الاقتصاد التشاركي: كيف يتغير العالم من حولنا؟
إن «اقتصاد المشاركة» هو حركة شعبية ريادية تستخدم شبكة الإنترنت لتنظيم الاستهلاك بطريقة مختلفة عما كان في القرن العشرين والنظام الاقتصادي التقليدي. بطريقة أكثر استدامة من أجل مواجهة الاستهلاك المفرط المتهور والإنتاج الضخم غير الضروري، وبمعنى آخر فإنها تريد دمج المسئولية الاجتماعية والإنصاف والوعي المجتمعي في عملية الاستهلاك، بهدف القضاء على الطموحات الرأسمالية الجامحة للنظام الاقتصادي الصناعي.
لم يعد مصطلح «الاقتصاد التشاركي»، الذي يُعرف أيضًا باسم «اقتصاد التعاون»، أو «الاستهلاك التعاوني»، أو «اقتصاد المشاركة»، أو «اقتصاد الواحد لواحد»؛ ظاهرة جديدة، حيث يتجه المزيد من الأفراد نحو تقاسم الموارد، والخدمات، والأفكار، والمعلومات، وغيرها.
الاستهلاك التعاوني أو اقتصاد المشاركة أو الاقتصاد التشاركي، هو ممارسة لتشارك الموارد البشرية من خلال خدمات فرد لفرد، والاستعاضة عن الملكية التقليدية بالتقاسم والإقراض والاقتراض.
يسمح هذا النموذج الاجتماعي الاقتصادي للشركات بتخفيض تكاليف خدمات معينة للعملاء بشكل كبير، وزيادة الإيرادات عن طريق إلغاء النفقات مثل الأصول غير المنقولة والاستثمارات الأخرى، كما أنه أسلوب للاستفادة من الأشياء غير المستخدمة، وقوة العمل، والموارد التعليمية، والصحية.
ويمكن القول إنه وسيلة لتخفيف حقوق ملكية الأشياء وتعزيز حقوق استخدامها، من أجل تقاسم الموارد والمواد والتقنيات الخاصة، غير المستغلة أو الزائدة عن الحاجة، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة.
عدوى «الاقتصاد التشاركي»
ازداد عدد الأفراد المشاركين في الاقتصاد التشاركي من خلال الخدمات عبر الإنترنت، مثل: Airbnb (استئجار شقة / منزل)، أو Lyft و Zipcar لاستئجار السيارات، أو TaskRabbit لدعوة شخص للقيام بمهمة معينة في منزلك. وهي أسواق جديدة نسبيًّا وسريعة النمو.
وهناك العديد من المشاريع الجديدة المستمرة في النمو بمعدل مطرد حول العالم، مثل Vinted لتبادل الملابس، وSpinlister لتأجير المعدات الرياضية، وDogVacay لطلب جليسات للكلاب.
ومع تطور الاقتصاد التشاركي يزداد عدد الأشياء التي يتشارك الناس في استخدامها؛ من السيارات والشقق، إلى أصحاب المهن المختلفة، ومن الأشياء الملموسة إلى الخدمات غير المادية؛ لذا يظهر مزيد من أصحاب المواهب المتعددة، وهم يمارسون أعمالًا مستقلة. وتظهر في السوق منصات للربط بين فرص العمل وهؤلاء الأشخاص، مثل skillshare.
الصين تُغيِّر العالم
لقد أوضح «كارل جيرث» في كتابه «على خطى الصين يسير العالم»، كيف يمكن لنمط الاستهلاك الصيني إحداث تغييرات في نمط الاستهلاك في العالم ككل. حيث يشعر كثير من الشبان الصينيين حاليًّا بالامتلاك المفرط للأشياء كنظرائهم الأمريكيين؛ لذلك فهم يُفضِّلون الشراء عبر شبكة «تاوباو». يستخدم كثير منهم منصة «شيانيو» لتبادل الأشياء غير المستغلة، وقد تأسست هذه المنصة في عام 2014، لتوفير خدمة تبادل الأشياء غير المستغلة، وتقاسم التقنيات والعلوم، والمزادات والتأجير.
لقد غيَّر الاقتصاد التشاركي نمط حياة الصينيين في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، في مجال النقل والمواصلات، ظهرت تطبيقات طلب سيارات الأجرة مثل DIDI، وتطبيقات استخدام الدراجات العامة مثل Mobike، وسوف يشارك المزيد من الأفراد بالإضافة إلى المزيد من الشركات الصغيرة والمتوسطة في اقتصاد المشاركة والاستفادة منها.
في عام 2013 بدأ تشغيل منصة PP لتأجير السيارات في الصين، للارتقاء بفعالية وسائل النقل عن طريق تنظيم استعمال السيارات الخاصة غير المستخدمة. بهذه الطريقة، يحصل صاحب السيارة على ربح، وفي الوقت نفسه يمكن تعزيز قوة النقل في المدن. ويماثل تطبيق شياوتشو في الصين، تطبيق Airbnb في الولايات المتحدة، حيث إن لديه مائة ألف شقة للتأجير، في أكثر من 250 مدينة، وحقق أكثر من مليار يوان من الربح في عام 2016.
