محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2018/05/15
الكاتب
بشير أبو منّة

لقد كان الهدف الأساسي من النكبة بالنسبة لإسرائيل هو إخفاء الفلسطينيين من الوجود، أو على أقل تقدير التخفيف من أعدادهم. وكان الفلسطينيون يواجهون خسارتهم وهم مجردون من أي حقوق أو أراضٍ لهم. وكان من المفترض أن ينصهر المحرومون في بحر الفقر العربي المحيط بهم وينسوا أراضيهم المحتلة والمدمرة. وبالتالي، كان مفترضًا أن تُجبِرَهم القوة على الخضوع والنسيان.

وبعد 70 عامًا فشل كل ذلك. لم تستطع إسرائيل أن تخفي الفلسطينيين. ففي الوقت الحالي يوجد الكثير من الفلسطينيين داخل فلسطين أكثر من ذي قبل، كما أنهم يطالبون بحقوقهم ولا يزال تعلقهم بوطنهم قويًا للغاية. وتظهِر الاحتجاجات الحاشدة مؤخرًا في غزة استمرار الفلسطينيين في إيجاد أساليب جديدة للنضال من أجل قضيتهم العادلة. ويعتمد ذلك على تاريخ طويل من التمرد الشعبي الشامل، بداية من الثورة الفلسطينية عام 1936. ويستمر الفلسطينيون في المقاومة وعدم التخلي عن طموحهم في العيش بكرامة في وطنهم الأم.

وترفض إسرائيل أن ترى تلك الحقيقة. وتنكر حقيقة «النكبة»، كما تنكر أن أراضي عام 1967 قد احتُلت بشكل غير قانوني، كما تنكر أنها تسيطر على جميع الجوانب الأساسية للوجود الفلسطيني. وتلقي إسرائيل باللائمة على الضحايا في كل شيء. ويغدو الفلسطينيون مسئولين عن معاناتهم وموتهم لأنهم لا يقبلون بالحقائق على الأرض ولا يريدون السلام ولا يعترفون بإسرائيل ويتشبثون بالماضي، ويستخدمون دروعًا بشرية، ولا يحبون أطفالهم ويعلمونهم الكراهية، ويدعمون حركة حماس والإرهاب، ومعادون للسامية، ويتبعون دينًا يتسم بالعنف مثل الإسلام.

لقد جنبّت مثل تلك العنصرية الاستعمارية والنرجسية القومية أن تقبل إسرائيل بأن الفلسطينيين هم بشر لديهم حقوق إنسان أساسية (إن لم تكن متساوية معهم). ويكون الإسرائيليون فقط هم من يستحقون الأمن والاستقلال والحياة الطبيعية. والفلسطينيون «أشباه البشر» يمكنهم العيش بأقل من ذلك بكثير.

في أية لحظة من «تاريخ إسرائيل» الممتد عبر سبعين عامًا (بما في ذلك سنوات معاهدة أوسلو)، امتنعت إسرائيل عن بث هذه الرؤية العالمية -ناهيك عن تحديها- لكن العكس هو الصحيح.

وشأنها شأن جميع الدول الاستعمارية تعيش إسرائيل على ما يُعرف بـ «مشروع الخوف». بمعنى أن الفضاء العام بات يمتلئ بالهستيريا عن الأعداء الذين يريدون «قتل اليهود»:

المعادون للسامية والعرب المكروهون وأشباه هتلر الجدد والقنابل الإيرانية.

وبعد هذه الحملات الإعلامية المكثفة واليومية يصعب على غالبية الإسرائيليين أن يكونوا بعيدين عن دولتهم أو جيشهم. لذا فإن الغالبية تفعل ما يُقال، وتلقي باللائمة في كل شيء على العرب. لذا ينتشر المزيد من القناصة ويُلقى المزيد من القنابل ويُرتكب المزيد من المجازر، بينما يهلل الإسرائيليون.

إلى متى من الممكن أن يستمر هذا الموقف؟ بعد 70 عامًا من حدوث النكبة والمزيد من سنوات النضال الفلسطيني، من المستحيل أن نكون متشائمين.

وعلى الرغم من أن الفلسطينيين باتوا مقسمين أكثر من ذي قبل ومحاصرين ومُسيطرًا عليهم ومعزولين بشكل أكبر عن بعضهم البعض، فإن لديهم قناعة راسخة بأن قضيتهم عادلة وأن نضالهم صحيح. ومع كل فلسطيني يُقتل وكل إهانة، يترسخ شعور متنامٍ بالثبات والقوة. وستدفع إسرائيل التكاليف السياسية لوحشيتها، ولن يمر ما ارتكبته من جرائم أو يتم نسيانه أو تجاهله.

بالنسبة لإسرائيل، لا يمكن أن يكون لديها ما يكفي ولا يمكن أن تنفد منها الاعتذارات والمبررات الفارغة أو التوسلات. وحتى اليسار الإسرائيلي يحكمه ذلك المنطق:

أن هناك دائمًا مجموعة من المستوطنات التي يريدون الاحتفاظ بها، وقطعة أرض حيث تكون مطالباتهم ذات أهمية قصوى، كما أن ثمة شعورًا أن الجانب الآخر هو المخطئ فعليًّا.

إن إحساس إسرائيل بأنها الضحية يُعد شيكًا على بياض للقمع الأبدي للآخرين. كما أن مستوطنيها تختمر لديهم أيديولوجية التفوق اليهودي.

لكن الإسرائيليين يدركون من داخلهم أن الفلسطينيين لن يذهبوا إلى أي مكان آخر كما ينبغي ألا يُستهان بهم. فإلى أي مدى يمكنهم إنكار وجود شعب بأكمله يرفض الاستسلام؟ وإلى متى يمكن أن يستمر مشروع إسرائيل الاستعماري؟ لا شيء يدوم إلى الأبد، ولا حتى ما يتعلق بـ «العاصمة اليهودية الأبدية». هذه كلمات فارغة تنكر حقائق الفصل وعدم الاستقرار وانعدام شرعية الاحتلال.

إن صفوف المؤيدين العالميين لإسرائيل تتقلص وتغدو أكثر تطرفًا. من يؤمن بإسرائيل في الوقت الحالي ويؤمن بما تفعله؟ شخص محتال مثل دونالد ترامب الذي لا يثق به أحد؟ أم قس معاد للسامية مثل «روبرت جيفريس» يؤمن بأن الهولوكوست كانت جزءًا من خطة الرب لخلق إسرائيل؟

يا لها من إهانة تاريخية لـ6 ملايين ضحية من أجل إقامة احتفالات بـ «استقلال إسرائيل».

هل ترامب وجيفريس هما أنسب الأشخاص الذين يمكن لإسرائيل حشدهم اليوم؟ ومع ورود عبارة «أصدقاء حقيقيين» المثيرة للشفقة، من يحتاج لأعداء؟

وبعد مرور سبعين عامًا على النكبة، يكمن الأمل في العزيمة الشعبية الفلسطينية. كما يكمن الأمل في جيل جديد من الشباب الأوروبي والأمريكيين الذين يعتقدون أن فلسطين هي قضيتهم الأخلاقية. ويكمن الأمل في معارضة 80% من اليهود الأمريكيين لمسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ويكمن الأمل أيضًا في شعور عالمي واسع بأن إسرائيل دولة منبوذة.

ستنتهي النكبة. وسوف نتجاوزها يومًا ما.