منذ الوهلة الأولى ومنذ أن يبدأ تتر المسلسل يتوقع المشاهد أن «خالد الصاوي» سيضيف جديدًا لرصيد أعماله المتميزة، كما نرى من نظرته التي بها إرادة وحسم، والملابس غير المعتادة والشعر المستعار. كما يظهر أيضا أنه دور آخر لـ«ليلى علوي» تجسد فيه شخصية فتاة جميلة رومانسية وحالمة وصغيرة في السن!


تيمة الضمير: القديمة الجديدة

يعتمد العمل تيمة الضمير الذي يتجسد في صورة إنسان أو شبح أو خيالات تأتي للإنسان فتنبهه من غفلته وتأخذه إلى المسار الصحيح. وفي حين أن الفكرة برُمتها خيالية جدًا لكنها تشير إلى الصراع الأبدي داخل الإنسان بين مغريات الحياة التي تجذبه نحو جمع المال وشهوة المنصب والشهرة وبين ضميره الذي يحاول جذبه إلى الفضيلة التي غالبا لا تؤدي إلى أي مكسب حسي ملموس.

الفكرة أو الحبكة ليست فقط فكرة جديدة ولكنها تلبي احتياج المشاهد للرومانسية في أطهر صورها وهي الحب بلا أمل بين رجل أو شبح، وامرأة لا يعرف أحدهما شيئًا عن الآخر ولا يرجو نتيجة لهذا الحب، وكذلك فكرة رجوع الإنسان للحق بعد لحظات من الغفلة.

بطريقة «الفلاش باك» يبدأ المسلسل بالحاضر ثم يتطرق لأحداث الماضي بين الحين والآخر، لنعرف أن ليلى علوي أو «كرمة» محامية نابهة ولكنها مليئة بالتناقضات، كانت تعالَج بمصحة للأمراض النفسية بسبب حادث أودى بحياة والدها الذي كان يعمل محاميا اتسم دائما بالنزاهة، وكذلك ابنته الوحيدة.

تسير حلقات المسلسل ببطء لنرى أن خالد الصاوي أو «دافنشي» والذي يمثل صوت الحق والضمير في هذه الحالة يظهر لكرمة وحدها، تراه بوضوح وتتحدث معه لكن لا يستطيع أحد غيرها رؤيته. تصدق «كرمة» حدسها ولكن مع تيقنها من وجوده تريد أحيانا أن تخرس صوته فلا تسمعه كي لا يعوقها عن جمع المزيد من المال أو حصد الشهرة، فنراه يقول لها:

أنا الشريان اللي لسه بيدق في قلبك الإبرة اللي بتشك في ضميرك، أنا روحك اللي عايزة تدفنيها تحت تراب العز والفلوس، اللي مش ممكن تموتيها بسكينة مشرشرة، ولا تحرقيها بعود كبريت ولا تسكنيها بحبة مهدئ.

يعرض العمل كيف يمكن لإغراء المال والاستغراق فيه أن يغير نظرة الإنسان ومبادئه، بل وحكمه على الأمور، وكذلك كيف يمكن أن تصبح مهارة الإنسان وبالًا عليه عندما يقع بين مطرقة الضمير وسندان المال، ويسقط في الفخ المفروش له بالورود.

فهل يمكن فعلًا أن يتلقى الإنسان رسائلَ توقظه من غفلته لترشده وتهديه؟ وهل تستطيع فعلا الانتصار على شهوات النفس ووساوس الشيطان وتزيين المحيطين به؟ أو كما وصفها «دافنشي»:«التوفيق هو أن يمنعك الله من الشر وأنت تسعى إليه، ويدفعك إلى الخير دفعًا وأنت لا تسعى إليه».


السيناريو: معضلة النص والأداء

عند النظر إلى الحوار في المسلسل، نجده ثريًا جدًا في بعض المواضع، خاصة بعض المقولات المختصرة البليغة التي يلقيها دافنشي، بينما نجده مملا ومستهلكا في مواضع أخرى، ربما لضرورة ملء 30 حلقة. وبرغم الفكرة غير التقليدية للقصة والتي تعتمد على الاثارة، إلا أن أحداث المسلسل جاءت بطيئة جدا في بعض الأحيان، بما لا يتوافق مع فكرته أو توقع المشاهد، ولكن بحبكة درامية مقنعة.

