مسلسل «She-Hulk»: كل ما يجب تجنبه عند كتابة شخصية نسائية
في مقال بعنوان «أكره الشخصيات النسائية»، تصف صوفيا مكدوجال طبيعة الشخصيات النسائية والرجالية، كيف يكتب صناع المحتوى المرئي التلفزيوني والسينمائي شخصيات الرجال لتكون مثيرة للاهتمام، معقدة، قوية حينًا ومغلوبة على أمرها حينًا، بينما يكتبون الشخصيات النسائية بوصف واحد: «قوية»، ليس من المهم أن تكون مركبة أو متكاملة، يكفيها فقط أن تكون قوية، قادرة على سحق جيش من الرجال أو على الأقل قادرة على إنقاذ نفسها من دون الحاجة إلى بطل رجل ينقذها، أصبحت الشخصية النسائية القوية مجرد شخصية جاهزة Stock Character تعمل كمضاد لشخصية (الفتاة في محنة) التي ميزت الثقافة الشعبية لفترة طويلة من الزمن، في الأعمال الفنية التجارية يصعب إيجاد خيارات غير جاهزة ومعلبة، إما تكون الشخصية قوية تنقذ نفسها، إما في محنة يتم إنقاذها، كل التفاصيل والفروق الدقيقة التي تجعل شخصية ما نابضة بالحياة يتم حذفها وتجاهلها.
يقدم مسلسل شي هالك أو هي هالك She- Hulk: Attorney At Law آخر إضافة لعالم مارفل التلفزيوني شخصية جينيفر ووترز، جينيفر محامية ناجحة، امرأة جدية، ذات جمال طبيعي لا يلفت النظر إلى نفسه، تفكر فقط في مستقبلها المهني ويومياتها في مكتب المحاماة، تبدو حياتها عادية ومملة لكن لديها عائلة ليست عادية، فهي ابنة عم بروس بانر أو هالك الخارق، أحد «أعضاء المنتقمون» الذي يتحول وقت انفعاله لمخلوق ضخم لا يتحكم في غضبه، تلتفت إلينا جينيفر لتخبرنا عن صعوبة العمل في مكتب محاماة يحكمه الرجال، وعن فقدانها الأمل في إيجاد شريك حياة ملائم.
جينيفر مثلنا، مثل نساء العالم جميعًا، تعيش في عالم تتلمس خطواتها به وكونها امرأة ناجحة يرجع لخوضها كثيرًا من المعارك، لكن جينيفر ليست مثلنا، فلقد تحولت مثل قريبها بروس إلى مخلوق خارق القوة يتغير عند الغضب، على عكس بروس تستطيع جينيفر بسهولة التحكم في مواقيت تحولها وتضبط التوازن المثالي بين شخصيتها كجينفر وشخصيتها في صورتها الخارقة، لكنها ليست مثلنا في مواضع أخرى أيضًا وهي أنها ليست شخصية في الأساس، هي تجميعة من الأنماط التي يعتقد كاتبا الأعمال التلفزيونية أن النساء يتوحدن معها، امرأة ثلاثينية تعاني مع الرجال في أمور الحب والعمل والقتال، فهل تمثل جينيفر ووترز/شي هالك نموذج بطلة خارقة ناجحة وشخصية نسائية قوية؟
القوة في مقابل الضعف
يبدأ شي هالك بتعريفنا على جينيفر (تاتيانا ماسلاني) في مقر عملها، يقدم لنا شخصيتها المرحة الذكية ويرمي تلميحات لوقاحة زملائها الرجال في المكتب، يمر على ذلك بشكل سريع ثم تبدأ الأحداث الحقيقية بظهور بروس (مارك رافالو)، بعد تعرضهما لحادث تصبح جينفر مزدوجة الهوية لكن هويتها مدمجة وليست منفصلة مثل معظم الأبطال الخارقين خصوصًا المتحولين بشكل جيني منهم، تتقن جينيفر كل ما أخذ سنوات لبروس أن يتقنه في دقائق، تتحكم في غضبها وتحولاتها، تملك قوة أكبر ومظهر أكثر تناسقًا، يستخدم العمل تلك النقاط ليشير لنضج جينيفر واكتمالها الشعوري على عكس بروس الذي يتصرف بشكل أكثر استثارة وغضبًا وطفولية، وهو ما يمكن اعتباره تعليقًا على طبيعة الرجال والنساء، انتقاد ساخر لتلك الصراعات البدائية بين الجنسين، لم يبتكر العمل تلك الديناميكية التي تولد كوميديا طفولية لكن أخذه من القصص المصورة التي صدرت في التسعينيات، دون تعديلات سوى في زمن وقوع الأحداث وإضافة مزحات تتعلق بالثقافة الشعبية الحالية.
تتولى قيادة العمل الكاتبة جيسيكا جاون وتخرج معظم الحلقات وتشارك في الكتابة كات كويرو، تتجنب ديزني إعطاء مهمة كتابة شخصية نسائية لرجل وتسلم المهمة لامرأتين، الأولى تملك تاريخًا مهنيًا في العمل على مسلسلات ناجحة منها ريك ومورتي، والثانية تشتهر بالعمل في إطار الأعمال الرومانسية الكوميدية، وهو التوازن الذي يسعى إليه المسلسل، لكن لسبب ما تظهر شخصية جينيفر ووترز وكأنها كتبت على يد أناس يعرفون النساء فقط عن طريق منشورات «تويتر» و«فيسبوك»، وكأنهم لم يقابلوا نساء على أرض الواقع، لا يبدو أن لجينيفر أي نقاط ضعف واضحة، غير ربما بعض القلق وعدم الثقة في النفس لكنها دون ذلك امرأة مثالية تملك كل شيء بالقدر المطلوب، يبدو أن ذلك كل ما اعتقد صناع العمل أنهم يحتاجونه لكتابة شخصية نسائية، فهي شخصية نسائية قوية بالمعنى الحرفي لا الدرامي، ويعتمد التناول النسوي لها على ترهيب الآخرين من كراهيتها لأن ذلك سوف يعني أنهم معادون للنساء، وهو وارد بالطبع، فهنالك موجات غضب واعتراض متعددة على «تشويه» عالم مارفل الذكوري القوي والتركيز على الصوابية السياسية.
