عن السبع العجاف.. وأميرتي! (شعر)
سبعة أعوامٍ مضت منذ اعتليْنا قمة العالم على صهوة الآمال العريضة، ثم ألقوْا بنا، فتخطّفتنا الطير، وهوت بنا الهزيمة في وادٍ سحيق من الإحباط والضياع !
لكن كما قال تميم البرغوثي: وأرى أبلغَ القصيد جميعًا ــــــــــــــــــــــــــــــ أننا في زماننا أحياءُ! … فها نحن الآن في وادي التيه، بعد أن نجوْنا مؤقتًا من تحت جنازير الدبابة، نحاول استكمال معجزة البقاء، وجمع شتات أنفسنا وأحلامنا، لعل قامتنا تنتصب من جديد.
ارتاح من ارتاح بشهادته في سبيل ما آمنا به، وعلقوا في رقابنا ثاراتهم، ودموع الأيامى واليتامى، وصرخات الأسرى والمعذبين، وأحلام في غرفة الإنعاش، وشجون جيلين أو يزيد. ونحن ضعفاء منكسرون، لا نستطيع التسليم ولا مواصلة القتال، ولا نقدر على التذكر ولا النسيان.
لكن لأنني أملك على الأقل قلبًا ولسانًا، وإن كانت يداي في القيد، فهذه محاولتي للارتقاء من أضعف إيماني بالقضية، وبحبي. فيا لأنفاس يناير، ويا لأشواق يناير، ويا لثارات يناير!
ساوى الزمانُ معيشتي ومنيَّتي ــــــــــــــــــــــــــــــ وأباحَ سلبي، واستباح هويَّتي
واستلَّ همًّا قاطعًا متغطرسًا ــــــــــــــــــــــــــــــ أصْمَى فؤادي الغضَّ .. أدمى بهجتي
وأراح كفًّا كالجبالِ على المُنى ــــــــــــــــــــــــــــــ وعلى ربيعِ العمر أطغى شِقوتي
وأشدُّ من غِيِّ الزمانِ وبَغْيِهِ ــــــــــــــــــــــــــــــ وبكاءِ قلبي واستحالةِ دمعتي
أني غدوْتُ مُكَبَّلًا في حسرتي ــــــــــــــــــــــــــــــ واحتلَّتِ الشكوى رحابَ قريحتي
قد صرتْ مهووسًا بأمسي لا غدٌ ــــــــــــــــــــــــــــــ يدنو من اليوم الكئيبِ وليلتي
قد خيَّم البؤسُ المديدُ مُهيمِنًا ــــــــــــــــــــــــــــــ يمحو من الدهرِ ابتسامةَ صفحتي
أضحى شرارُ الخلقِ بينَ مُفاخرٍ ــــــــــــــــــــــــــــــ بمصارعي أو شاتمٍ أو شامتِ
طيفُ الزمانِ الحرّ يطفو باهتًا ــــــــــــــــــــــــــــــ فوقَ انكسارِ الروحِ أدنى صخرتي
يُحيي من اليأسِ المقيم مشاعرا ــــــــــــــــــــــــــــــ مزَّقتُها كي أستريحَ بمِيتَتي
فيعيدُني في برزخٍ لا يُرتَجَى ــــــــــــــــــــــــــــــ منه النجاةُ بيُمنتي أو يُسرتي
يا محنةَ العدلِ الشهيدِ جَعَلْتِني ــــــــــــــــــــــــــــــ أستفتحُ العمرَ النضيرَ بشيبتي!
صمتُ الشيوخِ وأُمْسِياتُ تذكُّرٍ ــــــــــــــــــــــــــــــ ورثاءُ أحبابٍ ووهنةُ قبضتي
آهٍ من الذكرى وقسوةِ محوِها ــــــــــــــــــــــــــــــ وتمزُّقي في الحالتيْنِ وضيْعتي!
إما أحسُّ فتستحيلُ مشاعري ـــــــــــــــــــــــــــــــــ نصلًا أحدُّ من الزمانِ ونكبتي
أو أرتدي ثوبَ البرودِ مُسلِّمًا ــــــــــــــــــــــــــــــ لفناءِ آمالي وقهر مسيرتي
فأصير جلمودًا ولا ريٌّ له ــــــــــــــــــــــــــــــ بعيون موسى أو عيونِ أميرتي !
