ورحلت «شادية»: أسطورة الفن وأيقونة الإبداع
في مساء الثلاثاء الحزين 28 نوفمبر 2017، تناقلت وسائل الإعلام خبر وفاة الفنانة شادية عن 86 عامًا، قضت منها ما يقارب الأربعين عامًا في مشوارها الفني المليء بالأعمال السينمائية والغنائية. المشوار الذي بدأ عام 1947 بالمشاركة في فيلم «أزهار وأشواك» لحلمي رفلة، الذي يعتبر مكتشفها الأول، وانتهى برائعتها «لا تسألني من أنا» في 1984.
لن يكرر هذا المقال ما كُتب عن شادية عقب وفاتها من استعراض سيرة حياتها من الميلاد مرورًا باعتزال الفن وصولًا إلى لحظة النهاية، بل يستعرض أبرز أعمالها الفنية الذي يؤكد اختلاف أنماطها وقدراتها الفذة على التجسيد وتنويع الأدوار بصورة قوية، قلما نجدها في الفنانين الذين يعتاد أغلبهم على تقديم صورة نمطية واحدة في أعمالهم.
في البداية: فاطمة
هي فاطمة كمال الدين أحمد شاكر، ولدت في القاهرة بتاريخ 8 فبراير 1931م، لوالد يعمل مهندسًا زراعيًا، كان والدها ملهمًا لها بحبه للفن كما قيل عنه، تشجعت فاطمة لدخول الفن مع حلمي رفلة في «أزهار وأشواك»، وتعددت الأقاويل فيمن اقترح عليها اسم «شادية» الذي جاء اسمًا على مسمى، فهي ظلت تشدو معنا طيلة نصف قرن شاهد على بصماتها الرائعة في الحياة الفنية.
مراتي مدير عام
صدر عام 1966، شاركت شادية فيه البطولة مع زوجها الثالث، صلاح ذو الفقار، الذي تزوجته ما بين عامي (1964 – 1969).
الفيلم يستعرض وجهة نظر المجتمع الشرقي في عمل المرأة، فتصبح الزوجة بمحض الصدفة مديرة زوجها في العمل، ومن هنا وبشكل كوميدي يحاول الزوجان أن يخفيا علاقتهما عن الموظفين، حتى لا ينظر إليهما المجتمع نظرة سلبية، فكيف لامرأة أن تصبح مديرة زوجها في العمل؟
كما يستعرض الفيلم قضية البطالة المقنعة، حيث يتواجد عدد كبير من الموظفين في المصلحة الحكومية دون حاجة مهمة، وتتنوع أنماط حياتهم، فنرى الموظف الحكيم الكبير في السن الذي يحافظ على الصلوات والعبادات ويتجادل مع العامل حول الخلافات الفقهية خصوصًا مصافحة النساء: هل تنقض الوضوء أم لا؟ ونرى الموظف الذي يتكلم فيما يعرف وفيما لا يعرف، والموظفة التي تبحث عن زوج، والتائهون بين هؤلاء وهؤلاء.
في النهاية، ترضخ البطلة لتقاليد المجتمع وتعد زوجها بأنها ستظل في بيتها، وربما كانت تلك النهاية حلًا لإرضاء ذوق المجتمع.
شيء من الخوف
إحدى روائع السينما المصرية، وأحد أهم أفلام شاديتنا، والذي أخرجه حسين كمال عام 1969، عن قصة ثروت أباظة.
الفيلم، الذي قِيل إنه يعبر عن الحالة السياسية في عهد الرئيس عبد الناصر، يتناول قضية القوة والقهر، فنجد «عتريس» يرغم أهل البلد على طاعته في كل شيء، ويطلب «فؤادة» للزواج، ووالدها لا يقدر على الرفض، لتتحول «فؤادة» إلى أيقونة للثورة على «عتريس».
وهنا يظهر صوت الدين، المُمثَل في الشيخ «إبراهيم» والذي يرفض هذا الزواج، ويصبح هو الآخر أيقونة أخرى من أيقونات الثورة على «عتريس»، الذي يقتل ابن الشيخ إبراهيم في ليلة عرسه ليقود الشيخ أهل القرية إلى بيت عتريس، فيحرقوه وهو بداخله لتصبح النهاية الطبيعية للظالم.
أيقونة الفن المصري
في «مراتي مدير عام»، و«شيء من الخوف»، يظهر اختلاف واضح بين الدور الأول الكوميدي والثاني الجاد وتظهر معه عبقرية شادية.
قدمت شادية ما يزيد عن مائة فيلم، بينّت قدراتها الفائقة على تنويع الأدوار بشكل مذهل، ولو قُدر لها أن تستمر في مسيرتها الفنية، لظهرت لنا المزيد من الأعمال الاستثنائية.
تعاونت شاديتنا في أعمالها السينمائية مع أبرز مخرجي السينما المصرية، مثل فطين عبد الوهاب، وحلمي رفلة، كما أنها قامت بأدوار كبرى في تجسيد أعمال الأديب الكبير نجيب محفوظ، مثل دورها الرائع في «ميرامار» و«اللص والكلاب».
على المسرح، لم تقدم شادية سوى مسرحية واحدة «ريا وسكينة» عام 1980، مع سهير البابلي وأحمد بدير وعبد المنعم مدبولي، ومن تأليف بهجت قمر. ومع ذلك تحولت إلى أيقونة للمسرح المصري، ونجحت نجاحًا مبهرًا، كما لو أنها اعتادت الوقوف على خشبة المسرح عشرات المرات.
صوت من الجنة
لم تتوقف شاديتنا عند التمثيل فقط، فكثيرًا ما ارتبطت أعمالها السينمائية بالغناء خصوصًا الدويتو الشهير «حاجة غريبة» مع عبد الحليم حافظ في فيلم «معبودة الجماهير»، ولها مئات الأغاني التي ما زلنا نرددها مثل «يا حبيبتي يا مصر» و«يا أسمراني اللون» و«خلاص مسافر»… إلخ.
بعيدًا عن الفن
لم تستقر شادية في حياتها الزوجية، في المرة الأولى تزوجت من الفنان عماد حمدي فيما بين عامي (1953-1956)، ثم المهندس الإذاعي فتحي عزيز والذي تزوجته عام1957 واستمرت معه عامين تقريبًا، ثم صلاح ذو الفقار ما بين (1964-1969)، وفي قمة مجدها قررت الابتعاد عن دائرة الفن نهائيًا عام 1986 والتفرغ وأعمال الخير.
لم تكن شاديتنا موهبة عادية بل استطاعت توظيف قدراتها الإبداعية في أعمال رائعة، ما زلنا نتحاكى بها حتى الآن، فرحم الله الفنانة القديرة.