لكن جينيفر ووترز في حقيقة الأمر ليست شخصية نسائية قوية، ولا شخصية نسوية أو مكتوبة بتوجهات نسوية، هي شخصية كسولة ونوعية، غير مثيرة للاهتمام أو التعاطف الحقيقي ليس لأنها شخصية سيئة لكن لأنها شخصية ثنائية الأبعاد، يصعب التوحد مع مخاوفها أو صراعاتها في هويتها الجديدة لأنها ليست كما تعتقد، وما تعتقده أنها تفهمنا، وأن حوارها المباشر للشاشة الذي يتضمن نكات عن «تويتر» وحياة النساء العاطفية في الثلاثين سوف يجعل المشاهدات يشعرن أنهن مرئيات أخيرًا، وأن هناك من يفهمهم بينما لا يضيف ذلك أي شيء غير إضعاف الشخصية أكثر، فقد نفذت حلول الدراما الداخلية ولم يبق إلا نكات الإنترنت القديمة المتوقعة.
غير العادي في مقابل العادي
لم يخترع العمل كسر الحائط الرابع، بل اعتمد على شيئين أولهما المرجعية الأصلية في القصص المصورة، اعتادت جينيفر التحدث إلى القراء كذلك وإطلاق النكات، كما اعتمدوا على شهرة ذلك الشكل من الأعمال التلفزيونية والسينمائية وبخاصة التي تتولى بطولتها نساء وأشهرها بالطبع فليباج Fleabag المسلسل الصادر عام 2016، بزغ كسر الحائط الرابع على السطح مرة أخرى وأصبح جهازًا سهل الاستخدام بعد نجاح فليباج، كتبت فيبي والر بريدج شخصيتها ومثلتها على الشاشة، وكونت مع الوقت وعلى مدار موسمين علاقة وطيدة وحميمية مع من يشاهدها، امتلكت الشخصية عيوبًا وضعفًا وهشاشة هائلة جعلتها شخصية نسائية قوية دراميًا وليست فقط قوية جسديًا أو شعوريًا.
لا تنجح جينيفر ووترز في إيصال نفس القرب الحميمي لأنها فوقنا بشكل ما، هي خارقة ونحن لا، بل تصبح اللحظات التي تنظر فيها إلينا لحظات تطفل وليست مشاركة شخصية، تعلق جينيفر على العمل نفسه وتلقي الطرفات على انتظار الجمهور لضيوف الشرف الشهيرين من مارفل وكأن المسلسل واع بذاته، لكن ذلك الوعي بالذات ينقصه الصدق والوعي بالوضع العام ووضع مارفل في نظر جمهورها، فهنالك خفوت هائل للعالم السينمائي كله، وكل ما حذر منه سينمائيو العالم الذين تعرضوا للسخرية يحدث على أرض الواقع، يتساقط شيئًا فشيئًا الجدار الجماهيري الذي كان لا يقهر فور تردي «المحتوى»، ويفقد أعتى مشجعي السلسلة اهتمامهم لأن صناع الأعمال يزيدون العوالم تعقيدًا بينما تفقد الشخصيات تعقيدها.
تقع جينيفر ووترز في مساحة نادرة أو غير مطروقة بالشكل الكافي في عالم الأبطال الخارقين، فهي بشكل أو بآخر «عادية»، في ما يخص المظهر وطبيعة الحياة اليومية، هي ليست ناتاشا رومانوف (الأرملة السوداء) التي يميزها جمال خارق وماض مظلم وغامض، وليست كابتن مارفل التي تملك قدرات فوق أرضية وجسد رياضي وتاريخ معقد، هي شخص عادي، أرضي، يملك مشاكل أرضية، في القصص المصورة يلعب ذلك دورًا كبيرًا في تحول جينيفر فهي على مستوى ما ترى نفسها عادية تريد أن تكون أكبر، أجمل وأكثر إثارة للاهتمام، وتحقق لها هيئة هالك هذا التمني، ينتقل ذلك إلى الاقتباس التلفزيوني بشكل ما، فحياة جينيفر العاطفية والمهنية تتحسن عندما تصبح ذاتها المعدلة، فيتكون ذلك الربط بين الجمال والقوة، العادي وفوق العادي.
يتسم بناء (شي هالك) الدرامي على مدار نصفه الأول بعدم الاستمرارية، في كل حلقة يظهر تحد جديد، قضية جديدة ننتظر حلول جينيفر الذكية لها، ضيف شرف جديد لا يملك التأثير المنتظر، لكن لا يمتد أي خط على مدار الحلقات، ربما لطبيعة العمل الخفيفة والكوميدية، لكن مع مرور الوقت يبدو وجود المسلسل كله مثل بعض ما سبقه تمهيد لتقديم شذرات من أعمال مستقبلية، لكنه في ذاته لا يملك أي تأثير يمكن أن يمتد ثقافيًا أو شعبيًا، ويضيع مواهب المشاركين فيه في سيناريو يدعي أنه يعرف عمن يتحدث لكنه يمثل رؤية أشبه برؤية الذكاء الاصطناعي لما يواجه النساء كل يوم.