فيلم «الشيخ جاكسون»: الشيوخ أيضًا يحبون الموسيقى
في فيلمه الجديد «الشيخ جاكسون» يروي المخرج والكاتب السينمائي «عمرو سلامة» حكاية شاب مصري متدين يؤم رواد المساجد في صلاة الجماعة، ولا يقدم على عمل شيء إلا ويسبقه بالبسملة وتلاوة بعض الأدعية، يملك هذا الشاب طفولة ومراهقة مختلفة تمامًا، حيث كان محبا وبشكل أقرب الجنون لموسيقى وأغاني ورقصات ملك البوب «مايكل جاكسون»، تناقض يحضره عمرو سلامة إلى الشاشة في نفس التوقيت الذي تطالعنا فيها أخبار عقاب وزارة الأوقاف لأحد الشيوخ الذين تورطوا في غناء أغنية لأم كلثوم على شاشة إحدى القنوات المصرية.
هي فكرة حقيقية وتناقض له جذوره في الواقع إذن، نجح سلامة في هذا، ولكن هل استمر هذا النجاح على مستوى معالجة القصة؟، وهل استحق الفيلم أن يخطف ترشيح مصر للأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي؟
تقديم متميز لعالم الفيلم
قسم عمرو سلامة فيلمه على بعدين زمنيين؛ الحاضر حيث نرى الشيخ، والماضي حيث نرى جاكسون. في الحاضر اعتمد سلامة على لقطات مصورة من أعلى، ربما كان يحاول أن يصور هواجس الشيخ النفسية، انشغاله الدائم بالإله، محاولته الدائمة لصبغ كل أفعاله وأقواله بصبغة دينية.
الشيخ يخبر زوجته التي جسدتها «أمينة خليل» أنه يحبها لأنها تحب الله أكثر من حبها له، يفكر الشيخ في الموت أكثر من تفكيره في الحياة، كما يفكر في يوم الحساب في كل لحظة، حتى أنه يرتدي خاتمًا إلكترونيا يحسب من خلاله حسناته وسيئاته أول بأول. وحينما يذهب لطبيب نفسي تجسده «بسمة» يرفض أن ينظر إليها لأنها لا ترتدي حجابًا.
في الماضي ينقلنا سلامة للقطات قريبة بعيون بطله الذي يكتشف الحياة، يحاول تذكر لون شعر والدته، ملامح الفتاة التي أحبها، لقطات دافئة بألوان السيبيا، ورقصات حية يحاول من خلالها تقليد حركات ملك البوب. يستخدم سلامة النقلات بذكاء بين حاضره وماضيه، ويظهر لنا من خلال تكنيك التصوير المختلف تنقل بطله بين الشغف والخوف، الحياة والموت.
الشيخ / الأب/ جاكسون
قدم الثلاثي «أحمد الفيشاوي»، و«ماجد الكدواني»، و«أحمد مالك» أداءات تمثيلية موفقة للغاية، هم بالفعل أفضل اختيار فعله عمرو سلامة في فيلمه. الفيشاوي بماضي مر فيه بمرحلة تدين شبه سلفية قدم لنا واحدة من أفضل الشخصيات التي جسدت الشيخ في السينما المصرية، شاب إسلامي حقيقي على الشاشة، الفيشاوي يرتل القرآن والأدعية طوال الفيلم بطريقة جيدة توفر للجمهور القدر الكافي من الإيهام.
مالك يقدم شخصية البطل في مرحلة المراهقة وبدايات الشباب، بتوتره وخجله الدائم، محاولاته لجذب اهتمام فتاة يحبها، وشغفه بمايكل جاكسون، مالك هنا يقدم أداءً متميزًا ليكمل سلسلة متنوعة من الشخصيات التي أداها في الفترة الأخيرة، بالطبع هو مختلف تمامًا عن شخصية الفتى الشعبي في «اشتباك»، كما أنه على النقيض من شخصية الفتى الأرستقراطي في «لا تطفئ الشمس».
الكدواني كالعادة يقدم أداءً حقيقيًا دون افتعال أو مبالغة، هنا هو أب مصري تقليدي، يربي ولده بدرجة معتادة من القسوة التي يظنها أباء كثيرون ضرورية لخلق رجل، الكدواني يثبت في كل مرة يظهر فيها على الشاشة أنه من بين أفضل المجسدين في الجيل الحالي، إن لم يكن أفضلهم.
فرصة عمرو سلامة الأقرب
كل هذه الأداءات الجيدة بالإضافة لفصل أول محكم على مستوى السرد وقطعات المونتاج جعلنا ننتظر أن يكمل عمرو سلامة فيلمه بنفس القوة ويتلافى أخطاءه الماضية، سلامة دائما ما يقدم فكرة جيدة ولكنه يفوت فرصته في معالجتها بالدرجة الكافية من العمق، يذهب بنا إلى الشاطئ ولكنه يكتفي بأن تمس المياه أطراف أصابعه، كان قريبًا هنا من الغوص أخيرا، وهذا لثلاثة أسباب.
