على مدى التاريخ الإسلامي، تعددت الهجرات العربية إلى الساحل الشرقي لقارة أفريقيا، وتباينت الأسباب في ذلك بين سياسية أو دينية أو اقتصادية، وكان من أبرز هذه الموجات هجرة الإخوة السبعة من منطقة الأحساء بشبه الجزيرة العربية، والتي ترتب عليها آثار عدة.

ويعد قيام دولة القرامطة في البحرين واتخاذ الأحساء عاصمة لهم سببًا مباشرًا لهجرة الإخوة السبعة الذين كانوا ينتمون لقبائل الحرث، خاصة أنهم كانوا من أهل السنة وموالين للدولة العباسية، وقد مارس القرامطة ضدهم ضغطًا شديدًا، بالإضافة إلى الأعمال الوحشية التي مارسوها في كل مكان حلوا به، مما اضطر الإخوة السبعة إلى ترك ديارهم في الأحساء بحثًا عن العيش في مكان أكثر أمنًا، حسب ما ذكر الدكتور فيصل سيد طه في دراسته «هجرة الإخوة السبعة إلى ساحل بنادر وآثارها السياسية والحضارية مطلع القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي».

وخرج الإخوة السبعة سنة 291هـ/ 903م على رأس عشيرتهم، وأتوا على متن ثلاث سفن ضخمة مليئة بالمحاربين والمهاجرين الآخرين الذين تركوا الأحساء، ونزلوا بعد رحلة بحرية إلى ساحل بنادر بالصومال.

أسباب اختيار ساحل شرق أفريقيا

وهناك أسباب عديدة دفعت الإخوة السبعة إلى اختيار شرق أفريقيا، وتحديدًا ساحل بنادر، دارًا لهجرتهم، منها ما هو متعلق بمعرفة العرب الجيدة للساحل الشرقي لأفريقيا، بسبب عدة عوامل منها الجوار الجغرافي، إضافة إلى العامل التجاري الذي وجه أنظار العرب إلى هذه المنطقة منذ القدم.

وكانت الأوضاع السياسية في شرق أفريقيا من العوامل التي شجعت الإخوة السبعة على الهجرة والاستقرار بها، والعمل على إقامة كيان سياسي لهم بهذه البلاد، فالمنطقة لم تنعم منذ القدم بوجود وحدات سياسية كبيرة تستطيع منع المهاجرين من الوصول إليها، أو أن تقف عقبة في طريقهم، وكل ما كان موجودًا هناك عبارة عن قبائل متفرقة تعيش على الساحل في قرى صغيرة، ولا يزيد عدد سكانها على نحو ألف من السكان، وكانت ترحب بالمهاجرين، وتحسن استقبالهم، نظرًا لما كانت تحصل عليه هذه القبائل من فوائد جمة من وراء هؤلاء.

ويضاف إلى ذلك أن الإخوة السبعة كان لديهم معرفة خاصة بشرق أفريقيا، وما تتمتع به تلك البلاد من خيرات وسلع ومنتجات، وذلك من خلال ما سمعوه من الجنود الزنوج المتواجدين في جيش سعيد الجنابي القرامطي، والذين جاءوا إلى الجزيرة في فترات متعاقبة، وكذلك ما سمعوه من أخبار تلك البلاد عن طريق التجار العرب الذين كانت لهم رحلات منتظمة إلى هناك. ذكر طه.

بسط النفوذ وبناء مقديشيو

على كلٍّ، احتل الإخوة ومن معهم الساحل خلال وقت قصير، ومدوا نفوذهم حتى جنوب جزيرة ممبسة (تتبع كينيا اليوم)، ولما كانوا من السنة، فقد واجهتهم مشكلة مع بعض السكان الموجودين، الذين كانوا يمثلون هجرة سابقة، وهي هجرة الشيعة الزيدية، الذين هاجروا إليها بعد مقتل الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عام 122هـ/ 740م.

وبحسب طه، قاوم هؤلاء الزيديةُ المهاجرين الجدد ما وسعتهم المقاومة، ولكن الإخوة السبعة تغلبوا عليهم، وهدموا قلاعهم، واستولوا على مستوطناتهم، وأجبروهم على التحرك إلى الداخل حيث أودية نهري جوبا والويبي شبيلي، ولم تمضِ فترة حتى صار كل ساحل بنادر سنيًّا على المذهب الشافعي.

ويذكر طه أن الإخوة السبعة حكموا ساحل بنادر فترة لا تقل عن سبعين عامًا، واستمر الحكم في أبنائهم حتى عام (495هـ/ 1101م)، وخلال ذلك بنوا مدينة مقديشيو عام 295هـ/ 907م، وصارت العاصمة الدينية والسياسية والثقافية لساحل الزنج كله.