كما ظهرت تطبيقات كثيرة لطلب خدمة الطبخ في المنزل. تساعد هذه المنصات في الاستفادة من قوة العمل في المجتمع بشكل أكثر فعالية، وتوفير فرص عمل لكثير من المسنين. على سبيل المثال، هناك بعض المسنين يعملون طباخين غير محترفين في أوقات الفراغ. هم يُجهزون الأطعمة للموظفين المشغولين.
وقد تمت الإشارة إلى «تنمية الاقتصاد التشاركي» لأول مرة في مشروع الخطة الخمسية الثالثة عشرة، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، الأمر الذي يوضح إدراج تنمية الاقتصاد التشاركي في الخطة الاستراتيجية الصينية. وفي مارس/أذار عام 2016، أشارت «اقتراحات إرشادية لدفع الاستهلاك الأخضر»، التي صاغتها لجنة الدولة للتنمية والإصلاح وعشر دوائر حكومية، إلى ضرورة دعم تنمية الاقتصاد التشاركي، وتشجيع استعمال الأشياء غير المستخدمة.
ووفقًا لتقرير صادر عن مركز بحوث الاقتصاد التشاركي التابع للمركز الوطني للمعلومات، وصل حجم المعاملات في سوق الاقتصاد التشاركي في الصين إلى 492.05 مليار يوان صيني بزيادة نسبتها 47.2% عن عام 2016، ووصل عدد المنخرطين في الاقتصاد التشاركي إلى 700 مليون نسمة، بزيادة قدرها مائة مليون نسمة عن العام السابق.
كما بلغ عدد العاملين 7.16 مليون عامل، ما يعني أن من بين كل مائة وظيفة جديدة في الصين هناك 10 يعملون في اقتصاد المشاركة. وقد بلغ عدد الشركات الصينية العملاقة 60 شركة حول العالم من إجمالي 224 شركة (unicorn) بنهاية عام 2017. ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد التشاركي في الصين بنسبة 40% تقريبًا سنويًّا.
الوجه القبيح
بالرغم من المزايا المتعددة للانخراط في أنشطة الاقتصاد التشاركي والمكاسب الفعلية والمتوقعة نتيجة توسع تلك الأنشطة لا سيما في الصين، فإن الواقع يبدو صعبًا، خاصة أمام الشركات الصغيرة، وقد توقف بعضها عن العمل بالفعل، مثل شركتي Wukong Bike و3Vbike، بعد سرقة الدراجات أو تعرضها للتلف، بينما فقدت شركة E Umbrella 300 ألف مظلة في أقل من ثلاثة شهور.
أما المثال الأبرز لعدم الاستقرار، فهو شركة «أوبر»، فقد خسرت 2.8 مليار دولار في 2016، في حين بلغ صافي الإيرادات 6.5 مليار دولار عن نفس العام، وطبقًا لشبكة CNBC، فقد ارتفعت خسائر «أوبر» بنسبة 61% عام 2017، لتبلغ 4.5 مليار دولار.
وقد تمت تصفية أنشطة الشركة في الصين بسبب المنافسة المحلية الشديدة، بالإضافة إلى الاضطرابات والفضائح (اتهامات بتحرش جنسي وسرقة وغيرها) والإدارية، التي أدت إلى استقالة المدير التنفيذي. ومن ناحية أخرى فقد تم رفع دعوى قضائية ضد «أوبر» لاتهامها بسرقة أسرار متعلقة بتكنولوجيا القيادة الذاتية من قبل شركة Waymo التابعة لجوجل.
وكما تستثمر «أوبر» ملايين الدولارات في أبحاث السيارات ذاتية القيادة، مما سيضطرها لتخصيص مبالغ كبيرة لشراء هذا النوع من السيارات. قد تأمل الشركة في طرد المنافسين من العمل مستقبلًا، ومن ثَمَّ رفع الأسعار، والمثير أنها قد لا تستطع توفير رأس المال اللازم لحين حدوث لذلك.
معظم مشاريع المشاركة الاقتصادية الأخرى صغيرة جدًّا بالمقارنة مع أوبر، ولكن يبدو أن العديد منها يعاني من نفس المشكلة؛ حيث يجب أن تنفق أكثر من إيراداتها على الدعم والتسويق للحصول على المستخدمين والموردين.
سوف نعرف على وجه اليقين مدى جدوى هذه المشاريع على المدى الطويل مع مرور المزيد من الوقت، وعندما يصدر المزيد من المعلومات المالية المُفصَّلة، أو ببساطة ينفد رأس المال المغامر ويغلق.