يجسّد خالد الصاوي أكثر من شخصية في ذات الوقت، وهي مهارة لا يحسنها الكثيرون، وربما كان ذلك مناسبا لا سيما بعد الأداء المميز له في فيلم «الفيل الأزرق» والذي جسد فيه كذلك شخصيتين ببراعة. هذا بالإضافة لأدوار غير تقليدية ومميزة مثل دوره في فيلم «الجزيرة» بجزأيه، وتجسيد التحول الذي حدث لضابط قبل وأثناء وبعد ثورة يناير. لذا كان مناسبًا أن يجسد شخصية «دافنشي» والذي نراه تارة حكيمًا واعظا مفوهًا ينصح «كرمة» ويملي عليها ما يجب عمله، وتارة أخرى نراه مستسلمًا في المعتقل لا يرجو شيئا سوى الموت.

نرى كذلك أن أداء الممثلين تنوع؛ فنجد «ليلى علوي» بأداء ثابت إلى حد كبير رغم اختلاف المواقف والسياقات، فنراها مثلا بأداء غير مقنع عند الظهور الأول لشبح «دافنشي»، والذي حاولت فيه تجسيد مشاعر الخوف لكن لم يصل للمشاهد أيا منها، كذلك عند الفرح الشديد أو الفزع الشديد نجدها تقريبا بنفس تعبيرات الوجه. بينما اجتهدت «مي سليم» في دور مساعدة البطلة أو الصحفية «داليا» لتؤدي شخصية ربما مختلفة عما قدمت قبل ذلك، فجاء الأداء جيدًا.

أما «أحمد سعيد عبد الغني» والذي يجسد دور خطيب كرمة، فجاء بأداء باهت ومكرر وقد صبغ شعره باللون الأبيض ليبدو مناسبا لسن خطيبته التي لا يخفي على أحد فارق السن بينهما، ليقوم بدور قام به في عدة مسلسلات سابقة مثل «الحقيقة والسراب» وغيره، وهي شخصية الحبيب الماهر في خداع حبيبته حتى النهاية؛ بنفس الحركات والسكنات التي قام بها في أدواره السابقة.


هل كان في الإمكان أفضل مما كان؟

في حين برز «خالد الصاوي» بأداء قوي كما هو متوقع منه، لم توافق «ليلى علوي» التوقعات وخرجت من التجربة بغير مكسب.

توحي حلقات المسلسل بأن «كرمة» متمسكة بصوت الضمير متمثلا في «دافنشي» ولكنها أيضا تعشق الشخص وهو ما تجلى واضحا عند أول لقاء حقيقي بينهما، لكنها في نفس الوقت متمسكة بخطيبها وتحبه، وهو ما لا يمتُّ للمنطق بصلة! وفي ذروة ضياع كرمة وحيرتها، يأتي «دافنشي» في حضرة صوفي في رؤية تعتبرها كرمة تأكيدًا لشغفها به وإشارة من الله إلى أن تصغي إليه.

ربما كان من الأفضل أن تستغل هذه اللمحة الصوفية البسيطة بشكل أفضل، بحيث تكمل الحالة الغيبية التي يجسدها المسلسل من ناحية، ومن ناحية أخرى تعرض لجانب من التصوف يثير شغف الكثيرين وهو الخروج من عبادة الظاهر لحب الله والخوف منه.

يقع المسلسل للأسف فيما تقع فيه أغلب المسلسلات التي تعرض في رمضان، من المطّ لاستكمال الـ 30 حلقة، مع المبالغة في عرض فخامة الأماكن التي يمتلكها أبطال المسلسل، مثل مكتب المحامي الذي تعمل لديه كرمة، وكذلك القصر الذي تسكن به، والمبالغة الشديدة في ملابسها وطريقة تصفيف شعرها حتى في حال نومها أو زيارة قسم الشرطة على الطريقة المعهودة في الدراما المصرية.

كما تمثلت أهم مواطن الضعف بالمسلسل في فكرة رومانسية ساذجة بعض الشيء لا تقل خيالا عن فكرة وجود الشبح الملهم، وهي صحوة الضمير مهما كلف الثمن، والوضوح الشديد للخير والشر وهو شيء لا يمكن حدوثه بهذه البساطة والحدية في الواقع. فالخير والشر ليسا دائما بهذا الوضوح، والشخص المتورط مع الأشرار لا يمكنه بهذه السهولة الخروج من دائرة الشر والعودة لحياته الطبيعية بلا خسائر.

في نص جديد لحبكة قديمة استطاع مسلسل «هي ودافنشي» أن يحقق بعض النجاح، لكنه لم يخلُ من مواضع للضعف والقصور، وهو ما يدفعنا للقول بأنه بالفعل كان بالإمكان أفضل مما كان.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.