مسلسل «أحلام سعيدة»: مسلسل رمضاني يرفع شعار لا للخطابية
إثر نقاش سريع قبيل عرض فعالية ما مع صديقة عزيزة عن الصوابية السياسية بالأخص فيما يتعلق بمشاكل المرأة، وانقسمت آراؤنا حول أهميتها وفوائدها وأضرارها، تبنيت وجهة نظر أن الصوابية في أحيان كثيرة تؤذي القضايا أكثر مما تفيدها، فالضغط المستمر على عرض قضية ما، ولي ذراع العمل ليقدم محتوى نسويًّا يجعل منه مسخة يسخر منها الجميع، كما يسخرون من القضية نفسها. ولو كان هناك عمل سيتم استثناؤه من تلك القاعدة فسيكون مسلسل أحلام سعيدة.
يبدو أن جنس الكاتب حقًّا يؤثر في جودة الكتابات النسوية
يقدم لنا فيلم «أحلى الأوقات» من تأليف وإخراج «هالة خليل» تقاطع طرق ثلاثة صديقات قدامى، تبحث كل منهن عن نفسها بشكل أو بآخر، كما يبحثن عن بواقي صداقتهن التي أثر عليها بعد المسافات، وبعد ثمانية عشر عامًا تقدم لنا هالة خليل مرة أخرى تقاطعًا جديدًا لسيدات تعاني كل منهن بشكل ما في مسلسل أحلام سعيدة. المسلسل من إخراج «عمرو عرفة» وبطولة يسرا، غادة عادل، ومي كساب، بالمشاركة مع العديد من النجوم.
من اللطيف أن يكون في نفس الموسم الرمضاني مسلسل آخر يناقش قضايا المرأة، وهو «فاتن أمل حربي» للكاتب «إبراهيم عيسى». وبالرغم من أن المسلسل الأخير حصل على شعبية وانتشار أكبر بين الجمهور بين مؤيدين ومنتقدين، من نظيره، إلا أنه لا شك أن المستوى الفني -وبالأخص على مستوى كتابة الشخصيات والحبكة- لمسلسل أحلام سعيدة أفضل وأعمق بكثير من مسلسل عيسى.
ففي حين استخدام فاتن أمل حربي الخطابية الشديدة، تلقين المشاهد المواعظ، المبالغة في الأداء في الشر والمكر، بالإضافة إلى ترويج أفكار مثل «أكبر عدو للمرأة هو المرأة نفسها»، تقدم لنا هالة خليل ببساطة وسلاسة مشاكل المرأة العادية، مشاكل لا علاقة لمراجعيتها بقانون الأحوال الشخصي، فمؤخرًا لا تناقش أي قضايا للمرأة بعيدًا عن هذا القانون. بالتأكيد لا ضرر من مناقشة الآثار السيئة الظالمة للقانون، ولكن بالتأكيد هناك مشاكل أخرى تخص المرأة، وهنا يأتي دور السيدة هالة خليل لتعبر عن تلك المشاكل بكل الوضوح والهدوء، وبطريقة تملؤها الرقة والهدوء، طريقة (أنثوية).
تبدأ إشكالية جنس الكاتب وعلاقته بالكتابات النسوية مع بدايات الكتابات النسوية نفسها، وفي الآراء النسوية المتطرفة تكون محاولات الذكور للكتابة عن معاناة السيدات محكوم عليها بالفشل دومًا، لأنهم لم يختبروا تلك المعاناة بأنفسهم، بالتالي لن تكون مواضيع حقيقة تلك التي يناقشونها في أعمالهم. وبالتطبيق على مسلسل فاتن أمل حربي وأحلام سعيدة، يبدو أنه حقًّا الكتابات النسائية النسوية تتفوق عن كتابات الذكور.
