سيرجيو أجويرو: الطفل الذي وُلد حاملًا الخبز في يديه
هكذا تحدث «بيب جوارديولا» المدير الفني المخضرم عن مهاجم فريقه الرئيسي كون أجويرو، والحقيقة أن هذا التصريح الذي يحمل الود والاحترام على حد سواء هو تصريح حقيقي للغاية. فهذا الرجل الودود للغاية خارج الملعب والحاسم تمامًا بداخله هو مزيج فريد لا يتكرر بسهولة، هذا المزيج خلفه الكثير من الحكايات.
حكاية المولود الذي أتى للدنيا حاملًا الخبز في يديه وحكاية الطفل الصغير الذي لُقب بـ كون، والولد الذي لعب كرة القدم من أجل المال قبل حتى أن يعرف طريقة كتابة اسمه، والناشئ الذي ارتبط بعلاقة صداقة مع ميسي لم تنقطع، والرجل الذي يعتبره الكثيرون المهاجم الأفضل في العالم.
النبوءة الأولى: مولود حامل الخبز في يديه
كان الشاب «ليونيل دي كاستيلو» يبلغ من العمر تسعة عشر عامًا فقط عندما رزق بطفلته الأولى جيسيكا من الشابة أدريانا أجويرو والتي كانت تبلغ سبعة عشر عامًا فقط هي الأخرى. قرر الاثنان أن يتركا منزليْ أسرتيهما ويرحلا نحو العاصمة الأرجنتينية بحثًا عن فرص جديدة وحياة أفضل. انتهى الأمر بالأسرة الصغيرة إلى الاستقرار في منزل صنعه ليونيل بنفسه على أرض يملكها أخوه على بعد 50 مترًا من نهر لاس فيبوراس.
كان ليونيل يلعب كرة القدم من أجل المال في عدة أندية للهواة محاولًا أن يلبي احتياجات البيت الذي صنعه بأيديه، إلا أن ذلك البيت لم يصمد أمام فيضانات نهر لاس فيبوراس التي أدت لوفاة 24 شخصًا وتم نقل 75 ألفًا آخرين من منازلهم وكان ضمنهم ليونيل وعائلته.
وخلال تلك الظروف الكارثية تمامًا حملت أدريانا بطفلها الثاني. بعد أن هدأت الأوضاع وعادت الأسرة إلى منزلها لم تكن أدريانا قد أتمت شهرها السابع من الحمل بعد، إلا أنها تعرضت لمتاعب كبيرة تستلزم نقلها لمستشفى مجهزة في قلب العاصمة. اضطرت أدريانا أن تستقل حافلتين وقطارًا في رحلة استمرت ثلاث ساعات لينتهي بها الأمر وحيدة في غرفة عليها أن تستلقي على سريرها لمدة شهرين دون حراك.
بحلول موعد الولادة أخبر الطبيب أدريانا أن الطفل عالق وأنه أماه خيارين؛ إما تعديل وضع الطفل باستخدام المشرط وهو ما قد ينتج عنه تشوه بسيط للطفل أو إجراء عملية episiotomy لإحداث شق جانبي في فتحة المهبل والغرض منها تسهيل خروج الجنين والتي ستحدث كسرًا خفيفًا في ترقوة الطفل سيلتئم بعد فترة بسيطة. فضلت الأم أن تخضع للعملية الأكثر إيلامًا لها بالطبع حتى لا تتحطم نفسية مولودها بسبب هذا التشوه المحتمل.
أخبرها الطبيب بعد الولادة أن هذا المولود ولد حاملًا الخبز في يديه وهو مثل لاتيني يدل أن المولود سيجلب الحظ لعائلته وهو ما حدث بالفعل، فهذا الطفل كان سيرجيو أجويرو.
النبوءة الثانية: الرضيع الذي اختار اسمه
سمي الطفل سيرجيو ولأن والديه كانا قاصرين أثناء ولادته وغير متزوجين فقد سمح لوالدته فقط بتسجيل ابنها ليأخذ لقب عائلتها «أجويرو»، إلا أنه لم يعرف أبدًا بهذا الاسم.
ربما يتذكر البعض مسلسل الكارتون الياباني والمدبلج للعربية الذي حمل اسم طمطم. تم عرض هذا المسلسل خلال ثمانينيات القرن الماضي على الشاشات العربية، وهو عبارة عن طفل ينتمي للعصر الحجري يتصف بالفضول وحب اللعب كما أنه يحاول دائمًا أن يثبت للجميع قدرته على التصرف مثل الكبار.
وبينما كان هذا المسلسل يتم عرضه على الشاشات العربية باسم طمطم كان يعرض على تليفزيون صغير بحجم 14 بوصة، استطاع ليونيل أن يجلبه لمنزله الجديد في منطقة فلوريسلا فاريلا في الأرجنتين لكي يسلي رضيعه الصغير سيرجيو، لكن هذا المسلسل عرض على شاشات الأرجنتين باسمه الياباني الأصلي «كوم كوم».