الأول أنه ولأول مرة يصنع فيلمًا عن فكرة أصلية تمسه هو شخصيا، سلامة، وهو أحد مواليد المملكة العربية السعودية، مر كما هو معروف بفترة تدين كان فيها أقرب للشكل الإسلامي الجديد، تلك الفترة التي شهدت نجومية «عمرو خالد» واقتراب مجموعة من الفنانين منه بشكل كبير، كان سلامة من بينهم بالإضافة أيضًا لبطل الفيلم أحمد الفيشاوي، فكرة شخصية مؤثرة هي أكثر ما يمكنك أن تحلم به لخلق فيلم يبقى.
الثاني أن سلامة ولأول مرة أيضًا قد توقف عن منح إجابات واضحة وقاطعة في خطاب أقرب للوعظ، كما اعتدنا منه في أفلام سابقة حينما كان يكشف عن كل التواءات حبكته في النهاية ليغلق كل المنافذ على الجمهور في المشاركة في مد خط الحكاية ومحاولتهم عكسها على ذواتهم. تجاوز سلامة هذا أخيرًا وهكذا يمكن لفيلمه أن يصل لأرواح الجمهور ببساطة.
والثالث أن الفيلم إنساني بامتياز، سؤال الموت والحياة، البحث عن الإله، والشغف بالفن في مقابل القيود الدينية، كل هذه أفكار إنسانية عالمية، سيشعر الكثيرون باختلاف جنسياتهم بالتأثر حينما يرون رجلاً ملتحيًا بجلباب يجاهد نفسه، ثم يطلق العنان أخيرًا للحظة من الحرية والشغف بالموسيقى التي يحبها.
ما الذي افتقده سلامة إذن؟
عنصر واحد مهم، «دافع لتطور الأحداث»، افتقدت معالجة سلامة التي كتبها برفقة «عمر خالد» السيناريست الشاب صاحب فكرة الفيلم، إلى محرك الأحداث، قدمت المعالجة لنا دافعًا لتحول جاكسون إلى شيخ وهو قسوة والده وهو دافع وارد وحقيقي وإن كان كليشيهيًا، ثم انتظرنا الدافع الخاص بدفع الشيخ في الاتجاه العكسي تجاه جاكسون مرة أخرى، استحضر عمرو سلامة مايكل جاكسون نفسه من أجل هذا، وذلك من خلال لحظة إعلان خبر وفاته، هذا هو المحرك الأساسي في الفيلم ولكننا للأسف حظينا بصورة باهتة وبعيدة تمامًا عن حضور مايكل.
افتقدت كأحد محبى ملك البوب لموسيقاه الأصلية، لحضوره على الشاشة، استعان سلامة بموسيقى ألفها «هاني عادل» وبراقص شبيه بمايكل جاكسون في أواخر أيامه ولكن كليهما كان بعيدا للغاية عن روح مايكل التي من الممكن أن تلهمنا وتجعلنا نصدق أن هذا الشيخ الورع سيعود لشغفه القديم.
تلا هذا الفقد غياب آخر لدافع تطور شخصية الأب الذي مثل «مضاد البطل» في الفصل الأول، رأينا شخصا آخر على المستوى الاجتماعي والنفسي في نهاية الفيلم، ولم نعرف كيف تحول رجل غير مهندم وقاسٍ إلى رجل أرستقراطي يملك بيته بارًا في الهواء الطلق!.
خطوة للجانب على طريق الأوسكار
قدم سلامة لنا تناقضًا جديدًا إذن في مشروعه الجديد، كانت ربما أقرب محاولاته لبدء مشروع إخراجي خاص بعد تنقله بين أشكال إخراجية متنوعة في أفلامه السابقة، ربما لم تكتمل المعالجة بالشكل الذى كنا نتمناه.
كانت محاولة اشتباك للمخرج والكاتب «محمد دياب» أقرب إذن في الدورة السابقة، بمحتوى إنساني أيضًا، بمعالجة بلا فجوات كبيرة، وطريقة سرد مختلفة.
هل ستكون فرصة ضائعة جديدة أم بداية لمشروع ناضج لمخرج متميز على المستوى التقني؟، هل سيتأثر الجمهور العالمي بهواجس الدين والدنيا وحكايا الشيوخ التي تحب الموسيقى لدرجة تنسيهم فجوات الحبكة؟، هذا ما سنعرفه بعد العرض التجاري للفيلم مصريًا وعالميًا، وهذا ما سيجيب عنه عمرو سلامة في المستقبل.