خدعوك فقالوا: التعدد مفيد للمرأة
يمكن تقسيم المسلسل لثلاثة خطوط درامية أساسية تتقاطع وتنفصل، أول هذه الخطوط هو الخط الدرامي الخاص بليلى «مي كساب»، تعاني ليلى من انقطاع مبكر للدورة الشهرية، مما ترتب عليه موافقتها بل إلحاحها على زوجها ليتزوج مرة أخرى حتى يرزق بطفل. تكتشف ليلى بعد 6 سنوات أن زوجها كان بالفعل متزوجًا قبل طلبها بعامين، بل لديه طفلان وليس طفلة واحدة فقط كما تعلم. تقدم لنا خليل شخصية ضعيفة، صاحبة قدر قليل جدًّا من الثقة بالنفس وتقدير الذات، وبشكل غير مباشر توضح لنا جذور تلك المشكلة عن طريق المعالجة النفسية التي تسألها عن التفرقة بينها وبين أخيها في طفولتها، لتتربى ليلى من نعومة أظافرها أن ترضى بالقليل، بالنصف. وعلى جانب آخر، يحرك ليلى هدف وفكرة واحدة فقط، وهي الرغبة في الإنجاب، بالأخص بعد انتظام الدورة الشهرية مرة أخرى، لذلك تشعر أنها مجبرة على قبول كل تصرفات حازم وزوجته، فقط في سبيل الحصول على معاشرة زوجية مرة أو اثنتين لتحمل.
ومن الجانب الآخر للقصة، هناك شروق «جيهان الشماشرجي» زوجة حازم الثانية، التي تعاني بمرور الأيام من فكرة وجود زوجة أخرى، وأن الوقت مقتسم بينهما لتوضح له صراحة في النهاية أنها ستجن من فكرة نومه بجانب امرأة ثانية. بالرغم من عدم اختلاف الوضع بأي شكل إلا أنها -ولأنها بشر- أصبحت لا تضيق فكرة المناصفة أكثر من ذلك. وعن الطرف الثالث في الحكاية، حازم، فهو أكثر الأطراف أنانية وتلاعبًا، فهو يعرف نقاط ضعف كل منهما، يلعب عليها حتى يحصل على أقصى استفادة ممكنة من الطرفين، ففي بيت شروق هناك الأطفال والحياة الأسرية والزوجة الجميلة، وفي بيت ليلى الهدوء والحب والحنان والاهتمام، هو الطرف الوحيد المستفيد في هذه الحكاية. ولو كان التعدد غرضه إفادة المرأة كما يدعى البعض، فأين تلك الإفادة في حكاية ليلى وشروق؟
الإحساس بالذنب قاتل … حرفيًّا
أما عن الخط الدرامي الثاني فهو الخاص بشيرين «غادة عادل» الأربعينية العزباء، التي تشترك في مجموعة الدعم النسائية بسبب ضغط أختها المستمر عليها حتى تتزوج، فيما بعد نكتشف أن السبب الحقيقي لمشاركتها هو إحساسها الشديد بالذنب تجاه ديدي، فهي السبب في الحادثة التي أفقدتها بصرها. وعلى إثر الإحساس بالذنب، تعاني شيرين من نوبات فزع- panic attacks متكررة تفقدها السيطرة على نفسها. ونوبات الفزع هي حالة خوف مرضي مفاجئة تصيب الشخص وتظهر أعراضها جسديًّا عن طريق العرق، زيادة ضربات القلب، سرعة التنفس أو عدم القدرة على التنفس، غثيان، برودة في الأطراف.
وقد وصفت وكتبت ومثلت تلك الأعراض بطريقة صحيحة مما يساعد بالتأكيد في زيادة الوعي بهذه الحالات التي تكون غير مفهومة في الأغلب. والحقيقة أن الخط الدرامي الخاص بشيرين هو أضعف وأبطأ خط بالمسلسل، مع تكرار فتح خطوط متشعبة منه ولم تغلق حتى الحلقة 20، بل لم تتطور بأي شكل مثل رجوع طارق «تامر هجرس»، وعلى أمل أن تغلق تلك الخطوط بمنطقية في الثلث الأخير من المسلسل.
