخابات رئاسة بلدية أم الفحم عن الحركة الإسلامية، ونجح في تلك الانتخابات بنسبة تفوق 70% وأصبح رئيسًا للبلدية في سن 31 عامًا. ثم خاض الانتخابات للمرة الثانية عام 1993، ونجح بنسبة تزيد على 70% كذلك. وهو ما تكرر للمرة الثالثة عام 1997. ثم قدم استقالته في عام 2001 ليتيح المجال لغيره.
معاناته من نير الاحتلال بدأت عام 1981، حينما سُجن بتهمة الارتباط بمنظمة محظورة وهي «أسرة الجهاد»، وبعد خروجه وُضع تحت الإقامة الجبرية، وكان خلالها ممنوعًا من مغادرة المدينة ومن مغادرة بيته خلال الليل.
وفي عام 1998، قاد أحداث «الروحة» التي اقتحمت خلالها الشرطة الإسرائيلية مدينة أم الفحم، وأصابت ما يقارب 600 مواطن، ليُعلن في العام نفسه عن مشروع «المجتمع العصامي» الذي يهدف إلى بناء الذات لفلسطينيي الداخل.
وتعرض لمحاولة اغتيال عام 2000 عن طريق عيار ناري أطلقته قوات الاحتلال، وأصدرت وزارة الداخلية الإسرائيلية عام 2002 أمرًا بمنعه من السفر خارج البلاد، بناءً على معلومات استخباراتية. كما قررت في العام ذاته إغلاق جريدة «صوت الحق والحرية» الناطقة باسم الحركة الإسلامية مدة عامين، لكونها تحريضية ومنبرًا لمواقف حركة حماس.
واستمرت حملة التحريض ضده حتى عام 2003، حيث اُعتقل الشيخ رائد، وأفرج عنه بعد عامين، 2005. وقد كانت وُجهت إليه تهمة غسيل أموال لحساب حركة حماس.
شيخ الأقصى
عام 1996 تم انتخاب الشيخ رائد صلاح رئيسًا للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، ثم أعيد انتخابه عام 2001، إلى جانب كونه رئيس المجلس الأعلى للدعوة، ومؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، ومؤسسة الإغاثة الإنسانية.
وعُرف الشيخ صلاح بمواقفه الوطنية العديدة، حيث عبر عن رفضه لاتفاق أوسلو واعتبره ضربة ثقيلة للقدس والمسجد الأقصى، أعطى فرصة أطول لتهويد القدس. كما اعتبر الاقتتال الداخلي في غزة نذيرًا لسلب المسجد الأقصى، ودفعًا للمؤسسة الإسرائيلية إلى التكالب عليه لتنفيذ خططها.
وعلى مستوى الداخل، رفض الشيخ التدخل في الشئون الدينية للمسلمين والمسيحيين من طرف الإسرائيليين، حينما قرر الكنيست عام 2001 تعديل قانون الأحوال الشخصية، والذي أبقى النظر في قضايا الزواج والطلاق في المحاكم الشرعية والكنيست.
واهتم الشيخ رائد صلاح اهتمامًا كبيرًا بحماية المقدسات الإسلامية من محاولات الاحتلال الاعتداء عليها وتحويلها لأغراض أخرى بعد رحيل أهلها عنها. وكان أول من كشف النقاب عن النفق الذي حفره الاحتلال تحت المسجد الأقصى.
كما قام بدور كبير في إعمار المسجد الأقصى وبقية المقدسات الإسلامية، وتمكّن من إفشال المخططات الصهيونية الرامية إلى إفراغ الأقصى من عمارة المسلمين، حيث قام بجلب عشرات الآلاف من عرب الداخل إلى الصلاة فيه عبر مشروع «مسيرة البراق». ونجح في إعمار المُصلى المرواني داخل الحرم القدسي الشريف وفتح بواباته العملاقة، وأشرف على إعمار الأقصى القديم وتنظيف ساحاته وإضاءتها، وإقامة أماكن للاغتسال والوضوء في باب حطة والأسباط وفيصل والمجلس.
كما شارك عام 2010 في أسطول الحرية، الذي تعرّض لهجوم السفن الحربية الإسرائيلية، سعياً لفك الحصار عن قطاع غزة.
صاعق انتفاضة القدس
في 16 فبراير / شباط 2007 في منطقة وادي الجوز بمدينة القدس المحتلة، كان الشيخ صلاح يخطب في المُصلين، فقال:
ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد ضاق ذرعًا بممارسات الشيخ صلاح، فدعا في أكتوبر / تشرين الأول 2015، لوضع الشيخ في السجن، واصفًا إياه بأنه «صاعق انتفاضة القدس».
مما دفع الاحتلال إلى اتهامه بـ«التحريض على العنف» استنادًا إلى نص خطبة عام 2007، فحكمت المحكمة عليه بالسجن لمدة 11 شهرًا، قبل أن يستأنف الشيخ صلاح على الحكم في 25 يناير / كانون الثاني 2016 أمام المحكمة العليا، التي أصدرت حكمها المتقدم بتخفيف العقوبة إلى 9 أشهر منتصف أبريل / نيسان 2016.
ليبدأ في تنفيذ العقوبة في مايو / آيار 2016، حتى تم الإفراج عنه صباح اليوم 17 يناير / كانون الثاني 2017. ويُذكر أن الشيخ صلاح قد خاض أثناء اعتقاله معركة «الأمعاء الخاوية»، وأعلن إضرابه عن الطعام، اعتراضًا على إبقائه بالعزل، وحرمانه من الكتب والزيارات وأبسط الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية للأسرى.
واليوم خرج الشيخ ليواصل مسيره كفاه ومقاومته ضد المحتل الإسرائيلي.