كان أول ما نطق به الرضيع هو «كون» نسبة لبطل المسلسل كوم كوم. قرر الجميع أن هذا الرضيع الذي لا يتوقف عن ترديد اسم كون قد اختار اسمه بنفسه، ليكن اسمه كون.
كان اسم كون مناسبًا تمامًا للطفل أجويرو وسيصبح مناسبًا أكثر عندما يكبر وكأنها نبوءة ثانية بعد نبوءة الطبيب الذي أشرف على ولادته. اتسم كون أجويرو بحبه للعب بشكل لا يصدق ثم أثبت بالفعل للجميع أنه يستطيع التصرف مثل الكبار، تمامًا مثل البطل الذي اختار أن يحمل اسمه.
طفل الخامسة الذي يلعب كرة القدم من أجل المال
على بعد أمتار قليلة من المنزل الجديد لعائلة ليونيل كانت ملاعب كرة القدم. اعتاد كون أجويرو أن يصطحبه والده أثناء لعب كرة القدم. وفي عمر الخامسة فقط كان كون أجويرو يلعب كرة القدم من أجل المال تمامًا مثل أبيه. لعب الصغير كرة القدم من خلال مراهنات بسيطة، بيزو واحد فقط إذا استطاع أن يتغلب على من هم أكبر منه سنًا في تنفيذ ضربات الجزاء أو إذا استطاع أن يحرز ثمانية أهداف بمفرده.
توالت العروض على الصغير العبقري، رصدته أعين الكشافين من كل الأندية. قرر والده أن يتخلى عن عمله كلاعب كرة قدم هاوٍ وهو في الثامنة والعشرين مفضلًا أن يستثمر في العبقري الصغير، وهو استثمار سيثبت نجاحه فيما بعد.
الصبي الذي راهنت عليه العائلة وفازت بالرهان
التحق أجويرو بفريق إنديبندينتي الأرجنتيني وهو في الثامنة فقط من عمره. وخلال وقت قصير للغاية صنع سيرجيو لنفسه اسمًا خلال بطولات الدوري للشباب؛ أصبح تسجيل ستة أهداف خلال مباراة واحدة أمرًا معتادًا. أصبح الجميع يعرفه، صاحب الوجه الطفولي المبتسم دومًا والعبقري الذي يسجل بكافة الطرق رغم قصر قامته.
حصل كون على عروض من قبل ريفر بليت وبوكا جونيورز إلا أن والده رأى أن تلك العروض لن تحقق طموح هذا الصغير ولا العائلة التي أصبحت أكبر بوجود سبعة أطفال. تزامن ذلك مع وجود رجل أعمال بارز قرر الاستثمار في مواهب نادي إنديبندينتي حيث حصل على رعاية الأوروجوياني دييجو فورلان وهو في السابعة عشر ثم قرر رعاية سيرجيو أجويرو وهو في عمر العاشرة فقط. اشترى رجل الأعمال ذلك منزل كبير العائلة والتحق كون بمدرسة خاصة وتم تزويد العائلة بالملابس والطعام ومدفوعات مالية شهرية منتظمة.
خلال عامه الثالث عشر تلقت العائلة عرضًا من نادي يوفنتوس لانتداب خدمات كون ورغم أن العرض كان لا يرفض في الظاهر إلا أن العائلة قررت رفضه ليقينها أن هذا الصبي يستطيع أن يفعل ما هو أكبر من ذلك. وبالفعل خلال عامه الرابع عشر تلقى سيرجيو عرضًا من شركة IMG الدولية والتي تعتني به الآن.
تم تزويد الأسرة بمنزل جديد وأكبر، وساعدت IMG الشاب في التعاقد مع Nike. ثم وبعد ثلاثة أيام من عيد ميلاده الخامس عشر وفي تطور هام في مسيرة أجويرو تعاقد فريق إنديبندينتي مع مدرب شاب قرر أن يضع سيرجيو في حساباته. وخلال هذا العام سيصبح أجويرو حديث الأرجنتين كأصغر لاعب مشارك في مسابقة الدوري الأرجنتيني تاريخيًا.
نقلت الشاشات في الأرجنتين بشكل مكثف مشاركة اللاعب الأصغر سنًا خلال مباريات الدوري. ومن بين هؤلاء المشاهدين كان الفتى الذي عاد من برشلونة لقضاء إجازة مع أسرته، ليونيل ميسي، لتبدأ علاقة بين الاثنين لم تنتهِ للآن.
ميسي وأجويرو: علاقة ربما لا يعلم أحد مدى عمقها
نشر ليونيل ميسي اللاعب الأفضل في عالم كرة القدم صورة على تطبيق إنستجرام لكون أجويرو وهو نائم حيث يتقاسمان الغرفة سويًا.