حُبَّاه ! قد صار السرورُ لناظري ــــــــــــــــــــــــــــــ طيفًا أعزَّ من السرابِ وضحكتي
قد صرتُ مشدودَ الوِثاق إلى الأسى ــــــــــــــــــــــــــــــ أستمطِرُ الأمسَ البعيدَ لنجدتي
واها لأيامٍ يفوحُ ربيعُها ــــــــــــــــــــــــــــــ فيعيدُ تلوين الخيالِ وبسمتي
حينَ انسَكَبْنا في الشقوقِ فأنبتت ــــــــــــــــــــــــــــــ حُلمًا كبهْجاتِ الأسيرِ المُفلِتِ
واها لميدانِ الكرامة إذ حوى ــــــــــــــــــــــــــــــ رُوحًا وريحانًا وجنةَ قدرتي
تنسابُ في نهرِ الزمانِ عزائمي ــــــــــــــــــــــــــــــ وأمدُّ للمجد البِساطٓ بصرختي
وأشقُّ أستار الظلامِ ببارقي ــــــــــــــــــــــــــــــ وأهزُّ أركانَ الفضاء بغضْبتي
فلْتَعْذُريني إذ غَدَوْتُ محطَّما ــــــــــــــــــــــــــــــ تستنزفُ الذكرى لُبابةَ مُهجَتي
استوْطَنَ اللحنُ المريرُ مرابِعي ــــــــــــــــــــــــــــــ وانسدَّتِ الأسماعُ عن أنشودتي
ينْتابُني شوقُ المُحالِ فأخْتَلي ــــــــــــــــــــــــــــــ بدموع عيني والرثاءِ ولوعتي
يا منحةَ العمرِ التي قد حُزتُها ــــــــــــــــــــــــــــــ في غَمْرَةِ السبعِ العجافِ ومِحنتي
يا موطني .. إذ قد جَفاني موطني ــــــــــــــــــــــــــــــ والروحُ في روحي ونبضَ حكايتي
وبريقَ أنغامي وشدْوَ سريرتي ــــــــــــــــــــــــــــــ والبلسمَ المصبوب فوق جراحَتي
لا تقنطي مني لعلي عائدٌ ــــــــــــــــــــــــــــــ يومًا لتأديبِ الزمانِ بصفعَتي!
وأُذيقُهم يومًا كظُلَّةِ مَدْيَنٍ ــــــــــــــــــــــــــــــ وأقيمُ ميزانَ البلاد بعزمتي
وأردُّها صاعيْن للقهر الذي ــــــــــــــــــــــــــــــ قد ظنَّ أني قد هجرتُ رسالتي
لا !! والذي سنَّ النضالَ وسَلَّهُ ــــــــــــــــــــــــــــــ سيفًا على قلبِ الطُّغاةِ المُصْمَتِ
لا أخذلُ الثأرَ الذي نيرانُهُ ــــــــــــــــــــــــــــــ تجتاحُ أنفاسي وتُحْمي ثورتي
سأُسَطِّرُ الحُزْنَ العظيمَ صحائفا ــــــــــــــــــــــــــــــ وأبثُّ من شكوايَ ألفَ قصيدةِ
وأهزُّ بالجرْسِ الفصيحِ مسامعا ــــــــــــــــــــــــــــــ تشتاقُ للحق السليبِ وصوْلتي
وأُعِدُّ نفسي والرفاقَ لموعدٍ ــــــــــــــــــــــــــــــ يختالُ في أُفْقِ الرُّؤى وبصيرتي
وأذكِّرُ الكونَ الجَحُودَ بما مضى ــــــــــــــــــــــــــــــ وأزيِّنُ الليلَ الكئيبَ بعِزَّتي
وأذوبُ في عشقي الذي أزرَيْتُهُ ــــــــــــــــــــــــــــــ بشرودِ قلبي وانطفاءِ سعادتي