وتميزت مقديشيو في عهد الإخوة السبعة بالغنى والثراء بعد وصولهم إلى ميناء «سُفالة» في الجنوب، وجلب الذهب منه، فقد درت عليهم هذه التجارة كثيرًا من الأموال التي استفادوا منها في تطوير مدينتهم، فحلت المنازل المشيدة بالأحجار على الطراز العربي محل المباني الخشبية وتلك المتخذة من القش المُغطى بجلود الحيوانات، والتي كانت من صناعة المهاجرين الأوائل من الزيدية.

«براوة» وشهرتها الدينية

أيضًا أسس الإخوة السبعة مدينة براوة عام 365هـ/ 975م، وإن كان هناك روايات تشير إلى أن هذه المدينة أُنشئت قبل مجيء هؤلاء الإخوة، وتحديدًا على يد جماعة من المهاجرين العرب الذين وفدوا في زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ثم جاء الإخوة السبعة وأضافوا عليها مباني ومنشآت، فتوسعت في عهدهم. ذكر طه.

ومع مرور الوقت زاد عدد سكان براوة بوصول جماعات صومالية مسلمة عُرفت باسم «التن» من سكان الساحل، فعمروا المساجد، واتسعت المدينة كثيرًا باتجاه الداخل، وصارت وكأنها جزيرة عربية يأتي إليها طلاب العلم من البوادي والأماكن النائية لشهرة علمائها وتفقههم في الدين.

وامتد نفوذ الإخوة السبعة على الأماكن المجاورة، فسيطروا على «مركة» ذات الموقع الجغرافي المميز بين شمال الصومال وجنوبها، وفي الوقت نفسه تقع على الطريق التقليدي بين زنجبار وبلاد العرب، ما ساهم في لعب هذه المدينة دورًا كبيرًا في نشر الإسلام على طول الساحل الصومالي وفي الأقاليم الداخلية، خاصة بعد إنشاء مسجد كبير كان مركزًا لكثير من الأسر الصومالية.

نظام الحكم في مقديشيو

يذكر الدكتور تقي الدين عارف الدوري، والدكتورة خولة شاكر الدجيلي، في كتابهما «تاريخ المسلمين في أفريقيا»، أن مقديشيو كانت مدينة كبيرة، ومبانيها مؤلفة من عدة طوابق، وفي وسطها تنتشر القصور الفخمة، وهي مسوَّرة، وسورها له أربعة أبراج، ووصلت أوج ازدهارها في القرنين 7-8هـ/ 13-14م.

ويبدو أن إدارة العرب والمسلمين لمدنهم في هذه المنطقة كانت قائمة على الشورى، فقد أقام العرب حكمًا شوريًّا في مقديشيو وبراوة استمر حوالي 300 سنة، وكان تحالف مقديشيو ومركة وثيقًا جدًّا.

وبحسب الدوري والدجيلي، كانت السلطة في كل من مقديشيو وبراوة بيد 12 شخصًا من رؤساء الأسر الكبيرة، وإن كان لكل منهما حاكمها المستقل. فبراوة مثلًا ليس لها ملك، أو حاكم يحكمها بالوراثة، بل يحكمها مجلس مكون من عدد من التجار وكبار السن وقدامى الساكنين فيها، وهم الأشخاص ذوو الاعتبار العظيم، ولهم التعامل الرئيسي في مختلف أنواع التجارة.

أما مقديشيو فكان يحكمها شخص يطلق عليه لقب «الشيخ»، وتُدار من قبل مجلس شيوخ يسمى «mkadden»، ولعلها تحريف لكلمة «مُقدَّم» العربية، ويعني شيوخ القوم.

ووصف ابن بطوطة، عند زيارته لمقديشيو في الفترة من (731-733هـ/ 1330-1332م)، كيف تدار دفة الحكم بها، ففي كل يوم سبت يأتي الناس إلى باب الشيخ، فيقعدون في سقائف خارج الدار، ويدخل القاضي والفقهاء والشرفاء والصالحون والمشايخ والحجاج إلى غرفة ثانية، فيقعدون على دكك خشبية مُعدة لذلك، ويكون القاضي على دكة وحده، وكل صنف على دكة لا يشاركهم فيها سواهم، فما كان متعلقًا بالأحكام الشرعية حكم فيه القاضي، وما كان سوى ذلك حكم فيه أهل الشورى من الوزراء والأمراء، وما كان مفتقرًا إلى مشاورة الشيخ كُتب إليه فيه، فيخرج لهم الجواب في حينه على ظهر البطاقة بما يقتضيه نظره.

ويبدو أن نظام الشورى هذا كان أسلوب الحكم في هذه المنطقة من الساحل وحدها، ولا يوجد غيره، وقد بقي سائدًا حتى بعد أن امتزج العنصر العربي  بالأفريقي عن طريق التزاوج، ودل على ذلك ابن بطوطة نفسه، حينما ذكر أن شيخ مقديشيو كان من البرابرة، ولسانه مقدشي، إلا أنهم بقوا يحتفظون باللغة العربية كلغة تخاطب وتعامل رسمية، كما بقيت النظم والعادت الإسلامية هي السائدة.