ربما لا يعلم البعض أن ميسي وأجويرو يتقاسمان الغرفة منذ أكثر من خمسة عشر عامًا. فبعد أن شاهد ميسي لقطات أجويرو عبر شاشة التليفزيون تقابلا بالفعل خلال معسكر المنتخب الأرجنتيني للشباب. كان أجويرو يلعب لفريق تحت 17 عامًا بينما يلعب ميسي الذي كان يعرفه الجميع كمستقبل الأرجنتيني الذي يلعب لبرشلونة فريق تحت 20 عامًا. قرر المدرب أن يتقاسما الغرفة لأنه يعتقد أن أجويرو سيغادر لأوروبا خلال وقت قصير ولذا هو يريده أن يستفيد من خبرات ميسي الأوروبية. تقاسما يومها الغرفة ولكنهما كانا يعرفان بعضهما البعض حتى قبل أن يلتقيا.
ما جعل علاقتهما أعمق كان حادثًا خارج حدود ملعب كرة القدم، حيث انضم الاثنان لمنتخب الأرجنتين في بطولة كأس العالم للشباب 2005 في هولندا كأصغر أعضاء الفريق. وخلال تلك البطولة توفي الصديق المقرب لأجويرو، والذي كان يرافقه منذ الطفولة على أمل لعب كرة القدم بشكل احترافي. علم المسؤولون في المنتخب الأرجنتيني بالخبر فقررا فصل خدمة الإنترنت عن الفندق حتى لا يعرف أجويرو بالأمر.
بعض الغرف لم ينقطع عنها الإنترنت ومن ضمنها غرفة ميسي وأجويرو. كان أجويرو نائمًا بينما عرف ميسي الخبر. قرر ليونيل أن يخبر صديقه الخبر المؤلم، بكيا معًا لفترة طويلة، لكنهما دعما بعضهما أيضًا وأصبحت العلاقة بينهما أقوى وفازت الأرجنتين بالكأس.
كون أجويرو المهاجم الأفضل أينما حل
قبل أن يتم عامه التاسع عشر قرر كون أجويرو الذهاب نحو العاصمة مدريد، وبعد خمسة أعوام ناجحة مع الفريق الإسباني قرر أجويرو أنه آن أوان الرحيل.
تزامن ذلك مع عاصفة التغيير التي شهدها نادي مانشستر سيتي بفضل أموال أبو ظبي، ليلتقي الطرفان في نقطة مشتركة؛ مانشستر سيتي الذي قرر جعل أجويرو ركيزة أساسية لفريق عظيم وأجويرو الذي قرر بناء مجد يتمحور حوله ويكون بطله الأبرز. رحل أجويرو نحو مانشستر سيتي ليشارك في تحقيق أربعة ألقاب بريمييرليج بينها لقب تاريخي تم حسمه بهدف سجله أجويرو في الثانية الأخيرة.
إلا أن ما يهمنا هو كيف يتم تصنيفه دومًا كمهاجم عصري يحتل المكانة الأفضل أينما رحل. يشبه في طريقة لعبه المهاجم الفذ روماريو وكان أول من قارنه بالعبقري روماريو هو سيزار لويس مينوتي، المدير الفني للأرجنتين والفائز بكأس العالم 1978 وذلك عندما كان مدربًا لنادي إنديبندينتي، ثم وصفه روبرتو مانشيني المدرب السابق للسيتي بأنه «نسخة من روماريو».
أما عن عامل الحسم أمام الكبار فدومًا ما يسجل أجويرو أمام الفرق الكبيرة، حيث سجل أمام ريال مدريد وبرشلونة في الليجا وخلال فترة تواجده في إنجلترا هو المهاجم الأبرز خلال مواجهات الكبار دون منازع حيث يحتل صدارة الهدافين خلال مباريات الستة الكبار في الدوري الإنجليزي.
تبقى اللحظة الأفضل لأجويرو هي لحظة هدف الحسم خلال الثواني الأخيرة لموسم 2012. وخلال الاحتفال بهذا الدوري المجنون نزل اللاعبون أرض الملعب حاملين أعلام بلادهم بينما اكتفى أجويرو بصبغ شعره باللون الأحمر ليوضح السر وراء ذلك بأنه لون فريق الإندبندنتي الذي لعب له أول مرة، فهناك ولد وهناك لعب كرة القدم واعدًا جماهيره أنه سينهي مشواره مع الكرة هناك.ولأن حياة أجويرو هي سلسلة من الحكايات المثيرة فهناك حكاية جديدة حتمًا ستروى حتى بعد أن يترك أجويرو كرة القدم. فكون أجويرو متزوجًا من ابنة مارادونا والتي تدعى جيانينا و رزق منها بطفل أسماه بنجامين، هذا البنجامين الذي والده أجويرو وجده مارادونا حتمًا له حكاية سنعرف عنها لاحقًا.