أما عن الشق الثاني الأساسي من خط شيرين الدرامي فهو أختها نيفين «انتصار»، تحاول نيفين التحكم في حياة شيرين بالترغيب تارة والترهيب تارة، تتعامل على أنها الوصي عليها في حين أن كلتيهما ناضجتان، يتجلى هذا التحكم في طريقة تعاملها مع زوجها وأطفالها. الحقيقة أن المتميزة هالة خليل عرضت قضية المشاركة الزوجية في الإنفاق والأعمال المنزلية بطريقة ذكية للغاية عن طريق تبادل الأدوار، ليظهر أنسي «هشام إسماعيل» عاطل عن العمل وهو من يقوم بكل الواجبات المنزلية في حين تصرف نيفين على المنزل بعد أن اضطرت أن تعمل في وظيفتين. تعامل نيفين زوجها بعصبية وتعالٍ شديد، كما تذكره دائمًا أنها من تعول المنزل، لتظهر في النهاية علاقتهما بشكل مستنكر تمامًا للجميع. الحقيقة أن تبادل الأدوار ذلك يوصل رسالة أن الأمر عندما يكون معكوسًا/ في وضعه الطبيعي في المجتمع، غير مسموح للزوج التقليل من مجهودات المرأة في المنزل لأنها بالفعل تقوم بأعمال من المفترض أن تكون مأجورة، ما بالك أن تكون الزوجة تعمل وتقوم بالأعمال المنزلية في نفس الوقت ومع ذلك لا تحصل على أي تقدير، بل توبخ على أقل تقصير لأنها «لا تفعل شيئًا مرهقًا»
الهلاوس تبدو حقيقية بشكل مرعب
مبارك علينا جميعًا، بعد سنوات من تكرار نفس الثيمة، أخيرًا تخرج يسرا عن ثيمة الخيانات العائلية وقتل الأبناء. تلعب يسرا دور فريدة، السيدة الأرستقراطية القاطنة في حي الزمالك الراقي قبل أن تتعرض لحادث يفقدها البصر وتنقلب حياتها رأسًا على عقب. آدم ابن فريدة الوحيد شخصية ناقمة على الطبقة الأرستقراطية بشكل مرضي، بل على المجتمع وقوانينه.
حتى يتحول الأمر لتمرد من أجل التمرد فقط، غضب مستمر بلا غاية أساسية سوى تحطيم كل القوانين، كل تلك الصفات جعلت الشقاق بينه وبين والدته يزداد يومًا بعد يوم. وكذلك على الجانب الآخر صالح «عماد رشاد»، أخو فريدة بعيد عنها بسبب اختلاف شخصياتهم، وبالأخص فيما يتعلق بمشكلاته تجاه الأم، فحين ترى فريدة أمها شخصية عظيمة، يعاني هو -حتى بعد مرور أكثر من 50 عامًا- من ترك والدته له صغيرًا والسفر لمطاردة حلمها في أن تصبح ممثلة عالمية شهيرة، تلك العقدة جعلت منه شخصًا جافًّا للغاية، حتى مع ابنته وفريدة. وعليه تصبح فريدة شخصًا وحيدًا تمامًا، وحيدة لدرجة تجعلها فريسة سهلة للمرض النفسي.
مع تاريخ مرضي للأسرة يتمثل في أم مريضة اكتئاب صاحبة محاولات انتحار متعددة، ومع تعرض فريدة لموقف ضاغط -الحادث وفقدان البصر- يتفجر لدى فريدة نوبة من مرض جنون الارتياب- paranoia، وهو حالة مرضية يعاني فيها الفرد من أفكار غير منطقية قلقة حول رغبة المحيطين به في أذيته والتجسس عليه، يصاحبها هلاوس سمعية وبصرية تؤكد تلك الأفكار. الطريقة التي عرض بها العمل أعراض المرض على يسرا مثالية تمامًا، تخلو من أي مبالغة أو كذب وتحريف للأعراض، لتظهر يسرا سيدة طبيعية جدًّا صاحبة أفكار ودلائل على أنها تتعرض لمخططات للقتل.
حتى صدفة «شيماء سيف» التي تعتبر شخصية للترفيه دون عمق درامي، مع ذلك مشهدها الجدي أثناء الشكوى من معاملة فريدة متقن دراميًّا، لكن مع ذلك نجد أنفسنا مرة أخرى أمام محاولة لتحقيق الضحك من خلال التنمر على وزن الممثلة المتكرر من فريدة، في حين أن العمل بالفعل يحقق عامل الخفة والضحك دون الحاجة لهذا النوع من الكوميديا. في النهاية ينتظرنا في الثلث الأخير من المسلسل حل لعقدة سر شيرين وكيف سيؤثر ذلك على علاقتها بفريدة، كذلك حل مثلث العلاقة بين ليلى حازم وشروق، حتى الآن يعتبر إيقاع تصاعد الأحداث لا بأس به، بل جيد، نتمنى أن يستمر الوضع كذلك حتى نهاية العمل.