واعتُبرت مقديشيو المدينة الأكثر تقدمًا من الناحية الثقافية من أي مدينة عربية إسلامية أخرى في الساحل، خاصة خلال الفترة الواقعة بين أواخر القرن 6هـ/ 12م، ومنتصف القرن 8هـ/ 14م.

ويروى أن مقديشيو شهدت سيطرة قبيلة الأبجل الصومالية في القرن 7هـ/ 13م، وأول من حكم منها هو الشيخ عمر جلولة، ثم تبعه ابنه أبو بكر الذي وصفه ابن بطوطة بأنه من البرابرة، وكلامه بالمقدشي، ولكنه يحسن العربية، ويسمى بـ «الشيخ».

ويذكر طه في دراسته المذكورة آنفًا أن نفوذ سلالة الإخوة السبعة استمر على ساحل بنادر حتى عام 495هـ/ 1101م، حيث دب الضعف في جسد المشيخة، واجتمعت القبائل الصومالية وتشاورت في اختيار سلطان عليهم، وولَّوا أبا بكر فخر الدين، والذي يرى البعض أنه من سلالة الإخوة.

أيًّا كان الأمر، فقد استمر حكم هذا السلطان سبعة عشر عامًا حتى توفي عام 511هـ/ 1117م، عمل أثناءها في تطوير البلاد اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وكان إعلانه سلطانًا يضع نهاية لعهد مجلس المشيخة. واستمرت هذه الأوضاع حتى جاء الشيرازيون الفرس في القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي وتمكنوا من السيطرة على عدد من إمارات الساحل.

استمرار توافد قبيلة الحرث

لم تنقطع هجرة أفراد قبيلة الحرث التي ينتمي لها الإخوة السبعة إلى ساحل شرق أفريقيا، بل استمرت في الفترات المتعاقبة حتى القرن التاسع عشر الميلادي، فعمرت زنجبار ببطونها وأفخاذها، وكان من أهم فروع القبيلة المهاجرة «البراونة»، والتي عمرت مناطق كثيرة، و«بهبوب»، و«مويرة» وكانت من أثرى القبائل، و«المراهبة» و«السمرات»، و«المطاوقة»، و«أهل سناو»، و«الأعاسرة»، و«آل سعيد»، وكل تلك القبائل إباضية المذهب، حسبما ذكرت هدى بنت الرحمن الزدجالي، في دراستها «الهجرات العُمانية إلى شرق أفريقيا وأبعادها السياسية والحضارية والثقافية».

وكان الحرث من كبار التجار وملاك الأراضي في زنجبار، وأكثر فروعهم ثراءً هم «البراونة»، لامتلاكهم عددًا من مزارع القرنفل.

وبحسب الزدجالي، استعان حاكم عمان سعيد بن سلطان (1791-1856م/ 1204-1273) بقبيلة الحرث خلال فرض سيطرته على جزيرة «مافيا» (تتبع تنزانيا الآن) وطرد الملاجاشيين منها، وعين عليها القائد محمد بن جمعة البراوني واليًا، ولكن خوفه من تعاظم نفوذ البراونة جعله يعزله.

لكن الحرث سرعان ما استعادوا نفوذهم في عهد ابنه ماجد بن سعيد، وتمردوا على سلطته عام 1859م، ولكن محاولاتهم أُحبطت واعتُقل زعماؤهم، ومنهم عبد الله بن سالم الحارثي وسالم البحري، ونُفي عدد كبير منهم إلى تنجانيقا. ورغم فقدان الحرث نفوذهم السياسي فإن ذلك لم يؤثر على مكانتهم السياسية والاقتصادية، فكان عددهم يُقدر بـ 800 فرد يمثلون قوة لا يستهان بها في التجارة ومزارع القرنفل.

وفي فترات لاحقة هاجر عدد من أفراد قبيلة الحرث إلى أواسط القارة الأفريقية بتشجيع من إخوانهم العمانيين في الساحل الشرقي لأفريقيا، كما أمدوهم بمساعدات قبل تحركهم إلى قلب القارة، ليستقر بهم المقام في بوروندي وروندا والأقاليم الشرقية لزئير (كيفو وشابا)، وبلغ عددهم هناك ثلاثة آلاف وخمسمائة نسمة. ذكرت الزدجالي.

 وساعد زواج أفراد القبيلة من بنات رؤساء القبائل الأفريقية في تحسن أحوالهم المعيشية هناك، فعملوا في التجارة، خاصة العاج والقرنفل والتوابل والقهوة، فضلًا عن تجارة التجزئة والنقل.